حراء

حراء

د.حسن الأمراني

[email protected]

إشارة بين يدي القصيدة:

هذه من القصائد الطوال التي تفتق عنها القلب، وجرى بها القلم. وأنا لست ممن يقيسون الشعر بمقاييس الحساب الرياضي، فربّ مقطّعة أغنت عن ملحمة، وعسى ألا أكون ممن يأمرون الناس بالاقتصاد الشعري وينسون أنفسهم، ولكنني في العادة أقيس مساحة القصيدة بمساحة التجربة الشعرية، وأجعل سعتها بسعتها، فلا أجعل على نفسي رقيبا من هذه الجهة، فضلا عن أجعل لغيري في ذلك عليّ سلطاناً. ولذلك، وأنا أكتب هذه القصيدة، لم يراودني شيء مما راود خليل مطران وهو ينظم قصيدة نيرون، وهو يحلم بأطول قصيدة عرفها الشعر العربي موحدة الوزن، موحدة القافية، موحدة الغرض. وقد أسعفه في طول النفس أنه يروي سيرة طاغية مستندا إلى ما عرفته حياته من أحداث خارجية، وهي لو شاء لا تحد. وأنا إنما كنت أروي سيرة باطنية لصاحب اللواء، وهي سيرة امتزج فيها شيء من سيرة ذاتية لجيل كان يُهرّب صلاته وصيامه، كما يهرّب أحلامه وأشواقه، أيام كانت تختطفه من قلب المساجد خطاطيف لا كخطاطيف النابغة، ويهمل زمنا في زنزانة تجمعه مع السكارى والمنحرفين، بتهمة التشرد والتسكع، ونحن طلبة في الجامعة، ليلقى به إلى النور مرة أخرى ...

 وقد وسعت على نفسي، والقافية الموحّدة تقيدني، فلم أوثر اللفظ الغريب الوحشي على إيطاء بعيد، وتسمحت فيما يتسمح فيه المتحررون من الشعراء، داخل قواعد خليلية محكمة، فآثرت أن أقول مثلا:

ويا مولاي فضلك قد كسانيفمن في الخلق يفضلني ثيابا

بدلا من أن أقول، هربا من إيطاء مزعوم، بتكرير لفظ الثياب في القافية:

ويا مولاي فضلك قد كساني

 وما  يكسو الإله  فلن يجابا   

لغرابة اللفظ الأخير، وهو من الجوب، أي القطع.

وبعد، فما يعنيني  شيء غير أن تكون هذه القصيدة قد وسِعَتْ تجربة ضاق عنها عمر قصير هارب.

حراء

(سيرة باطنية لصاحب اللواء)

عندما أشار مرافقنا، عند مدخل قصر طوب قابي، بإستانبول، إلى نقطة في الأرض، وقال:"هنا كان يركز اللواء لتنطلق جموع الفاتحين إلى الجهاد"، أكب بعضهم على وجهه مقبّلا الأرض .. ثم جعلت قطعة قماش مباركة تطوف من شفة إلى شفة.

وفي قاهرة المعز،ظننت القلب رآها في صورة الخلود، لا في آثار الفراعنة المفتونين بالموت، بل في النهر الخالد.إلا أن هاتفا ظل يهتف بي: إنها ليست هنا.. إنها هناك..في الأرض المباركة، في أكناف بيت المقدس.. فاضرب بعصاك البحر..  وتلفت القلب، فإذا هي ترغب عن ثوبها الحجري، وتستحم في نور الله، فتنال من نفخة الحق ما يُسْجِدُ لها دُمى الإغريق، وعذارى الفينيق،وكواعب الكرنك.. وهاجرتْ من الأطلسيّ بنات طارق تعانق فيها الخلود، فردد القلب:

