خُلَاصَةُ كِتَابِي العَلَّامَة يُوسُفُ القَرَضَاوِيّ 2

الفصل الثاني

شمائل القرضاوي ومناقبه، وجوانب من شخصيته الفذَّة

لقد تمتَّع الشيخ القرضاوي رحمه الله بخِلال كريمة، وصفات حميدة كثيرة، قلَّ أن تجتمع في عالم! وكما منحه الله تعالى نبوغا ومواهب وملكات فكرية متعددة؛ فقد منحه اخلاقا حسنة، وفضائل وشمائل حميدة، وسبحان الله القائل في محكم كتابه: (نرفع درجات من نشاء)، ولله در أبي نواس القائل:

ليس على الله   بِمُستَنْكَر               أن يَجمَعَ العالَمَ   في واحِدِ

فقد عُرف الشيخ رحمه الله بـ : أ- شجاعته وجرأته في قول الحق.

ب- وفائه الجم، لكل من أحسن إليه أو خالطه وعمل معه.

ج- سلامة صدره وحسن طويته.

د- معرفة أقدار الرجال والفضلاء وإن خالفوه في الرأي وخاصموه علميا.

هـ- رجوعه إلى الحق وفيئته إليه.

و- أمله الكبير وعدم يأسه مهما احلولكت الظروف والأحوال.

ز- همته العالية الطمّاحة.     ح- رقة شعوره وإحساسه، ورحمته.

ط- صبره وجَلَدُه وتَحَمُّله.     ي- مزاحه وظرفه، وخفة روحه ودمه.

وسأتحدث عن كل واحدة بشيء من الإيضاح والتفصيل:

99

*أما شجاعته وجرأته في قول الحق وفي مواقفه فهو مشهود له ومعروف عنه؛ أنه كان يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا نقمة ناقم. في كتبه، ودروسه، وخطبه المُجلْجِلَة، ومحاضراته، ولقاءاته الإعلامية، والمؤتمرات التي كان يحضرها ... . وكلنا لا ننسى موقفه من قضية فلسطين، ووقوفه مع شعبها المحتل المظلوم، ودعوته إلى مجاهدة ومقاتلة الصهاينة المُحتلين بكل الوسائل المتاحة، وبجواز العمليات الاستشهادية، وبأن المدنيين "الإسرائيليين" ليسوا مدنيين بل هم مسلحون، فإن قتل منهم أحد أو أصيب تبعية ومن غير قصد فلا يمنع من مقاومتهم ومقاومة العسكريين منهم.

*وموقفه من قضايا المسلمين في البوسنة والشيشان ووجوب نصرة إخوانهم المسلمين لهم بكل ما أوتوا من قدرة واستطاعة.

*وموقفه من الدول الداعمة للصهاينة، أو المسيئة للإسلام ولنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وبدعوته لمقاطعة بضائعها وسلعها ومنتجاتها كأمريكا، وبريطانيا، والدنمارك ... .

*وموقفه لا ينسى من تأييده للثورات العربية السلمية ضد الحكام الظلمة المستبدين "زين العابدين" في تونس، و"القذافي" في ليبيا، و"حسني غير المبارك" في مصر، و"بشار" في سورية، و"علي صالح" في اليمن، إلخ.

كما حرَّم على العساكر قتل المتظاهرين السلميين، ودعوته العساكر إلى عصيان أوامر ضباطهم ومسؤوليهم بقتل المتظاهرين السلميين.

100

*ومن ذلك فتواه بجواز استهداف كل سيارات وشاحنات المحتلين الأمريكان في العراق، والعاملين معهم من المسلمين، ومُزوديهم بالمُؤن والغذاء ... .

*وجهره بتحريم معاملات المصارف الربوية، ورده على مبيحيها كالشيخ محمد سيد طنطاوي، وغيره.

*وأما وفاؤه: فقد كان القرضاوي جم الوفاء يذكر كل من أحسن إليه بالخير، ويُثني عليه؛ من أهله وأقاربه، وشيوخه وأساتيذه، وتلامذته، ومن عمل معه، ووطنه الأصلي، والمكان الذي يقيم فيه.

