يا مغرب الغد المضيء

للشاعر الكبير: حسيب كيالي

دعي الشاعر إلى المعرض الدولي للسياحة، وهو من بلدة في شمال الشام اسمها "إدلب" معروفة بكونها غوطة زيتون وكرمة فكتب يقول:

رأيـت  فـي الـربـاط ما ذكرني "بإدلب"
مـديـنـتي  الحلوة في الشام وجدي iiوأبي
أيـام لـم يـلـعب بها الإسمنت كل iiملعب
مـسـتـبـدلاً  بقلبها الحنون نصل iiمثقب
وبـالـغـصـون الـملد أوتاد حديد صلب
فــولاذه مـن حـرق وشـرر iiولـهـب
وبـالـرنـا المؤنس قدح نظرة من iiغضب
يـحـصـبك الوالي بها ويا له من iiحصب
يـحـيـل  كل مخصب طلول ربع مجدب
أو  نـظـرة سـادرة مـنـهوكة من iiتعب
تـنـظـرها  مقلة شعب لم يفق من iiرهب
نـظـرة مـن أذعـر من حلم هني iiمدهب
عـلـى  شـريد من منى وضائع من أرب
عـلـى أسـى يـلهب شغافيه متى iiيلتهب
أي ضـنـى فـي ضيعة الحلم وأي iiنصب
وأي  عـي شـل مـن ذاك اللسان iiالذرب
الـعـيـن، مـالا دمـع تـسـح iiللمنقلب
يـرمـي الـذؤابات العلى في بلقع iiمخرَّب
حـتـى  تـوارى أصـيد وأروع بالحجب
وجـف  بـرعـم عـلى صدر ندي iiحَدِب
وغـاضـت  الـحمرة من مدملج iiمخضب
وتُـوِّج الـغـث مـليكاً في السراة iiالنجب
وحـصـد  الـمـوت النبالات فلم iiينتخب
لـم يـبـق غـيـر ذاهل من الدمار ترب
وسـامـنـا الـخـسف لئيم ودخيل iiوسبي
وأُفـردَ الـنـجـيب إفراد البعير iiالأجرب
ونُـصِّـبَ الـمـدخولُ في حسبه iiوالنسب
يـقـودنـا  من خطمه إلى البوار iiالأجنبي
ذكـرنـي  بـالـتين والزيتون بين iiالعنب
وكـرز  مـطـعـم عـلـى فروع iiمحلب
لـيـس  له مضارع في الشام أو في iiحلب
لـو  ذقـت مـنـه حبة يوماً فلا iiتستغرب
إن  بـقـيـت نـكـهته من صفر iiلرجب
ومـشـمـش  بعسلٍ يسرب أطلى iiمسرب
أشـهـى مذاقاً في الحلوق من لذيذ iiالرطب
يـدعى "اشكر الواهب" فاطعم وتعلل وهب!
هـذا  هـو الـكـرم الذي ذكراه لما iiتغب
عـلـى  دبـوب الشيب في اللمة والتشيب
إنـا إلـى الـكرم هربنا من هموم iiالمكتب
إلـى الـحـيـاة كـاعباً والعمر لمّا iiيكعب
إلـى الـربـى صبية ونحن برعوم iiصبي
نـهـرب  مـم؟ أيـها الرفقة، مم iiنختبي؟
مـن أهـلنا وحصص الحساب كالمحتسب:
- اضـرب ثـلاثة بتسعة سريعاً، اضرب!
-  منذا الذي يعلم علم الحاصل iiالمستصعب
إلا  عـلـى مـعـلـم شاخ لطول iiالطلب
وجـاء  يـلـهو بالتلاميذ الصغار الزغب؟
يـقـول إذ يـبـصـر في أعيننا iiبالرعب
هـا  أنـت لـم تـعرف فثق بفلقٍ iiكاللهب
يـشـعـل فـي رجـليك نار منقل iiمرتب
هـذا  الـذي نـعـلـمه، ما فيه أي iiريب
وهـو  الـذي ألـجـأنا إلى سبيل الهرب!
