عودة الربيع
خالد
البيطار
جـاء الـربـيـعُ إلى الدنيا بزينته
فـالأرضُ مـخْضرّةٌ تزهو برونقها
وكـل أشـجـارِهـا غـنّاءُ مُورِقَةٌ
كمِ استراحتْ بها نفسي وكم سرحتْ
* * *
هـذي الـفراشةُ في لهْوٍ تحومُ على
رأتْـهُ فـابـتـعدت،ْ واشتدَّ يتْبعُها
وهـنّـأتْـهـا الـتي كانت بجانبها
ثـم الـتـقـتْ بـفراشاتٍ مُحَوِّمةٍ
* * *
وهـذه نـحـلـةٌ شهباءُ قد غرِقتْ
حـاولـتُ إنـقـاذَها لكنها نفضتْ
* * *
كـم آنَـسَـتْـنيَ أفواجٌ تَدُبُّ على
مِـنْ كـل جـنـسٍ وأشكالٍ مُلوّنةٍ
* * *
وكـم عـجـبتُ لمرأى زهرةٍ نبتَتْ
ظـنـنتها سوف يطويها الردى فإذا
فـهـاجَ في خاطري ما كنتُ أكتُمُهُ
* * *
هـو الـربـيعُ يُعيدُ الروحَ، يبعثُها
وكـم أحسَّتْ به روحي وكم ورَدَتْ
* * *
هـو الـربـيـعُ وكم أشتاق رؤيتَهُ
أيـامَ كـنـا وكـان الـحُبُّ يجمعنا
ونـحـن مـا بين راجٍ عفوَ خالقِهِ
ثـم افـتـرقـنا، وكفُّ الظلم آثمةٌ
قـد افـتـرقـنا، وفي كل البلاد لنا
* * *
يـأتـي الربيعُ ويمضي لا نُحِسُّ به
مـرّتْ ثـلاثـون عاما وهي تأكلُنا
لـكـنـه الأمـلُ الـمرْجُوُّ يَرْفِدُنا
* * *
مَـنْ مـات مـنا ففي الجناتِ منزِلُهُ
فـفـيـه كـل الأماني وهي زاهيةٌ
ونـفـحةً من رِضَى الرحمن تجمعنا
بـمـن نُـحِبُّ ومَنْ نرجو اللقاءَ به
ونـلـتـقـي بـربيعٍ عاد مبتهجاً
هـمـا الربيعان كم أرجو الْتقاءهماوكـنـتُ أعـرفه من قبلُ في بلدي
زهـرٌ بـديـعٌ وورْدٌ عاطرٌ ونَدِي
وكـلُ غصنٍ على الأشجار في أَوَد
روحـي وكـم طرِبتْ مِنْ بلبلٍ غَرِد
* * *
زهْـرٍ لترتاح والعصفورُ في رَصَد
وخـاب مـسـعاه إذ حادتْ ولم يَحِد
عـلـى الـنجاة فلم تسقطْ ولم تُصَد
فـصـاحـبـتْهنّ في التهويم والغَيَد
* * *
وسْط الرحيق وغاصَت وهي في كَمَد
عـنـها الرحيقَ وطارت ثم لم تَعُد
* * *
هـذي الـمروجِ بلا حصْرٍ ولا عَدَد
لـوْنَ الـربيع، فَجَلّتْ قدرةُ الصمَد
* * *
نَـحِـيـلـةٍ تـتـلـوّى دونما سَنَد
بـهـا تـقاوم عصْفَ الريح والبَرَد
ولم أقلْ بعدها:" أوهَى النوى جَلَدي"
* * *
فـي كـل طـاوٍ على يأْسٍ ومُنْفَرِد
خـواطرٌ لم تكن من قبلُ في خَلَدي
* * *
مـع الأحـبَّـة، كم قلبي إليه صَدِي
عـلـى بساطٍ من الإخلاص والرَّشَد
وسـابـقٍ فـي نَـجَـاوِيه ومُقْتصِد
ولا تـزال كـمـا كـانت من اللّدَد
بـيْـتٌ، ولـكـنـه بيْت بلا عَمَد
* * *
وهـل يُحِسُّ جريحُ القلب بالرّغَد؟!
نـهشاً من القلب أو قضماً من الكَبِد
بـالـصبر في كل حالٍ نلتقيه رَدِي
* * *
والـرابـضون هنا يرجُون فَجْرَ غَد
نـصـراً وعـوْداً بـلا ذلٍّ ولا نَكَد
بـالأهل والصحْبِ والجيران والولد
مـن كـل شَـهْمٍ مُحِبٍّ صابرٍ نَجِد
إذْ آبَ لـلـروض مـنـا كلّ مُبْتَعِد
ربـيعُ قلْبي وروْضي في رُبَى بَلَدِي