ما جِئتُ إلا كَي أغَنّي

جَمَّعتُ نفسي في ضَبابِ الأمنيات

ورِسَمتُ لي بأصابِعِ الشَّوقِ ارتِعاشاتِ الطَّريق

من زئبَقِ الصَّمتِ انتشَلتُ بَراعَتي..

فرأيتُني فصلًا يُفيقُ...

وكنتُ أحسَبُ أنّني فَصلٌ تَجَمَّدَ..

لمَدائِنٍ كَم عاشَ يَسكُنُها الصَّدى والرُّعب..

لُذتُ لأتّقيك!

إذ كانَ حُبُّكَ أيُّها الماضي يُحاصِرُني..

أراني منكَ، لكن لا أراني فيك

ولَكَم خَلَعتُ مَلامِحي؛ لتَكونَ جِلدي..

وبقيتَ بي مَطَرًا يَعُزُّ عَليهِ أن تَعرى ...

أكاذيبُ الرّبيعِ المُستعيرِ جنونَ صَيفْ..

لم يَبقَ مِنّا غيرُ ذِكرى أيُّها المَطَرُ الذي...

عرّى الملامِحَ من جُنونِ مَدينَتي..

وانسَلَّ مِن أُكذوبَةِ الحُبِّ العَميق.

***

ليلى تئنُ وحيدَةً بِعراقِها

والنّيلُ من وَقعِ النّدامَةِ لا يُفيقْ

وتضيعُ سلمى في ضَبابِ شآمها

والبيدُ كلُّ خِيامِها تَشكو الغَريقْ

***

مَشحونَةٌ بِصَواعِقِ النَّزقِ المُغَرَّبِ سَكرَتي

كلُّ الملامِحِ يا غَدي حيكَت بِلَيلٍ...

وانتَهى زَمَنُ الغُموض.

هيَ نَظرَةٌ مفتونَةٌ راحت إلى طينِ السُّدى؛

وعُيونُها السَّأمُ المُضَمَّخُ بالتّثائِبْ.

ومن الغروبِ إلى الشُّحوبِ حكايَتي...

ارتَحَلَت عَناصِرُها...

أنا... ما جِئتُ إلّا كي أغَنّي

***

مَسَّيتُكُم بالخَيرِ يا ألواني

يا عُذرِيَ الآوي إلى شَفَقي

راعٍ أنا؛ كم نِمتُ عن قُطعاني

ويلاهُ كَم أورَدتُها غَرَقي

يا ليلُ هل لسُداكَ أن يَنساني؟

عمري الضّياعُ، فيا رؤى احتَرِقي

ما جِئتُ إلا كي أُغَنّي

***

نامي بِعُمقٍ طِفلَتي الجَميلَةْ

موؤودَةَ القَبيلَةْ

موؤودَةَ الرّاياتِ والخُطَبِ الثّقيلَةْ

وفَقيدَةَ الحُرِّيَةِ.. الوَطَنيَّةِ.. القومِيَّةِ... الشَّعبِيَّةِ... القَتيلَةْ..

قولي بِمَوتْ...

ما جِئتُ إلا كي أغَنّي

***

ليتَ الصّدى نائمْ!

قَدْ كُنتُ أنوي أن أبُثَّكِ..

كَم أُحِبُّكِ يا بلادي

ليتَ السُّدى غائِبْ!

قد كنتُ أنوي أن أجيئَكِ حالِمًا..

كي أطرُدَ الأشباحَ من طُرُقاتِك..

كي أكنُسَ الآفاتِ من ساحاتِك..

وأحارِبَ اللّيلَ البَهيمَ المُستَبِدْ...

إذ ذاكَ أصرُخُ:

يا بلادي.. كم أحِبُّك

ما عِشتُ إلا كَي أغَنّي!

وَبَراءَةُ الكَلِماتِ مِن شَفَتي تَطيرْ

في فَجرِكِ الصّاحي

شَفّافَةً كَفراشَةٍ مِن نور

وتَخُطُّ فَقَ جبينِكِ العالي

بلادي... كم أحِبُّك

وسوم: العدد 670