الوارثون والدّار

(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)

القصص:83

المغترب

لم أبْغِ في الشّعر لا صهْراً ولا نسَبَا

حسبي أنا المتنبّي إنْ صبوتُ صَبَا

حُمِّلْتُ غُرْبَتَهُ دَهرًا على  كتفي

 وكمْ توحّدُ آلامُ العلا الغُرَبا

وعلّمتني الرِّياحُ الهوجُ وثْبَتَهُ  

وأوْدَعَتْني اللَّيالي سرَّهُ العَجَبا

وكم نشرتُ على الآفاقِ ألويتي   

والشَّوْقُ في الرُّوحِ مثل الجمْرِ مُلْتَهِبَا

أنا المحبُّ الذي ضلتْ ركائِبُهُ 

روضَ الأحبّةِ فاسْتَسْقى الأسى قِرَبا

كمْ همتُ في فلواتِ النَّفْسِ أحْسبها    

 دارَ المقام، فقد كانت دماً كَذِبا

وما الأحبّةُ إلا كلّ ملْتَمِسٍ  

من نُوره قبَساً، أو حُبِّه سَبَبا

يا ليت شعريَ هل أحْظى بكأسِ رضاً  

منهمْ؟ إذنْ فلقدْ فاز الذي شِرِبا

رُهْبَانُ ليْلٍ، وفرسانٌ إذا الْتَحَموا  

 قَدِ استقلُّوا لوَعْدِ الله مَنْ جَلَبا

 تراهُمُ ودموعُ الخَوْفِ تحملهم      

والأرض قد أكلتْ يا صاحبي الرُّكَبا

حتى إذا برقتْ شهباءُ أو رعَدَتْ    

صواعقُ الموتِ خِلْتَ الجنّ قد ركبا

السلطان والشاعر

ومن أنا؟ نغَمٌ يسْري على شفةٍ     

لأمَّةٍ حَازت الآياتِ والكُتُبا

قد كنتُ حسّانَ يوم الرّوع منصلتاً  

  وابنَ الرّواحةِ يُزجي الحرْفَ والقُضُبا

فمؤتةٌ وردةٌ زهْراءُ يانِعَةٌ  

   غنَّى لها عندليبُ الرّوحِ مُنْجَذِبا

كيوسفٍ كلماتي ليس يَقْدُرُها   

 من مشترٍ، وهْي نجمٌ يقْهرُ الحِقَبا

قال الهُمامُ: أميرَ الحرفِ شِعرُك قَدْ  

 زان المعاصيَ، فاحذرْ واتّقِ الغَضَبا

قال التّهاميّ: بل ، مولايَ، شعْريَ قد 

زان المعانيَ، فاحْسُ الفَنّ مُحْتسبا

والشعْر إن كان سيفاً كان ملتهبا 

 أو كانَ وَرْداً فرُوحُ الطِّيبِ مُنْسكِبا

غنّى أدونيسُ أفروديتَ مُدّرِعا    

لحْن الهوى، وهْو ربٌّ قدّس القَصَبا

فصار  يعْبُدُه من لا خلاقَ لهُ   

  أيُصْبحُ العبْدُ معبوداً؟ فواعَجبا!

أنا سهيلٌ وقد عارضتُ أنجُمَهُمْ     

فما استطاعوا لها ظهْراً ولا طلَبا

تجمَّعوا حول عِجْلٍ غرّ منْظرُهُ 

  ألْبَابهُمْ، وهْو للألبابِ ما اصْطَحَبا

هم يسْحرون عيونَ الناسِ من خَرصٍ    

  والعجْلُ أخرسُ ما غنّى ولا طَرِبا

  لكنّ شعْري عصا مُوسى تلقّف ما   

  تخرّصوا، وجلا عن أنْفُسٍ ريبا

شرعة الحبّ

في الرّوحِ جمرةُ عشْقٍ كانت اتّقدتْ    

من طِيبَةِ الطِّيب أضوتني، ولا عجَبا

كالشَّمس تسْبح سبْحاً في المدار هدى 

كالعنْدليب شدا بالورد منْجذبا

لا يَصْنعُ النّصرَ إلا خائفٌ وجلٌ 

من نعمة اللهِ أضحى عسكراً لجِبَا

ومنْ يطِرْ بجناح الخوفِ قرّبهُ    

وللرجاءِ جناحٌ يُبْلغُ الأربا

كابدتُ في الأرض ما كابدتُ، واحترقَتْ  

   أنايَ، والرّوح في سهم الهوى نشبا

لحْنٌ أنا، لم يلامسْ سحْرَه وترٌ   

   وخمْرةٌ دنُّها لم يعرف اللّهبا

نحن المساكين لا من فاته عرضٌ  

    ليس الفقير الذي لا يملك النَّشَبا

نحن المساكين إذ غاصت سفينتنا  

   في لجّة القهر حتّى لم نجدْ هربا

يا غافلا ، أنت سرُّ الكون قاطبةً 

   أترتضي بعدما كنت الذرى الذَّنَبا؟

كيف اعتذاركُ إن قال الإله غدا:    

