يوميّات مَلك المغُول

 (1)

هملايا!

هملايا!

أنتَ يا منْ عقدَ الغَــيْــــمَ على مفرقـــهِ في خُيلاءْ

جعلتْــكَ الفــصَّ في خاتمها "جودي"، وذا شأنُ النساءْ

إنْ سرى الــحُــبُّ إلى أحشائهنَّـــــهْ

وهوى الحِــبُّ على أقدامهـــنّــهْ

                              (2)

قالَ: "لا إكْــراهَ في الدّيـــنِ" جلالْ

ومضى يبني لــ "جودي"

في البـــلاط الملكــيّْ

صنمًـا فوقَ الخيالْ

فاخطُــري "جودي" فما أبّهــةُ الملْــكِ العَــصِيّْ

غير ما يُـــعْــلي الجمالْ

فــوقَ ما ترفعه حُـــــمْـــــرُ النّــِصــالْ

 (3)

هُمايُونُ، يا ناصرَ الدّين، قل لي:

إِلى أَين تمضي

ولا الأهلُ أَهلٌ

ولا الدَّارُ دارْ؟

فلا كابُلٌ مثلما قد عهدتَ

                          ولا قنْدهـارْ

أرى الناس يستمرئون الظّلال

وتأسرهمْ طيِّــباتُ الثِـــــمارْ

فَيسري الوهنْ

بأعماقهم.. ويضيع الوطنْ

إلى أين ترحلُ خيلُــك يا ناصرَ الدِّيـــــــنِ؟

إنَّ الأحبّة قد حالفوا الـــــــــــــرُّوم ضِـــــدَّكَ

ضدَّ مساكينِ شعبك، ضدَّ الصّغار

وضدَّ الحساسينِ، ضد السّـــنابلِ والجلّنار

أما أدرك التعبُ الخيْـــــلَ؟

فلتسترحْ ولترحْــــها قليلا..

فإن وراءَك يومـــــــاً ثقيلا

ــــ    خذوني...خذوني إلى قندهارْ

إلى روضة علّمتني امتشاق الحسام

    وشمّ الغبارْ

فقد طال شوقي لركض الجياد التي لم تطأطئْ

ولم تتألَّــــــــمْ لوقع الحديدِ

ولم تتعلّم سوى الكـــــــــــــرِّ والفــرِّ،

لم تتنسَـمْ سوى النقْــــعِ،

               لم تتقدَّمْ سوى لتُرابط دون الديارْ

لقد طال شوقي لعشب البراري، وضوء النهارْ

فذرهم يخوضوا ويذهبْ بهم كاذبُ الظن أنَّى يشاء

فإني كما يعهد الدَّهْــــرُ:

ما كنتُ يومًا لأسْلم ســـــيفي

ولا كنتُ يوما لأسْلم ضيفي

(4)

ـــــــــ يا أيُّهــــــــــــا الملكُ المصفّى جَـــــــــــــــوْهرا

الله أكبرُ!  إِنّ دمْــــــــعكَ قـــــدْ جـــــــــــــرى

أنت الـذي فتَــــــــــــــــح البـــــــــــــــــــلادَ منيعــــــــةً

ومضى إلى سُبُل الجِهادِ مشـــــــمـِّـــــــــــــــرا

في كل شبْــــــــــــرٍ آيــــةٌ مشْـــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــورةٌ

وبكـل زاويــــــــــــــــــــــــــــــةٍ نداك مصـــــــــــــــوّرا

تعنو الجباهُ، إذا رأتـــــك، مهـــــابــــــــــــــــــــــةً

وتُذلّ كسرى، إن غضبتَ، وقيصَــــــــــرا

إِنِّي وهبتكَ فوق ما يهــــــــــبُ الهـــــــــــوى:

روحًا مجنّحةً، وجســـــــــــــــــــــــمًا مُزْهِـــــــــــرا...

لكنَّـــــــها رحلـتْ، كطيف يمامـــــــــــــــــــــــةٍ

وبقيتَ وحدك حاملاً هـــــــــــــمّ الورى...

ــــــــــ لا والذي خلق الحيـــــــــــاة وصـــــــــــوَّرا

ما كان حبّ الغيـــــــــــــد عندي أكبـَــــرا

لكنّــنــــــــــــــــي بشــــــــــــــــرٌ أزلّ وأرتقــــــــــــــــي

أنا واحدٌ يا قـــومِ من هذا الــــــــــــــورى

عقلـي وقلـــــــــــــــــــــــبي قائـــــــدان كلاهمــــــا

يحــــــــــــــــدو، فأيّهمـا تــــــــــــــــــــــراه أبصــــــــــــــرا؟

(5)

أتعبتني الحـــــــــــــــروبُ، حربًا فحــــــرْبــا

ورمتني الـــــــــــــــــــــــــــــــدروبُ دربًا فدربــــا

وبلــــــــــــــــــوت البــــــــــــــــــــــــحار مدًّا وجـزْراً

وقطعتُ البـــــــــــلاد شــــــــــــــــــرقاً وغـــــربا

أثْقلتْ كاهلي الأمــانيُّ حــــــــــــــــــــــــــتّى

جعلتنــــــــــــــــــــي لهـــا الأمانـــــــــــــــــــيّ نهـــبـا

كلّ شبر في الأرض يـــــــــــسألُ عنّي:

أترى المرســــــــــــــلات نادتْ فلــــــبّى؟

أتــــــــــــــــــرى قُدَّ عـــــــــزمه من جــــــبـالٍ

أم تراه تَعَشَّقَ الــــموتَ حـــــــــــــــــــــــبّـا؟

(6)