فحين كُرِّم بوصفه "شخصية العام الإسلامية" في دبي سنة 2000م: شكر أول ما شكر والدته التي أخذته إلى الكتاب ليتعلم القرآن في الخامسة من عمره، كما شكر عمَّه "أحمد" الذي كفله وهو رضيع بعد وفاة والده في الثانية من عمره، وذكر مُعاملته الحسنة له كأولاده، بل أفضل؛ مما جعله يُناديه دائمًا بـ : "يا أبي"!

كما شكر أبناء عمه الذين ساعدوه حتى أتم دراسته الأزهرية.

وذكر خاله "عبد الحميد" الذي كان يفتخر به، ويملأ نفسه أملا وطموحا.

كما ذكر جدَّته لأمه وخالاته المُحسنات إليه بعد وفاة أمه وهو في الـ 15.

ومن وفائه لشيوخه وفاؤه للشيخ محمد الغزالي الذي كتب عنه كتابا كاملا! وذكره الكثير للإمام الشيخ حسن البنا، والثناء العطر عليه، والشيخ محمد عبد الله دراز وغزارة علمه، وأنه نسيج وحده، والأستاذ البهي الخولي.

101

وشيخه الشيخ د. عبد الحليم محمود الذي درَّسه الفلسفة الإسلامية في "كلية أصول الدين"، وأستاذه الأزهري الشيخ محمود شلتوت بصلته الخاصة به قبل وبعد مشيخته الأزهر.

*كما كان الشيخ وفيا لتلامذته باهتمامه بمشكلاتهم، والسؤال عن أحوالهم وأوضاعهم المادية. وكم كان يحزن ويتأثر لمرض أحدهم، فضلا عن وفاته؛ فقد بكى بُكاء حارًّا على تلميذه د. محمد قُطْبَة، ومما زاد في حزنه عليه، أن مات خارج قطر، وحُرم من تشييع جنازته، فتكلم عنه في خطبة الجمعة، وصلى عليه صلاة الغائب.

*ومن وفائه لبلدته "صفط تراب" تبرعه ببناء مسجد ومعهد أزهري فيها.

*ومن وفائه لوطنه الصغير مصر مع ما لاقاه من حكامها من عنت وسجن وقمع وملاحقات وتضييق ... - فقد كان يتحدث عن مصر حديث الابن الذي انتُزع من أمه انتزاعا، كما يقول الأستاذ عصام تليمة.

*ومن وفائه: تأثره بوفاة المذيع "ماهر عبد الله" الذي كان يقدم معه برنامج "الشريعة والحياة"؛ فقد حزن لفقده كثيرا، ونعاه، وترحَّم عليه في "قناة الجزيرة"، وذكره في كتابه: "في وداع الأعلام".

*وأما سلامة صدره: فقد كان رحمه الله مخمومَ القلب، يمتلك قلبا صافيا فطريا، لا يعرف الغل والحسد على أحد من المسلمين؛ بل كان يُقاتل الناس بسلاح واحد هو سلاح الحُبِّ؟!

102

فكثيرا ما كان يُهاجَم الشيخ ويتطاول عليه أناس بسوء ظنهم فيه؛ فيرمونه بالتساهل في الدين، وقلة الورع والتقوى، وذلك لجهلهم به، أو بتحريض المغرضين عليه من بعض الجماعات المخالفة له، فلا يحقد الشيخ عليهم، ولا يوغر ذلك صدره عليهم؛ بل يسامحهم، وحينما يعتذرون إليه يقول: "أنا أعفو عن كل مسلم أساء في حقي"! وكان يقول رحمه الله أيضا: "نشأتُ في رحاب دعوة كان مُؤسِّسُها حسنُ البنَّا رحمه الله يدعو إلى الحب ويقول: سنُقاتل الناس بالحُبِّ!".

هذا، وقد هاجم الشيخَ فئتان: واحدة متعصبة لمشايخها وجماعتها، لا تخرج عن آرائهم ومدرستهم؛ هم بعض من يُسمَّون بـ "السلفية" ظُلمًا، وبعض شيوخ العلم أو الصوفية في الشام، بسبب التعصب وعدم الإلْف لهذه الأقوال التجديدية في الدين.

