يا طائِرَ الحَرمين

بلا عنوان

من أين أبدأ؟.. جفَّ.. جفَّ لساني

أيطيعني في النائبات بياني؟

منْ أين أبدأ؟ ..والحرائق في دمي

مسجورة.. وتهدّ من بنياني؟

الليل شاد قبابه في أضلعي

وسرت خيولُ النَّار في شرياني

أشكو لك اللهم قلّة حيلتي

وتشرّدي..

      وتردّدي..

   وهواني..

أشكو لك اللهمّ نفساً جاهرت

وسط الرياح الهوج بالعصيان

لكنّ لي قلباً يظلّ مردّدا

الشوق برّح بي وهزّ كياني

فبأيّ جارحةٍ أرد مواجعي

والروم تنهبُ خيلُها أوطاني؟

في كلّ شبْرٍ من بلادي صيحةٌ

وبكلّ ناحية ظلام دخان

نطق اللسانُ بما تُكنُّ جوانحي

إنْ يستطعْ بثّ المشكاة لساني

يا سيّدي وحبيبَ أمّتي التي

 شرِقتْ من الغمرات والأحْزان

لي في هواك قصية خضراء ما

 خطرت بخافق شاعرٍ ولهانِ

إنِّي أنا الملاّحُ أبحر زورقي

وجوانحي عطْشى لبرّ أمان

لا مرفأ تأوي إليه سفينتي

فكأنني بحْرٌ بلا شطآن

وحقائبي أحزانها موفورةٌ

فكأنّني وطنٌ بلا عنوان

 ربيع الأول: 1411 أكتوبر 1990

سكت العنْدليب

سكت العندليبْ

صوّحتْ زهرة الحقل

وانطفأ الشمع

وانتشر الصمت فوق الدروبْ

نبّهتْ نملةٌ أختها:

ما الذي أسكت العندليبْ؟

أودع البحْرُ ميثاقه موجةً في الغروبْ.

عندما تصبح الأرض مملكة للعطشْ

تستحمّ الأميرة في دمعها

والوصيفات…

يركب أعناقهن البَرَشْ

ليست الأرض حاناً

لنقتسم الخبز والخمر ثمّ نغني

ونعلن في الناس عهد الحروب

أوّبي يا جبالُ،

وهذي البيارق فلْتَعْلُ،

وانفتحي يا سهوبْ

طائر الحرمين له أوبةٌ

ودم الشهداء له صولة لا تخيبْ

صبوة طائر الحرمين

إلى محراب الشّهادة

أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟

[ذات النطاقين]

شبيبٌ وأوْفى من ترى أخوانِ

[أبو الطيب]

أيها الضَّارِبُ أكْبادَ اللَّيالي

                        وبعينيك تصلِّي الكبرياءُ

ذارعا تُفَّاحةَ الأرضِ

                            وقد ضاقت بأشواقك أرضٌ وسماءُ

لا تطبْ نفْساً بمن جاءَ،

              ولا تركنْ إلى ظِلٍّ،

                                        ولا يغررك ماءُ

واحذر الأشجارَ

                   والأطيارَ

                           والأنهار طُرّاً،

                                      فلقد غاض الوفَاءُ

أترى شاقتك أطياب العوالي؟

                             أم ترى شاقتك في البيد الظِّبَاءُ؟

لا تصالحْ سارقَ العرشِ،

                            وما زخرفهُ كاهنهُ زوراً

                                        وما صاغ الِّرعَاءُ

ولقدْ خلَّفَكَ الصّحْبُ وحيداً

                           عندما بانَ على الأفْقِ لِواءُ

ولقد حاصرك الجندُ وآذوْكَ،

                             وأهلوكَ علي النَّبْعِ ظِماءُ

أقفرتْ بعْدكَ من زُهَّادِها طِيبَةُ..

                                وانْهدّ كُدَيٌّ وكَداءُ

والذي كان زبيْريّ الهوى

سيفه صار عليكْ

هدَّهُ الجُوعُ وأبْلى ودَّهُ وعْدٌ هوى

فجأةً..

فانسلّ من بين يديك!

أيُّها الفارسُ في الموت وحيّا

سيقول السُّفهاءُ

ما لهذا الفارسِ الجامحِ كالصَّقْرِ

                           به ضاق الفضاء؟

قُلْ: فإنَّ الله يُعْطي من يَشاءُ

وهْوَ يهدي من يشاءُ.