اِشْــــــــتَـدِّي أزمــــــــــةُ تنفرجـــــــــــــــــــي

قـــــــــد آذن ليـــــــــــلــك بالبــــــــــــلــج

وظـلام الليـــــــــل إلـى أجـــــــــــــــــلٍ

ودجـــــاه يُســــــــــــــــــــاق بمــنبــلج

وجـراحُ القلــــــــــــبِ لهـــــا أمـــــــــــــــدٌ

فلماذا القلب بهـنّ شـــــــــــــــــــــــجِ؟

وإذا مـا نـــــادتـــــــــــــــــكَ امـْـــــــــــرأَةً

فاحـذَرْ من أغْوار اللُّجــــــــج

وإذا ضحكـتْ فــــــــــــــــغوايتــــهــا

تتستّـر خلـف ســنا الفــــــــــــلِـج

وإذا هتفـتْ بـــــــــــــــك والهـــــــــةٌ

"إنّـي أهــــــــــــــــــواكَ" فلا تعـُــــج

فـوراءَ الحســــــن وبهجتــــــــــــــــِـه

تتربـَّص أسيـــــافُ الرّهَــــــــــــــــــــجَ

وإذا قالـتْ: لـكَ مملــــــــــــــكـتي

وبساتيـني فُتِحَـتْ فَلِـــــــــــــــجِ

والعِشـقُ جيـــــــــــــــادٌ مسْــــرجـةٌ

فاحـذرْ إِذَّاكَ مـــــــــــــــــن العَـــرَجِ

(7)

وحيداً على قمّة الكبرياء

أسوق الأمانيّ رهواً إلى كل صوْبِ

يبايعني العشبُ أنّى توجَّهتُ...

أزرعُ رؤيـايَ في كل دربِ

وهذي الجبالُ الشوامخُ تصغي

لوقع السنابكِ...

تمنحني قلبَها وتُلَبِّـي

أنا الملكُ المتعطِّشُ للمجدِ

منذُ انبثاقِ الخليفةِ أهتفُ:

لم أَرَ في الأرْضِ مثلَ قبابِك شامخةً شامخهْ

وضارعةً في دعاءِ

ولا نجمةَ في مدار الطفولـةِ...

ما طاوَلتْها نجومُ السماء.

وأهتفُ: مملكةُ المجدِ أنتِ

ومملكةُ العِشْقِ والحكمةِ الباذِخهْ

هبيني إِذَنْ بعض مائكِ...

ما أروعَ الماءَ مُــــنْبِجساً من شذى راحتَيْكِ

وما أَروعَ الكلماتِ التي تتدلَّى

عناقيدُها الخضرُ من شفتيكِ

تقولينَ: "أشفِقْ عليّ قليلا...

وَصُنْ ما وهبتكَ عن أَلْسُنِ الناسِ".

ما عدت أعرف أين يكون انتهاءُ الحجا

               وابتداءُ الجنونِ

فلا تنعتيني

بما ليس يَــحْتملُ القلبُ، سيدتي، واعذريني...

أبوح لكِ الآن بالســــــــــرّ:

إنْ زار غيثُك أرضي

أتتني القصيدةُ، كالبَـسْطِ،

صاغرةً بعد طول إباءِ

ليشرق بالطيبِ نبضُ إِنائي

وإن غاب غيثُك تنأى القصيدة، كالقَـــبْــــضِ، في كبرياءِ

وينضبُ ضرع السماءِ

فما ليديك تجفّانِ من بعد طول سخاءِ

وما لدلائك خاوية بعد طول امتلاءِ؟

(8)

"جَــهانْكيرُ"،

هل كان "أكبرُ" يعلمُ أنَّ خُطى المجد

                  لا تنتهي دائما بالدماء؟

وهل كان يعلمُ أنَّ البلاد التي فتحتْها السُّيوفُ

وغطّى الغبارُ مسالكها الحمرَ،

         أهونُ من قلب قانتة في العراء؟

وهل كان يعلمُ أن التقاء المذاهبِ

     أصعبُ من أن تُــــزاوج ما بين نارٍ وماءِ؟

(9)

سأظلّ محمولا على عطَشي

أسامر، مُكرهاً، فوَّارة الألمِ الذبيحِ

ولسوف أعلن غارتي

 ضدّ الهوى القزحيّ والحلم الكسيحِ

فلتُبعدي كأسيْكِ عن شفتي...

فكأسُكِ ليسَ تُطْفئ غلّتي قدر القلامةْ

       عطشي ستطفئه القيامـــةْ

لكنني سأظلّ أرسف في قيودكِ كالكسيحِ        

فأنا برغم الجرحِ سوف أُديرُ خَــدّي،

لن أضمّد من جروحي

عبثا أحاول أن أردّ الروح في جسدٍ تغطّى بالقروحِ

لكنني أبدًا أطارَد من نبالك كالمسيح

أبدًا أطارَد كالمسيحِ.

(10)

ليْتَ شعري كيف أنجو

بدمي يومَ الزِّحامِ

أتراني اليومَ قدْ أتعبتُ خيْلي في حَرامِ؟

يا إلهي!

ما الذي يفصل بين الحبِّ والشّهوة؟

ما يفصل ما بين لظى الغيرة في الحقِّ،

       وما بين جحيم الانتقامِ

(11)

إنَّــــــني متعَبٌ من غُـــــبار السَّـــــفـــــرْ

من دمي يتجــــــوَّلُ تحت الرياحِ، وتحت المطر

لكم اشتقت، آه، إلى راحتيكِ

       لأدفن عندهــمــا تعــــــبي

ولكم سقت خيلي إلى ضفّتيكِ

لأرفع عرشكِ في الشهُبِ..

غير أنّك واحدة من سلالة هذا البشرْ..

وأنا لم أزل باحثًا عن متوّجة فوق هذا البشر..

    *********

كان طيفُ الأميرةِ حلمًا بعيدًا بعيدا..

وأنا من شفاه السراب أُرَجِّي الورودا...