والثانية فرقة "الأحباش" الذين عُرفوا بانحرافهم وتطرُّفهم لدى القاصي والداني، وبمعاداتهم كل مستفيد من فكر العلامة الشيخ ابن تيمية، أو الشهيد سيد قطب، رحمهما الله تعالى.

وظهرت فرقة ثالثة، ونبتت نابتة بتشجيع من الحكام المستبدين وبعض علماء السلاطين المدخليين والجاميين الجاهلين أشباه الخوارج والدواعش - ومن الحاقدين عليه بل الحانقين على كل إسلام وسطي فاعل حي- قبل عقد من الزمان؛ وهم الذين شيطنوا الشيخ القرضاوي، وشيطنوا ملايين المسلمين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو المؤيدين لهم، ولثورات الشعوب

103

العربية على الحكام الظلمة المستبدين الجَوَرَة الفَجَرة القتلة الفسَدَة؛ فأصبحتَ تسمع كلمة "إخواني" وكأنه أخطر من اليهود والنصارى والخوارج، وكل الضالين المارقين؟؟!!

والمُشكلة أن أكثر العلماء صامتون عن هذا المنكر من القول والزُّور، المُؤدِّي إلى شقِّ صف المسلمين وتفريقهم، وفتح المجال لكل رقيع خليع يتكلم باسم الدين والإسلام والاعتدال، ويُنكر ما ينكر من واجبات الإسلام، وفرائضه، ومعلوماته الضرورية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

*وأما معرفة القرضاوي لأقدار الرجال: فهو أشهر من أن يُعرَّف فقد ملأ كتابه "في وداع الأعلام" بالثناء على العلماء والدعاة إلى الله، ومن مختلف المشارب والبلدان، وإن اختلف مع بعضهم في الرأي، أو كان بينه وبينهم خصومة علمية؛ فهو يُنصفهم، ويُثني عليهم.

*ومن الأمثلة على ذلك: ذكره وثناؤه العاطر على الشيخ حسن البنا، ورشيد رضا، ومحمد يوسف موسى، وبديع الزمان النورسي، ومحب الدين الخطيب، ومصطفى السباعي، وعبد الله بن باز، ومحمد أبو زهرة، وسيد قطب، وعبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد عبد الله دراز، ومحمود شلتوت، والشيخ أبي الحسن الندوي، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ الكشك، والباقوري، وعمر الأميري، والشيخ محمد الغزالي، وعبد الحليم أبو شقة، والشعراوي، وعلي الطنطاوي، وفريد وجدي، ومحمود محمد شاكر، وعباس محمود العقاد، ومصطفى الرافعي، ووليد الأعظمي، ومحفوظ

104

نحناح، وسعيد حوى، ومحمد إقبال، وعبد الله المطوع، وفتحي يكن، وفيصل مولوي، وزهير الشاويش، وعبد الكريم زيدان، والمودودي، وشكيب أرسلان، وعبد السلام هرَّاس، ومحمد المبارك، وحارث الضاري، ووهبة الزحيلي، ومالك بن نبي، وعبد الهادي التازي، وطه العلواني، وإسماعيل الفاروقي ... والقائمة طويلة.

*وأما رجوع القرضاوي إلى الحق: فقد كان رحمه الله رَجَّاعًا إلى الحق، إذا وجد دليلا أقوى مما استشهد به على مسألة من المسائل، وكيف لا وهو العالم الربَّاني العامل الذي قرأ وسمع وصية الفاروق عمر رضي الله عنه في وصيته الذهبية في القضاء، وهي دستور فيه، وما قاله فيها: "ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، وتبين لك الخطأ فيه أن ترجع عنه؛، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل".

*ومن أوضح الأمثلة على ذلك: تراجعه عن فتواه السابقة "في إسلام المرأة في الغرب قبل زوجها الكافر" وهي التي كان يفتي فيها بوجوب التفريق بينهما، ثم وجد أدلة وأقوالا كثيرة - بعد نحو ربع قرن- فغير فتواها بشأنها، إلى عدم وجوب التفريق بينهما.