    أعطاك ربّك قلباً...أين ما وهبا؟

هذا السراج فلا تطفئ ذُبَالته   

  إنّ البريّة تبغي النّور فلْتَهَبا

أين المحبّة؟ لا يدري بها أحدٌ   

   في أمّةٍ صار فيها القتْلُ منتدبا

هذا القتيلُ، فمن ذا كان قاتلهُ؟    

   وفيم، يا ليت شعري، دمُّهُ انسكبا

كأسُ الغواية دارتْ فانْتشتْ زُمرٌ 

     من لم يصبها كأنْ منْ إثمها نصَبا

كأنّما من رشاشٍ بُلِّلتْ شفةٌ   

  ففُتِّحتْ لَهَواتٌ حوصرتْ سَغَبا

بحْرُ المحبّةِ ما غاضتْ غواربهُ   

   لكنّ نجم الأماني البيضِ قد غَربا

فمن يردّ إلى الإيمان نضرتهُ؟  

  ومن تُرى يَرجعُ الإحْسانَ إنْ ذهَبا؟

كسّرتُ منْ قلمِ الأهواءِ منْطِقَهُ   

    ورحتُ أمحو الذي من أمره انْكَتَبا

كم هبّت الريحُ بعدَ الأمنِ ليس تني      

    ريحُ الهوى تمْحق الإيمانَ والأدبا

جهنّمٌ بين شدقيها مسَعّرةٌ     

   ريحُ الهوى تقذفُ النِّيران والحصَبا

كأنني العاشقُ المجنونُ أشْرعتي      

   مرافئ العشقِ لم تعرف لها طُنُبا

     غاضتْ عيونُ السَّنا العُلْويّ وانبجستْ    

    بعد الجفاف عيونٌ تنفُثُ الغضبا

أدِرْ على الناس كأسَ الحبّ متْرعةً    

    تجدْهُم الغيمَ سَحّاً، نِعْم ما احتلبا

فشرعةُ الحبِّ بستانٌ مخضّلةٌ   

   أنوارُهُ، كلّ نَوْرٍ نُورُهُ انسكبا

شيرينُ لولا سناها ما تعلقها   

  خسرو، ولولا هواه لم يَفِضْ أدبا

لكنَّ فيض يديه من سنا أُحُدٍ 

 نحبّه، وهْو يسْقي الحبَّ من رغبا

وقطرةٌ كجبينِ الفَجرِ قدْ لمعتْ 

من كأس طه، فأضحى نورها الحببا

إن أنتَ نلتَ ثيابَ الحُبّ سابغةً   

  فما عليكَ بأن تلقى به نَصَبَا

وإنَّ قولة: "فانصبْ" جلّ قائلها  

   عن روحك الفذّ تنْفِي الأين والتَّعبا

شهقة النّاي

طربتُ شوقاً، فعاد النَّايُ منكسرًا      

    وليس بدْعاً يعاني الوامقُ الطَّربا

لقد أسرّ جلالُ الدين حكمتهُ      

   في شهقة النَّاي .. زادت همّه كرَبا

ومن ينوء بما أشجاه من غِير    

   فاضت  وقد رفَدتْ أسرارها العنبا؟

سرى بنا مركبُ الأيام منطلقا    

     كالنجم لم ينبثق إلا وقد غربا

نُسَاوِرُ البَحْر، إنّ البحْرَ ذو غَلَبٍ،    

   بحرَ الحياة الذي ما غاض أو نضبا

وننثني، والجواري تحْت اعيننا    

  مثل الجواري، وماء القلب منسكبا

أصخْ فهذا حديث النّاي منسكبا  

   لا حقلَ باح به قبلا ولا قصبا:

قمْ ناج ربّك تبلُغْ غاية عظُمتْ  

   ما نالها سالك من قبل أو قرُبا

قد أصغت الأرضُ، والتاريخ منتظرٌ   

    أن ترْجعَ النُّورَ أو تمضي به حُقُبا

وليس غيرك أملى حدّ عزّتهِ    

   أو زانَ غُرّتَهُ بالوحْي إن كتبا

أحْرقْ فُؤادي بجمْر الحبِّ أسْمُ به   

   على البرايا وأحْدُ الشمسَ والشُّهبا

ما شهقة الناي إلا من صدى وجَعِي 

   إذا بكيْت بكى، أو أنّ واضطربا

يا أمّةً ضحكتْ.....

