يُفْصِحُ عَن الحَقِيْقَةِ للسائِلين
حفيظ بن عجب الدوسري
لا تَسْألوا عَن لَوْعَتي وعَذَابي
كُلُّ الذي ألقاهُ مِن أسْبَابي ..
فَاصَلْتُ تَوْرِيَةَ الكَلامِ , و زَيْفَهُ
و صَرَخْتُ بِالتَصْرِيح دُونَ غِيَابِ ..
أحْرَقْتُ خَلْفِي كُلَّ أوْرَاقِ الهَوَى
و نَسَفْتُ حَرْفَ الكِذْبِ ,والكَذابِ ..
كَفَّنْتُ رُوحِي فِي سَبِيلِ عَقِيدَتي
و مَحَوْتُ كُلَّ الخَوفِ مِن مِحْرَابي ..
هَذي العُيونُ الحَائِرَاتُ تَقُودُنِي
للشُرْبِ رَغْمَ مَهَامِهٍ , و سَرَابِ ..
هَذي الحُرُوفُ الصَادِقَاتُ تَرَاقَصَت
مِثْل الحِرَابِ تَثُورُ فِي أعْصَابِي ..
تَتَزَاحَمُ الكلِمَاتُ فوقَ أنَاملي
شَغَفَاً بِوزنِ الشعرِ والإعْرَابِ ..
حَرْفِي عَنِيدٌ غيرَ أنَّ مَخَافَتِي
للهِ تَمْنَعُنِي مِن الإغْرَابِ ..
آمنتُ بِالرحمَنِ رَبْاً وَاحِداً ,
و كَفَرْتُ بِالطَاغُوتِ , والأنْصَابِ ..
فِي القَلبِ إيمَانٌ يُنِيرُ سَرِيْرَتِي ,
و شَرِبْتُ مِن وَحي الهُدَى المُنْسَابِ ..
لِي مَنْهَجٌ فِي الحَقِ لا أَرْضَى بِهِ
بَدَلاً , و لَوْ كانَ الجَمِيعُ إهَابِي ..
صَعَقَت صَرَاحَتِي الجَمِيعَ فَأصْبَحُوا
مِني عَلَى خَوْفٍ أَطَارَ صَوَابِي ..
و تَنَافَرُوا مِني لأنِي لا أرَى
غَيْرَ الحَقِيقَةِ مَنْهَجِي , و كِتَابِي ..
و تَقَاذَفُونِي بِالظُنُونِ تَخَرُّصَاً ,
و تَجَاوَزُوا الإيْجَازَ بِالإسْهَابِ ..
كَذَبُوا عَليَّ , و زَوَّرُوا لِي تُهْمَةً
مَصْنُوعَةً مِن جَوْقَةِ الأذْنَابِ ..
و اللهُ يَعْلَمُ أنَّ دَمَّ قَمِيصِهِم
مَا كَانَ مِن نَسْجِي ,و لا أثْوَابِي ..
السجنُ يَشْهَدُ لِي بِكُلِ بَرَاءَتِي
مَا يَصْنَعُ الأعْدَاءُ بِاسْتِجْوَابي ..
قَلَمِي يَثُورُ عَلَى الطُغَاةِ , و ظُلْمِهِم,
و مَبَادِئي تَعْلُوا عَلَى الإرْهَابِ ..
نَاصَرْتُ دِينَ الحقِ هَل هِي تُهْمَةٌ
أَني أُنَاصِرُ شِرْعَةَ الوَهَّابِ ..
و رَفَعْتُ رَأْسِي حِينَ نَكَّسَ رَأْسَهُ
مَنْ بَاعَ دِينَ الحقِ بِالأسْلابِ ..
حَارَبْتُ بِالكلماتِ كُلَّ مُنَافِقٍ ,
و قَتَلْتُ حَرْفَ الفَاسِقِ النَصَابِ ..
و مَضَيتُ فِي دَرْبِي الطَويل مُجَاهِداً
سَيْفِي لِسَانِي ,و المَدَى دُولابِي ..
و بَحثْتُ عَن صِدْقِ الوَفَاءِ فَلَمْ أَجِدْ
إلا خِيَانَةَ أُمَتِي ,و صِحَابِي ..
كَانَت تَثُورُ عَلَى الظَلُومِ قَصَائِدي
فَكَأنها نَارٌ عَلَى المُرْتَابِ ..
يَا وَاحَةَ الكَلِمَاتِ جَنةَ مُهْجَتِي
ثُورِي عَلَى الأشْجَارِ بِالأعْشَابِ ..
مَا كُنتُ أحْسبُ أنَّ حَوْلِي مَنْ يَرَى
قَتْلِي مِن الأصْحَابِ ,و الأحْبَابِ ..
سَتَمُوتُ كُل مَحَابِرِ الكِذْبِ التي
سَالَتْ عَلَى غِشٍ مِن الكُتَّابِ ..
سَتَعِيْشُ كُلُّ قَصَائِدِي رغْمَ الأَذَى
و سَتَرْتَقِي فِي سُلَمِ الأَسْبَابِ ..
