دموع متمرّدة
دموع متمرّدة
*
نبيل شبيب
مهما بلغت شدّة الانكسار العسكري في حياة أمّة من الأمم، أو ظهر في حقبة الانكسار قوم أصغر من الصغار يتشبثّون بأقدام أعداء بلادهم وشعوبهم وهم يدوسونهم دوسا، طلبا للبقاء، وليس في ذاك البقاء ما يجدر وصفه بالحياة، أو لمجرّد استمرار هياكل "سلطة" ما، إن كان ذاك يسمّى سلطة.. مهما بلغت شدّة الانكسار العسكري والسياسي، فالأخطر منه هو الانهيار النفساني في حياة الأمّة، وتحوّل قياداتها الحقيقية من مفكّرين ومثقفين وأدباء إلى جزء باهت من السلطة المنكسرة، أو قطعة من القطع الأثرية في متحف التاريخ، لا تنفكّ تسترجع ما ردّده الأسلاف الأقربون وأدّى إلى الانهيار، أو الأسلاف الأبعدون دون سلوك طريق المجد الذي صنعوه من العدم. إنّنا نحتاج إلى نُخَب حقيقية، من صفوة القادة فكرا وثقافة وأدبا وعلما ووعيا ودعوة وقدرة على التخطيط والتنظيم والتحرّك، تتقدّم الصفوف في كل مكان، وتظهر كفاءاتها في كلّ ميدان، وتتمكّن من إثبات وجودها وقيادتها عبر إنجازاتها المتتابعة لا كلامها المكرور، وعبر تجاوب الطاقات الشعبية المتفجّرة معها، لا عبر ادّعاء تمثيلها والحديث باسمها.
دموع القاعدين
يا غـارِقيــنَ بِدمعِـنـا هَلْ كانَ يَمْنَـعُ مِنْ صِـناعَةِ نََكْبَـةٍ فَلَكَـمْ ذَرَفْنـا دَمْعَـنا حَتّـى غَـدا وَمِنَ المَدامِـعِ ما يُـراقُ بِحِـرْقَـةٍ أَنْـعِـمْ بِـهِ فيـما يُهَـدّئُ رَوْعَـةً قَدْ يقتـلُ الإقـدامَ في سـاحِ الوَغى ومِـنَ الـبكـاءِ هِـوايَةٌ أوْ حِرْفَـةٌ مِثْلَ السّكارى فـي غَياهِـبِ نَوْبَـةٍ إذْ نَنْشُـرُ الذّلّ الوَضيـعَ جِنـايَـةً ذُلٌّ يُـزَيّـنُ لِلنّفـوسِ نُكوصَـهـا فَبَـدا الخنوعُ فَضيلَـةً في عَيْنِ مَنْ وَرَأى الـشّـهادَةَ نِقمـةً لا نِعْـمَـةً عَبْـدُ الهَوى إِنْ ماتَ ماتَ وَلَمْ يَفُـزْ | مُتَجِـدّداأَيُغـيـثُ دَمْـعٌ مَوْطِنـاً أَمْ أَسْـقَطَ الطغْيانَ أَمْ صَـدَّ العِـدا صِـدقُ العزيمـةِ بالدموعِ مُقَـيّـدا أوْ مـا يُـراقُ تَبـاكِيـا.. مُتَبَـدّدا وَاحْذَرْ بُكاءً فـي النّوائِـبِ مُقعِـدا وَالعَـزْمَ في طَلَـبِ العُلا..مُتَعَمّـدا نَبْكي.. وَنَغْتالُ الهُـدى والمُرْشِـدا حَتّى غَـدَوْنـا عاجِـزاً أَوْ مُقْعَـدا ونُنَصّبُ التّيئييـسَ بـاباً مُوصَـدا يَـوْمَ الجِـهـادِ تَخَـوّفـاً وتَـرَدّدا جَعَـلَ الجِـهـادَ تَهَـوّراً وتَشَـدّدا وَيَظُـنُّ نَفْسَـهُ في الحَيـاةِ مُخَلَّـدا أَوْ عاشَ دَهْـراُ عاشَ عَيْشـاً أَنْكَدا | وَمُشَـرّدا
دموع الملاحـم
مـاذا دَهـانـا يا بَنـي قَوْمي وقَـدْ
نَـدَعُ المُجاهِـدَ كَيْ يُضَـحِّيَ وَحْدَهُ
أَتَفـيـدُ شَـكْوى مِنْ نَذالَةِ مُجْـرِمٍ
يَـفْديـكَ مِنّـا الشّـعْرُ في نَدَواتِنـا
عُـقْـمُ الرّجولَةِ ما شَـكَوْنا بَعْـدَما