دقَّتِ السَّاعةُ

فانشرْ شجَرَ الحُزْنِ على أرصفةِ الموتِ علامة

قُضِيَ الأْمْرُ، وقصَّتْ عرضاً

 أجْنِحَةَ الصَّقْرِ –على الكُرْهِ-حَمَامة

أنت يا مسكينُ إن لم يتداركْ ضعْفَك الرَّحْمنُ

منبوذٌ إلى يوم القيامة

هدّتْ الرِّيحُ إذنْ عَرْشَكَ، وانسلّ مع الليل الصحابُ

والتباريح تولّت روحك الكابي، فقد جلّ المصابُ

أيّ صوت كان في اللَّيْلِ ينادي:

أدركي صاحبَكِ المَنْقُوعَ حُزْناً

قبل أن يُسْلِمَ لِلَّيْل حُدُوجَهْ

أدركيه قَبْلَ أن تغتال أنيابُ التَّصاريفِ أريجَه

يا رياحين الجهادِ.

عجْز الأيام ...

خلّي الأساور عنك والحلقا

وتألّقي كالنخل إن بسقا

إنّ الأساورَ أنت زينتُها

فدعي الجمال الحرّ منطلقا

ودعي قوارير العطور، فما

في الأرض مثل الطهر إنْ عبقا

إني امتشقتُ النُّورَ إنْ عرضتْ

غِيَرُ الزَّمَانِ وطاب ممتشقا

أغدو من الأشواق مصطبحاً

وأروح من مرآك مُغْتَبِقا

فتدفَّقِي نوراً وقافِيةً

 شردتْ تردّ الكونَ مؤتلقا

يا دفقة الإيمانِ.. يا ألقاً

منْ دوحةِ الرّحْمنِ منبثقا

قد أعْجَز الأيّامَ ما سكبتْ

عيناكِ مجتمِعاً ومفْتَرقا

                                                           24/07/1987

أحزان خولةَ

{1}

أقْبَلَ الَّليْلُ وحُزْني

كالينابيعِ بأعْماقِ الجبالِ

هزّني شوْقٌ إلى أن أصرخ اليوم بمكنوناتِ روحٍ

بالأمانيِّ ثِقَال

لكأنّي ختَمَ الَّليْلُ على عينِي، فما أبْصِرُ فجري

هيه يا سارقَ عُمْري

ليتني أملك أمْري

أشرحُ الصَّدْرَ، وأفْضي بالذي منْه أُعَاني

غير أني، يا فتي الفتيانِ، قد جَفَّ لساني

فارْوِ عنّي ما تَرى عيناكَ من بطْشِ اللَّيالي

واقْرأ الآنَ على صفْحة أيَّامي الخوالي:

يا محْبُوبي

ما الَفَقْرَ أخَافُ عليكَ..

ولست أخافُ عليك عَدُوّاً

يشْحَذُ في الوجْه الظُّفْرَ ويستعدي الأنيابْ

لكنْ-يا محبوبي- أخشى غدر الأصحابْ.

آخر ليلة من ليالي المتنبي

{1}

مَلِكٌ أنا والصَّولجانُ يراعي

مَلِكٌ بأمْر الله قُدْت شِراعي

ملكٌ.. ومملكتي الفضاء وأنجُمٌ

جُنَّتْ بنور فرائدي اللَّمَّاعِ

ملكٌ،  وحُزْتُ المجْدَ منْ أطرافه

مجْدي القصائِد والحروفُ متاعي

فَتحَ اليَراعُ لي البلادَ حصينةً

وقِلاعُ حلْمي الراسياتُ قِلاعي

{2}

لخولَةَ هذا البريقُ المُمَغْنَطُ، لكَّنه مُحْرقٌ كالشُّهبْ

وأطلالُ خولةَ في القلْبِ منقوشةٌ

كوشْمٍ على ظاهِرِ الكفِّ،

               والقلْبُ يهْتفُ: يفْديكِ، خولةُ،  أمّ وأبْ

تُفَدِّيكِ كلُّ القبائلِ في ساعَةِ العُسْرِ،

            تَفْديكِ كلُّ العُروشِ مسوّرةً بالقُضُبْ

أحبّكِ.. هذا قَراري

وهذا نشيدي يقاومُ عهْدَ الحصارِ

أحِبكِ حتّى وإن طاردتني قرامطةُ الشَّامِ

                             أو شرَّدتني سيوفُ نِزارِ

تَضيقُ المسالكُ إذْ ترْحلينَ كخاصِرةِ السّيْفِ في الأفْقِ

ثم تشبُّ بعينيْكِ نَارُ القِرى في الأصيلِ

فينتفض القلبُ.