و شَمَخْتُ مِن فَوْقِ المَنَابِرِ صَادِعَاً
بِالحقِ لا أرْضَى خُضُوعَ خِطَابِي ..
نَبْضِي هُو القُرْآنُ يَجْري فِي دَمِي
و بِسُنَةِ الهَادِي رَسَمْتُ صَوَابِي ..
و مِن اليَقِينِ خَطَطتُ دَرْبَ سَعَادَتِي
فَأنَا الشهِيدُ عَلَوْتُ فَوْقَ سَحَابِ ..
هَذَا الطَرِيقُ مَعَالِمٌ مَرْسُومَةٌ
بِالدمِّ عَبْرَ سَلاسِلِ الأَنْسَابِ ..
أَمْشِي عَلَى الرَّمْضَاءِ جَمْرِي فِي يَدِي,
و النَّارُ مِن تَحْتِي تَزِيدُ عَذَابِي ..
حَاوَلْتُ تَرْجِيعَ الكَلامِ بِحَرْفِهِ
لَكِنَّ حَرْفِي خَافَ مِنْ إضْرَابِي ,
و أَخذْتُ مِن نَفْسِي بَقَايَا حَسْرَةٍ
خَرَجَتْ عَلَى الحُرَّاسِ , و الحُجَّابِ ..
تَعِبَ القَصِيدُ مِن التَمَنْطُقِ بِالهَوَى ,
و مِن التَقَوْقعِ دَاخِلَ السِرْدَابِ ..
مَا عَادَ فِي الإمْكَانِ كَبْتُ مَشَاعِري
ثَارَتْ عَليَّ بِأسْهُمٍ ,و حِرَابِ ..
دَمْعِي عَلَى خَدي يَسِيلُ مِن الأسى
و النَّارُ شَبَّتْ دَاخِلَ الأعْصَابِ ..
صَلَيْتُ دَوْمَاً فِي رِحَابِ عَقِيدَتِي
و جَعَلْتُ رَبي قِبْلَتِي ,و مَتَابِي ..
مَا خُنْتُ دِيْنَ الحقِ ,أو قَايَضْتُهُ
بِحُطَامِ دُنْيَا مِثل وَمْضِ سَرَابِ ..
وَدَّعْتُ أَوْهَامَاً غَنِيْتُ بِغَيْرِهَا عَنْهَا,
و كَمْ بَدلتُ مِن أَصْحَابِ ..
لا أسْتَقِرُّ عَلَى المَذَلَةِ لَحْظَةً
حَتى و لَو وسِّدتُ تَحْتَ تُرَابِ ..
نَاصَبْتُ كُلَّ الظَالِمِينَ عَدَاوتِي ,
وعَزَفْتُ عَنْ فِرَقٍ ,وعَنْ أَحْزَابِ ..
رَاضٍ بِضَنْكِ العَيْشِ مَع حُرّيَتِي
مَاضٍ ,و لو أنَّ العَذَابَ عِقَابِي ..
مَاضٍ بِآيَاتِ الكِتَابِ عَلَى الهُدَى
و بسنة الهَادِي رَوَيْتُ شَبَابِي ..
حُبي هُو الإسْلامُ يَجْرِي فِي دَمِي
و مِن العَقِيْدَةِ مَطْعَمِي ,و شَرَابِي ..
أَرْنُو إلى الجناتِ أَسْلُكُ دَرْبَهَا ,
و النَّارُ بِالشهَوَاتِ كَالأنْيَابِ ..
أَحْرَقْتُ كُلَّ مَرَاكِبي فِي بَحْرِهَا
و ثَبَتُ والأعْدَاءُ كَالأسْرَابِ ..
إنّي حَزِينٌ أَننِي فِي مَوْطِنِي
أَحْيَا غَرِيْبَاً فِي حِمَى الأغْرَابِ ..
أَمْشِي و حَوْلِي مَنْ يُخَوِّنُ مَنْطِقِي
و يَقُولُ إنَّ الغَدْرَ فِي الأهْدَابِ ..
حَارَبْتُ أَهْلَ الزُّورِ مَهْمَا أَرْجَفُوا
حَوْلِي و مَهْمَا حَاوَلُوا إرْهَابِي ..
و صَمَدتُ وَحْدِي فِي خِضَمِ عَوَاصِفٍ
عَصَفَتْ بِالآلَفٍ مِن الأعْرَابِ ..
يَا مَنْ سَألتَ عَنْ الأسَى فِي نَبْرَتِي
و عَن الدُمُوعِ تَفِيضُ من أهدابي ..
في القَلْبِ أسْرَارٌ مَنَعْتُ خُرُوْجَهَا
و اللهُ يَعْلَمُ مَا حَوَاهُ جِرَابِي ..
هَذا بَيَانِي فِيهِ نَبْضُ مَشَاعِري
لِلسائِلِينَ ,و فِيهِ صِدْقُ جَوَابِي ..