فـكـان ما كان مما لست iiأذكره
لـقـد  لـثـمت شفاههم الترابا
رحـلتُ  إلى الضياءِ وقد iiأقاموا
ومـا سـيّـانِ قـلـبُ iiمطمئنُّ
ولـي بـالمصطفى نسبٌ iiعريقٌ
إذا  مـا جـئـتَ روضته بقلْْبٍ
ونـارُ  الـعشْق تستعر iiاستعاراً
فـقـد بُـلّـغْتَ إربك دون iiشكّ
فـيـا  قلبي الحزينَ إذا iiادلهمّت
فـيـمّـمْ شـطْـرَ نور iiأحمديّ
إذا اعـتـزلت جوانحنا iiالخطايا
ولـولا  مـا تـلألأ من (حراءٍ)
لـمـا طُرد الظّلامُ عن الحيارى
فـنـوّر  يـا إلـهـي من سناه
وخـلّـفَ مـا تـقدّم من خطايا
وإن  تـكـن الـذّنـوب iiتكنّفَتْه
فـمـنـك برحمة وجميل iiفضلٍ
*              *             ii*
أنـا فـي مـجْمَع البحرينِ iiأتلو
وقـلـبـي في (حراءَ) له iiأزيز
(لـو اَنـزلـنا) دليلك يا iiفؤادي
ولـلـعـشـق المجازيّ iiالتهابُ
ولـلـبرق الحجازيّ iiاصطخابٌُ
ولـلـحُـسْن الشرازي iiانتسابُ
وقـد طـرقتْ يدُ الألطاف iiقلبي
يـزلّ الـعـبْـدُ ثـمّ لـه مآبُ
وقـدْ صـيّرتَ دمع القلب iiبحْراً
هـيـا ربـاه أنـضيتُ iiالمطايا
فـمـا أدركت من وطري iiنقيرا
كـأنـي  كنت أحرث في iiبحارٍ
ألـم  تـر أنـني أنفقت iiعمري
فـكـم ليلى اصطفيتُ وكم سعاد
فـلـمـا  صوّح الوردُ استبانتْ
وقـلت  لمن بسطتُ لها iiيميني:
فـلـمـا جئت ورْدكِ لم iiيزدني
أإقــبـالا  وإدبـارا، iiوبـردا
ويـا نـفسي التي أترعْتِ iiحزنا
كؤوس الحزن أعذب من iiكؤوس
ولـسْعٌ  السّيف أهون من iiجحيمٍ
ومـا الحسراتُ إلا في المعاصي
وفـي  الطاعات نور ليس iiيفنى
لـقـد  جـرّحتني يا دهر iiحتّى
وقـد حـصّنتُ دون الغيد iiبيتي
فـهـدّم  بـيتٌ شعر ركنَ iiبيتي
وأعـلـى  لـلهوى العذريّ بيتاً
طـرقـتُ  بيادر الدنيا iiاختلاسا
فـلـم أر مثل ذخرك أنت iiذخراً
أنـلـنـي  يا عظيم العفْو iiعفوا
تـقـر  الـشـامخات ولا قرارٌ
*              *             ii*
أرى البوسفور يُطلع وجهَ iiأروى
فـقـلت:  بُنيّتي..هيّا الحقي بي
لـقـد  تـرك الـمدينة iiمطمئنّا
تـكـنّفه  الهدى من كل iiصوب
ومـا رغـب المجاهد عن iiحِماه
ولـكـنْ  نـورُ ربي وهْو iiأبقى
وقـامـت  بـنت ملحانٍ iiتنادي
أنـاسـاً  يركبون البحر iiخضراً
مـلاحـم لـم يشبها ثوب iiزور
تـحـقـقـت البشارة يا iiحبيبي
فـكـيف  يقيّد الطين iiانطلاقي؟
إذا  مـا رايـة رفـعـت iiلمجدٍ
بـغـاث الـطير تأمن في iiحماه
وأسّـس مـلـك عدل لا iiيبارى
ألا يـا أيّـهـا الـعـلم iiالمفدّى
تـرى الـفتح المظفر خير كأسٍ
خـرجت  وريح جعْفرَ خير iiحاد
وسـقـت  الخيل تطّلب المعالي
فـقـل  يـا حـالما بلواء iiحمْدٍ
أنـا الإيمانُ مثل الشمس iiيجري
ويـغـدو الكوخ قصراً iiمشمخرّاً
وأرسـل طـائري نحو iiالمعالي
وإن  الـبـلـبل الموفور iiعشقاً
ويـمـنـح لـحنه للفجر iiيرجو
