القـــدس

القـــدس*

شعر:د. حسن الأمراني/المغرب

[email protected]

طاب المقــام بجنّـــة الرضوان

إن  جئت  ربّــك  قاني  الأكفــان

 

هو واهبٌ لك ما تبيع، هـو اشترى

و هـو  الذي  حلاّك  بالإيـــمان

 

وهو الذي أعطـاك ما تسخـو به

فعلام تجهل دعـوة المنّــــان؟

 

يفنى الحطــام وكل ما أعـددته

وعطــاء ربّ العرش ليس بفان

 

يعطـي الجــزيل وما يزال ثوابه

للمحسنــين  جَـدَا  بلا  حسبان

 

حُــلل الشهادة  زينةٌ وعبيرُهــا

أزكــى إذا عبـقت من الـريحان

 

والعشق مصبـاحٌ، وأصـدقُ عاشقٍ

من  جـــاد  بالأرواح  لا الأبـدان

 

خــلّ الأنام إنِ افتقرت فوحــده

ربّ  العطـــاء  الجمّ  والإحسـان

 

وإذا خشيــت العُري دونك فاقتبس

واكس الجــوانح خلــعة القرآن

 

دع عنــك ما صاغ الغواة وزخرفوا

واصرف هــواك إلى ندى الرحمـن

 

أنفـــقت عمرك في الضلالة والهوى

زمـــناً  وذقتَ   حِبالة  الشيــطان

 

وشقـــيتَ مما قدّمتـــه ركائبٌ

سفهــاً وما زخـــرفتَ من ألوان

 

يا عبــدُ،طال بك القعـود، إلى متى؟

إن القــعـود مبـاءة الخســران

 

يا عبدُ، ربّك قد دعـــاك إلى العلا

فعــلام ترضى عيشــة الديدان؟

 

يدعوك من ســـوّاك من طين وما

 يا عبــدُ إنّ العــز في الإذعـان

 

فتن الجمال العاشـقـــين فأسرفوا

حسبوا الجمــــال الحر رهن غوان

 

وأنا صرفــــت بحمد ربي غايتي

أرجو  جمــال  الواحـــد  الديان

 

فأنا أرى آلاءه منشــــــورةً

في كل مخبـــوءٍ وكل عيـــان

 

في نفحة الأزهار، في عـــطر الربى

في  نفخة  الأسحــــار  في وجداني

 

في غضــبة الإعصار، في هب الصبا

في المـوج،  في الأصداف ،في المرجان

 

في الريح، في الأمطـار، في عزف الحيا

في سجعة  الأطيـار ،  في  الأفنـــان

 

في سجـدة العشاق في جوف الدجى

وقد احتوتهـــم ســورة الرحمن

 

في بسمـة الطفل الغرير إذا صــبا

يوماً إلى صــدر وريـــفٍ حان

 

في دمعـــةٍ حمراء إن يوماً همتْ

سحّاءَ   هــــاربةً   من   الأجفان

 

في آهـةٍ عطشـى، وفيما خبّـأت

زغـرودة الشهداء من أفنـــان

 

"فيما تـــرى عيني وفيما لا ترى"

نطقت بذلك ريشــة الفنّـــان

 

للـــروح أجنحة من التسبيـح إنْ

حنّت متيّمـــةٌ إلى الطـــيران

 

لا الطيــن يمنعـــها ولا أوزارها

إن ظُــلّلتْ  من دوحــة الغفران

 

مـولاي، أنـت حسيبُها وحبيبُهـا

فاغفر إذا زلت بها القــدمــان

 

إبلـيس يزجـرها إلى سُعُر اللظـى

ويسوقهـا لمضـــايـقٍ ودخان

 

ويداك تمنحُــها إذا هــي أقبلت

أثواب أمْـــن ســـابغ وأمان

 

العاشـــقُ المـحزونُ في الدم غارقٌ

والغافـلُ السـاهي صـريع أمــاني

 

يا أيها الساعـــي إلى حلل الرضا

يهنيك دربــك بـيّنَ العنــوان

 

