رسالة من مغترب

فيصل بن محمد الحجي

رسالة من مغترب

إلى بلدتي الحبيبة (قارة)

شعر : فيصل بن محمد الحجي

كـالـسـيفِ فوقَ حياتنا iiمَرَّا
ونـخـالُ  بـسـمتَهُ ستثلجُنا
ويـشـيـرُ يُغرينا لنرشُفَ ما
مـا  جـفَّ دمعٌ في iiمحاجرنا
يـا قـارة الأحـبـاب iiأرّقني
ومـضـى بأنفاق الحياةِ iiعلى
وسـرابُ  آمـالٍ عـدا iiحَدثاً
نـحـرَ  الأماني في iiمحاجرنا
لـكـنـه قد خابَ حين iiسعى
وتـشـبّث الحبُّ الأصيل iiلها
فـمـضـى يغرّد دونما iiوجلٍ
وبـنـى بأنفاس القريض iiهنا
فـإذا  نـظرتُ رأيتُها iiنظرتْ
مـن  ذاك؟ شيخٌ شابَ iiمفرقُهُ!
أيـنَ الـفـتـوّةُ في iiتوقّدها؟
أنـا  يـا حبيبةُ ما أزالُ iiعلى
ما زالَ في قلبي الشبابُ.. iiوما
شـبـنـا  وما شابت عزائمنا
ذكـراكِ فـي الأذهـان عالقةٌ
صـورٌ  تـشعُّ بخاطري iiأبداً
إنـسـانُـها.. بنيانها.. iiورُبى
الـجـودُ  ظـاهرها iiوباطنها
فـإذا بـقـارة تـنتشي iiفرحاً
وكـأنـها  طربت لما iiسمعت
أتـحـبني؟ فلم ابتعدتَ iiإذن؟!
لو عينُ كسرى شاهدت iiسمتي
فـعـلام تـنأى شارداً؟ ومتى
وإذا  بـكـفـي تحتوي كبدي
أنـا يـا حبيبةُ لم أدعك iiرضاً
كـابـدتُ  مـثـلكِ ما iiيكابدهُ
إنّـا ألِـفـنـا الـعدل iiمؤتلقاً
لـكِ فـي الفؤاد مكانةٌ iiسمقتْ
لـمَ لا أُشـيـدُ بـقارتي iiولهاً
قُـطْـعـانـها قد أدمنت iiدَرّا
وفـضـائـل  قد أشرقت iiبِرّاً
لـكـنّـمـا  الأيـامُ قد iiقلبتْ
قـد  أثقلت بذنوبِ من iiجحدوا
ولأنـهـم زرعوا الفسوقَ iiبها
غـابـت  غيومُ الخير iiعازفةً
فـتـصحّر المرجُ الجميلُ iiبها
أوّاه يـا ذكـرى iiتـؤرقـني!
أنـا  في اغترابي جففوا iiأملي
يـا  ربّ أدركـنـا بـمحنتنا
فـهناك  مات أبي ومات iiأخي
وهـنـاكَ  ماتت أمس والدتي
*             *            *
(خمس وعشرون) ارتوت iiألماً














































هـذا الـزمـانُ فقطّعَ iiالعُمْرا
فـتـصـبُّ فوقَ قلوبنا iiجَمرا
فـي  كـأسـهِ.. فيذيقُنا iiالمُرّا
إلا  وفـجّـر دمـعـه iiحَمْرا
بُـعـدٌ تـخطّى البرَّ iiوالبحرا
أجـسـادنـا  وكـأننا iiأسرى
دُفـنَ  الـشـبابُ بلحده قسرا
ومـحا  السرور وأطفأ iiالبْشرا
مـتـعمداً كي يمسحَ iiالذكرى!
فـي خافقي.. واستنفر iiالشّعرا
مـتـغزلاً  برياضها iiالخُضْرا
بـيـني  وبين حبيبتي iiجسرا
نـحو  المهاجر نظرة iiحيرى:
أيـن الـشبابُ وشاربٌ iiطرّا؟
أيـن النضارةُ تنتشي iiسكرى؟
عـهـد الهوى أشدو به iiجهرا
زالـتْ صـبـابـتُهُ لها iiبِكرا
ونـجِـدُّ فـي أهدافنا iiالكبرى
بـل إنـهـا حفرت بنا iiحفرا
سبحانَ من أعطى ومن iiأثرى!
مـثلُ الكواكب حاصرتْ iiبدرا
غـيـمٌ وعـيـنٌ أبرزا iiخيرا
ورنـت  إلـيه بنظرةٍ iiحيرى
لـكـنـهـا نظرت له iiغيرى
وعـلـقتَ  دوني بلدةً أخرى!
مـا  رام غـيري بلدة iiكسرى
كـان  المحبُّ يفضّل iiالهَجرا؟
ودمـوعُ عـيني موجةٌ iiحرّى
بـل  إنـني ذقتُ النَّوى قسرا
مـن عـاشَ كـل حياته iiحُرّا
لا نـرتـضي ظلماً ولا iiجورا
وتعاظمتْ لتطاول iiالشِّعْرى(1)
وسماتُها  قد أعجزت iiحَصرا؟!
وريـاضُـهـا قد أثمرتْ iiدُرّا
وبـيـادرٌ  قـد أتـخمت iiبُرّا
بطنَ  المجن لقارتي iiظهرا(2)
نِـعَمَ  الإلهِ وأدمنوا iiالكفرا(3)
جـعـلـوا ثراها يُنبتُ iiالفقرا
والعينُ غارت في الثرى غَورا
لا  نبعَ.. لا مجرى.. ولا نهرا
أنا  لا أطيق لجرحها iiصَبرا؟!
وبـقـارتـي قد جففوا الخيرا
وابـعـث لـنا في ليلنا iiفجرا
وشـقيقتي.. واستوطنوا iiالقفرا
أأنـالُ  بـيـن قبورهم iiقبرا؟
*             *            *
فـمـتى تلوح أمامنا البشرى؟

          

الهوامش:

(1) الشِّعْرَى: كوكب في السماء

(2) المجن: الترس، وقلب له ظهر المجن: أظهر له العداوة.

(3) الكفر: جحود النعمة.