تـأمّـل:"أن تكون" وليس ii"تبدو"
تـضيق  بي البلاد وباصطخابي
"ألـسـتُ بـربّكمْ" لي خيْر iiزاد
أدرهـا  يـا نـديـم فما iiسواها
ورُشّ بـهـا غـداً قبري إذا iiما
فتحتُ الأرض من شرقٍ iiوغربٍ
دمٌ  بـدمٍ وقـد أعـفـو iiاقتداراً
وسـقت  لساحتي الأبطال iiكلمى
ولي  بالحبّ والحرب iiاصطحابٌ
فـلـم  تـعـلق ثيابي iiبارتيابٍ
وربّ غـزالة عرضت iiفأصْمَتْ
أراهـا  عُـدّتـي وكمال iiأنسي
ولـم يـعـرف ندى الإيمانِ iiإلا
إذا  فـي الله كـان الحبّ فافرح
*              *             ii*
أنـا بـمـدارج الـعـشّاق iiفذّا
أرى  العُشّاق يصطرخون iiحولي
ولـي من نشوة الصّحو iiاحتراق
كـأنّ  هـديـر أوقيانوس iiوجدٍ
تـطاول صمت محبوبي iiوكانت
وقـلتِ:اصبر  عليّ، فلي iiهمومُ
ألا صـبـراً، سأصبر، ما iiعلينا
فـهـل  يأتيكَ بعد الصمت iiنُبلا
لـه  مـن أبـجـديات iiالمعاني
يـجـيئك والصواعق iiمرسلاتٌ
وعـصـف  الريح يقتلع iiالبرايا
يـجـيـئك  فالربيع له iiانطلاقٌ
فـيـا  أكـرومـة الحيّين iiرفقاً
وبـلّـغَـك الـمـكارم iiسابغاتٍ
خُـلـقـتِ أمـيـرةً تطأ iiالثريّا
لـمـاذا أنـت هـادئـة iiشهوداً
فـهـل أشـتط يوما في iiدعائي
واطـمـع فـي ثـيابك iiسندسيا
مـعـاذ  الله، حسبي من iiحبيبي
وتـلك  الكأس تشرق في iiيميني
ومـالـي حين أهتف باسم iiليلى
كـأنْ  لـم يـهـتف العبّاد iiقبلاً
لـئـن كـنّيتُ قد كنّى ابنُ iiثور
وإن صـرّحـت فالمجنون iiقبلي
"ومن  شرف الهوى أني iiصريح"
أخـاف  يـزلّ إن أنطقْ iiلساني
بـذلت  الروح في الغمرات iiحبّا
فـجـاء دعـاؤكِ الموفور iiسيبا
تـآلـفـت الـقلوب فلا انفصامٌ
لـمـاذا جـئـتِني والقلبُ iiعارٍ
يـذكّـرنـي  جمالكِ حين iiيبدو
وضوء  الشمس خلف الغيم أبهى
ويـحـمـلني  سناك إلى iiسناها
تـحـدّر مـزنـك الفوّاحُ iiطيباً
وشمس  الحقّ من فوديك iiراحت
كـطـيـف يمامةٍ عبرتْ iiقرونا
لـئـن آنـستُ عند حِماك وِردا
فـقـل لابـن الملوّح وهو iiيتلو
إذا مـا الـعـشقُ لم يُبْلغْك iiداراَ
وقـل لـلـعـامريّة حيث حلّت
سـبـيـلُ النور أنت بدون شكّ
*              *             ii*
أتـيـت الـقلعة العصماء iiأشكو
قـرأت  عـلى ابن أيّوبٍ كتابي
أرايـات الـعـلـوج بأفق iiعكّا
وفـي  بـغداد للكفر iiاصطخابُ
فـأيـن الصيد من عجم iiوعُرْبٍ
ولـيـس يـلـذّهـم إلا iiالمنايا
مـررت بـدار لـقـمانٍ iiعِشاءً
هـنـا كنّا.. هنا كانوا.. iiوكانت
وأعـيـن  خـالد القسريّ iiتعدو
ومـن  يـقـرأ كتاب الله iiجهراً
وفـوق جراحنا رقص iiالسكارى
هـم اغـتـصبوا كتاب الله iiمنّا
فيا  وطني الحزين غدوت iiسجناً
ويا  وطني الحزين فدتك iiروحي
فـكـيف  غدا بنوك بكلّ iiأرض
ويـا عـهـد الصبا حيّاك iiربّي
فـآنـا كـان غـيـفارا iiرفيقي
وأجـعـلـه  سـفاهاً خير iiحاد