يهنيــك يا محزونُ أنّك عاشــق

والعشقُ قلـــب دائــمُ الخفقان

 

مــا بيــن ألوية الرجا منشورةً

والخـوفِ قدتَ سفـــينة الإيمان

 

وعرفـــتَ أن الحبّ تاجٌ خـالدٌ

إن تاه بالفــاني ذوو السلطــان

 

والحبّ إذعــانٌ لبارئك الــذي

ســوّاك، دربٌ ما لـه مـن ثان

 

يهنيك دربك فاتّـشحْ بالدمـع في

جوف الدجى،متـقرّح الأجفـان

 

متــذلّلاً، متبتّـــلاً، متوكّلاً

متــظللاً من ظُــلّة الفرقـان

 

إن الحياة نعيمها مُــرّ ومــا

في الكـون مثلُ حلاوة الإيمـان

 

فإذا تكشّـفت الحياة عــن الألى

يبغون ذُلّــكَ فاتّشح بسنــان

 

يهنيك تهمـــتك التي قد قالـها

فرعونُ رأس الكفـــر والعصيان

 

قالـوا :هو الإرهاب،والإرهاب ما

صنــعته إلا دولـــة الطغيان

 

وإذا سبــــا العشاقَ لحنٌ طائر

فالقــدس عندي أطيب الألحان

 

كم من شهيدٍ سار فوق ترابهــا

متدثّــرا بالفتح والفرقـــان

 

فترابهـــا طيبٌ،وغرس رجالها

لم ينفتـح يوماً على بستـــان

 

أرأيت أشرف منــزلاً من بقعـةٍ

قد باركت فيهـــا يدُ الرحمن

 

يا قدس يا أبهـى العرائس كلهــا

فيم ارتديتِ مـلابس الأحــزان؟

 

هل عاد عرســكِ في المحـافل مأتماً

فتضرجت كفّــاك بالأشجــان؟

 

وتكسّـر الناي الشجي فلم يعــد

يلقي ســـوى الباكي من الألحان؟

 

نظرت إليكِ على الأســرّة عصبةٌ

خُشُبٌ مسنّــــدةٌ من العيدان

 

عينٌ مفتّحــــة ولكن لا ترى

نظروا وهم شرٌّ من العمـــيان

 

الطفـــل يا أمّي شهابٌ ثاقبٌ

يهوي ليمـــحق دولة العدوان

 

نطقت حجـارته ببشرى أحمـدٍ

وزهت على الفــولاذ والمُـرّان

 

ويقول:ما هذا بعشّـكِ فادرجي

يا أمّة الأنـــذال والعبــدان

 

حقّ الكتابُ عليكِ، ما من مُـبْدل

حكمَ الإله القــاهـر الديّـان

 

تلك المحاريب التي حوّلتِهــــا

مــأوى لكلّ معربدٍ سكــران

 

بُعثت ونور الحقّ ملء إهابهـــا

 ومضتْ مسبّحةً بكلّ لســـان

 

لحنُ الأذان على المآذن مشــرقٌ

ولكم تحـــــنّ رؤاه للآذان

 

فــوّارةُ الآلامِ يا قــدسَ المنى

نضبتْ فلا قـرّت عيونُ جبـانِ

 

وقوافلُ الشهـداءِ عادتْ في الضحى

مــزهـــوّةً لتفكّ قيدَ العاني

 

وتقول: بنيانُ الشهادة  وحــده

سكـنٌ لنـا، يا عَـزَّ من بنيـان

 

ومن ابتغى برْدَ الجِنــان وظلّها

فالنارُ واقيـةٌ من النيـــرانِ

 

والنــار ضربة معتد متجـبر

أوطــعنةُ تأتيك من حـرّان

 

فُتحتْ لك الجنّـات فاغنم بردها

وتمــلّ  بالبـركات والرضوان

     

* وجدة في يوم الأحد،الثامن من شهر شوال 1425 الموافق لـ 20نونبر 2004