ما عَبَرَتْ ساعةٌ بك إلا نَمَتْ في الفؤادِ العِضاهُ

وشُدَّتْ حِبالُ الهوى قبل وقت الرَّحيلِ

أنا لا أقولُ: امْنحيني قليلاً من الوقت كيما أسوق اعتذاري

أنا لا أقولُ وإن كان حُمَّ اصْطباري

فإني تعوَّدْتُ لَسْعَ النِّصالِ

أفدّيكِ خَوْلَة، لكنَّهُ الهجْرُ أمْرَرُ من جَمَراتِ القِتَالِ

غداً ترْحلِينْ

فترحل عنّي الينابيعُ،

ترحل عنّي البحيْراتُ،

كلُّ الينابيعِ.. كلُّ البحيراتِ تنْهضُ من مقْلتَيْكْ

تجاسرْتُ جدّاً.. وأعلنْتُ حُبّي عليكْ

وقلت سواءٌ عليكْ

أقاسَمْتِني العُمْرَ؟

أم قام بيني وبينكسورْ ؟

سأبقى الفتى الشاعرَ البدويَّ الجسورَ الغيورْ

وماذا عليَّ إذا ما عشقتُ ظباءَ فلاةٍ

 يناصبنَ مضْغَ الكلامِ العداءَ

وصبْغَ الحواجيبِ،

ماذا عليَّ إذا ما ركبتُ القوافي

وصغتُ اعترافي

أخَوْلةُ ! ليس الذي تبصرينَ من الدّمْع ماءَ

(وليسا سواءَ)

فلو كانت الكلماتُ مداداً يُراقُ

لقايضتُ باسمكِ دنيا النساءِ

ولكنَّ شِعْري نزيفُ دمائي

{3}

خولةْ!

من أعْمَاقِ العُزْلةْ

من أوردة الصَّمْتِ الصارخ في أعماقك

من حزن ظلّ ينادي

من دمْعٍ خان جفونك

أو من صبْرٍ هدّ فؤادي

يهتف صوتٌ:

إنّ الشيطانَ عدوٌّ لكما

فاحذر شجر الغرقدْ

وتجنَّبْ أسباب الخلْوة

لا تأمن ظلمات الشهْوة

لكنّ النَّفْس الأمارة تُوِسع لي:

ستحصّنك التقوى

وتسيّج ذاتك ضدّ النَفْسِ فُتوّه

فلماذا حين يتيهُ سفيني

أرميك –و واعجبا- بالقسوة؟

{4}

كُنّا في الكوفَة أطْفالا

نَصْلى كلّ صباحٍ جَوْرَ الحكّامْ

ولذلك بايعنا علويّ البصرة

بايعناه على النصرة

في المنشط والمكره

لكنّ زعيم الثّوّار المقدامْ

أطعمنا لحم الحُجّاجِ..

وأسقانا دمنا في زمن النكبةْ

استأثر مولانا بالفيءِ

ووزّع فينا أستار الكعبة!

{5}

ما لهذا القلْبِ كالخِرْقةِ في الرِيح تخَرّقْ

آه يا خولةُ!

ما كان لهذا العلْجِ أن ينْشُر أعلامَ الدُّمُسْتُقْ

فوق أسوار أريحا

ومجاهيل زبيدة

وميادين حلبْ

أبداً، لو لمْ تزخرفْ باطلَ القَوْلِ سلاطينُ العربْ

أفسدتْ عيناكِ فيما بيننا عِزّ الأماناتِ

وغار الدَّهْرُ منّا، وتحاشانا الصحابْ

هيه يا خولة، ما كان أبوك امرأ سوءٍ

فلماذا عهْدُنا المحْكمُ ولّي كالسرابْ؟ !

تاج محل

( آخر ليلة من ليالي شاه جهان )

انعم بغبطتك. لقد نظر إليك

                                                                                       [شاعر صوفي]

لا تُقْسمي

إنَّني برّأت سكِّينَكِ من سفْك دمي

أبدا.. ليس غريباً أن تكون الرُّوح في أرضٍ

وفي أخرى يكون الجسد المرشوق باليأس الذي لا يأس فيه.