*ومثل ذلك فتواه بشأن: "شراء البيوت للسكنى بالقرض الربوي في الغرب"، وقد أفتى بجوازها للضرورة الشيخ مصطفى الزرقا، وكان الشيخ القرضاوي يخالفه، وظل كذلك نحو ربع قرن، ثم وافقه بعد اقتناعه برأيه.

*ومثل ذلك فتواه بإباحة "جوائز السَّحْب الكُبرى" في الجمعيات والمُتَسَوَّقات

105

"السوبرماركات"، ثم تحريمه إياها لما وجد فيها من رُوح القمار، وتأثيرها في إضعاف التجار الصغار، وأصحاب الدكاكين والمحلات الصغيرة، وفي الشَّرَه والإسراف بشراء ما ليس ضروريا، ليُحصل على جائزة مظنونة.

*وأما أمله: فالشيخ القرضاوي كان لا يعرف سوى الأمل، ولم يجد اليأس إلى نفسه سبيلا، وكيف يكون يؤوسا وهو يقرأ قول الله تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)؛ فقد دخل السجن مرات عدة، وضويق وحوصر ولوحق، وكان دائما يشعر بالأمل والفرج وزوال العسر بمجيء اليسر، وهو القائل في سينيته الشهيرة "سراب السلام" يصف داعية الحق:

ولا ييأس إن طال الد                 دجى من مطلع الشمس

فلا   يأس   مع الدين                 و لا دين   مع   اليأس

*وأما عن همته العالية ونشاطه: فقد كان الشيخ منقطع النظير في ذلك؛ وخير شاهد على ذلك سيرته الحافلة بجلائل الأعمال، وحركته الدائبة في خدمة الإسلام؛ من تدريس في معهد قطر الديني منذ تأسيسه، ولنحو عشرين سنة، ثم تدريسه في كلية الشريعة من جامعة قطر، ثم في الجزائر، وخطابته إقامته دروسا في مسجدي "عمر بن الخطاب" و "محمد بن عبد الوهاب" في قطر، وبرامجه في تلفزيون قطر وإذاعتها، ثم قناتها الفضائية، ثم برنامج "الشريعة والحياة" الأسبوعي في "قناة الجزيرة" بقطر والذي استمر سنوات، وبرنامج "المنبر" الأسبوعي في "قناة أبي ظبي" والذي دام نحو سنة، وكان الشيخ يتجشَّم لأجله عناء السفر كل أسبوع من قطر إلى الإمارات يوم السبت صباحا، أو الجمعة مساء.

هذا، مع تأسيسه للموقع الشبكي الإسلامي المهم، والمشروع العالمي الضخم "إسلام أون لاين"، وتأسيسه لـ "لمجلس الأوربي الأعلى للإفتاء"، وتأسيسه لـ "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".

*هذا إلى سفراته الكثيرة جدا لحضور مؤتمرات إسلامية، أو إلقاء محاضرات وندوات عن الإسلام ودعوته، في المساجد والمراكز الإسلامية في بلاد الغرب، في الجزائر، وأمريكا، والسعودية، ودول الخليج العربي عامة، ومصر، وليبيا، وسورية، وتركيا، والمغرب، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وماليزيا، والسودان ... إلخ.

وكما يقول تلميذه ومدير مكتبه الأستاذ عصام تليمة: إذا أردت أن تعرف إلى كم بلد سافر الشيخ؟ فالأيسر أن تسأل: أي بلد لم يذهب إليه الشيخ؟!

ولكثرة أسفار الشيخ ورحلاته فقد كان الناس في قطر يتساءلون إذا أرادوا لقاءه، هل الشيخ موجود في الدوحة أم هو مسافر؟ وهل أتى من سفره، أم ما زال مسافرا؟ لأنهم تعودوا أن يسمعوا بأنه مسافر، ولكثرة أسفاره وتنقلاته لقبه بعضهم بـ "الفقيه الطائر".

