بدرٌ من الماء والياقوتِ

بَدرٌ من الماءِ والياقوتِ لا الحَجَرِ

أعشى سَناهُ فمي والقلبَ لا بصَري

تاهَ اللسانُ ... فما أدري أفِتْنَتُهُ

سَدَّتْ على لغتي باباً الى فِكَري  ؟

وجْدي الذي كنتُ قد فارقتُ من صِغَري

كيف استحالَ وليَّ الأمرِ في كِبَري  ؟

لاذتْ بهِ من ظلامٍ مُقلتي وسعى (1)

قلبي إليهِ بما حُفِّظْتُ من سُوَرِ 

بدرٌ من الماءِ والياقوتِ خاطَ فمي

من الذهولِ فلمْ أنبِسْ ولم أسِرِ (2)

تَمَّتْ بهِ حُجَّتي لولا طوافُ هوىً

كنتُ اعتَزَمْتُ ولكنْ شلَّني حَذري

وفيهِ من " أورَ" مشحوفٌ يسيرُ بهُِ

زهوُ الهِِلالِ بضوءِ الأنجُمِ الزُّهُرِ

لثمْتُهُ بعيوني فاسْتشاطَ فمي

غَيظاً وما كان إلآ كِذبةً ظَفَري

عَفٌّ السريرةِ والأردانِ شَبَّ على

ماءِ الفضيلةِ والإيمانِ من  صِغَرِ

لم يُغْوِهِ الدرُّ عن طيني فصَيَّرَني

في عِشقِهِ عاشقاً قدْ قُدَّ من دُرَرِ

واسْتنْبَتَ النورَ في كهفي وأعْشَبَ ليْ

صخري وأبْدَلَني الأعراسَ بالضَّجَرِ

رأى  فؤادي رميماً لا رفيفَ لهُ

ومركبي مُبحِراً في مُزبِدٍ خَطِرِ (3)

فصاحَ بيْ يا رماداً قُمْ .. فقمتُ وبيْ

عنفُ الفتى وشبابُ العاشقِ النَّضِرِ

واتلُ الكتابَ  كتابي في الهوى  فأنا

بيْ مثلُ ما بكَ فاقبِلْ عُذرَ مُعتَذِرِ

إني أعَدتُكَ طفلاً ... فلتكُنْ أبَةً

ليْ واعتصِمْ بسراطي من دُجى العَثَرِ

كُنْ عاشِقاً لا تُساقي قلبَهُ امرأةٌ

بعدي تجِدْ لذّةَ الفردوسِ في ثمَري

أوقفتُ مائي على وادي هواكَ فلا

توقِفْ على غير مائي فيكَ من شَجَرِ

***

***

***

يا  جنةَ َاللهِ  في قلبي ويا قمراً

من الأنوثةِ أدناني من القَمَرِ

إني عبدتكِ لكنْ دون معصِيةٍ

فلتغفري للفتى ماضيهِ في كُفُرِ

مازال مُشتبِكَ الأضلاعِ مُرتجِفاً

فأمْطريهِ بعفوٍ  منكِ  مُغتفِرِ

يا آيةَ العشقِ لو تدرين ما قلقي :

أُردى إذا غِبْتِ عن سمعي وعن نظري

ويا هديلَكِ لم يعرفْ لنشوتِهِ

سمعي مثيلاً سوى تكبيرةِ السَّحَرِ

يُغْفي على دَعَةٍ روحي يُهَدْهِدني (4)

طفلاً يُؤرْجِحُهُ مَهْدٌ من الخَدَرِ

أقَمْتِ ليْ في سَماءٍ منكِ خامسةٍ

بيتاً سجا فوقهُ سقفٌ من السَّمَرِ

سَقَيْتِني شِربَةً ما بعدَها عَطَشٌ

وبُردةً من دُعاءٍ عن لظى سَقَرِ

وما زعَمْتُ هواكِ الصدقَ مُبتَدَئي

لكنَّ عِشقَكِ في سِفر الهوى خَبَري

***

***

***

باتَ المُغنّي يَتيمَ الصوتِ والوَتَرِ

أمّا الرَّبابُ فَمِنْ شوكٍ ومِنْ إبَرِ

تلهو بزورقِهِ ريحٌ تُشِبُّ لظىً

أمّا السحابُ فلا بُشرى عن المَطرِ

وحدي .. يُنادمني صمتي ويُؤنِسُني

وَهْمُ  المياهِ صعوداً عند مُنحَدَرِ

لا تأفَلَنَّ فأحداقي بها عَطشٌ

لنهرِ ضوئِكَ والأشذاءِ فانتظرِ

ما عدتُ أعرفُ ميلاداً يُؤرِّخُني

فكلَّ يومٍ وليْ مِيلادُ مُحْتَضَرِ

قد كنتُ قبلكَ محمولاً على نَزَقٍ

طاوي الجهاتِ فمِنْ ماءٍ الى جُزُرِ

أحدو وليس سوى الأوهامِ قافلةً

بين المنافي حسيرَ الحزنِ والكَدَرِ

***

***

***

أنثى كما الوَهْمُ لا جنٌّ ولا بَشَرٌ

لكنها صُوِّرَتْ  في هيأةِ البَشَرِ

عُلِّقْتُها وأنا عشبٌ يسيرُ بهِ

نحو الخريفَ لهيبٌ جائعُ الشَّرَرِ

تمشي فتحسبُ قيثاراً يزخُّ على

صخرِ الرصيفِ رذاذَ العطرِ والوَتَرِ

أو أنها روضةٌ تمشي على قدَمٍ

يلهو على كَتِفَيها شَعرُها الغجري

مَدَّتْ من الحبِّ ليْ حَبْلاً ببئرِ ضنىً

وأنْبَضَتْ بعدَ موتٍ قلبَ مُنتَحِرِ

معصومةُ الماءِ إلآ من لظى نَزَقي

ضوئِيَّةُ العمرِ إلآ من دُجى وَطَري

عامٌ وآخر  في عُرسٍ  ومثلُهُما

بين الجنائنِ والأنعامِ في سَفَرِ

ذقْنا بها في صَفاءٍ كلَّ ماتِعَةٍ

ما لمْ يذُقهُ جميعُ الطيرِ من شَجَرِ

تُقري فمي من طحين اللثمِ أرغفةً (5)

أشهى وأعذبُ ما يُقراهُ ذو بَطَرِ

بدرٌ من الماءِ والياقوتِ ليس لهُ

في أصغَرَيَّ مثيلُ الأنسِ في سَهَري

عَفُّ الضياءِ فلم يبزغْ لذي شَغَفٍ

غيري ولا امْتارَ من ماءٍ سوى غُدُري (6)

فيهِ اسمرارُ رغيفِ الخبزِ في وطنٍ

إنْ جاعَ جاعَ بنو " قحطانَ أو مُضَرِ "

وإنْ تعافى فكلُّ الناسِ عافيةٌ

أو اسْتُبيحَ فكلُّ الناسِ في خَطَرِ

عامٌ وآخر قدْ مَرّا ومثلهما ..

ونحنُ طفلانِ في نعمى من القَدَرِ

***

أديليد 22/5/2017

***

(1) إشارة الى قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )

(2) النبس : أقلّ الكلام .

(3) المزبد الخطر : صفة من صفات البحر.

(4): الدعة : الراحة ورغد العيش . وفاعل الفعل " يُغفي " يعود للهديل .   

(5) يُقري : يُطعم .

(6) امتار : تزوّد .

وسوم: العدد 722