(12)

أشكوكَ للرحمنِ يا فيضًا حريرياً تمرّغ في الرمادِ

يا ثوبَها المرميّ، كالأحلام، فوق قِبابِ بغدادٍ،

كنجمٍ طارقٍ مثوايَ في جُنحِ السوادِ

يا من يكحّل بالسُّـــهادِ

جفني، ويجفل مثل ظبي في طرادِ

يا من تجلّل بالتقى زمناً،

وأوغل في طريقِ الزهدِ،

حتّى لان، كالنجوى، قيادي

فهوتْ على قدميكِ روحي،

واستبدّ بأضلعي حلم تغلغل في فؤادي

يا منْ تُــــخــبّــئُ في يساركَ من كنوز الشرقِ

ما ناءت مفاتحه بما أعطى جوادي!

أرنو إليك فلا مآذنُ أصبهانَ تحدّ من صوتي الجموحِ،

ولا قبابُ القيروانِ تردّ أشواقي،

ولا أســـوارُ طنجةَ أسلستْ ليَ أمرها بعد العنادِ

ما عاد لي شيء من الأمر المعظّم مذ عرفتك،

واستويتُ مملّكا،

       ترنو إلى نجواي أعناقُ الجــيادِ

يا ثوبها الريَّانَ، يا وردِيُّ،

       يا مَلَكًا تألق كانبثاق النّجم في كون السوادِ

لا تغتسل بدم الشهيد، ولا تكحّل نــاظريكْ

ماذا لَو اَنِّي ذاتَ فجرٍ أصبحتْ خيلي لديكْ؟

ماذا لوَ اَنِّي قد تلوتُ عليك بعضًا من جراحاتي؟ 

أَتُقبِلُ والسَّلاسلُ في اليدينْ؟

أتُــراك تَقْبَلُ أَنْ نقومَ مُبايِعَيْن؟

(13)

إن يسألوا عنّي، أقلْ:

حلمي المؤجَّـــــــلُ أن أراكْ

وخطيئتي الكبرى هواكْ

لم يبق لي من إرثكِ الميمونِ إلا وردةٌ ذهبيّةٌ

تغفو، كمصباحٍ، على صدر الوليدةْ

تحكي عن الحبّ الذي قد كان َفي العُصُرِ البعيدةْ

وتقول: قد رَحَلَتْ، فهل رَحَلَتْ مودَّتُها؟

ــــــــــ لقد رحلتْ، فلا ترقبْ رجوع (سَبُو) لمنبعه،

ولا ترقب رجوع الياسمينِ إلى حقول النوّر وارفةً مديدةْ

لم يبقَ من ميراثكِ الورديّ

غيرُ حمامتين تُنَقِّرانِ على زجاج نوافِذِ القلبِ الشريدةْ

وتُصَلِّيان، تشيِّعانِ دَمَ القصيدَةْ

وتُرَفرفان غداً على جَدَثِ،

فوا أسفي على الحبّ المكَفَّنِ،

مثل نافلةِ الطّعامِ المــــُــــــــــرّ، في صَدْرِ الجريدةْ

(14)

لَمْلمتُ أشلائي وقُــــــــــــــدْتُ جـــــــــــــــــيادي

من بعد ما طَعَنَ الحبيـــــــــــــــــــــــــــــبُ فؤادي

"جــــودي" تخونُ الــعهْـــدَ؟ أمْ عبثـــتْ بنــــا

ريـــحٌ جرتْ من خيمــــــةِ الـــحُـــسَّــــــــــــــــــــادِ

أمْ أنّ غـــــدرَ النّــــاسِ صار ســجـــــــيَّـــةً

فـــاحْــذرْ بوائِـــــــــــــــــــــــــقَ رائـــــحِ أو غـــــــادِ

وا ضيْعةَ العُمْرِ الــــــــــــــــذي أنفَـــقْـــــــــــتُـــه

أبغي الســرابَ مــــــــــــــولَّهَ الأكبــــــــــــــــاد

ضيّعتُ عمري في انتظار نوالِـــــــهِ

ونَــــــــــوَالُهُ أرضٌ بغيـْـــــــــــــــــــــــرِ سمــــــــاد

الخيْلُ خيرُ مصاحبٍ فانفرْ فــــما

في الأرض غير الـــــــشرّ والأحْقاد

واحذرْ من الدنيا فحلْوُ رضـــــاعها

موصولـةٌ أسبـــــــــــــابــــــــهُ بنفــــــــــــــــــــــــــــــــادِ

ونعيمها كـــــــــــــــــذبٌ، وريِّـــقُ مائـــــــها

كَدَرٌ، وصالحُها إلــــــــــــى إفســـــــــــــــــادِ

فَقُدِ الجيادَ، وخُـــــضْ لمجدك أَبْحُرًا

فالعزّ فــي الإتهــــــــــام والإنجــــــــــــــــــــادِ

هي كبرياءُ الصّــــــــقر بعد جراحــــــــِــهِ

تَعْلُو على الأَضغانِ والأحـــــــــــقـــــــادِ

أَيكون ديكُ الجـــنّ أكـــــــثر حـــــكمةً

منّي وأحزَمَ؟ واضيـــــــــــــــاع رشـــــــــــادي

(15)

يا ربّة الحسْن البديعِ، ونبْــــــعـــــــــة الشِّـــــــــــعْــــــــــرِ

أدعوتني للبرّ أم للإثم؟ لا أدري

لكننــــــــــــــي أدري...

أني وإن أخطأت في أمري

فهواك أجمعه يَحُوك، يَحُوك في صــــــــدري

(16)

ترفّق قليلا

حبيبيَ واسمعْ دعائي!

لماذا تفرّ الحساسين منّي؟

لماذا تغيض بحار الضياء؟

كأنّ يدي لم تكن مـــرَّةً

سوى للخرابِ وسَــفْــكِ الدّماء!

كأنّي رهينٌ بنزعِ النُّـــــــــفُــــــــــــــوس

وقتل الشّيوخ، وأسر النساء!