مـا الـحـل يـا رفاقنا لكل هذي iiالكرب؟
أنـحـن قـادرون أن نـقضيَ في التهرب
سـنـتـنـا، والـصف في سير له iiودأب
حـتـى يـقـال إنـنـا فزنا بأحلى iiلقب:
"مـبـرز  في الجهل والهروب iiوالتسيب؟"
أنـا  وجـدت الحل: أن نصيد فحل iiجندب
لا جـنـدب يا أيها الفهيم، أعني يا iiغبي..
مـا الـحل في عناكب ولم يكن في iiعقرب
الـحـل  فـي الحرباء، في دم لها iiمجرب
نـقـتـلـها  ونمسح الرجلين حتى iiالركب
فـدَمُـهـا وقـاء جـلد في الحساب iiمذنب
نـحـن بـه تحت العصا كأننا لم iiنضرب!
سـبـقت  في الحيلة يا عفريت كل iiثعلب!
* * *
نـهـرب أين؟ لا تسل عصبتنا عن iiمهرب
رَحْـبٍ  كـما أرواحنا النشوى من iiالتوثب
نـجـري  إلـى سبح بماء عكر مضطرب
مـاء  مـن الـطين ومن حشائش iiوقصب
لـلازورد  فـيـه لـون خـشـن iiكالقنب
لـكـنـنـا  نراه أصفى من دموع iiالسحب
يـا ماء قد عدت إلى طينك هذا iiالمطرب..
نـهـرب  أيـن؟ لا تَـعُـدّ حيلاً iiوتحسب
فـفـي  الـكـروم ما تشاء من لُهَى ولعب
فـيـهـا الزرازير التي تقنص دون عطب
نـقـنـصـهـا سـليمة، رفيقة في iiاللعب
مـن بـعـد تعليم لها ليس يرى في iiالكتب
مـن  يـك زرزور لـديـه جـيدُ iiالتدرب
يـحـسـده  كـل أبعد من صحبه iiوأقرب
حـسـبـك  أن تـعلم علم الطائر iiالمدرب
تـطـلـقـه،  يـطير ما شاء، فلا ترتعب
لأنـه  الـعـائـد مـهـمـا يبتعد iiيقترب
ولـلـغـراب  طـرقٌ إن تـتبع لا iiتَخِبِ
فـهـو نجيب مثلما الزرزور: صِدْ iiوجَرِّب
تـجـده إن تـصبر عليه في الشداة النخب
وبـعـد  ذا يـقـال إن متعاً في iiالمكتب؟!
روحـوا العبوا بعقل غيري، فأنا من "إدلب"
لا ولـد مـن بـلـدة كـبـيـرة iiكـحلب
لـم  يتركِ الدرس وفي كرومنا لم iiيضرب!
* * *
ويـكـبـر الـطفل على الكروم iiوالتهرب
يـصـبـح في شوق إلى الدعاب iiوالتحبب
وشـامـةٍ فـي الـخد تحت مفرق iiمعقرب
ومـطـرف مـهـفـهـف ومبذل مقصب
وسـهـر فـي الليل حتى الفجر في iiترقب
إن  يـنـجب الليل وكان الليلُ خيرَ iiمنجب
لابـد مـن جـنـيـة تشق جوف iiالغيهب
وتـرتـمـي فـي حضنه قائلة: عليك iiبي
خـلـقـتُ من نور ونار فاستضئ iiوالتهب
هـا  هـو ذا حصان أهلي مثل ثلج iiأشهب
يـحـمـلنا  إلى قصور في المدى iiالمغيب
جـدرانـهـا مـن دهـش وحـلم iiورغب
هـذي  قـصـور قومنا الجن وأملاك iiأبي
وهـو الـذي أعـجب منك بالمحيا iiالطيب
وهـو  الـذي أرسلني قال: هلمي iiفاخطبي
هـواكِ مـنـذ أنـت بَغو طفلة لم تكعب..