كَـمْ مِـنْ فَتـاةٍ وَحّـدَتْ أَحْزانَنـا
إِذْ فَـجّـرَتْ روحُ الشـهيدَةِ دَمْعَنـا
وَإِذا مَضَـتْ أَخَواتُهـا في دَرْبِهـا
أَمْـسَتْ مَلاحِمُنـا النّـواحُ مِدادُهـا
وَيَـعـافُ ما أَبْقى الرّجولَةََ بَـعْـدَهُ
مَـنْ كانَ صَوْتُهُ بِالصّـراخِ مُجَلْجِلاً
أَمْسـى يُحاذِرُ رَفْـعَ هـامٍ خِلْسَـةً
إِنْ جاءَ بِالتّأْييـدِ جـاءَكَ هامِســاً
الـحُـرُّ في الأَغْـلالِ يَأبـى قَيْـدَهُكُـنّـا الأَشـاوِسَ ثََـوْرَةً وتَمَـرّدا
أَوَلَيْـسَ صِـدْقُ مَديحِـهِ أَنْ يُقْتَدى؟
أَوْ قَوْلُ "مَرْحى" لِلشّـهيـدِ مُمَـدّدا؟
وَعَلى مَهاجِعِنا الفِـداءُ اسْـتُشْـهِدا
كُـنّـا نُقيـمُ مَحـاضِنـاً كَيْ تولَدا
حـينـاً.. وَعُدْنـا لا نُطيـقُ تَوَحّدا
فَـانْهَـلّ يَـرثي مِثْلَمـا قَـدْ عُوِّدا
عُـدْنـا وَعـادَ رِثـاؤنـا فَتَـرَدّدا
وَدَمُ الـحَرائِـرِ طاهِراً مُسْـتَشْـهِدا
بَيْـنَ الخُـدورِ تَخَنُّـثـاً وَتَبَـلُّـدا
مُـتَكَـبّـراً بِعَـرينِـهِ مُسْـتَأْسِـدا
وَالجُبْـنُ يَمْنَعُ أَنْ يَهُـبَّ لِيُـنْـجِدا
وَبِـتُهْمَـةِ الإِرْهابِ صاحَ مُـنَـدِّدا
وَالعَبْـدُ إِنْ تُعْتِقْـهُ يَطْلُـبْ سَـيِّدا
دموع الموتـى
دموع التوبـة
دموع الأمل
*
من ديوان دموع متمردة الماثل للطبعمـاذا دَهـانـا يا بَني قَوْمـي وَقَـدْ
وَإِذا صَـحَوْنـا فََالنّحيـبُ نَبيـذُنـا
وَإِذا كَتَبْـنـا فََالكِتـابَـةُ صَـنْعَـَةٌ
وَإِذا دَعَـوْنـا فَـالدّعـاءُ تَـهَـرُّبٌ
نَدْعـو.. وَلا نُعْطي الإجابَـةَ حَقَّهـا
ماذا نَقـولُ إذِ اسْـتَكـانَـتْ أُمَّـةٌ
أَنَقـولُ لِلأجْـيـالِ بَعْـدَ رَحيـلِنـا
أَنَقـولُ لِلأبْنـاءِ قَبْـلَ رَحيـلِـنـا
أنقـولُ إنَّـا كَالقَطـيـعِ بِمَـذْبَـحٍ
كُنّـا عَلـى وَجْهِ البَسـيطَةِ أَنْجُمـاً
كـنّـا العَدالَـةَ فَالحُقـوقُ مُصانَـةٌ
كُـنّـا يُسـابِقُ ذِكْرُنـا التاريـخََ إِنْ
كُنّـا الجَحافِلَ نَسْحَقُ الطاغوتَ فـي
صِرْنا نَرى نَهْشَ الذّئابِ لأَرْضِـنـا
وَإِذا أَتـى شَـيْطانُهُـمْ مُسْـتَكْبِـرا
بِئْسَ العَبـيـدُ إِذا تَـوَلّـى أَمْرَهُـمْصِـرْنا مَواتـاً دونَ ظِـلٍّ أوْ صَدى
وَإِذا رَقَـدْنـا نَسْـتَطيبُ المَـرْقَـدا
نُحْصـي المَنـايا شـاهِدينَ وَرُصَّدا
مِـنْ أنْ نَعودَ إلى الجِهادِ ونَصْمُـدا
ونَـرى صََلاحَ الدينِ يُبعَثُ مُنْجِـدا
يَأبـى لَهـا الطّغْيـانُ أنُ تَتَوحَّـدا؟
هذي أَمـانَتُنـا أَضَـعْناها سُـدى؟
بِئْسَ الذي لَمْ يَتّعِـظْ وَبِنـا اقْتَـدى؟
نَثْـغو ونَشْـكو للخَناجِـرِ والمِدى؟
كُنّـا الكَرامَـةَ والشَّـهامَةَ والنّـدى
شَــنَـآنُ قَـوْمٍ لا يُشَـوِّهُ مَقْصَـدا
نَـعْزِفْ لَـهُ خَبَـراً تَغَنّـى مُنْشِـدا
شَـرْقٍ وغَـرْبٍ إِنْ تَـهَوَّرَ فَاعْتَدى
فَنُقيـمُ صَـرْحـاً لِلذّئـابِ مُنَضَّـدا