كأنّ البلابلَ ما سمعتني أُرتِّل شعري

وأعزف فوق جراحي

وألعق حزنيَ في كبرياء

كأنِّيَ ما سقت يوما لقومي

صروحاً مُمَرّدةً

وبساتينَ سابحةً في الضياءِ!

(17)

وأنا أتربَّــعُ، كالنّسر المكلومِ، على قمّة أحزاني

وأمدّ إلى المجهولِ حبالَ جنوني الصوتيّــــــة

يتوغَّل من خلف الأبعاد فمٌ/كالطلّ، يناديني:

تلك القانتةُ العابدةُ الخاشعةُ السّابحةُ المرضيّةْ

تلك المخبوءةُ كالدرّ المكنونِ،

بجوف حجاب التّــقْوى القدسيّة

تمضي عنك بعيدًا

كالحلْم بعيدًا...

ترحلُ مثلَ عروسِ البحْـــر إلى الأعماق المنسيّة

ترحّل، كالنّجم الثاقب، نحو جزيرة حبّ ورديّــةْ

هي تنزح هاتفة: "إنّــــا مشتاقون لكم جدا"

وفؤادك أنت يداري الشّوق النّازح دمْــعَـــتَــــك المسْبــــــيّة

قلت: فماذا أحمِلُ، يا بنت النور، هديّـــةْ؟

قالت: لاشيءَ سوى أن تخترق الآفاقَ،

وتزرع في القلب قصيدة شعر سحريّـــةْ

أواه! كم بين المشرق والمغرب من سنةٍ ضوئية

عُــمْــرٌ يتصرَّم منفلتًا كالبرقِ، هيَا مجنون،

وأنت تداري الشّوقَ بــظلِّ حِــــــباءٍ منْ ورقٍ

والصّمْتُ يصبّ الوحشة في دمك المسْنونِ

فتُعضي أنتَ، ويُعضَى من عزلتك الصوفيّـــــــةْ

يا أيّتها المغموسة في بحر التقوى

يا خيمـــةَ حُبٍّ عربيّـــةْ

غاض "الكنْــجُ"، وقد ولّـــيْــتِ،

فليس لــدَيّ على البعد سوى نهرٍ

ينبُع من أرض لساني

يتفجَّـــرُ بالشُّكر وبالدّعوات إلى الملك الديَّان

كي يحفظ تلك القانتةَ، العابدةَ، الخاشعةَ، الوارفةَ الأفنانِ

قال الحَــــــــــــزَنُ الرَّابضُ في أوردةِ الصّبّْ:

مولاتُك قد نشرتْ في عمق الليلِ ضفائرها لحبيبِ القلْبْ

وحبيبُ القلب الفارسُ ضيّع خاتمه السحريَّ بقـــاعِ الجبّْ

(18)

على صدر "سيتـا" نوافيـــرُ مجـدِ

وفي شفتيهـا أعاصــيـر وجْــــــــــــــــــدِ

علـى كتفيهـا يحــــطّ الحمــــــــــامُ

وفي مقلتيهـا هـــــــوى وضــــــــرامُ

وخلف الجفـون نجـومٌ مخبّـأةٌ

وشمـوسُ نـــــــــدى لا تــُـــــــــــــــــرامُ

كـأَنّ مزاميرها شفـةُ المــــــــتنبّـي

تلفّ الوجـود، وتطوي الزمـان

وتُرسلُ عندلةً لحبيبٍ بعــــــيدٍ.  بعــــــــــيد..

على صـدر "سيتا" بقايا نـــــــــــــشيـد

وأرجـــــــــــــــوحةٌ مـن ضـــــــــــــــــــــــــــــــيـاء

وأهتفُ بالبحـر:

يا بَحْرُ، أَبْحِرْ معي

فسوف تضيعُ ضفافك في ضفّتيها

ويَغْرقُ موجُك في موجتيهــا

وتـورق، عند شواطئها المشتهـاة

بساتـينُ كـرْمٍ...ونخل نضيـدْ

(19)

تحت المطر الهدّارِ، أنا المصلوبُ على شجر الأيام أنادي:

آهٍ "جيتا"!

عودي يا بنت النور،

هلمّي! فُكي بالله أسيركِ من لهوات الحبِّ القاتلِ

                             إنَّ الأعداء لنا بالمرصادِ

صَخبٌ...صخبٌ...وركامُ قتادِ..

"عودي جيتا!"

ويطوف ندائي المبحوحُ فجاجَ الأرضِ،

يطوف ليرجع نحوي منكسر الأبعادِ

حتى، يا قلبُ، إذا استيأستُ،

 وقلتُ: لقد أسْلَمنا الأحبابُ،

بدا طيفك يعدو من خلف الآبادِ...

"جيتا!"

يا أيّتها القدِّيسةُ، إني أعددتُ الفُلْكَ،

فلا بأس إذا فار التّــنُّـــورُ

وسال المطر الهدّار بأعماق الوادي...

(20)

طرقتْ كفُّ الأقدارِ الغالبة البابَ المــُــغْـــلَـــقْ

فأطاع القلبُ وأسلم طوعًا للإذعـانِ

وهززْتِ بجذعِي فاسَّاقطَ قلبي في كفِّكْ

(21)

قد كنتُ وحيدًا في الجنّـــةْ

تجتاب الوحشةُ أرجائي

فأراد الله له المــــــِـــــنّــةْ

أن يكشف عنّي ضرّائي

فإذا أنواركِ مشرقةٌ

تسري هوناً في أعضائي

وإذا أشجارُك مورقــــــــةً

تسَّاقطُ بالثَّــمَــــر الداني

حين التقمتْ قلبي أنفاسُك في الأسحارْ

ضاع العطْـــــرُ الفوَّاحُ بأرجائي..

(22)

يا ليتَ بقيتِ بلاداً موصدةً

لم يفتحْــــها ملكُ العشّاقْ

يا ليت حياضك لم تبرح عندي حرَمــاً...

