لقاءٌ على أبواب قصْر المَاء

لقاءٌ على أبواب قصْر المَاء

د. مصطفى المسعودي

[email protected]

زهْرُالنيْلوفر مَدَّ على المَاءِ ،بمَرْأى بصَري،

مِعطفهُ الأخضَرَ

 أوْراقاً أوراقــَا

وعَلى المَاء طفتْ حَبَّاتُ الضوْءِ الناعِمِ

فازدَاد الماءُ صَفاءً حتى أشرَق إشراقــَا

وتتالى السّحْر عَلى جنبات الوادي

قِطعاً..قِطعاً..

حتى خِلتُ السّحْر هُنا

يَنبُوعاً أبَديّاً دَفاقـَـا

أو نهْرًا مِنْ ذهَب مُهْرَاقـَــا..

والنورُ ..وَكأنّ النورَ بكل الدّنيَا

افترقتْ شعْلتهُ

لكنْ لمّا جاءَ هُنا

اجتمَعتْ ..فتلاقى..وتلاقى .. وتلاقى..

وكأنَّ "ابْن زيْدون "بَكى فِي هذا المَوضِع

مِن فرْط ِالحسن ومِن فرْطِ الهَجْر فغنى:

(إني ذكرْتكِ بالوادِي مُشتاقـَــا...)

وبكلّ أصُول اللوْن ازدَان النهْرُ

وازدانَ الزهْرُ ففاض السِّحْرُ غزيراً

فوْق حَواشِي الوادِي لمَّا ضاقـَا... 

وأنا فوْق الرَّبْوةِ.. مَأخوذاً بجمَال اللحْظةِ

يَأتِيني همْسُ الطيْر

ومَا بيْن الهَمسَةِ.. والهمْسَةِ..

 أشعر أني تكبُرُ أجْنحتِي 

فأريدُ التحْليقـَا..

لكِنْ.. شيْئاً مَا يَحْبسُني..يَحْبسُنِي

فتؤولُ مُحاولتِي إخفاقا..إخفاقـَا

شيءٌ مَا لاأعْرفهُ إطلاقـَا

يَحْبسُني ..يَحْبسُني

ثمَّ.. وفِي عُمْق مُحَالي

 فكأن المَاءَ بلطفٍ رَق لِحَالِي

فهَمَى إشفاقـَا ..

إذ يَاللدّهْشةِ ..يَاللرّْوعَةِ..يَاللصُّدْفةِ

فِي قلب اللحْظةِ.. حِين انفلقتْ صَفحَتهُ

فانحَسرَتْ مَوْجتهُ

عَن وجْهِ امْرأةٍ

هَجَرتْ مِنهُ لِلتوّالأعْمَاقـَا...

خرَجَتْ نحْوَ ضِفافِ الوادِي

 تتهَادَى فِي مِشيَتِهَا

وتجُرُّ ذيُولَ الفسْتانْ ..

سُبْحان اللهْ ..

فكأنّ الوَردَ بوَجْنتِهَا صُبْحُ جنانْ

وكأنَّ اللطفَ  بنظرَتِهَا عِطرُ الرَّيْحانْ

وكأن الرمّانْ..وكأن الألوَانْ..

وكأنّ اللؤلؤالأزَرق وَالمَرجَانْ ..

قدْ هَجَرتْ كلّ أمَاكِنهَا

واجْتمَعتْ فِي خدّيْهَا

 سِحْرَ مَلاكٍ فِي صُورَةِانسَانْ.

جَلسَتْ والنيْلوفرُ فِي خجَلٍ

جَلسَتْ والمَاءُ عَلى وَجَلٍ

جَلسَتْ وَطيُورُ المَاءِ عَلى الأغصَانْ..

صَامِتة وَتدَاري حَيْرَتهَا

جَلسَتْ وَأنا فِي قلبِ الدَّهْشةِ

أعْجَز مِنْ مَلِكٍ أندَلسِيٍّ

ضاعَ عَلى يَدِهِ السُّلطانْ..

قالتْ، وَرنِينُ الصَّوْتِ بنبْرتِهَا مُوسِيقى،

مُوسِيقى..مُوسِيقى..

تخْترق الأزمَانْ :

"هَلْ تبْغِي مِني وصْلا

وَزواجاً حُراً وسَعِيدَا..؟؟

كمْ كنتُ سَأرْضى..كمْ كنتُ سَأحْظى

 لوْكنتَ شهيدَا.."

ابْتسمتْ..رَفتْ  عَيْناهَا ..ابْتسَمتْ..غنتْ :

"نحْنُ بَناتُ سَماءْ ...

لا نهْوَى غيْرَ  الشهَداءْ...

أحْياناً نخرُجُ مِن قلب الضوْءِ

وَأحْياناً نخرُجُ مِن عُمْق المَاءْ

لانهْوى غيْرَ الشهَداءْ..

عِرسَاناً لأمَانينا ...

لا المَالُ يُرضِينا  ..لا الدُّنيَا تكفِينا.

نحْن بَنات جنانْ.."

...

أيْنَ أنا...؟

فِي أيّ مَكانْ..؟

ازْوَرَّ سُؤالِي كالظل ببَالِي

ارْتدَّ إليَّ خيَالِي ..

لكِنْ قبْل قِيَامِي مِن عُنفِ مُحَالِي

أبْصَرتُ المَرأة تفتحُ أبْوابَ المَاءْ..

فتحَتهَا فانفجَرتْ شلالاتٌ مِن وَردٍ وضِياءْ

وَبَياض..وَبيَاض..وَبيَاض..

وَصَفاءْ..

نزلتْ هَادِئةٍ تتخَطى دَرجَاتِ المَاءْ..

سَحَبتْ سَقفَ المَاءْ..

فقرَأتُ عَلى صَفحَتِهِ :

"لانهْوَى غيْر الشهَداءْ" .

...

أغمَضتُ بصَمْتٍ عَيْنيَّ ..

غمَسْتُ بحُزن وَجْهي فِي كفيَّ..

غرَقتُ فِي دمْع وبُكاءْ .