وكما يقول تلميذه الشيخ عصام تليمة أيضا: لم يكن الشيخ يعرف عطلة، ولا أعيادا، ولا إجازة، ولا دعة، ولا راحة؟!

*ومن علو همته وسموها تفوقه العلمي في نيله المركز الثاني على المملكة المصرية في الثانوية الأزهرية، وكان بينه وبين صاحب المركز الأول نصف درجة فحسب؟!

كما كان الأول في "كلية أصول الدين"، وفي مرحلة التخصص للتدريس.

هذا، مع كتابته في الصحف والمجلات كـ: "حضارة الإسلام" الدمشقية، و"الأمة" القطرية، و"الوعي الإسلامي" الكويتية، وغيرها.

وكيف لا تكون همته عالية وقد ألف أكثر من 170 كتابا في الفكر والدعوة الإسلامية، والثقافة العربية والإسلامية، والاقتصاد الإسلامي، وجوانب متعددة في الفكر الإسلامي، والتاريخ والحضارة ... . وكيف لا يكون كذلك وهو صاحب كتاب: "الوقت في حياة المسلم"؟!

وكثيرا ما يتساءل الناس من العلماء وغيرهم، عن السر وراء كثرة مؤلفات الشيخ القرضاوي، وكثرة حضوره للمؤتمرات، وهم يحضرون قليلا منها، ويؤلفون قليلا من الكتب يُزهَون بها، وتشمخ بها أنوفهم؟!

والجواب هو عند صاحب الترجمة وشيخنا العلامة الجليل القرضاوي، ويكمن في سببين اثنين، كما يقول:

أولهما: هو مباركة الله تعالى له في وقته، لا جده واجتهاده فحسب، على حد قول الشاعر قديما:

إذا لم يكن عون من الله للفتى             فأولُ ما يجني عليه اجتِهَادُهُ

ثانيهما: استثماره لوقته، وعدم إضاعة شيء منه في لغو أو لهو محرَّم؛ فهو يستغله في كل مفيد قراءة أو درسا أو دعوة، أو كتابة وتأليفا؛ فهو يكتب في بيته، وفي مكتبه، وفي جل الأمكنة حتى في الطائرة؟!

108

ومرة لقيه الدكتور عز الدين إبراهيم في الطائرة وهو يكتب، فقال له: أنت تكتب في الطائرة يا شيخ يوسف؟! قال: نعم، قال: ولكن ألا تحتاج للمكتبة؟ قال: ما أحتاجه للمكتبة فإني أدع له مكانا فارغا، حتى أعود لمكتبتي!

كان رحمه الله يعمل ويكتب دائما، حتى في سفره ونزهاته؟! وكان أهله يشتكون من عمله وهو يتنزه معهم.

*وكان لأجل ذلك لا يستطيع النوم مادام يشغل باله فكر أو قضية ما؛ فلا بد من إفراغ ما في رأسه من ذلك العلم والفكر، ليستطيع الإخلاد إلى النوم!

ومن علو همته كما يقول عصام تليمة أنه رحمه الله لم يكن يهتم بشيء من أموره الشخصية؛ بل كان يكلمه إما عن كتاب جديد يؤلفه، أو محاضرة يُعدها، أو فتوى يقلب فيها صفحات الكتب، أو مشروع يفيد الأمة الإسلامية يسعى لتحقيقه، أو يجهز نفسه لسفر طويل أو قصير للدعوة إلى الله عز وجل، هذا كله، مع تقدمه في السن، وبدء معاناته لآلام ركبته، وضعف بصره عما كان عليه من قبل!   "إنها حكمة وخبرة الشيوخ، تحركها وتدفعها حماسة وطاقة الشباب"، حسب تعبير تِلِّيمة.