أو ناراً موقدةً لا يأمنها قلبُ المشْتاقْ

يا لَـــيْـــتِي لم أهدمْ أسواركِ

 لم أغنمْ أنْــــواركِ

لم أعرفْ أسراركِ

            لم نكتبْ، يومًا مولاتي، أقدسَ ميثاقْ

يا ليت فؤادي لم ينعمْ أبدًا بفواكهك الأخَّاذةِ،

لم يقطع أبدًا معك الآفاقْ

يا ليت فؤادي صار كــمثــلِ الأسَــدِ الحجريِّ

                              الــرَّابض في إفرانْ

لا تلمسُه الأحزانْ

إنَّ الظمأَ الفوّارَ أحبُّ إلى نفسي

مِنْ شُرب الهيم، ومن ريٍّ يتبعه الإحْـــراقْ..

آه لو أنا لم نشربْ من كأس الأشـــــواقْ

لو أني لم يحملني معك التَّـــــيَّــــارْ

لم تسقط في يدنا الأقمارْ

(23)

حين التفَّتْ أشجــــــــارُكِ من حولي

ثمّ انتشرتْ غابات الأرز مبشّرةً

برياحين الحبِّ الغالبْ

ثم انطلقت أسرابُ ظبائك في صدري كالغيمة،

 غلّقتِ النفسُ الأبوابْ..

حينَ انطلقت كالموتِ رصاصة إعراضكِ

                  نحو مياديني البيضاءْ

جفَّــــــــتْ مثل الحطبِ اليابس

كلّ الأعضاءْ

حين احترقت سفني

كان رمادي تذروه الريحُ بيوم عاصفْ

والقلب الراكع في المحرابْ

تتلقفه الأنواءْ

مشدوداً كالقوسِ العذراءْ

(24)

ها إنّي باسم الرحمنْ

أدخل معتزلي..

وأفتِّحُ شرفات الأحزانْ

مثل المجنونِ، أخطُّ إليك خطاباتٍ لا أرسلها

وكتابات لا يقرأها غيري

وقصائدَ حبّ ضوئيـــــةْ

أستودعها عند الفجرِ

شفة النّهرِ

وأراوِدُ فاكهة النسيانْ

لكنك تنتشرين كبقعة نور في الوجدانْ

فتمرّ الريــحُ لتنقض ما غزلتْ كفُّ الأشعارِ

ولا يبقى إلا ما قد خطَّـــتْـــــهُ يد الأقدارْ

يا سيدة الأقمارْ

إني أتهاوى الآن كبنيانٍ أخذتهُ النارْ

إنّي أنهــــــــــــــــارْ

        أنهـــــــــــــــــــــــارْ..

              أنهـــــــــــــــــــــــارْ..

(25)

الآن، ونحنُ كمن يعدو في الــبَــرِّيّــــةْ

لا يسمع صوتكَ يا حيرانْ..

إلاّ هذي الشطآن المنسيّــــــةْ.

(26)

من لقّنك الإبحارَ إلى أغوار النَّفسْ؟

من علّم خيلكَ أن تدخل ليلا محرابَ الشَّمسْ؟

من علم نحْــلَكَ أن يشْتار شفاه الشَّــهْدْ

كي يتغلغل في الأعماقْ؟

من علّم صوتك أنّ الحبّ كتابٌ ليليُّ

لا تخطئه، رغم الظُّلَمِ، الأحداقْ!!

سافرتُ كثيرا..وكثيرا..

وقطعتُ بحورا..وبحورا..

ذلّلتُ الأهرامَ.. وتاجَ محلٍّ  ..وقلاعَ الرومْ..

ناجيتُ محاريب الشامْ..

وقباب الآستانة

سيّرت سفينةَ عمْري..

من نهر الدَّانوبِ إلى كنجا جمنا...

لكني لم أعرفْ من قبلُ بأنَّ سَبُو

سيلقّنني أنّي ما زلتُ، برغم فوات العمْــرِ، غَريرا.

(27)

حين التقمتْ قلبي أحلامُك في وسط الليل المطبق

 ضاع الطيبُ بأرجاء الدنيا..

وانطلقت أسماكُ سَبُو سابحةً نحو المطلقْ

حين التقمت قلبي أنفاسك في الأسحارْ

نَبَتَتْ في بيداءِ القلبِ الأشجارْ

(28)

اركضْ.. اركضْ في البرّيّـــةْ

واستنشق يا قلبي أنسام الحُريّــةْ.

اركضْ.. اركضْ..

لا تُشفقْ يا محزونُ على جسدٍ

كم أوردنا ماء الأحزانْ

كم شرَّدنا...كم أضرم في دمِنا النيرانْ

اركض يا قلبي، واستأنس بالوحش الكاسر، بالغربانْ

فالصّاحب خانْ

وإذا ما فاتنة هتفت: "إني أهواكَ؟"

فقلْ: كذبٌ.. زورٌ.. بهتانْ..

يا غابات التفّي...التفّي...

بالله عليكِ، على قلبي الظمآن..

وخذيه بالأحضانْ

وهبيه، أيّتها الغاباتُ، هبيــه كأسَ السّلوانْ.