ما الذي وحَّد لحْنين على شفة الأعصرِ:

مجنون بني عامرٍ النجْديِ والشَاهُ جَهَانْ؟

كلما العاشق باسم القمر المحبوب لاحْ

صار مطلول الجراحْ

هاهنا المجنون كانْ

حاملا في قلبه طيفَ غزاله

وهنا الشاه جهان

حمّل الرِّيح رساله:

يصْغُرُ التَّاجُ أمام القَمَرِ العاشِقِ أطيافَ الحبيبةْ

وهْوَ من (قلعته) يشرب من أنوار (ممْتازَ)،

                        ويجلو صدأ النفس الكئيبة

إنّني يا وردتي بلْبُلُكِ العاشِقُ غنَّى عنْد بابِكْ:

(بياركي بياس

قادني يا زهرة الآس

لرحابك)

هيّأ التاريخ قبْرَيْنِ: لعلّي ولعلّك..

عُمْرنا جرْحٌ على أحداق ليلَكْ.

فاسكبي نورك ياسرَّ نشيدي

في كياني

لا وحقِّ (المسجد الجامع) والنُور الذي أنزل من قبْلُ..

وهذا البلدِ الآمِن..

ما كنت لأبغي قمَراً غيركِ في ليل وجودي.

ويح قلبي!

كيف يشكو بُعْدَنا المُرَّ،

وهنا نحن سواء في صعيدِ

إذ نصلّي قِبْلةٌ واحدة تجمعنا

                  ولقد يجمعنا عِزُ السُّجودِ

عندليبُ الشرْقِ لا يملك إلا أن يصَلِّي

وأنا الغِرِّيد خفَّاق الجنانْ

لم أكنْ يوماً بشاعرْ

غير أنّي حين أبصرْتكِ قلَّدْتُ زماني

من تراتيل البيانِ

مثل نفث السحر ما مَرَّتْ بخاطرْ

لا تراعي

إن أنا أسلمت للصخر شراعي

ولهذا الألم الظافر أسلمت يراعي

لا تراعي

فأنا القاتل لا أنتِ!

أنا الباعث حُزْن العالم الغافي

أنا الرَّافع أعلام الصراع

فوق أنقاض أراجيف العشيرة

وأنا الراكض في عمق الجزيرة

باحثا عن شجر الحبّ ومُلْكٍ ليس يبلى

صدحتْ في قيثارتي الخرساءِ

واستلَّتْ من الليل بكاه

ومن الفجْر عبيره

خبِّري النجْم إذا النجْم أطلَّا

أن هذا الملِكَ العاشق ما زال ضلوعا تتقلّى

هكذا ذوبتُ أحزانك في حزني

وذوبت اصطبارك في صبري

وبعثرت حروفا ضمّت اسمكْ

كيْ يُضِلَّ الناسُ رسمكْ

هكذا بعثرت في الليل صدى ذاتك

كي أحشر في أرض الوفاءِ

مثلما بعثرت الريح رماد المحرقة

(كنج يَمْنا) واصل أم فاصل (تاج محلّ)

                 وحجار (القلعة الحمراء)؟

والريح التي كانت تناجي خافق النَهْرِ:

أما زالت على العهد رسول العاشقَيْنْ؟

أم تراها أعلنت في الناس أن الشوق أضحى.

                         أثراً من بعد عينْ؟

ها أنا من قلعة الموت أنادي:

يا فؤادي

يصغر التاج أمام القمر الناعس في كف الحبيبة

إن أكنْ ضيّعتُ ملكا

فلقد فزت بنورٍ ليس يفنى

وأناديكِ إذا ما نثر الليل على النجم طيوبه

أدركي صاحبك المنقوع حزنا.. أدركيه

إنّه في قبضة اليأس الذي لا يأس فيه

وإذا خَرَّ على بابك ميْتاً

مثل عصفور شريدْ

فاحذري.. لا تندبيه

فهو قد نال بعينك الخلود

هوامش :

- تاج محل، المعلمة الأثرية التي بناها الإمبراطور المغولي المسلم شاه جهان إكراما لزوجته ممتاز. ويضم اليوم رفاتهما معا.

- القلعة الحمراء: هي القلعة التي سجن فيها شاه جهان، وقيد في مكان منها يجعله يطلّ على تاج محل. وكان الذي سجنه ولده وولي عهده من بعده.

بياركي بياس: عطش الحب.