وآنـاَ  لـلـغـفـاريّ iiانتسابي
أبٍـالـغـبراء  أصدق منه iiقولا
وكـان يـقول:"محبوبي iiدعاني"
*              *             ii*
طـرقت  ممالك الصبوات iiشرقا
فـلا سـيتا أضاءت لي iiدروبي
ولا حـمـلتْ على عطشٍ روايا
ولـمـا جئت مصر صبا iiفؤادي
ولـم  ترها، وإن قربت، عيوني
ومـرآة  الـفـؤاد لـهـا جِلاء
عـرتـني الخفقة الأولى iiفكانت
ونـور  الـخفقة الأولى اختراق
ولـولا  الله لـم أعـبـأ iiأورداً
إذا صدحت بأرض القدس نشوى
أقـول لـها وقد فاضت iiكؤوسي
يـجـيء  إلي صوتك بعد iiدهر
فـكـيف  نأت عراجين iiالعطايا
أخـاف  إذا رأى الناس iiاشتياقي
وظـل  الله مـبـذول قـريـبا
حـبـيـبي  أيّ كأس قد iiسقتنا؟
نـراهـا كـالـشعاع ولا iiيراها
أحـبّـك، فـلـيقولوا ما iiأرادوا
فـلـستٍ دما ولحما، من يساوي
ولـولا  الـروح لم يهتف iiحمام
فـسـبْـحـان الذي سوّاك iiسرّاً
وسـبـحـان  الذي روّى iiدمانا
وسـبـحـان الذي حلاّك iiشعراً
خـديـجة  كانت الدّرع iiالموقّى
ولـلـزهـراء  سـرّ iiأحـمديّ
وكـان مـديـنـةً لـلـعلم iiطه
ولـمـا أن تـجلّت غصن iiشِعْرٍ
ويـسـعى نحوه عصفور iiشوق
حـملت حقائبي ووضعت iiرحلي
وفـوق جـبـيـنها تاج iiيصلي
ويـسـكـره الـنسيم إذا iiتهادى
فـداه أبـي وأمّـي واصطباري
تـرقرقت  الحروف فكلّ iiحرف
تُـروّي  كـلّ فـاصلةٍ iiعروقي
فـيـا لـله كيف أضعتُ عمري
وروح  الـقـدس لـلشعراء iiأيدٌ
صـدروهـم أنـاجيل iiالحيارى
ويـا  عـذراء وامـق iiاذكريني
وإمـا  راح ذو شـجـنٍ iiيغنّي:
فـحـسـبي  أنني قبل ارتحالي
وأرجـو  مـن يد الرحمن iiسيبا
يـوحّـدنـا  اشـتياقا حبّ iiطه
وتـجـمـعُـنا نجاوى iiعندليبٍ
ويـا  مـولاي فضلك قد iiكساني
*              *             ii*
تـمـلّـكَ  عندليبُ الكوْنِ iiقلبي
ألـيـس مـعـلّمَ الأكوان iiألقتْ
ومـن  غـير المعلّم يرتجي iiمن
وعـلّـمـني  المحبّة والتصافي
عـلى  دين الحبيب يكون iiموتي
لـقـد شـرُف الـرّقيم iiبساكنيه
أحـلّ  الـعـشـقُ منزلةً iiهواه
فـكـيف  وفي حراءٍِ قد iiتجلّى؟
أنـا قـطـمير من قدمي iiحبيبي
ولـو أنـي وقـفت العمر iiمدحا
لـقـد عَرضتْ فقال: إليك iiعنّي
وقـد كـشـف الغطاء له iiعيانا
فـمـا  ازداد الـفـؤاد به iiيقينا
يـهـيـج ليَ البكاءَ الذكْر iiحتّى
تضعضع  مركبي المسكين iiوجدا
وقـال الـعـاشق المجْنونُ iiقولا
"مـحـمّـدُ  ارتـقى فأتى محلاّ
ألا  قـسـمـاً لـوَ انّي يا iiإلهي
صعدت إلى الجبال فطاش iiعقلي
وكـيـف وقـد دنـا حتّى تدلى

























































































































































































