(29)

إِنِّي رضيــــــــــــــــــــــــتُ بأن تكــــــون نصيبي

من هــــــــــــــــــذه الدنيـا، وباقــــــــــــة طيـــــبي

من كـــــــــــــــان قبلك يستفـزُّ قصـــــــــــــــيـدتي

فتضيء مثـــــــــل الشمــــــــــــــس بعد غروبِ؟

من كان يملك أن يبــــــــــــثَّ بأضــــــــــــــــلعي

أسرار هـــــــــــذا الكون دون لــــــــــــــــــــغوبِ؟

مـــــــــــــــــــن كان يحمــــــــــــلني إلى أنـــــــــــــــــواره

فيرى الفــــــــــــــــــــــؤاد بدائــــــــــــــــــــع المحجــوبِ؟

من كان يدخـــــــــــلـني إلـــــى محْــــــــــــــــــــــــــــــــــرابـه

فأنال مــــنه مـــــــــــــــــــــــــواهب المحبـــــــــــــــــوبِ؟

من كان يقْـــــــدر أن تشفّ مدامــــــــــعي

فإذا دمـــــــــــــــــوعي كاشـــــــــــــــفات كروبي؟

وإذا همَتْ منك المدامـــــــــــعُ طاعَــــــــــــةً

لله صار الأمـــــــــــــــــر جــــــــــــــــــــــدّ عجيـــــبِ:

تجلـــــــــو لديك حقائـــــــــــــــــــــقا ودقــــــــــــائقـا

ورقــــــائقــــــــا تحيي مـــــــــوات قلـــــــــــــــــوب

والحزن ينبت فـــــــــي بســـــــــــــاتيــن الرؤى

من كـــــــــــــــلِّ غصن بالجمــــــــال رطيـــــب

ويُقيمُ حيـــن يخِرّ كــــــــــــــــــــــــــلُّ ممــــــــــــــــــــرَّدٍ

ملكوتَ عِـــــــــــــــــــــزٍّ فائــــــــــــــــــــــــــق الترتيــب

وإذا أنا كنت اكتــــــــــــــسبتُ خطيـــــــــــــــــئةً

يوما فلا تُـــــــعْـــــرِضْ، فأنــــــــــت حبيبــــــــي

(30)

ألقيتُ مصباحي على الطُّـــــــــــــــــــــــــــرُقِ

حتى سرتْ نجواك في الأفُــــــــــــــــــــــــــــــقِ

ولباســـــــــــــــــــك الـــورديّ مؤتلـــــــــــــــــــــــــــــــــــقٌ

نوراً، كوجه البدر في الغسَـــــــــــــــــــــــــــــــقِ

فـإذا شراييـنـــــــــــــــــــــــــــي كوالهـــــــــــــــــــــــــــــــــةٍ

قد أشرفت يومــــــــــــــــاً علـــــــــــى الغَـــــــــرقِ

ناديتُ في صــــــــمتٍ. أتسمَـــــــــــــــــــــعني؟

أتـــــــــــــــرى ستنقذني مـــن القلـــــــــــــــــــــــقِ؟

حتَّــــــــــــــــــى إذا وافيتُ مرتعــــــــــــــــــــــشًـــــــــــــــا

أشكو لها ما كان مــــــــــــــــــــــن حُـــــــــــــــرقي

طلع العتاب كهَــــــــــــــــــالةٍ عـــــــــــــــــــــــــــــبـَرتْ

فوق الشــــــــــــــفاه، ولهفــــــــــــــــــة الحــــــدق

حتـــــــــــــــى إذا ما أبصــــــــــــــــــرتْ ألمـــــــــــــــي

كالصــــــلِّ ملتفّـــاً علـــــــــــــــــــى عنقـــــــــــــــــي

ألقت علـــــــــــــــى قلبــــــــــــــــــي مباهجــــــــهـا

وتلقّفتنـــــــــــــي  بالرضــــــــــا العبــــــــــــــــــــــــق.

(31)

وصالك نارُ

وهجرك نارُ

وما بين نارين أسّســــت جرحــــــــي

إذا غبت عني أثـــــــــــــــار الهــــــــــــــوى

زوابع نفس تحـــــــــــــــــاول ذبحــــــــــــي

وإن جئتنـــي قَـــــــيَّــــــدَتْـــــــــني التُّــــــقى

وقام العفاف يؤصّل جُــــــــــــــــــــــرْحِي

فمنْ لي بوعْــــــــــــــــــــــدٍ يُبشـــــــــِّر ذاتي

من بعد ليلي الطـــــــويل بصـــــبحِ؟

(32)

     يا حبيبي أنت وحْـــــــــــــــــــــــدَكْ

      مــــــــــــــــــــــــــــــن تحمّلْتَ جنوني      

      مـــــــــــــــن لهذا القلب بــــــعدكْ

      يحتسي كــــــــــــــــــــأس الظـــنون

(33)

صار طيفا

وجهُك الغالي الذي كان ربيعا ليس يخفى

وشموسًا ليسَ تُطفا

فلماذا صار أخفى

أترى أخلفـــــت وعْــــــــــدا

أم ترى ضيَّـــــعت عهدا

صار قلبي مستغيثا:

لا تغيبي

لا تغيبي

عن حياض الروح يا شمس حبيبي

فظلام الليل والشــــــــكّ الرهيبِ

صار سيفا

مصلتا يعلو كياني

ويبث السُّقم فيما هيأته صبواتي من دنانِ

(34)

لك ما شئت من الصفح الجميلْ

فأجرني من عذاب الشك والصمت الطويلْ

أنت أوقدت بأعماقي ثــــــــريَّــــا المستحيلْ

أنت في الخمسين من عمري تناهيتَ،

فأجّجت لهيب الشوق في صدري،

                 وأطلعت بساتين النخيلْ

فإذا الأيام روض، وإذا الأيك هديل

فلماذا أيها الغائب،

أوصدتَ بوجهي بابة الصبر جهارا

فإذا الأرض يبابٌ

وإذا الحلم قتيــــــــــلْ

(35)

تَغَرَّبْتُ عشرينَ عامـًا

وها أنذا بعد طول انتظارْ

أعود إليك

وحبُّك في القلب نافورةٌ من حنينْ

لقد مَنَحَتْنا الليالي الثقيلةُ أسرارها

زوّدَتْنا بأَقْسَى الثمار

وأشهى الثمار

لأني أحبُّكِ يا قندهار

نحرتُ جوادي

لضيفك، هذا المهاجرِ من أرض بلقيسَ

هذا المجلَّلِ بالنور والصَبَواتِ المنيفةِ

هذا الذي راودته الجبالُ

فلم ينكسر عزمُه، أو يلنْ للنُّضار

وخلَّفَ من أجل عينيكِ تيجانَ كِسرى

وجاءك يسعى

إلى أن أتى باب أطفالك المتعبين

فألقى عصاه

ورتّل ما قد تيسّر من سورة "الأنبياء"

