مسافرٌ و وطن

مسافرٌ يرحلُ في المجهولْ

وهمٌ ... يعيشُ من فُتاتِ ذكرياتٍ تافهةْ

يلملمُ الخيالَ من ذاكرةٍ يسجنها الضياعْ

في طرقٍ يحرسها الموتُ بشهوة الوداعْ

آثامُهُ الحبُّ وقلبٌ ضمَّ في أحضانهِ السماءْ

ظلَّ غريبا يمتطي الرياحَ والشرودَ والعناءْ

ويزرعُ اللقاءْ

يصافحُ الصمتَ بليلة الشتاءْ

يقتاتُ من هجيرها الصحراءْ

روحٌ تئنُّ تحتسي غدرَ الحياةْ

مسافرٌ شواطئُ النسيانِ من أحلامهِ البريئة

خطاهُ تجهلُ المسافاتِ وساعاتِ الزمنْ

أقدامُهُ يحرقُها المسيرْ

أحبابهُ قد هجروا

رفاقهُ قد غدروا

وباتَ في وحدتهِ ينتظرُ الرحيلْ

لا وطنٌ يضمُّهُ يغازلُ القبورْ

مشرّدٌ تعيشُ من أحزانهِ العصورْ

وهمٌ  وما له أملْ

يشربُ من جراحه الدماءْ

ليرتوي شعورهُ العتيقْ

لكنهُ في ظمأٍ ... يقتلهُ الحياءْ

أنينُهُ صمتٌ ودمعةُ انتماءْ

تصيحُ من أوجاعهِ الصحاري

تسمعها الصخورُ والأشجارُ والضواري

يخترق الصدى المدى

يريدُ أن يسمعَهُ إنسانْ

يُشعرُهُ بأنّهُ إنسانْ

وليسَ في صراخهِ يسمعُهُ إنسانْ

وأنّهُ سُلالةُ الحضارةِ العريقةْ

تهدمُها في لحظةٍ معاولُ الأفكارِ والحديدِ والعصيانْ

يا وطني المهزوم من طاغٍ إلى الطغيانْ

مزّقهُ الآباءُ والأبناءُ والطوفانْ

وسطوةُ الأديانْ

يكفرُهُ إيمانُهُ

تُنقذهُ آثامُهُ

تسهدهُ أوجاعهُ

توقظهُ حضارةٌ

تذبحهُ بداوةٌ

وكلّما مرّتْ على أزمانهِ الأفراحْ

إنْ كان في أزمانهِ أفراحْ

تمحقُهُ الأتراحْ

أبناءهُ مشرّدونَ في العراءْ

نساؤهُ أراملٌ

أبناؤهُ أيتامْ

نخيلُهُ ظمآنْ

يشربُ من دماءِ من قد زرعوا البستانْ

يُطعِمُهم مِن ثَمرِ الحرمانْ

من تمرهِ يُطعمهمْ مرارْ

لأنهم تمرّدوا وطالبوا بحقِّهمْ

من سارقٍ يسرُقُ كحل العينِ في النهارْ

وجاءهمْ طوفانْ

تنفجرُ الأرضُ بمائها الدفينْ

من زمنِ النبيِّ نوحٍ جاءهم طوفانْ

في يده سيف بلا غمدٍ شَرابُهُ الدّماءْ

شرعتهُ من شرعتي براءْ

لا يعرفُ الرحمةَ في قصاصهِ

يقتلعُ الذنوبَ من أصولها

ويذبحُ الآثامَ من أعناقها

ويختفي أمانْ

مدينةٌ ينقصُها عدلٌ بسيفٍ يقهرُ الظنونْ

أصيحُ كالمجنونْ

في بلدٍ يخنقُهُ المجونْ

يا سجنيَ الكبيرْ

حرّيتي نسيتها

ولغتي ضيّعتها

وأحرفي دفنتها

يا وطنا بلا وطنْ

يا وطني الأسيرْ

وسوم: العدد 627