صيفٌ متأخِّرْ
علي الزهيري
ربَّما نملكُ الشجاعة "أحياناً "
لأن ننظر للجرحِ مجردينَ من الكبرياءْ
ولكننا دائماً نغلق أعيننا
وندَّعي أنَّ الجرح لم يرنا....
مالي أراكَ تفيض صمتاً في سؤالِكْ؟؟....
فكِّر قليلاً.... كم مضى؟؟..
هي لم تعدْ سبباً مُلِحَّـاً لاعتزالِكْ...
هي لم تعدْ تـَرِدُ القصيدةَ
كي تعبئ َ ما تخمَّر
من خواطرِكَ المريضةِ بالحديثِ
ومن بريقِ الأمنياتِ
ولسْعةِ الشِعْر المُعتَّقِ في خيالِكْ....
فاصبِرْ قليلاً...
لا تُراهنْ...
ليس من حقِّ الربيع الإنتظارُ على تلالِكْ...
بل ليس من حق القصيدةِ أن تؤولَ إلى النهايةِ
عندما يترنَّحُ " البيت الأخيرُ"
ويعلنُ الجمهور غبطتَهُ
بتصفيقٍ طويلٍ في محاولةٍ
لقتلِ الوقتِ فيكَ...
فلا تَمُتْ...
وانزلْ عن النصِّ الطويلِ
مُودِّعا مللَ الحضورِ ... وصبرهمْ...
مُتْ فوق وجهكَ في المرايا –مُطفأ ً-
ما عاد ينفعكَ الترجُّلُ عن ظِلالِكْ....
ما عاد يُجدي أن تبوحَ
بما كتبتَ من القصائد عندهُمْ
هذي جراحُكَ فابتلعها... وانصرفْ
لا شِعرَ يسقُطُ عن شفاهِ العُمْرِ
طوعاً في سلالكْ...
هذي جراحُكَ
لم تعدْ تعني الكثيرَ لدى الكثيرِ
فلا تحاوِلْ أن تُراوِدَ مُقـلَـةً
حفظتْ بكارتها...
وصدَّت عن مفاتنها جُموحَ الفجرِ
واحتملَتْ خُطاكَ على طريق الإنهيارِ
وأحجمَتْ... واستنفَرتْ... عبثاً...
فمالكَ لا تكفُّ خطاكَ عن شَبقِ الرَّحيلِ إلى هنالِكْ؟؟...
هل كان يلزمُكَ التوغُّلُ في الهزيمَةِ
كي تكفَّ عن الرحيلِ
إلى لياليكَ الحزينةِ
حين تبحرُ في مجالِ الأمس ِ
تطلقُ من مداخِنِها
صفيراً... هادراً...
كخوارِ ثورٍ مُكْتئِبْ..؟؟..
لا تضطرِبْ..
لا تمشِِ في الأمسِِ ...انتبه...
قد يوقظ الأمسُ الزمانَ على جبينكَ فجأةً
فتضيعَ في هَمْسِ الحقولِ
وفي انحناءِ سنابلِ القمحِ الشقيِّ
لثورةِ الريحِ الحنونِِ
وتمتماتِ الصيفِ
أو تستدرِجُ الذكرى خيالكَ
نحو ميناءٍ عجوزٍ
كان يحفظُ من أغاني الصيدِ
ما يكفي الشِّباكَ لكي تصيدْ....
أو كان يحمِلُ دكـَّـةً خشبيـَّـةً
ملئى بقوتِ اليومِ
من ملحٍ ... ومن عَرَقٍ... ومن موجٍ
يُكذِّبُ بالسفينةِ برهةً ...ويجيزها...
خوفاً على طفلٍ يلوِّح للسفينةِ
" ها أبي... أماهُ ... قد رَجَعَتْ سفينتهُ.."
سِرْ عنكَ...
لا تَرجِعْ لذاكرة الصحيفةِ
أو لدفتركَ القديمِ
فكلُّ وجوههِ صفراءُ
تنبئُ بالتشاؤمِ
من خطاكَ ... ومن ثيابكَ...
من أغانيكَ الثقيلةِ... والطويلةِ...
من صريرِ البابِ حتى...
من تغيُّرِ نكهةِ الشاي
المُعدِّ على رشاقةِ ذلكَ الغازِ المُسالِ
وليس كسعلةِ " الوابورِ" في كسلٍ
ليعلِنَ عن شفاءِِ الفجرِ من حُمّى الهزيعْ....
سِرْ عنكَ...
لا ترجعْ لماضيكَ المُشوَّهِ
بالحكايا والربيعِ...
وبادِّعاءاتِ المساءِ
على طريقةِ جَدَّك الأبديّ...
ها أنتَ تجلسُ عن يمينكَ متعباً ...قلقاً...
تفكِّرُ بالرجوعِ إلى خُطاكَ.. وتنثني...
ما عاد دهركَ مثلما ودَّعتهُ...
ولى زمانكَ فاعترفْ...
لا الليلُ... ليلكَ
لا النهارُ ...نهاركَ الفضيُّ
لا أملٌ ... ولا لغةٌ...
ولا وجهٌ يفسِّرُ للقصيدةِ
ما يغيبُ عن الحضورِ
وعن مرايا الإنكسارِ الأبجديّ....
حتى سنابلكَ الشقيَّة
لم تَعدْ ترضي غرورَ الريحِ
صارتْ تنحني للظلِّ...
أو للخوفِ... والفوضى...
وشيءٍ من خفايا الإنعطافِ
وسطوةِ الأمسِ القبيحْ...
لا أنتَ ...أنتَ
ولا الطريقُ إلى مجازِكَ تستريحْ...
لا الشعرُ... شِعرُكَ
لا الحروفُ... حروف من هدموا عليكَ
معابد الشكوى
ولا أنتَ الهدايةُ ... لا المسيحْ
سِرْ عنكَ
لا أنتَ المبشِّر بالقصيدةِ
لستَ منها...
ليس فيكَ من السَّحابةِ ما يُريحْ
يا أنتَ...
يا رجع الحكايةِ ...والبدايةِ
يا طريقَ المتعبينَ من النهايةِ والسكونْ...
يا لفظة الخوفِ المشبَّعِ بالظلامِ وبالمنونْ
قلْ لي بربكَ من تكونْ.؟؟؟...
قلْ لي... لأفهمَ هذه الدنيا
وأغفرَ للجوانحِ ضعفها... وهياجها...
قلْ...
كيفَ أغفر للجوانحِ ضعفها...
وأنا أراكَ تَمرُّ عنكَ
وأنتَ منكَ... كما تظنُّ
وليسَ فيكَ من الحقيقةِ
غير هذا الصمتِ
والوجهِ الغريبِ عن الظنونْ؟؟...
فاجمعْ طريقتك القديمةَ بالبكاءِ
وغادر القصصَ القصيرة
نحو وعدٍ بالنجاةِ ... وبالحياهْ...
وارجع لوجهكَ
قبل ميقات الغروبِ بخطوتينْ
ها قد مضى الوعدُ الأخيرُ
وجفَّ عنكَ الدمعُ
واحترقَتْ حقولُ المقلتينْ...
أحسِبتَ أنَّكَ لو بَكيتَ تعيدها
طوعَ اليدينْ؟؟...
لا شِعْرَ يُكتبُ في الصحيفةِ مرَّتينْ...
كُنْ أنتَ ...
حتى تستريحَ من النهايةِ
قبل أن تجتازها...
وتكفَّ عن هذا القنوطْ....
كن أنتَ ...
كي تُـبقي عليكَ
فلا خريفَ بلا سقوطْ....