لأني أحبّكِ يا قندهارْ

أويتُ إلى ظلّكِ المتألق من نظرات الصغارْ

وفوقهمُ سُحُبُ القَصْفِ منذرة بالدمارْ

ولكنهم علموا أنّ سُهدَ الليالي

              وحُزْنَ الليالي

                 وجوعَ الليالي

يبشّر أعداءهُمْ بالرّدَى

ويبشِّرُهُمْ بانتصارْ

(36)

سَـلّ الهُـمـامُ السَّــــــيْــــــــــــــــفَ ثــــــــــم تقــــــــــــدّمـا

ورأى خيـــــــــــــــــــــــــــــــال غزالـــــــــــــــــــةٍ فتجمجمـا

"جودي" بدتْ، والحسنُ بعضُ سلاحــــــــها

وبهاؤهـا بدهائهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا مستحكمــــــــــــــــا

نطقَ البهـاءُ الفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذّ، فهـو مبيّـــــــــنٌ،

لمــــــا رأت أنّ الدهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء استعجـــــــمـا

قالـت، وقــــــــــــد رأت الْهُمــــــــــــــــــــــــــامَ مُصَمّــــــــــما

يهـوي علــــــــــــــى تلـك الحجــــــــــــــــــــــارة والدُّمـــى:

"مهلاً، جـــــــــــــــــلالَ الدين، يا شـــــــــــاه الورى

المجد؟ ليس المجْــــــــــــــــد في سفك الدِّمــــــــا

هــــذا سبيلُ المجـد فاضـــــــــــــــــــــــــــــــــت كأسُـــــــــه

بالحبّ، فاشربْ أفتــــــــــــــــديك بمــــــا.. ومــــــــــــا..

(كارمــــــــــــا) (جنانا) (باكتي) هـي هـــــــــــــــذه

سبل المعـــــــــــــــــــــــــــالي إن تكـن مســــــتعلمــــــــا

فالحب زاد العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارفـين ونورهـــــــــــــــم

والحبّ أَعْذَبُ ما شربت على الظــــــــــــــــــــــما

مهلاً، جـــــــــلال الدين! دونك أضلعــــــــــــــــــــــــــي

فاجعـــــــــــــــــــــــــــــــل سريرَك أضلعـي وتنعّـــــــــــــــــمـا

واجعل، إذا ظمِــــــــئَتْ شــــــــــــــــــــفاهُك لـــــــحظةً

شفتيّ كأسك، لا تكـــــــــــــــــــــــــــــْن متأثــّـــــــــــــــــــــــــــــــما

(سيتا) الجمـــــــــــالِ أنا إذا استصحبتنـــــــــــــــــــي

وأنا، أنا (جيتا) التي لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن تهرمـــــــــــــــــــــا

فدمُ الشباب علـــــــــى ضفافــــــــــي مشْــــــــــــــــــــــــرقٌ

أبــــــــــدا، ألا فلتتّخــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذ لك سُلّمـــــــــــــــــــــا

نم يا حبيبي، نم علـــــــــــــــــــى صـــــــــــــــــــــدري إذا

طال السُّرى، واجعـل عـــــــــــــيوني أنـــــــــــــــجما

لك أنت وحدك من كـــــــــــــــــنوز حديقــــــتي

ما تــــــــــــشتهي، فاجعل كنــــــوزي مغنمــــــــا

وأرِحْ جيــــــــــــادك، إنّني فــــــــــــي أضـــلـــــعـي

هيّأتُ عرشك، والفؤاد لك الحــــــمــــــــــــــــــى"

وغفا الهمـــــامُ على شجـــــــيّ حديثِهــــــــــــــــــــــــــــا

وغـدَا، وقد نطـــــــــــــــــــق الجـــمـال، متيّــــــــــــمـا

لم يـــــــــــسـأل الأيّـــــــــــــــــــــامَ عن غزواتـــــــــــــــــــــه

لم يســــــــــــأل الإسـْــــــــــــــــلام عمّـا قدّمــــــــــــــــــــــــــا

لم يسـأل الأحـــــــــــــلام عن صـــــــــــــــــــبـــــــواتـه

تبني وتـهــــــــــــــدم إن بـنى أو هـــــــــــــدّمـــــــــــــــــــــا

لكنـــــــــــــــــــهـا الأوهـــــــــــــــام تهـــــــــدم ما بـنــــــــــــى

وتُقيّـد الصـــــــــــــــــــــــــــــــبّ الغريـــــــــــــــــر المغرمـا

يا فــــــــــــــــارس التّـــــــــــــــــــــــــاريخ إنّ الحبّ في

ظــــــــــــــــــــــــــــــــلِّ العـــــــــفـاف مقدّسٌ فــــــــــتعلّمـا ..

مشـــــــــــــت الغزالةُ حول عرش فــــــــــؤاده

تبغيه، من دون الخــــــــــــــــــــلائق، مغنمـا

حتى إذا طـــــــــاف الهــــــــــــــــــمامُ تباعــــــــــدت

وأبت شفـــــــــــــــــــــــــاه الحــــسن أن تتكلّمـــــا

أين الغـــــــــــــــــــــــمامـةُ؟ مزّقت أســـــــــتارها

سكـت الهزار فلـــــــــــــــــــــــــم يعدْ مــــــــــترنّما

(37)

خيّرتِـــــــــــــــني، مــــــــــــــــــــــــــــاذا إذن أختــــــــــــــــــــار؟

إني برغم تجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاربي مُــحْتــــار

خيّرتني بين المناصـــــــــــــــــلِوالمــــــُـــــــــــــــــــــــــــــــدى

أيكون بين القاضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيين خـــــيارُ؟

