دواءٌ لداءٍ عديمِ الشفاء

د. محمد عبد المطلب جاد

[email protected]

أستاذ سيكولوجيا الإبداع

جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية

سُهَيْلةُ  ماذا يفيد البكاء

لآخر يوم  صباح مساء

إذا كان دمعي يعيد الحبيب

لأجريت من أدمعي بحر ماء

وغسَّلت كل فراش الحبيب

وأغْرقتُْ ما فاتَ حلوَ الرداء

وجِئْتُ ملابسه الباقيات

لأبكى عليها أحرَّ البكاء

وأبقى على قبره طول عمري

لترويه عيني بغير انتهاء

وأحْفُرُ فى جانب القبر عيناً

أصُبُّ بها أدمعي كارتواء

وأحْكى له بين نفسي ونفسي

حنيني إلى جِلْسةٍ فى المساء

وشوقي للمْستهِ حين حزني

وهمسِ مناجاته فى اختلاء

ولهفتِهِ إنْ شعرتُ بضيقٍ

ونجدتِهِ إنْ أُصِبْتُ بداء

وأحكى له غربتي فى الحياة

فما عاد للعيش فيها اشتهاء

وأنِّى أعيشُ بنصفِ فؤادٍ

يعيشُ على أمل للِّقاء

**

وكم من سنين مضت إثر أخرى

وما أفلحَتْ أن تُجِيْدَ الدواء

بنفسي تربَّع حزنٌ مقيمٌ

لعشرين عاماً بغير شِفاء

أراه بكلِّ مكانٍ خُطَاهُ :

هنا كان جَنْبي هنا كانَ جاء

هنا كان يجلسُ حُلْوَ الحديثِ

هنا كان يركُضُ في خُيَلاء

هنا كان يحكى هنا كان يبكى

هنا كان يسمعُ حُلْوَ الغِناء

هنا كانَ يقرأُ كان يُسَطِّرُ

كان ينادى على  الأصدقاء

هنا كان يهمسُ لى بهموم

وكان يعاتبني فى صفاء

هنا كم جلسنا نُشَيِّدُ حُلْما

ونرسلُ أحلامنا للفضاء

ولا ركنَ يخْلو من الذِّكريات

ولا النفسُ ملَّت عليه نداء

**

أقول لنفسي إذا الليلُ جاء

سأغمضُ عيني ويأتي اللقاء

وأبقى أُصَوِّرُهُ فى عيوني

وأحكى له داخلي ما أشاء

وأحضنه بين أهداب عيني

لِأَشْبَعَ  منه بأحلى رواء

أقبِّلُ عينيه، كمْ  وْحَشَتْنِي

وأسألهُ أنْ يُطِيْلَ البقاء

وأشكو له من عذابي وحيداٌ

وأشرحُ ما أكتوي من عناء

أقول له ليتني كنْتُ رِيْحَاٌ

لآتيك من ثقب هذا الغطاء

ويا ليتني كنتُ ماءً تسرَّبَ

عبْرَ التُرَابِ ، أَمَا كُنْتُ ماء !

ويا ليتني كنتُ هذا التُّرابَ

لأبقى بقربِِكَ رغم الفناء

وأبقى إلى أن يجيءَ النُّعَاسُ

فأحضُنُهُ كليالي الشتاء

**

أنا منذ فارقتني فى انتظارٍ

وأعْرِفُ أنَّ انتظاري هَبَاء

ولا شيءَ يَحْلُوْ ولا شيءَ يبدو

عزيزاً وما للحياة بَهَاء

إذا الناس قاموا على يومِ عيدٍ

أراني أويْتُ إلى الانزواء

وفى رمضانَ يجيءُ المساء

فيروى البكاءُ صُحُونَ الغذاء

فهذا مكانُكَ يا نورَ عيني

يُعِيْدُ الجراح  لذاتِ المساء

بصمْتٍ يريْقُ الجميْعُ دموعاً

ولا صوتَ إلا نشيجُ البكاء

ونترك أطباقنا عامراتٍ

ونمضى فُرَادى نَلُوْكُ الدُّعاء

فيا غائباً لا يزالُ مقيماً

ذَبَحْتَ  الأحِبَّةَ والأقرباء

وما من دواءٍ لتلكَ القلوبِ

وما لمصيبتنا من شفاء

سوى أنْ أقومَ أصلى أداوى

جراحي مراراً بذكر السماء

سُهَيْلَةُ ماذا يُفِيْدُ البكاء

لو الدمعُ يُجْدِي لأبكى دماء

هو الصبرُ يا طفلتي فاجعليه

دواءً لداءٍ عديْمِ الشفاء