*وأما رقة شعوره ورحمته: فقد نال الشيخ منها النصيب الأوفى، ويشهد له فيها كل من التقاه، أو شاهده على الشاشات، أو قرأ كتبه وأشعاره؛ فكان رحمه الله يفرح لفرح إخوانه المسلمين، ويحزن لمآسيهم ومصائبهم، ويتأثر ظاهرا وباطنا، وقولا وفعلا، أليس هو القائل في قصيدته الرائعة الرائقة

109

البديعة الشهيرة "أصولي أصولي":

و أهلي   أمة   الإسلا                   م ، لا قيس ، و لا طي

أليسوا إخوتي في اللـ                   ــه ، بل هم جسدي الحي

أئن لهم   إذا مرضوا                   و أحيا إن همو حيوا

و أشدوا إن همو فرحوا                 و أبلغ   إن همو عيوا

و ينزف مني الدم حيـ                   يجرح   - ثم -   بسني

وأصرخ آه حين يُشا                   كُ جامي ،   و كردي

وكان رحمه الله رقيق القلب سريع الدمعة، ولا سيما في سنيه العشر الأخيرة؛ فكان كلما تذكر إخوانه وأحبابه في الله يبكي، وكم شاهده الناس يبكي على الشاشات، ولا سيما في برنامج "المراجعات والمذكرات" الذي أجراه معه الإعلامي الشهير د. عزام التميمي قبل 6 سنوات في قناته "قناة الحوار الفضائية" اللُّندُرِيَّة في 30 حلقة وأذيع في رمضان، وأعيد بعدها مرات.

*وأما صبره وجلده وتحمله: فحدث عنه ولا حرج، فقد امتحن بسجنه مرات عدة في مصر زمن الملك فاروق سنة 1949م، وسجن مرات أخرى زمن جمال عبد الناصر، وعذب، ولوحق وضيق عليه، فلاقى كل ذلك بصبر وثبات. ثم منع من الخطابة والتدريس فاضطر إلى ترك مصر والسفر إلى قطر، فصبر واحتسب أجره عند الله، وفرج الله عنه، وأبدله أهلا بأهل وجيرانا بجيران.

110

وهُوجم من جهات وهيئات عدة وأناس، بالطعن والشتم والتحريض والتشويه والتشويش عليه حسدا وعدوانا، ولا سيما في السنوات العشر الأخيرة من حياته، بشيطنته وشيطنة فكر الإخوان والإسلام الوسطي المعتدل، فلم يزده ذلك إلا صبرا واحتسابا، ويقينا بأنه على الحق.

*وأما طلاقته، وحسن عشرته وخفة دمه، وظرفه ومزاحه: فلقد كان الشيخ القرضاوي آلفا مألوفا، حسن العشرة والمخالطة، يلقى الناس بوجه طلق، وبابتسامة مشرقة، فيحب الناس ويحبونه، ويألفهم ويألفونه.

كما امتاز الشيخ بروح خفيفة مرحة؛ فيأتي ببعض النكات والطرائف يسر بها الناس ويضحكهم ويؤنسهم بها، ويزين بها مجالسه.

*من هذه الطرائف: في أحد المرات اتصل الشيخ بالأستاذ عصام العريان في مصر، فسأله عن أولاده وأحفاده، فقال له: عندي أحد عشر حفيدا، كلهم من البنات؛ أنا الذي يسميه الفقهاء "الجد الفاسد".

*ومنها: أن د. عصام البشير دعا الشيخ إلى وليمة في بيته، وكانت حافلة بما لذ وطاب للأحباب؛ فقال الشيخ القرضاوي مازحا: يبدو أن الأخ عصام فاهم لدعوته جيدا!

*ومن طُرف الشيخ ومُلَحه التي يرويها عن الشيخ وجدي غنيم: أن الشيخ غنيم زار الشيخ القرضاوي في الدوحة وبدأ يتكلم عن نوادر السجون والمعتقلات، فسئل الشيخ غنيم: أي نوع من الطعام لا تأكله؟ فقال:

111

الفاصوليا! فقالوا له: لِمَ؟ قال: أنا مانعها من بيتي؛ لأني ظللت نحو 8 أشهر سنة 1949م في المعتقل، ونحو سنتين من 1954م – 1956م، ولم يكن لنا طعام ليلا أو نهارا إلا الفاصوليا؛ فلما تزوجت قلت لزوجتي في أول يوم من زواجنا: أنا عندي مخزون من الفاصوليا يكفيني إلى نصف قرن قادم؟!! فلا أحب أن تطبخ في بيتي، وفعلا لم تدخل بيتي مطلقا.