إنّي اصطفيتكِ فامنحيــــــــــــــــــــــــــــــني فرصــــةً

كي تســـــــجد الأفلاك والأقمَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارُ

يا واحـــة الأشْــــــــــــــــــــــــــــــواقِ، بستان الهـــــوى

يــــدعو،وتولــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد عنده الأنـــــوارُ

والـــــــكأس؟ لا تأثيم حـــــــــــــــــــــــــــــــين تـُــــــــــــــدارُ

عن ســـــرّها تتكشــــــــــــــــــف الأسْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرارُ

فإلى مــــــــــــــــــــــــــــتى تتشبَّـــــــــــــــــــــث الدنيا بنــــــــا

ومتاعُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها، يا واحـــــــــــــــتي، منهَــار؟

والسانحــــــــــــــاتُ لذيدهُـــــــــــــــــــَّن منغّــــــــــــــصٌ

والــسابحاتُ طــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوالهنّ قصــــــــــــــــارُ

طُوِيَتْ من العمْـــــــــــــــــــر الجميل صحـــــائفٌ

فإلى متــــــــى الإقبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال والإدبــار؟

وإلامَ نخشى الناسَ، تمنــــــــــــــــــــــــــــع خطونا

عن شرعةٍ أوحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى بها الـــــــــقهار؟

تعبت ركائــــــــــــــــبُــــــــــــــــــــنا وتلــــــك أمـــــــــــــــــــــورنــا

شتى، وهـــــدّت خيْـــــــــلَـــــــــــــــــــــــــــــــــــنا الأســـــفـارُ

وأنا الذي أحْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرقت كلَّ مراكـــــــبي

لما أتيتك، وانتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى الإبــحـــارُ

أتــــــرى انتهــــــــــــــــــــــــــى؟ كلا ، فتلك بدايــــــــــــةٌ

وغدٌ قــــــــدُ اسْدِلَ دونــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه الأستـارُ

أني أتيتُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك عاريًا، لا إرث لي

إلا اشتعال القلْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبِ والأشعـارُ

فتقبَّلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيني إنني الملـك الـذي

ينفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــضُّ عنه الجنــــــد والأنصـار

وتلقَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفته في الحــــــياة مفــــــــــاوزٌ

ورمــــــــــى دعائـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمَ ملكه الإعصــــار

فأوى إليكِ مشـــــــــــــــــــــــــــــــــــرّدا مســـــتـــرشدا

لا زاد إلا الريــــــــــــــــــــــــــــــــــــحُ والأمــــــــــــــــــــــــطـار

أنتِ الدليلُ إلــــــــــى ظــــــــــــــــــلال مديـــــــــــنةٍ

تهفـــــــــو القلـــــــــــــوب لهنّ والأبصــــــــــــــــــــــــــــارُ

فإذا تبدّت في الـــــــــــــــــــــــظلام ركابــــــــــــــــــهم

وسرت عيـــــــــــــــــــــــون القوم وهــــــــــــــــي كثار

فاستـــــــــــــــــــــعصمي بالله يا صدّيقتـــــــــــــــــــي

أنت الحمــــــــــــــــــــــام لنا، وأنـت الغـــــــــــــــــــــار

نســــــــــــــــــــــــعى إلى اللقيا، فــــــإن عزّتْ مُنًى

فأمورنا تـــــــــــــــــــــــــــــجري  بهـا الأقـــــــــــــــــــــــدار.

(38)

وداعاً فهذا أوانُ الرحيل

وماذا ترى بعد شمس الأصيل؟

وداعًا فهذا زمانُكِ أنتِ، وليس زماني

وهذا أوان اشتعالِ فواكهكِ الذّهَبِيّةِ!

لولاكِ ما جئتُ بالسّيفِ والأقحوانِ

ولا دخلتْ كلماتِي مملكةَ الشمسِ في مهرجانِ

وداعًا،وإن كنتِ ما زلتِ تحتفلين معي بالنشور

وما زال صوْتُكِ يَسْكُنُ صوتي.

ويفرش خطويَ بالياسمين

وداعًا فهذا أوانُ انطفاءِ السِّراج الذي تحت أضوائِهِ

كشفتْ صبَواتِي كنوزَكِ للناسِ..

سوف يُهِيل الأنامُ عليّ الترابْ

وتبتعِدُ الخطواتُ قليلاً قليلاً

ويتركني الأهلُ والأصدقاءُ

فلا تتركيني وحيدًا مع الوحشةِ الظالمـــةْ

هبيني قليلاً من الدمع: إن كنت واهبةً، يا ملاذي،

                                      وإضمامةً من دعاء.

دعيني ألامسْ شواطئكِ الخضرَ قبل الفراق قليلاً

لأرفع فوق قبابكِ آية عشقٍ

وقافيةً لن تحولاَ 

(39)

لا غالبَ إلا اللهْ!

لا غالب إلا اللهْ!

تاه القائدُ..

ماذا يبقى إن كان القائد تاهْ؟

لا غالبَ إلا اللهْ!

لا غالبَ إلا اللهْ!

من علّمنا الأسماءَ، وعلّمنا الأشياءْ

خرج العشّاقُ وما حملوا

في رحلتهمْ زادًا إلا أنداء الشوق إلى الجــنّــــــــةْ

ركبوا سُفُنَ الحمدِ، انطلقوا..

قطعوا بحرًا..

نزلوا جبلا

قالوا: لا غالبَ إلا اللهْ،

بلغ العمرُ أشدّهْ

وانكسرتْ رايات الفتنة والردّةْ

لا غالبَ إلا اللهُ، له المنّـــةْ

من أذهبَ عنّا الحَزن القتّالَ،

وأورثنا هذا البستانْ

نتبوّأ منه حيث نشاء.

(40)

لا غالــــــــبَ إلا اللّهْ.

لا غالــــــــبَ إلا اللّهْ.

وسوم: العدد 726