جدتي تروي الحكاية..
08أيلول2007
عائشة يونس
عائشة يونس
يا سادتي عذراً..
وددت لقائكم في ساحة المسرى.
و لكني
هنا ما زلت من زمنٍ ..
أقاسي لوعة المنفى على أرضي .
و تذبحني سنين الدهر إذ مرت
لتطوي في الأسى عمري .
و لكني
أقاتلها بصخرٍ سلّه صبري .
*****
فخلف السلك لي أرضٌ
و لي بيتٌ و لي حقلٌ و لي شمسُ
و لي بدرٌ و لي كونُ
صبغت بلونهِ عمري ...
بنيت البيت من عرقي .
بطوبٍ ملئه طينٌ
و طوبٍ ملئه حبي ...
و لي في البيت أسرارٌ
و لي ذكرى
تخفف من مدى حزني.
سراج البيت لي شمسٌ...
يضيء الروح في جسدي .
و يدفعني بلا عجزٍ
لكي أنساب في فرحي .
و أجرارٌ من الفخار أملئها...
بطيب العيش
قبل الماء من نبعي.
و خبزٌ كنت أصنعه
على الطابون أخبزه.
وأجمعه بخير الأرض زوادة.
وأحملها إلي البيدر.
لألقى في الربا زوجي و أبنائي...
بكدٍ يحرثوا الأرضَ
وحُبٍ يبذروا القمحَ.
لكي تعلوا سنابلها تعانق
قبة المسرى.
زرعناها, بذرنا القمح فيها.
وارتوت تلك السنابلُ
قبل ماء النبعِ من عيني .
وبتنا تحت ضوء البدر يجمعنا
سلام الله في حبٍ...
وأنغامٍ لها ذكرى.
لنغدو مع شروق الشمس ِ
نحصد ما زرعنا في الربا .
لكننا
*****
لم نحصد؛!
و لم نجمع!..
فزعنا قبل أن تصحو
شموس الصبح أو تشرق.
وأشلاءٌ غدا الأحباب يا لهفي .
وآهاتٌ و أحزانٌ ..
كست من يومها دهري .
وعاد النهرُ كي يجري ..
بلونٍ أحمرٍ قاني.
وترسلها إلى الآفاق ..
شمسٌ همهّا حالي ...
*****
فلملمنا بقايانا ..
وسرنا حيث لا ندري.
وتدفعنا إلى المجهول..
تدفعنا مدافع.
ويردينا رصاص الغدر..
يردينا بلا وازع .
و صرنا في الدنا حيرى
بلا اسمٍ
بلا بيتٍ
بلا وطنٍ
سوى أنّي أنا اللاجئ .
وتعطف غوثهم حيناً
بأكياسٍ وخيماتٍ..
لتنسينا بها الواقع.
وتبقى أرضنا ثكلى..
ويملكها يهود الغدر
يا لهفي بها قابع.
*****
تحشرج صوتها..
والدمع يهمي .
والقلب كاد من الأسى يسرى.
أطالت صمتها حيناً..
فقلت بلهفتي عودي
وقصي جدتي عودي.
بصوتٍ خافتٍ قالت:
ألا يكفي..
تكلمنا و نادينا و ما
من سامعٍ يصغي...
قضيتنا على رفٍ بخلف
زمانهم رفعت.
ولكني سأحميها وأفديها
وأدفع للثرى عمري .
تعالي يا ابنتي اقتربي ..
أنا منها ولكني ..
سيرحل يا ابنتي عمري.
خذي هذا بيمناك..
خذي المفتاح وانتظري .
غداً سنعود بالحناء يا وطني .
غداً سنعود يا وطني.