الكأس
الكأس (1)
د. محمد علي الرباوي
يَا هَذَا الْجَسَدُ الْمَرْشُوقُ بِعَاصِفَةِ الْحُزْنِ الْقَارِسِ مَا فَعَلَتْ بِشَوَارِعِكَ الأَيَّامُ
أَتُرَى مَا زَالَ هَجِيرُ الصَّحْرَاءِ يَهُزُّ بِحَارَكَ هَزًّا تَسَّاقَطُ أَنْتَ عَلَى كَتِفَيْكَ رَصَاصاً يُشْعِلُ فِي رِئَتَيْكَ الرُّعْبَ فَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيْكَ حَمَامٌ وَيَطِيرُ حَمَامُ
أَتُرَى مَا زِلْتَ وَراءَكَ تَلْهَثُ كَالْمَخْمُورِ وَفِي ﭐلرَّمْلِ ﭐلْغَضْبَانِ تَسُوخُ حَوَافِرُكَ الظَّمْأَى فَإِذَا أَشْجَارُ الْمِلْحِ ﭐلْهَائِجِ تُورِقُ فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ جُرْحٌ يُحْيِيكَ وَلاَ يُحْيِيكَ غَمَامُ
يَا جَسَدِي أَنْجَدَ شَوْقِي الفَوَّاحُ وَأَتْهَمَ حُزْنِي ضِدَّانِ بِذَاتِي لَنْ يَجْتَمِعَا وَشَتَاتِي لَيْسَ لَهُ الدَّهْرَ نِظَامُ
جَسَدِي مَا زَالً بِقَلْبِي يَتَسَكَّعُ هَذَا الصَّدَأُ الفَتَّانُ فَكَيْفَ تُطَهِّرُسَاحَةَ هَذَا الْقَلْبِ الأَحْزانُ وَأنَّى لِي أَنْ أَحْتَمِيَ ﭐلْآنَ بِسِتْرِ جَناحَيْ مَلِكِي وَحَبِيبِي وَأَنا مَا زِلْتُ عَلَى كَتِفِي أَحْمِلُ أَحْجَارَكَ هَا ظَهْرِي يَتَقَوَّسُ كَالنَّخْلَةِ إِذْ تَسْجُدُ يَوْماً لِعَزِيفِ الرِّيحِ وَهَا بَيْنَ ضُلُوعِي يَقْصِفُ رَعْدٌ وَتَهُبُّ رِيَاحٌ لَكِنَّ النَّهْرَ الصَّافِي لَمْ يَحْمِلْ هَذِي الذَّاتَ بَعِيداً يَا جَسَدي أَنَا مَا زِلْتُ عَلَى كَتِفِي أَحْمِلُ أَحْجَاراً عِنْدَ طُلُوعِ الْغَضَبِ ٱلْجَبَّارِ عَلَى بَلَدِي الْمَسْرُوقِ جِهَاراً. بَلَدِي أَعْشَبَ وَادِيهِ وَنَمَّ بِهِ الزَّهْرُ الْفَاتِنُ لَكِنْ أَسْأَلُهُ خُبْزاً يُعطِينِي حَجَراً. بَلَدِي هَذَا ﭐلْمَسْرُوقُ وإِنْ جَارَ عَلَيَّ عَزِيزٌ وَالأَهْلُ وَإِنْ قَطَعُوا حَبْلَ ﭐلْوَصْلِِِِ عَلَيَّ كِرامُ
جَسَدِي مَنْ يَرْمِيكَ بَعِيداً عَنِّي مَنْ يَرْمِيكَ بَعِيداً. مَنْ يَرْمِيكَ. هِيَ الآبَارُ تَمُرُّ بِها خَيْلِي عِنْدَ اللَّيْلِ فَلاَ بِئْرٌ تَأوِيكَ وَلَكِنْ أُسْقَطُ يَبْقَى حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ يَرْبِطُنَا. تَبْقَى أَنْتَ عَلَى ﭐلشَّطِّ تُصَافِحُكَ الأَنْسَامُ وَلاَ تُذْكِي فِيكَ لَهِيبَ الثَّوْرَةِ هَذِي ﭐلأَنْسَامُ.
مَنْ يَرْمِينِي عَنْكَ بَعِيداً. مَنْ يَرْمِينِي ثُمَّ يُدَثِّرُنِي بِسَواقِي ﭐلْمَاءِ البَارِدِ مَنْ يَغْسِلُنِي بِشَآبِيبِ الْكَأْسِ عَسَى تُحْرَقُ ذَاتِي عِنْدَ قَرَارَتِها الْبَيْضَاءِ فَأَرْتَاحَ قَلِيلاً مِنْ أَدْغالِكَ إِذْ تَمْنَحُ هَذِي ﭐلْكَأْسُ الوَهَّاجَةُ تَاجَ الْمُلْكِِ وَأَسْرَارَ الْمَلَكُوتِ فَمَنْ يَرْمِينِي عَنْكَ بَعِيداً. مَنْ يَرْمِينِي حَتَّى أَخْرُجَ مِنِّي. هَا إِنِّي أَنْتَفِضُ الآنَ وأُفْشِي السِّرَّ لِأُقْتَلَ بَيْنَ مُرُوجِ خَلِيصَ وَعُسْفَانَ هَلِ الْقَتْلُ حَبِيبِي بِيَدَيْكَ حَرَامُ
آهِ خَلِيلِي نَاوِلْنِي الْكَأْسَ فَإِنَّ عِظَامِي تَشْكُو ظَمَأً قَتَّالاً. نَاوِلْنِي الْكَأْسَ عَسَاهَا تَمْخُرُ أَدْغَالَ رَمَادِي. نَاوِلْنِيهَا قَدْ يَنْفَدُ مَا بِقَرَارَتِهَا وَتَظَلُّ ضُلُوعِي تَبْحَثُ عَنْ كَأْسٍ أُخْرَى تُطْفِئُ مَا بِخَمَائِلِهَا مِنْ لَهَبٍ ثَجَّاجٍ. نَاوِلْنِي الْكَأْسَ وَلاَ تَسْقِ فَيَافِي ذَاتِي سِرًّا إِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَسْقِيَهَا بِالْجَهْرِ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ مَلاَمُ
نَاوِلْنِي الْكْأسَ وَلاَ تَسْأَلْ مَا فَعَلَتْ بِشَوَارِعِيَ الأَيَّامُ
[1] - الأحجار الفوارة