منها: أن الشيخ حينما كان يُسأل أسئلة غير دينية، ولا يجد إجابة لها، يخرج منها بطرفة. ومن ذلك: أن شخصا سأله عن تعبير رؤيا، فقال له: يا أخي أنا يوسف القرضاوي، ولست يوسُفَ الصدِّيق!

منها: ما حكاه عن شيخه محمد أمين أبو الروس أستاذه في التفسير بـ " كلية أصول الدين" بالأزهر؛ فقد تزوج مُبكرًا، وكان له أبناء يَدرُسون، وهو يَدْرُس أيضا، فكلهم طلاب، يقول أبو الروس: فقد تكون النتيجة أحيانًا أن أرسب، وينجح الأولاد، فيعرِف زملاؤهم ذلك فيُعَيِّرُونهم قائلين لهم: "يا أولاد الساقط"؟!!

112

الفصل الثالث

مواقف القرضاوي وآراؤه

*رأيه الشيخ في "العبد الخاسر" جمال عبد الناصر، وتعليقه على موته، وتعزيته في وفاته؟!

يقول رحمه في مذكراته عن هذا الموضوع:

"وفي هذا الشهر نفسه، وفي يوم (28) منه، أعلن نبأ هائل على العالم العربي، إنه موت عبد الناصر. وفي هذه الليلة اتصل الأخ الأستاذ عبد البديع صقر بي، وقال: إن إذاعة القاهرة أوقفت كل برامجها، ولا تذيع إلا القرآن، و"المارشات" العسكرية، وكذلك إذاعة "صوت العرب". ويبدو أن عبد الناصر مات، ويتوقع إذاعة الخبر بعد قليل.

ولم تمض إلا برهة قليلة، حتى سمع الناس صوت أنور السادات ينعَى إلى الشعب المصري، وإلى الأمة العربية: رجلًا من أعز الرجال ومن أغلى الرجال!

الصوت الذي أعلن البيان الأول لثورة (23) يوليو، أو لانقلاب (23) يوليو، هو نفس الصوت الذي أذاع نبأ وفاة الرجل الذي فجر هذه الثورة.

لا شماتة في الموت، وكلنا من هذه الكأس شاربون، وإلى هذا المصير ذاهبون. ولكننا – نحن الإخوان – بشر، يحكمنا ما يحكم البشر من عواطف ومشاعر. فقد مات الرجل الذي قهرنا وأذل كبرياءنا، وذقنا على يديه ألوان العذاب... الرجل الذي سجن رجالنا، وسجن كل من يساعد أسرنا بعشرة قروش، حتى يموت أولادنا من الجوع، وتضطر نساؤنا إلى مد اليد، أو ما هو أكثر من ذلك، تحت قهر الحاجة، وعضة الجوع، والجوع كافر لا يرحم... الرجل الذي علق المشانق لدعاتنا وعلمائنا: عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، وسيد قطب، وغيرهم. والذي قتل أكثر من عشرين منا جهرة في ليمان طرة، وقتل آخرين خفية في أتون التعذيب... وتحت لهيب السياط والكي بالنار، وغيرها من الآليات المستوردة من النازية والشيوعية.

الرجل الذي حاربنا في أرزاقنا، ومنعنا من حقنا في وظائف الدولة، ونحن أولى الناس بها، بمقتضى مؤهلاتنا، وتقدمنا في ترتيب الناجحين، وألجأنا

113

إلى أن نطرق أبواب المنشآت والمدارس الخاصة، ليردنا من يردنا، ويقبلنا من يقبلنا على هُون!

الرجل الذي سلط علينا أجهزة إعلامه - مقروءة ومسموعة ومرئية - لتفتري علينا الأكاذيب، وتتقوَّل علينا الأقاويل، وتُشوِّه وجهَ دعوتنا، وترمي بالإفك رجالنا، ولا تمكننا من أن نقول كلمة في رد البهتان، وتفنيد الافتراء. الرجل الذي أغلق دُورنا، وعطل مسيرتنا، وعوق دعوتنا، وجمد حركتنا، في حين أطلق الحرية للشيوعيين واللادينيين!