يا أمّة ضحكتْ، والأرض باكيةٌ،  

   والأمر منقلبٌ، يا ساء منقلبا

يا نبعة البشر أحزاني معتّقةٌ   

   كبيتِ رأسٍ، ومغنى عمْرِيَ انتُهِبا

تأجَّجتْ في بيوتِ الأهلِ ألسنةٌ 

  من اللهيب فلم يستشعروا اللَّهبا

واستمسَكوا بحبالِ الوهْمِ  شاخصةً   

   أبصارهم وهْي قد زادتهم نَصَبا

وهذه شرعة الإيمان دونهمُ   

 وضّاحةً، غير أنَّ الرّان قد غلبا

سبعٌ من السَّنواتِ اليابساتِ عدتْ  

  ومخلبُ الغُرْبَةِ الخرساء قد نشبا

إن قلتُ: هذا سحابٌ جاء  يؤنسني    

   تكشّف الغَيْمُ حملا  كذَّب الرُّقَبا

يا أمّة (القلمِ)، الأيّامُ شاخصةٌ   

والحقلُ أقفرَ، والينبوعُ قد نضَبا

وغاض بحر المعالي فهْو مُرْتقبٌ    

    ضربَ الكليمِ، ومن كفَّيْك ما ضربا

فاستنهضي همماً أودى بحُرْقتها      

   تلفّتٌ نحو نَهْرٍ واشلٍ  عَزُبا

وأنتِ وحدك ضوءُ الصّبح جئتِ به      

   ضوءُ القَناديل  منه  بات مغتربا

نشيد الأطلس

إني أنا الأطلسُ الجبّارُ يَسْكُنني    

     حَمامُ شوقٍ تحدّى البحر مصطخبا

عرائسُ البحْر صرعى عند حضرتهِ      

  لكنّه يطلب العنْقاءَ إنْ طلبا

وما عزيزٌ عليه أن يجاورهُ   

     قَلْبٌ إذا التمس النائي فقد كَرَبا

ألم تدِنْ ليديه أرض أندلسٍ؟  

    ألم يشد عند تمبكتو له قصبا؟

والحبّ يفتح بالإيمان أفئدةً      

  غُلْفاً، ويدرك منه اللينَ ما صلُبا

ورُبّ حسناءَ أغوت عاشقاً دنفاً          

عن نفسه فغَدا يستعظم الخشبا

قدْ ضل (أكبرُ) إذ غابتْ حقيقتُه    

     عن نفسهِ، فغدتْ حسناؤه نُصُبا

تفرَّق الناس في دنيا الهوى شُعَباً     

 ورحتُ أسْلُكُ وحدي مسْلكا لحِبا

(يحبّهم) وهبتْ نجواي أجنحةً       

فقمْت أجتاز نحو السّدرة السُّحبا

سبحان من وهب الإنسان من مددٍ       

ما يستطيع  به أن يبلغ الأربا

إنّ الشفاه يهزّ الشَّوقُ سكرتها    

  يبغي المحبُّ بهنّ الوحْي لا الشَّنبا

وليس قولي: (ركوبَ الخيل عاديةً)       

   لهواً، فلم أرجُ لا لهواً ولا لعبا

وإن قولي: (كؤوس الرّاح مترعةً)        