فظنّ  خيرا ولا تسأل عن iiالخبر
ويـلـثـم  قـلبيَ النّورَ iiالمذابا
ومن رضي الهدى اجتاز iiالسحابا
وقـلبُ راح يضطرب اضطرابا
ولا  آلـو بـحـبّـيـه iiانتسابا
مـشـوق  يسكب الدمع iiانسكابا
وقـد  عـذب الـمقام بها وطابا
ونـلـت  مـراد قـلب قد iiأنابا
خـطوب  تسرق الذلق iiالصوابا
تـدفّـقَ  مـن "حراءٍ" iiمستطابا
عـلى التقوى فقد وعت iiالخطابا
فـجـلّـل  نـوره شَـعَفاً ذؤابا
وكـان  الـظّـلـم لـلدنيا نقابا
سـراديـبـي فـإنّ الـقلبَ iiآبا
وجـاءك يـرتـجي منك iiالمتابا
فـذاق بـحـرّ جـاحمها iiالعَذابا
يـصـيـر  البحر أنهارا iiعِذابا
*              *             ii*
مـن  الـفـرقـان آيات iiعِجابا
يُـفـتّـت رجعُه الصمّ iiالصلابا
إذا  جـئـت الـمفاوز iiوالشعابا
يـقـدّ جـوانـحـاً، ويسدّ iiبابا
يُـحـلّ  الـقـلبَ أوديةً iiرغابا
إلـى  الـبطحاء ما كان iiاجتلابا
ومـا أحـرى المجيبَ بأن يجابا
فـمـالـك  قد أطلت له iiالعتابا؟
ولـلإبـحـار أعْـددْت iiالركابا
وطـفـت مفاوزاً، وقطعت iiغابا
ولا  ألـفـيت في دربي iiصحابا
وأودع بـذرة الـعـمـر iiالعبابا
مـع الأهـواء أستسقي السرابا؟
رجـعـت  بها الطفولة iiوالشبابا
مـلامـحُ هـذه الـدنـيا خرابا
قـطـعتُ  العمر شوقا iiواغترابا
سـوى  ظمأ .. ولم أملك iiخطابا
ونـارا، وابـتـعـادا iiواقترابا؟
وذقـتِ مـرارة الـهجر iiانتحابا
تـوَرّثـكٍ الـعـذاب iiوالاكتئابا
تـقـدّ  الـهام أو تفرى iiالذنابى
وإن أوتـيـتَ جـنّـاتٍ iiنصابا
وكـأسُ  الموت بالطاعات iiطابا
تـهـيّـبـتُ  الأساور iiوالقلابا
وحـاذرت  الـتكحّل iiوالخضابا
وأصـبـح  كـلّ معمور iiخرابا
ورفّـع  فـوقـه الـتّقوى iiقبابا
وذقـت طـعـامها شهدا iiوصابا
ولـم  أر غـيـر بابك ربّ بابا
فـإنّ الـذنـب أوسـعني iiعقابا
لـعـبـد خاف من غده iiالحسابا
*              *             ii*
تـقـول:  أطلتَ يا أبتي iiالغيابا
هـنـا الإسلام قد ضرب iiالقبابا
أبـو أيّـوب وامـتشق iiالصعابا
فـردّد كـلّ مـحـروم: iiأصابا
ولـمْ  يـكسبه ترك (الدار) عابا
غـدا  يـحـدو بـهمّته iiالركابا
وخـلّـفـت الأساور iiوالخضابا
مـلـوك أسـرّةٍ مـلكوا iiالرّقابا
وكـم  لـلحق ثوب الزور iiشابا
فـهـذا الـبحر وطّأ لي iiالجنابا
ويـرجو  النجمَ من وطئ الترابا
غـدت  بـيمين أورخان iiالعُقابا
ويـورث  كـلّ جـبّـار iiعِقابا
وأعـلاه  اقـتـدارا لا iiانـتهابا
ظـمـئـت فلم يك الإثم iiاحتقابا
وطـاب الـفـتح للظامي iiشرابا
إلـى  الفردوس، تعتنق iiالضرابا
فـكـان  الـنـجم منزلها غلابا
يـظـلّـل فـي القيامة من أنابا
لـغـايـتـه ويـنتظم iiالهضابا
إذا  مـا الـنّـور للأحشاء iiجابا
فـيـمـسي في دياجيري iiشهابا
يُـخـلّـف لـلـدياجير iiالغرابا
مـن الـورد استماعا لا iiرضابا
طـريـقُ  هدى لمن فقه iiالكتابا
فـتـغـدو الـسّدرة الغرّا iiمثابا
ونـور "بـلى" غدا عندي iiشرابا
أريـدُ... بـسرّها زدني iiاقترابا
يـدُ  الأقْـدار قـد طوت iiالكتابا
وسـدت  مـمـالك الدنيا iiغلابا
وقـد أصـطـاد بالحجل iiالعُقابا
وأكـرمـت الـنـجيبة iiوالكعابا
وقد يبغي الخنا غيري iiاصطحابا
