علامات على الطريق، كتاب د. حيدر عبد الشافي .. الرجل والقضية

clip_image002_6d873.jpg

نعمان فيصل

قبل حوالي الشهر تقريباً، وصلتني من غزة، غزة هاشم، غزة "المكوفلة بالنار" والعزيمة والاصرار - كما قال عنها واحد من شعرائها الكبار، وهو صلاح الحسيني (أبو الصادق) وصلتني هدية من أثمن الهدايا، وهو الكتاب الموسوعي الذي يحمل عبد الشافي (د. حيدر عبد الشافي - الرجل والقضية) من مؤلفه الشاب نعمان عبد الهادي فيصل، المسكون بحب غزة ، المرتوي من ماءها حين كان الماء عذباً فراتاً، وبعد أن أصبح الماء ملحاً اجاجاً، بعد أن صرخ اليهود الصهاينة ماء غزة، وحجزوه وراء السدود أو حقنوه في جوف الأرض أو هاجموا الجزء القليل الذي يصل الى غزة بعوادمهم السامة.

هذا الكتاب يقع في ألف ومئتين وثلاثين صفحة من القطع الكبير، استغرق تأليفه وإعداده للطبع والنشر والتوزيع ثلاث سنوات كاملة، بمعدل عمل يومي من سبع ساعات إلى عشر ساعات يومياً، لإكمال فصوله الستة وملاحقه المتعددة بما فيها ملحق للصور الفتوغرافية.

وهو كتاب موضوعي فعلاً لأن الكاتب الذي يلاحق أسفار القضية الفلسطينية ودور الدكتور حيدر عبد الشافي فيها، لا بد أن يستعين بالمنهج الموسوعي لكي يحيط بهذا الفيض الذي يشبه البحار في امتدادها وعمقها وتلاطم أمواجها وجنون عواصفها وأعاصيرها، فما بالكم بالدكتور حيدر عبد الشافي الذي ولد في حي الزيتون – من أقدم أحياء غزة- في عام 1919، بعد صدور وعد بلفور الملعون والمشئوم بعامين فقط، أي تفتحت عيناه على انفتاح الجرح الأول، ونما عقله مع بداية تكوين القضية الفلسطينية وما خلقته وتخلقه من تفاعلات على اتساع الكون باكمله، وانفجر فيها هذا الحجم الهائل من الظلم والألم والصبر والبطولة والقيامة التي تحمل اعبائها وما زالوا أبناء الشعب الفلسطيني.

وهذه القدرة والكفاءة والمتابعة لأدق التفاصيل وأصغر وأكبر التشعبات لا يمكن أن يقوم بها ويقدر على تحملها سوى هذا الباحث الذي أعرفه جيداً، وهو صديقي العزيز الفلسطيني كما يجب أن يكون الفلسطيني، يبدأ بتقديس اسم فلسطين وينتهي بمباركة اسم فلسطين، لا يعشق إلا فلسطين، لأن الإنسان الصادق لا يمكن ولا يستطيع أن يخدم سيدين في آن واحد.

بالطبع فان مؤلفاً موسوعياً بهذا الحجم تنبع ضرورته من عمق موضوعاته وفصوله الرئيسية وفروعه وتفريعاته، فحين تكتب عن الدكتور حيدر، فانت تلجأ الى علم السياسة والوطنية والتاريخ والجغرافية والاجتماع وعلم الأنساب والثقافة والحرب والسلم والمؤامرات والبطولات والنجاحات والأمل الذي يعرش فوق كل التجارب، وهذا ما فعله بعمق صديقي العزيز الكاتب المقتدر نعمان عبد الهادي فيصل، الذي انصحه باسم الصداقة وتعميم الفائدة بأكبر قدر أن ينتزع الفصل الخامس ويعيد نشره كما هو بكتاب مستقل، فإن هذا سيجعله أكثر وأسهل تداولاً وانتشاراً وتفاعلاً.

من الصعب أن أناقش هذا الكتاب بالتفصيل. مقالي هذا مجرد إشارة إلى عظمة الجهد وحسن النية، ولا شيء يغري عن قراءة هذا السفر الكبير الذي أبدعه نعمان عبد الهادي فيصل فاقرأوه وغوصوا في مياهه العميقة وتعايشوا مع كل أبطاله من الرجال والنساء والأماكن والأحداث.

إنه موضوع عن أعظم قضية، قضية فلسطين، وعن أشجع شعب اختاره الله ليحمل هذه الأقدار العاتية، وهو يلم بعلمه وعظيم حكمته أن هذا الشعب على قدر تلك القضية وقدرها هو الانتصار المحتوم.

clip_image004_5b20b.jpg

وسوم: العدد 804