الأربعون

{قالها في مرض ألم به}

تعلّمْتُ يا زائري منك شيئا كثيراً

أيا ساكنا في الجوارح من دون إذْنٍ

تعلَّمتُ أني ضعيفٌ ضعيفٌ

وأغدو، بإذن القدير، قديرا

تعلَّمتُ أن الجَناح الكسيرا

وإنْ كان أعجز من أن يطيرا

غدا كائناً، كالسحاب، أثيرا

تعلَّمْتُ أن الذي حال بيني وعيني

قدير على أن يحول، تبارك، بين الفتى والفؤاد

ويملك حين يشاء النشورا

تعلمت أنِّيَ حين تضيق المسالكُ..

أجعل نافذة الصبر مشرعة للسماء

وأسبح في الملكوت

تعلمت أن الأحبَّة، والحمد لله، كُثْرٌ

ولست، كما كنت أحسبني، ضائعا بين هذا الأنام

وأن السهام

إذا بقيت مدَّةً، تتكسَّرُ فوق العظام

تعلمت أنيَ، والحمد لله، إن أدْرَكَتْني المنونْ

سيشهد لي أربعون.

وأني حين أموتُ

لن أضلَّ.. ولَنْ أتشظَّى بلا كفَنٍ في الزحام.

                                                                                            شوال 1410.

خولة وخولة

                                      (إلى أبي الطيب)

وبين الخولتين وإن تدانتْ

حروف اسميْهما بَونٌ بعيد

فهذي تبتغيك هوى جديداً

يطاوعها إذا انطفأ التليدُ

وتتخذ الحروف لها رسولاً

وقد سئم الرسول فما يعيد

وتلك تريدُ شعْراً لا يبيد

لشمس ضوؤها أبداً جديد

وتجعلُ من ضمير الحرفِ حصْناً

تولَّتْ دون عِزّته البنود

فتلْك وهذه فرسا رهان

إلى أجلٍ، فأيّهما الرشيد؟

هي الدنيا تقول بملء فيها

خذوا منّي فإِني لا أعودُ

فإنْ خيرا فخيرٌ ليس يفنى

وإنْ شرّاً فشرٌّ لا يبيدُ

أمُعْتِقها وموبِقها سواءٌ؟

ألا إنَّ التّقيَّ هو السّعِيدُ

نفْثة

(إلى صديقي الشهيد علي الزير، رفيق المرحلة الجامعية، وقد قتله البعثيون بعدما صلّى، ذكرى وفاء ومحبة)

طبْتَ حَيّاً وميّتاً

يا شهيداً وقَدْ شهدْ

أيّها الطائرُ الذي

منْبع الضّيْمِ لَمْ يَرِدْ

وتَوَلَّى -  على الظما-

حامِلاً رايَةَ الرَّشدْ

أنا إن يسْألوا دمِي

عن جهاٍد بك اتَّقَدْ

قمْتُ فيهِمْ مُردّداً:

أنْجَزَ الحُرُّ ما وعَدْ.

23 شوال 1410 \ 18 ماي 1990

انبثاق

 (إلى أحمد الصافي النجفي)

عندي عيوبُ بنْفسي لست أنشُرُها

فإن إظْهارها للسُّوء تزْيينُ

وما عليّ إذا كتّمْتُ منْقَصَتى

وراح يجْهَرُ بالفحْشاء مأفونُ

ورحت أذرف دَمْعاً كنْتُ أحْبِسهُ

عسى يُكَفِّرُ ذنْبي منْ له الدِّينُ

10  شوال 1410

17 ماي 1990

مكاشفة أولى

(إلى العابر المقيم)

حسبت الذي كان أمسى تراباً

ويُبْعثُ إنْ حلَّت الرادفة

وأنّا انتهى أمْرُنا من دهورٍ

فأقبلت الأحرف الوارفة

لتنْكأَ جُرْحا قديماً قديماً

وتَنشُر أيَّامنا السَّالفة

أيَكْمُنُ تحْت الرمادِ اللَّهيبُ؟

وتحتضِنُ النسْمةُ العاصفة؟

الخميس 17-5-1990

22 شوال 1410

       عراك

إلى عبد الباسط بدر

كمْ شربْنا الفُراتَ عذْباً وها نَح

نُ عِطّاشٌ نُسْقَي بملْحٍ أجاج

عركتْنا الحَياةُ عَرْكاً فَصِرْنا

لا نَرى إلا منْ وراء زُجاجِ

1990

ناسك الجبل

إلى عبد الكريم الطبال

تخترقُ النْجمةُ

قلب الجبلِ الرابض قرب العيْنْ

تشقُّه نصفينْ

تبدُو، تعْدو، ثمَّ تَغْدو أثراً

أوّاه بعد عيْنْ

أراه رأي العيْنْ

الجبلُ الرَّابض لا يدركه الكلالْ

يصيحُ في ابتهالْ:

سبحانَ من أرساني

سبحانَ من سوّاني

مغارةً…

وحجراً…

وظلاّ.

