بلدتي في الأضْحَى

د. محمد عبد المطلب جاد

[email protected]

أستاذ سيكولوجيا الإبداع

جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية

دعا العيدُ روحي فلبَّيْتُ هيَّا

وأبصرْتُ أهلي تَنَادَوا علىَّ

بمرآةِ عقلي رأيتُ الضَّعَافَ

يَمْدُّونَ لي كَفَّ جُودٍ حَيِيَّا

بمرآةِ عقلي رأيتُ الرِّفَاقَ

رأيتُ الصِّحَابَ رأيتُ ذَوِىَّ

تَجلى بمرآته كل شبر

خطَوت به حين كنت صبيا

تجَلَّتْ بمرآتِهِ دارُ عَمِّى

ودارٌ لخالي لها الحَقُّ فِى َّ

رأيتُ الزمانَ الجميلَ تَبَدَّى

بديعَ الرُّؤَى ساحراً عبقريا

رأيتُ الحقولَ  تَضُمُّ النسيمَ

بعطرٍ يفوحُ شَذَاهُ ذكيَّا

ومجرى المياهَ بِحُضْنِ القناةِ

تَرَقْرَقَ فى حِجْرِهَا شاعِرِيَّا

وعَدْوَ الطيورِ ولونَ الزهورِ

وجمعَ صفاءِ القلوبِ عَشِيَّا

وضوءَ الصباحِ يُقَبِّلُ وجهَ

الحقولِ ويدعو الشبابَ عَفِيَّا

وصوتَ غناءِ الصبايا وهُنَّ

يُغَنِّينَ للقطنِ جاءَ شَجِيَّا

وعزفَ العصافيرِ عندَ المساءِ

 تهادى يَزُفُّ زماناً خَلِيَّا

تراءتْ لعيني رؤى كان فيها

ضُحَى العمرِ يحيا الزمانَ هَنِيَّا

وكان الزمانُ خصيبَ العطاءِ

يداعبُ شَرْخَ الشبابِ نَدِيَّا

 وكانَ الجمالُ على كل شبر

يبثُّ النفوسَ رواءً بَهِيَّا

وكانَ الحنانُ يُغَذِّى القلوبَ

ويَسْرِى بِمَجْرَى الدماءِ خَفِيَّا

وحينَ يُبَشَّرُ فينا بِطِفْلٍ

تَلَقَّاهُ صَدْرُ الجميعِ حَفِيَّا

تُسَارِعُ كُلُّ الأكُفِّ إليهِ

ومِنْ كُلِّ قلبٍ تَشَرَّبَ رِيَّا

ويبقى بِحُضْنِ الجميعِ زماناً

يَبُثُّونَهُ كُلَّ عطفٍ سويَّا 

**

دعا العيدُ رُوحي فلبيتُ هيَّا

وجالَ بنفسي الوفاءُ سخيَّا

ومرَّ بها كُلُّ معنىً نبيلٍ

بآيِ الكتابِ تداعى سَمِيَّا

ومرتْ مشاهدُ ( أضْحَى )كريمٍ

ومرأى الذبائحِ لاحَ سَنِيَّا

فحركَ جُودِي ، ومرأى جُدُودِي

وجَدْتُ بنفسي نداءً قويَّا

يقولُ انهضِ الآنَ وسْطَ الرفاقِ

وكُنْ بينَ أهلكَ وارْجِعْ رَضِيَّا

تَخَيَّرْتُ ما تاقَ قلبي إليهِ

تخيَّرْتُ ما كان عندي صَفِيَّا

وبينَ الأحِبَةِ دارتْ طُقُوسٌ

تَبُثُّ إلى الروحِ مَدَّاً عَلِيَّا

يَرُدُّ إلى الأنْفُسِ الشَّارِدَاتِ

تُقَاهَا فَيَرْتَدُّ يَنْبِضُ حّيَّا

وكنتُ أرانِي أُقَدِّمُ زَادَاً

 لذاتِي وأقْطِفُ رَطْبَاً جَنِيَّا

ويَدْخُلُ رُوحِي طُوَافُ الحَجِيجِ

يَبُثُّ بنفسي عبيراً تَقِيَّا

وفى بلدَتِي كان صُبْحٌ لأضْحَى

بَهِىَّ المعالمِ طَلْقَ المُحَيَّا

**

دعا العيدُ رُوحي فلبَّيتُ هيَّا

كأنِّي بأُمِّي تُنَادِى عَلَىَّ

وكَمْ قَدْ تَغَيَّرَ وجْهُ قُرَانَا  

فصارتْ جُفُونُ الهُدُوءِ دَوِيَّا

كأنَّ يداً مِنْ وراءِ الزمانِ

أطاحَتْ عُلاهَا وحَطَّتْ دَنِيَّا

فلاحتْ وجوهٌ كغيرِ الوُجُوهِ

وصارَ الفؤادُ الرحيمُ جَفِيَّا

وهذا الذكاءُ الذي كان يَبْدُو

بِكُلِّ العيونِ تَبَدَّى غَبِيَّا

وهذا الذي كانَ رَبَّ الفسادِ

عديمَ المواهبِ أضْحَى غَنِيَّا

وهذا الكريمُ سليلُ الكِرَامِ

تَرَدَّى وصارَ غريباً قَصِيَّا

وهذا الذي كان ملءَ الفضاءِ

خَبَا ذِكْرُهُ فى الشبابِ نَسِيَّا

وهذا الذي كان يُضْفِى هناءً

قعيدَ التعاسةِ فَرْدَاً شقيَّا

وهذا الذي كان بيتَ عطاءٍ

وجُودِ يَبِيْتُ الليالي طَوِيَّا

وللواقعِ الفَظِّ خَرَّ الجميعُ

وماتَ الذي كان يوماً حَرِيَّا

قُرَىً غيرُ تلك التي كُنْتُ فيها

تَبَدَّل وجْهُ الحياةِ جَلِيَّا

كأنَّ يداً أنْزَلَتْ ما أراهُ

يداً قد طَوَتْ قريتي تلك طَيَّا

ومَنْ كانَ.. صارَ كبيراً عزيزاً

وأصبحَ فوقَ الجميعِ وَلِيَّا

وفى كُلَّ أمْرٍ يُبِيْحُ ويُنْهِى

وفى كُلِّ شأنٍ يُدِيرُ وصِيَّا

ودارَ بنفسي سؤالٌ:لماذا؟

تأمَّلتُ فِعْلَ الزمانِ مَلِيَّا

(هَوَى البابُ فَوقِى وشَجَّ عِظَامِي)

فَمَنْ ذَا يُعِيدُ إليهَا نَبِيَّا ؟