     نور إلى القِمَّة العصماء قد رغبا

أما (الحسانُ) فزهراوان نورهما       

  طه، تشقُّ صدور الليل والحجُبا

كالبدر سلوى لمحزونٍ ونور هدى  

   كالشمس تجري، وتجلو الشك والريبا

خذ من حِرَائِك نوراً تستضيء به  

 فإنَّ دونك أهوالا  ومُحْتَرَبا

وشمسُ طِيبَةَ لن تفترَّ بسمتُها     

إنْ لن تبع للحبيب الروحَ مقتربا

وهل دواءٌ يزيل الدّاء من أَممٍ 

     إن نال روحُك من غفْلاته العطبا

فابسطْ جناحك وانهضْ غير مكترثٍ      

 بالنائبات  فإنَّ الفجْر قد قربا

لكم فتحتَ قلوبا فاستوت شهباً    

  من نورهِنّ غدت تستصغر الشُّهبا

فكنتُ في كفّ سعدٍ عزمَةً وهدى    

    وفي يد المرتضى خطّيّة وظُبى

ونال بعضُ جناحي أرض أندلسٍ  

  وبعضُه في جبال الهند قد نُصِبا

فطارقٌ صوتُه صوتي تجللني   

    والقاسِمُ الثقفيُّ الصَّقْرُ إذ وثبا

هما، وكم لهما في المجْد من سبب 

    أكرمْ به سببا بدءا ومنقلبا

إقبالُ شيّد من ذكريهما نزُلا   

   للشعْر والنور موصولا بما كتبا

ما يكْتُبِ السَّيْفُ موصولا بمُحْكَمِهِ  

   ينْهضْ إلى السّدرة الغرَّاء مصطحبا

إقبالُ علّمني بسْطَ الجناحِ إلى  

  دار المقامةِ خوفاً يصحب الرَّغَبا

يا صاحِ، أيقظْ جُنونَ القلبِ في زمن  

  قد صار من فتنة الأهواء منتهبا

وليْس مثلُ جنون القلْب ملتحداً  

  إن صار زعْنِفَةٌ للإثْم محتقبا

الدار

يا دارُ، هل عندليب الرّوح يُبْلغني 

   ثيابَكِ الخضْرَ، أم قد ضيّع الطَّلبا؟

النفي يمحونِ، والإثبات ينشرني 

   يراعَ فنٍّ يردّ الميْت منتصبا

قرأت في الذكر: " إني جاعلٌ.." فغدتْ  

  تحدو ركابي فيغْدو النجْم مقتربا

يا أهل مكناس! زيتونُ الحنين نما  

  به إليكمْ سرى المجْذوب منجذبا

والعاشقُ العلَميّ انهلَّ صيِّبُهُ  

  عشقاً، فأصبح سرب العاشقين صبا

صبا إلى شجرٍ ما زال طائره  

  يذوده شاعرٌ بالضوء قد كتبا

وفي سجلماسّة الخضراءِ نخلتنا  

    مدّتْ إلى حكمةٍ عُلْويّةٍ سببا

لسان فرْعك هذا الصّمْتُ سربلهُ  

  فمنْ يُمِدُّ بضوء الحكْمةِ الهُدُبا؟

   سبحان من سيّر الأفلاك أشرعةً   

   في مقلتيكِ، وبثّ التِّين والعنبا

في راحتيك، فشَلالُ النّدى عبقٌ 

     يوزّعُ الطِّيب والأنسام والحببا

دمشقُ.. من في ذرى المنصورِ ثبّتها 

  فصارت الصولجانَ الفرْد واليلَبا؟

دمشقُ.. من في جبين الدهر  كلّلها     

    فهيجت بمكاتيب الهوى حلبا؟

ألم يصخْ بابُ منصور لأنّتها    

  حتى غدا لنشيد العشْق قد جلبا؟

  طوبى لمكناسةِ الزّيتونِ ما برحتْ      

  مرعى لعاشقِ بُشرى أيقظتْ حِقَبا

فأجهش العِشْقُ للتَّوبادِ مضطربا   

    وكبّر الجبلُ الباري ولا عجبا

طوبى لهم ْقُطِفَتْ هاماتهم سَحَراً  

 أو هُجّروا فغدا المنفى أخاً وأبا

فاستيقظتْ خولة العُشّاقِ ، فارسُها   

  على مشارفها أجرى دما سرِبا

قد جاءه الموتُ في العاقول مدّرعاً   

   شمساً تأبّتْ على التاريخ أن تجبا

    مازال يصحب في الأيّام أربَعةً:   

     "السّيفَ، والرّمْح، والأقلامَ، والكتبا"