ونـفـس الـحرّ تحذر iiالارتيابا
وأرض الـروح مـا كانت iiيبابا
وإن ووريـت فـي غـدٍ الترابا
مـحبّ  في هوى المحبوب iiذابا
ووقّـيـت الـنـدامـة iiوالعذابا
*              *             ii*
كـهمْس  المُزن ينصبّ iiانصبابا
سـكـارى مـا تحِير لهم iiجوابا
أذاب  الـقـلب واصطلم iiالإهابا
تـغـلـغل  في الحشا لمّا iiأهابا
بـه  الأيّـام مـونـقـةً iiرحابا
وبـعـض الـهمّ يمنعك iiالجوابا
فـحسبي  صوتتتتك الغالي iiثوابا
خـطـاب؟  يفتدي دمي الخطابا
حـروف تـمـنح القلب iiالشبابا
كـأنّـك شـاحـذ ظـفراً iiونابا
كـمـا أعـددت للحرب الحرابا
يـغـنّّـيك  (الليالي) iiو(العتابا)
وقـاك الـلّـه سـهماً قد iiأصابا
ولـقّـاك الـنـعـيم iiالمستطابا
مـحـاسـنُـهـا مـنعّمةً iiكعابا
لـمـاذا أنـت عـاصفةٌ iiغيابا؟
وأسـتـسـقي رحيقك iiوالملابا؟
ومـن  بستانك الخضرَ iiالرطابا؟
لـقـاء فـي ظـلال الله طـابا
سـنـا الإيـمـان يعلوها iiحبابا
يـقـول الناس شيخ قد تصابى؟
وقـسّ لـم يـر الـعشق iiاللّبابا
وسـرحـة مـالك برزت iiكعابا
أفـاض،  ومـن أفاض فقد iiأنابا
يـوقّـع  شـاعـرٌ دمه iiانتخابا
وإن  أصمتْ يكن صمتي iiانتحابا
ولـم أطـلب على الحبّ iiالثوابا
نـديّـا يـبـعث الأرض iiاليبابا
ومـا  عـقـد الإلـه غدا iiكتابا
وثـوب  الـعمر ينتهب iiانتهابا؟
جِـنـان  الـخـلْد مونقة رحابا
وأعـذب وهـو ينسكب iiانسكابا
ويـكـشف  دونَ غَرفتها iiالنقابا
سـمـاويّـا ولـم يعرف iiسحابا
تـضـيء  بأمر باريها iiالهضابا
إلـيـكَ  مـمالك العشق iiانسيابا
لـقـد  لاقيت من نصَبي iiنِصابا
مـن الـصبوات شعرا iiمستطابا
مـنـعّـمـةً  غـدا عشقا iiكِذابا
وقـد لـبـست من التقوى iiثيابا
ومـن يـبْـصر حقائقه iiاستجابا
*              *             ii*
تـبـاريـحي،  ولا أبغي iiجوابا
فـفـاض  الدمع حين تلا الكتابا
وأعـلام  الـيهود بأرض iiطابا؟
وكـانـت  لـلهدى أبداً iiوِطابا؟
يـرون بـهـارج الدنيا iiسرابا؟
لـجنات  الرضا انجذبوا iiانجذابا
فـراح  الـقلب يستدعي iiالشبابا
شـبـا الـبصريّ تخترم الرقابا
عـلـى الـفقراء ..سامهم عذابا
يـصـرْ دمـه لـشيعته خضابا
وسـامـونـا انتقاصاً واغتصابا
وقـالوا: العصر يستدعي iiانقلابا
وكـنـت لـكـلّ مكروبٍ iiمثابا
وإن  حـمّـلت أوردتي iiالصعابا
يـعـانـون  البعاد iiوالاغترابا؟
وإن أك فـيـك غِـرّاً لا iiيحابى
أقـلّـده الـعـمـامـة iiوالقرابا
واجـعـل  قـولـه رفدا iiحسابا
وطـاب، وحـق خالقيَ، iiانتسابا
وقـد  نـاداه ربّـه iiفـاستجابا؟
ألا  طـابـت رسـالـته iiوطابا
*              *             ii*
وغـربـا،  والتمست بها iiرحابا
ولا  دوريـس هـيّـأت iiالركابا
إلـيـك فـلا حٌـباب ولا iiعٌبابا
إلـى امـرأة بـذلت لها iiالشبابا
ولـم  تعرف، وإن بعدت، iiغيابا
تـريـك  الشمس جُلّلت iiالسحابا
ولادة عـاشـقٍ رضـي iiالعذابا
يـمـزّق  دون غـايته iiالحجابا
أعـدّ  الـناسُ أم شرعوا iiحرابا
فـلا هـنـدا أريـد ولا iiالربابا
بـصـيّـبـها،  عَبابا أو iiحبابا
يـصـبّ  بقلبي الفرح iiانصبابا
إذا مـا ازددت من ذاتي iiاقترابا؟