واسـتـأنـفت  تقول في محبة لم iiتنضب:
"هـذا الذي كان حبيب القلب، لا iiتستعجب.
إنـيَ أهـواك فـقـلب الجن كالإنس iiحُبِي
بـسـورة  الـخـمرة إما ثرثرت iiبالحبب"
وقـالـت الـبـلدة في سخرية: "لا iiتسهب
شـبـب  بـنـيَّ بالندى والورد إن iiتشبب
وحُـلَّ  مـا شـئـتَ من الأحلام ثم iiركب
فـنـصـفُـك الجني لن تراه إن لم iiتجلب
ما  يكسر الصلب.. فلا تكسر عظام iiالصلب
انـسـب بـمـن تشاء ما تشاء أو فانتسب
شـبب وأنشد، لا تخف، لنرجسٍ أو iiطحلب
أمـا  الـوصـال فـهو حظ ثعلب iiوأرنب
عـروسـه ليس لها غير الهوى من iiمطلب
أو  جـالـس عـلـى تـلال فضة iiوذهب
وحـظ مـن خـلا وِفـاضاً مهنة الترهب!
فـيـم أدِّكـاري عـالماً ما زال بي iiمعذبي
ولـم أزل أحـبـه عـلـى مرير iiالوصب
ولـم أزل أحـلـم أن يرقى متون iiالشهب؟
رجعى  إلى المغرب يا مغرب ما فعلت iiبي:
تـبـعـت في الرباط بنتاً مثل غِرْدٍ أزغب
تـحمل فوق رأسها العجين.. يا دين iiالنبي:
أهـذه الـعـادة مـا تـزال لـم iiتـستلب
ولـم  يـزل خـبز الفقير والغني iiالمغربي
دقـيـقـه مـن قمحه لم يُستعَرْ أو iiيُجلب؟
وضـحـك  الخباز من هذا المسن iiالعجب،
وقـالـ:  في عمري لم أبصر بشيخ iiيحتبي
بـروح مـن لـم يبتعد من الصبا أو iiيشب
عـلـى فضول هو من دأب الصغار متعب
وأطـرقـت بـنـيـتـي في خفر منتسب
إلـى حـيـاء هـو مـن جـداتها محتقب
وكـان  عـن يـمـيـننا سبيل ماء أعذب
جـدرانـه  مـن الـرخام بالنقوش iiالقشب
وفـيـه آي مـن كـتاب الله أو قول النبي
تـدعـو لمن أهدى ومن حسا بخير مشرب
* * *
يـا مـغرب الخيرات والنعمة أنت iiمغربي
أيّ مـغـانـيـك الحسان مهجتي لم iiيَخلب
أيَّ  مـكـان فـي رباك الخضر لما iiيطب
قـلـبـي  لـلـحب وروحي لقديم مأرب:
وصـل الـذي أنـبت ورث من قديم سبب
سـبـحـان  من وحدنا من مشرق iiلمغرب
هـاك اعـترافاً: زورتي كانت لهذا iiالطيب
زورتـي الأولـى عـلـى شوقي والتذوب
وفـرحـتـي  بالخل ألقى وجهه عن iiكثب
كـأنـنـي  ولـدت فـي حماة لم iiأغترب
ولـم أطـف بـغـيـر بستان له iiوسبسب
لـقـد  تـعـرفـت الأغاني ورفيع الأدب
وعـلـقـت  روحـي ثرى جنينة iiوسهب
نـاصرت لاعبيه في الشارع أو في iiالملعب
نـقـرت  عـن أصالة الوجدان لم iiنُخرّبِ
بـرغـم وثـب مـسـبع مستنمر iiومذنب
سـئـلت:  هل كان لما شهدته في iiالمغرب
مـشـابـه  من بلد في الشرق كان iiمنشبي
كـان غـنـيـاً بـالسماح والمنى iiوالنشب
وكـان.. اسـكت لا تكن صناجة iiالتذبذب!