سبحانَ من دكّ ضلوعي السُّمْرَ إذ تجلى.

حين جعلت وحدتي سجَّاده

أُنْبئْتُ أنّ صبوتي عباده

يا ناسك الجبلْ

يأتيك صوتُ الحقِّ: يا سارية الجبلْ!

من يخبر الوردة أنَّ البلبل العاشق ما ابتهلْ

إلا لأن القلب من حرارة الإيمان مشتعل

وتهمس النجمة للجبلْ

فيستحيل أثراً يضيع بعد عينْ

من ذا الذي يراه رأي العيْنْ؟

صراخ في ليل طويل

فصلتْ عيرُ

وأتتْ عيرُ

فهل اشتعلتْ في ظلِّ الغيمة أشواقك؟

أم هل غرقتْ، يا ذا البدويّ، بآبار النفط العربية أوْراقك؟

جدّ نفيرُ

وتدثَّر عبْدُ الله بأكفانه

فازّيّنتِ الحورُ

وانتشرتْ في جوف الليلِ رياحُ الأمن نديّه

سحلوا وطنا

سملوا طفلا

ذبحوا شجره

زرعوا مِنْ فَرَقٍ ريحاً مستعرة

فاخترقت عاصفة خضراءْ

أطُمَ المُدنِ الحمراءْ

وامتدّت باسم الله لعبد الله

إلى رحم الأرض جُذورُ

صرخت من أغوار الجبّ/ الدبّ صبيّة

انهض لينين،ُ فقد جُنَّ رفاقكْ.

خيْبة

أعود إليك يا باريسُ

محمولا على كلماتي الشهباءْ

على كلماتي اللائي سكبن الدفْءَ في كأسي وفي وتري

فأبصر فيك دوريس التي كانتْ صباحَ قصيدةٍ خضراءْ

مهفهفةً كتسبيحة

مسافرةً كتلويحة

على أعتابِ بوغَازِ

أراها طفلة مسبية مذعورة الشّعَرِ

تعيش بعالم آخرْ

تبثّ الرُّعْبَ في (المترو)

وتدرّع اللهيب وتمتطي الرغبة

تمارس عشقها المجنون في البيداءْ

وتختصر الزمان برقصة الجازِ.

مكاشفة ثانية

كان في طريقه إلى العمرة، عام 1408، فهتف:

لولا الرَّسولُ ونُوُر الله يشْمَلُنَا

فينجلي الهَمُّ والأحْزانُ والكرَبُ

لرحْتُ أهْتِف: يا دنْيا اغْرُبي وخُذي

ما في يديْكِ  فَما في رحلتي أرب

موكب الإيمان

لك في الفؤادْ من الودادْ

ما ليس يكتمه الفؤادْ

وإذا سُئِلْتُ عنِ المرادِ

فأنت ما عشْتُ المرادْ

يا نجمةً خضْراءَ في

 ليْلِ التوجُّس والسهادْ

كم تهْتُ بين أزقَّة ال

حرْف المشاكس دون زاد

حتّى اهتديتُ إليك..

فاتَّضح الضَّلالُ من الرشادْ

وغدوت مضطرم الشَّغَاف

وصار من دمِيَ المدادْ

وعرفت كيف الحرفُ يغدو خنجراً

في كفّ موتورٍ،

ويغدو وردة زهراءُ

في كفّ العرائسْ

لك أنت ما تهَبُ المروجُ من النفائِسْ

يا جنّة يمشي على نفحاتها

حسَّانُ منتشيا..

ونايُ العاشق (الروميّ) من شوقٍ يئنُّ…

و(عاكفُ) وهَّاجة كلماته..

إذ يجتلي أنوار نعمتها..

وينهل من كؤوس جلالها (إقبالُ)

فترفّ من طرب عصافير الصباحِ..

وينشد الأطفالُ:

(الصين لنا، والعُربُ لنا

أبدا، وبلاد الهْند لنا

أضحى الإسلام لنا دينا

وجميع الأرض لنا الوطنا)

[1].هكذا ترجم إلى العربية هذا الشعر، لمحمد إقبال.

وسوم: العدد 729