لأهـل الـحبّ لو فقهوا iiالخطابا
فـقـد  فتحتْ إلى الفردوس بابا
سـوانـا  في الضحى إلا iiسرابا
عـباب البحر لا يخشى iiالسحابا
بـبنت  النور في الخلق iiالترابا؟
ولا  هـتف النجيب ولا iiاستجابا
عـن الـخطرات والأذهان iiغابا
ووحّـدنـا  سـرورا iiواكـتئابا
إلـهـيّـاً، يـضـيء إذا iiأهابا
وكـان  لـمـرْيمَ التقوى iiحجابا
دم الـسّـبـطين صار له جرابا
وكـان  الـمـرتضى للعلم iiبابا
يـوزّع  حـولـه العطر iiالمذابا
لـيـدفـع عـن حماه iiالاغترابا
لـدى  أفـيـائـهـا أبغي ثوابا
وإن طـربـتْ تـرنّم iiواستجابا
عـلـى  هـون، ويمتلك الرقابا
يـفـدّي  أكـرم الرسل احتسابا
تـفـجّـر  أعـيـناً غُرّاَ عِذابا
وتـغـدو شـمـس أيّامي iiكعابا
كـأنّـي  كـنـتُ أتّبِعُ iiالسّرابا
إذا اتـبـعـوا لـرشدهم iiالكتابا
ولـمسة  سحرهم ترقي iiالمصابا
إذا مـا ووري الـجـسد iiالترابا
"  فـهل ترك الجمال له iiصوابا"
وجـدت  لـديـك ظلا iiمستطابا
يـردّد : "ذان لـلتقوى iiاستجابا"ً
وإن  ظـنّ الأنـام بـنا iiارتيابا
بـطـيـبة  ذكره الميمون iiطابا
فـمن  في الخلق يفضلني iiثيابا؟
*              *             ii*
فـأسْـكـنَ  مهجتي مُدُناً iiرِحابا
إلـيـه الأمـر لـلـه iiاحتسابا؟
يـسـوق  لساحه النّجُب iiالعرابا
وبـصّـرني بها العجَب iiالعُجابا
وما الصبّ الحزينُ كمنْ iiتصابى
وأعـلـى  ذكـرُ قطْميرَ iiالكلابا
رجـاهـا بعْضُ من لبس iiالثيابا
وكـيف ومن حراءَ همَى iiشهابا؟
أقـبّـل عـنـد حضرته الترابا
لـما  أفرغت من مدحي iiالوطابا
ولا آلـوك بـعـدا iiواجـتـنابا
وشـاهـد عالم الغيب iiاصطحابا
إذ  ازدان الـكـمال به اختضابا
جـميل الصبر في الأحشاء iiغابا
فـمـوج الـبحر يوسعني iiعتابا
وعـاه الـكون فانشعب iiانشعابا:
غـدا لـلـسّـدرة الـغراء iiبابا
أتـيـتـه مـا رضيت به iiإيابا"
فـكيف  وأحمدُ اخترق iiالحجابا؟
فـصار  من الحبيب الفرْد iiقابا؟