ولم تزلْ حلب الشهباءُ ظامئةً      

  وهْي التي من دماها أسعفتْ حقبا

طوبى لهم، إنّهم طاروا بأجنِحةٍ  

  لو نالَ (إيكارُ) معناها لما انقلبا

إذا وهبتُ تراتيلي زكيَّ دمي  

   فما بغير دمٍ عُمْرانُ ما خربا

أو يقتلوني فقتْلي باعثٌ بلدي 

  أو يسجنونيّ فالصدّيق كان أبا

أصخْ، فإنّ أنين الجذعِ علّمنا   

  من المحبّة منشورا ومقتضببا

مكفّراتيَ أشعارُ لهجتُ بها  

   لهْجَ الحمامِ شجاهُ الشَّوقُ فانتحبا

عن أحْرفٍ زخرفٍ طاف الغويُّ بها  

 على لساني فأمسى برْدها لهبا

فصار من بَرقها المعشوقُ مفتتنا 

   عن شرعة النّور، للأحزان مصطحبا

عبد الله كنون

وعندما زرت عبد الله ألبسني 

   رداءَ عهدٍ: تسيرُ الدهْرَ مغتربا

وقال: جرّبتُ أثوابَ الرياسةِ، بلْ 

  أبْلَيْتُها، وبلوتُ القِدْم والقُشُبا

فلم أجد من نسيجٍ عزَّ طالبهُ  

  مثلَ النّسيجَيْنِ، فارجُ العلم والأدبا

واصبرْ على ما أصاب الجسم من كمدٍ   

  إن تَسْلَمِ الرّوحُ، ما قد فات محضُ هَبَا

لا تلتمس عرضاً يُلهيك أكْثَرُهُ    

 فالمرء يا صاحبي رهنٌ بما كسبا

وخير كسبٍ مدادٌ مثبتٌ أملاً     

 في النّاسِ، واليأسُ قد أعلى الدجى طُنبا

وصاحب النقْبِ سعْدٌ ليس يعلمهُ   

   والله يعلم من للجيش قد نقبا

هذا طريقُ أوَيسٍ غير منْعرجٍ   

    كطلعة الفَجْرِ وضَّاحَ الصُّوى لَحِبا

يهْدي إلى البِرِّ، فالزمْ غرزه أبداً    

  تنَلْ سكينَةَ قلْبٍ كانَ مضطربا

أأنت أهدى على الأيّامِ أم عمَرٌ 

 إذْ جاءَ ملتمساً من صاحِبٍ سببا؟

أويسُ، ما لِقُلوبِ القوم قدْ صدِئتْ؟ 

    من ذا يفرّج عنها الرّانَ والوصبا؟

" إن استطعتَ ائته يمنحْك دعوتَهُ"   

    منْ يلتمسْها ينلْ من دهره الأربا

هذا الفتى العُمريُّ اشتاق هبّتَه   

   يومَ الكتابُ كتابٌ، والإباءُ إبا

فكأسُ جمْشيدَ بعضٌ من بصيرتِهِ   

   شامَ النُّواسيْ سناها فانتشى طربا

رأى بها الكوكبَ الدريَّ مؤتلقاً    

    فصاح: قم يا نديمي، واسقني العربا

العُرْبَ قلت؟ لقد أهدوا سيوفهمُ  

    من بات للأرض والإنسان مغتصبا

إن زان أمَّ القرى وحيٌ تَجَلّلَها  

    يا ليت أمَّ القُرى قامت بما وجَبا

يا ليتها لم تُحَالِفْ حِلْفَ منْ نصروا   

   بني النَّضيرِ ولم ترهنْ لهمْ قُضُبا

إن يغلق الرّهْنُ فالأيّامُ دائرةٌ    

   والسّيْفُ يدعو، وصوت الثّأْر قد وجبا

كانت (أتخشونهم) آطامَ عِزّتِنَا    

     عند اللقاء. أأضحى حسّنا خشبا؟

وقول (واعتصموا) باباً إلى قِممٍ

    "إفرستُ" يحسبها زلفى إذا طلبا

ما للجواد كبا؟ ما للحسام نبا؟   

   ما للسحاب أبى؟ ما للضياء خبا؟

كأنّنا لم نكنْ والأرض خاشعةٌ   

    وللأذان نداءٌ ممرعٌ قُضُبا

كأنّ ألويةَ الإيمانِ ما خفقتْ  

   والضوء فوق جبينِ الدّهر ما انسكبا

الجناح المهيض

يا عصبةَ الكَلِماتِ الغُرِّ معْذِرةً   

    إذا جواديَ في ساح القريضِ كبا

هيض الجناحُ فهَلْ للصقر من سبب   

   إلى الذُّرى؟ أم تراه ضيع السببا؟

لعلّ عذْريَ أنّي جئت مجلسَكُمْ   

    وقد فرشت لما قدّمتمُ الهُدُبا

ما قلتُ (أصبحتُ لا شمسي ولا قمري)      

    فالطَّلُّ يكسو الثرى أثوابَه القُشُبا

يا حاديَ الرّوح ، والأيّامُ هاربةٌ      

    عجِّلْ، فقلبي إلى دار النَّعيم صبا

مصباحُ هَدْيٍ أنا كادتْ  ذبالتهُ     

  تذوي،  فوزّعَ عبْرَ الظُّلمةِ  الشُّهُبا

صدري يضيقُ، وصوتي غيرُ منطلقٍ

       ولو نطقْتُ جعلتُ الثَّلْجَ مُلْتَهِبا

وأنتم الغيثُ ساقَتْهُ لمرحمةٍ     

     يدُ السحاب، فسبحان الذي وهبا

وسوم: العدد 751