مـا  كل من يخطب يعني دردبات iiالخطب
شـقـشـقـة بِحَسَب تخفي خُمول iiالحسب
قـد يـدعـي الـنـسبة للنبي أعداء iiالنبي
ويـدّعـي لـتـغـلب العتيق مولى iiتغلب
إن الأصـيـل رافض الخراب من iiمخرب
يـقـول عـن شيخوخة تأصلت في iiيعرب
وهـو الـذي شـاخ ولـم يرشد ولما يُلببِ
* * *
يـا وطـني المطحون بالدخيل iiوالمغتصب
يـا  أيـهـا الـمطعون في مهجته iiبمخلب
أغـمـدْه كـالـخنجر في الوالغ iiوالمجلبب
بـالـكـذب  من منبته الدنيء حتى iiالعقب
هـبَّ إلـى ثـأرك يـا جـريحنا لا iiتَهَبِ
قـطـعـانه ليست بجيش في الصدام iiلجب
لـكـنـهـا الكلاب تشفى بالردى من iiكَلَب
ربـرب  هـذا المغرب الكريم كان iiربربي
وسـعـده  سـعـدي ومـا يُنَبْ بشر iiأَنُبِ
وأرضـه  هـي الـشذى وبكر زبد iiالحلب
تـنـبـت  كـل شـجر من نخل iiوغَرب
مـن  كـسـتـنـاء ماس من لدانة iiوقبب
إلـى  مـلاح الـشوح والبلوط بين iiالقبقب
هـذا الـذي نـعـرفه من صفحات iiالكتب
لـكـنـنـا لـم نـره قـط ولـم نحتطب
إنّـا رأيـنـاه هـنـا مـكـتـحلاً iiللهدب
فـشـاقـنـا  وزادنـا مَـيْلاً إلى iiالتشبب
لـم أك بـالـمـغرب بالجار البعيد iiالجنب
بـمـقـلـة  الرضى أراه فأرى ما iiيستبي
رجـالـه همو الخميس في الوغى لم iiيغلب
أطـفـالـه  انـظـرهمو في غزة iiوالنقب
يـهـدمـون  مـا بـنى العدو من iiمخرّب
ويـرسـمـون  الـغد دون كلمٍ iiمصطحب
مـثـل  الـطـبـل لا يفزعك إن iiيدردب
وفـي وريـف الـسلم هم زينة كل iiموكب
ولـلـنـسـاء رونـق لـيس لوجه متعب
فـي  الـغـرب قد أنهكه نُوابُه في iiكوكب
مـهـدد بـالـهـوج مـن رياحه iiوالنكب
سماؤه  أيضاً هي الأحلى وعجب iiوالمعجب
والـشهب  في خضرائه ليست ككل iiالشهب
شـهـب  السوى من فضة وهذه من iiذهب
والـديـن  عـنـد أهله خلا من iiالتعصب
ديـن  كـمـا الـهواء والزاد لجسم iiسغب
يسري سرى الدماء في العروق أو كالعصب
مـا  أحـد يـقـولـ: إنـي صائم iiفرحب
ولا  تـقـصـر بـدلالـي وافتتن iiوأحبب
مـا أحـد بـعـابـس كـلا ولا iiمـقطب
بـل نـاعـم بـطـاعـة الله iiوبـالتقرب
يـا أيـهـا الـمغرب يا مأمل كل عربي..
شُـعّ لـنـا فـي أفقنا الحزين، لا iiتحتجب
وثـب  بـنـا إلى مدى من المروءات iiثب
فـالـخـيل  حمحمت وآن اليوم آنُ مطلب
تـصـلـى  لهيبه القرون من أسى وحرب
وغـربـة  فـي مـذهب ليس لنا iiبمذهب
وهـجـرة  لـقـومنا عن الحمى iiالمغترب
يا  مغرب الغد المضيء السمح أنت iiمغربي