نـبْني لَهُ فَـوْقْ الجَماجِـمِ مَعْـبَـدا
عَـبْـدٌ يَسـوقُ قَطيعَهُـمْ مُسْـتَعْبِدامـاذا دَهانـا يا بَني قَوْمـي.. لَقَـدْ
أَنَرى احْتِـراقَ حَضارَةٍ بِعِـراقِنـا
أَوَنُسْـمِعُ الأَحْـرارَ لَحْـنَ تَحَـرّرٍ
أَنَصوغُ في شَـرَف الأُباةِ قَصـائِداً
أمْ تَشْـحَذُ الخُطَبُ البَليغَـةُ عَزْمَنـا
أَوَيَسْـتَغيثُ المَسْـجِدُ الأقْصى بِنـا
سَئِمَتْ مِنَ الصَّخَبِ المَنابِرُ كُلُّـهـا
مَـنْ يَطْلُبِ العَيْشَ المَهيـنَ فَدونَـهُ
فَـكَأنَّنـا رِمَـمٌ وَيَلْفِظُـنـا الثّـرى
فَنَعيشُ هـذا في الغِـوايَـةِ سـادِرٌ
رَبّـاهُ هَلْ تُنْجـي المُخَلَّفَ سَـجْدَةٌ
أَمْ يَـنْفَـعُ الدّاعيـنَ حُسْـنُ دُعائِهِمْ
أَمْ يَصْـنَعُ النّصْرَ الكَبيـرَ مُكابِـرٌ
لا لَـنْ نُـجَـدِّدَ مَجْدَنـا بِحَماسَـةٍ
فَاهْجُرْ دُموعَكَ لَنْ تُزيلَ بِهـا أَسـىً
وَإذا أَرَدْتََ نَجـاةَ أُمّتِـكَ اسْـتَقِـمْ
تَقْوى الإِلـهِ مَعَ الجِهادِ سَـبيلُـنـا
وَالعَبْـدُ إِنْ وَفّـى بِنُصْـرَةِ دينِـهِنَـزَلَ البَـلاءُ بِـدارِنـا.. لِيُهَـوِّدا
لا نَـرْعَوي.. مُسْتَسْـلِمـاً وَمُهَـدَّدا
وَنَـذِلُّ فـي كَنَفِ الطّغـاةِ تَـوَدُّدا؟
ومَـغامِدُ الأسْيافِ قَدْ شَـكَتِ الصَّدا؟
وَالـعَزْمُ في قَـلْبِ الخَطيبِ تَبَـدّدا؟
فَنُجيبُ بِالحُزْنِ العَميـقِ المَسْـجِدا؟
وَرَوى الـخُنوعُ مِـدادَنا.. فَتَجَمَّـدا
ذلٌّ تَجَـلّى فـي الجِبـاهِ وعَرْبَـدا
أَوْ أَنّـنا نُصُـبٌ إِذا نـادى الفِـدا
وَأخـوهُ يَقْضـي عُمْـرَهُ مُتَعَـبِّـدا
إِذْ يُقْتَـلُ الأَهْـلونَ حَـوْلَهُ سُـجَّدا
ما لَـمْ نُجِبْ في أَرْضِـنا المُسْتَنْجِدا
مَـنْ صارَ هَمُّهُ أَنْ يُضِـلَّ وَيُفْسِـدا
وَالدّمْعُ لا يُجْدي إِذا هُجِـرَ الهُـدى
وَبِغَيْـرِ بَأْسِـكَ لَنْ تُحَقِّـقَ سُـؤْدَدا
وَاجْعَلْ عَطاءَكَ وَالشّـهادَةَ مَقْصـدا
وَالـعِلـمُ وَالعَمَـلُ الدّؤوبُ مُسَـدّدا
فَـالنّصْـرُ باتَ مُقَـدّراً وَمُؤَكَّــداإِنّـي أُنـاشِـدُ عِــزَّةً مَـوؤودَةً
مَنْ يَرْتَـضِ اليَوْمَ المَذَلّـةَ خانِعـاً
آنَ الأوانُ لِـكَـيْ نُحَـرّرَ أَنْفُسـاً
فَلْنَجْعَـلِ الأَحْـزانَ في أَحْداقِـنـا
وَلْنَنْـزِعِ الأَحْجارَ مِـنْ أَكْبـادِنـا
وَلْنُطْفِـئِ النيـرانَ فيما بَيْـنَـنـا
وَنَـرُدّهـا بَأْسـاً يُدَمّـرُ بَأْسَـهُـمْ
هـذا نِــداءٌ لِلتّـوَحُّـدِ صـادِقٌما كـانَ في نَكَباتـِنـا أَنْ تُـوْأَدا
لَنْ يَسْـتَرِدَّ المَسْجِدَ الأَقْصى غَـدا
مِنْ كُلّ حِـقْـدٍ في النّفوسِ تَجَـلَّدا
ثَـأْراً عَلى غـازٍ أتـى مُتَوَعِّـدا
وَالقَلْـبُ صَـخْرٌ إِنْ قَسـا وَتَبَلَّـدا
لِنُحيـلَها وَدَمَ الكَـرامَةِ مَـوْقِــدا
وَسَـيُهْزَمونَ إِذا صَدَقْنـا المَوْعِـدا
إنّـي مَـدَدْتُ إِلى أياديكُـمْ يَــدا