لقد مات الرجل المسؤول الأول عن ذلك كله، فمن حقنا أن نتنفس الصعداء، وأن نستبشر بموته، وأن نتوقع تغييرًا من وراء ذلك يكون في صالحنا، وفي صالح دعوتنا ووطننا وأمتنا، {فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا 5 إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا} [الشرح: 5، 6].

هكذا كان موقفنا نحن الإخوان المسلمين الذين أصابنا ما أصابنا في عهد عبد الناصر، وكنا من ضحايا جبروت هذا النظام الشمولي الطاغوي الذي قهرنا وقهر شعب مصر كله معنا.

ومع هذا رأينا كثيرًا من الإخوان ترحَّموا على عبد الناصر، برغم ما نالهم من ظلمه وأذاه. نُقِل ذلك عن الأستاذ "فريد عبد الخالق" أحد قادة الإخوان المعروفين، ومن رفقاء حسن البنا. ونقل ذلك عن الأستاذ "عمر التلمساني"، حيث أبلغه أحد الإخوة - وهو في السجن - نبأ وفاة عبد الناصر، وكان الأخ متهللًا فرحًا، شماتة بموت عبد الناصر، فما كان من الأستاذ عمر التلمساني إلا أن قال له: الله يرحمه! فدهش الأخ لهذا الرد الذي لم يكن يتوقعه، فقال له الأستاذ عمر: يا أخي، إن عبد الناصر قد أفضى إلى ما قدم، وأمره موكول إلى الله!

اختلفت المواقف في تقييم عبد الناصر، ولكن جماهير شعبنا المصري وشعبنا العربي: حزنت على عبد الناصر، وبكت عليه، وخرجت جموعها بعشرات الألوف، ومئات الألوف، مودعة حزينة منتحبة.

*موقعه الرسمي على الشابكة.

114

*القرضاوي ودُرَّتنا المُغتصبة فلسطين والقدس:

كانت القدس ولا تزال في أولويات اهتمام شيخنا القرضاوي، لا يتأخر عن أية دعوة توجه إليه بخصوصها، مهما كانت انشغالاته أو ظروفه الصحية. وكثيرا ما كرَّر حفظه الله قوله: (القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها. وإنما هي لكل مسلم أيا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، في شمالها أو جنوبها، حاكما كانا أو محكوما، متعلما أو أميًّا، غنيًّا أو فقيرا، رجلا أو امرأة. كل على قدر مكنته واستطاعته).

وردًّا على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على القدس والأقصى والمقدسات، انطلقت انتفاضة أهل القدس في 28 أيلول/سبتمبر عام 2000م، بعد اقتحام الإرهابي شارون وقواته لساحات المسجد الأقصى، وقد عُرفت هذه الانتفاضة آنذاك بانتفاضة الأقصى المباركة، وتجاوب مع صداها كل الغيورين في العالم الإسلامي.

وكان أن تداعى أعضاء (المؤتمر القومي الإسلامي) لمؤتمرهم الثالث الذي عقد في بيروت، في الفترة من 21 - 23 كانون الثاني/يناير 2000م، وكان لي شرف المشاركة مع شيخنا في هذا المؤتمر، الذي اتخذ قرارا بتشكيل لجنة من بين أعضائه، لعقد مؤتمر يعمل على إنقاذ مدينة القدس، والذي قرر بدوره إنشاء (مؤسسة) تعنى بشؤون القدس، وتسهم في إنقاذ المدينة المقدسة، وتحافظ على طابعها الحضاري، وتتصدى للمحاولات الصهيونية التي تستهدف تهويد المدينة ومقدساتها وآثارها وشوارعها وأحجارها وأشجارها، وتعمل ليلا ونهارا على تهجير أهلها وتفريغ المدينة منهم.

فجاءت تلك المؤسسة التي ترأس مجلس أمنائها فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي منذ تأسيسها في 30 كانون الثاني/يناير 2001م، وحتى اليوم. وعملت ولا تزال تواصل عملها للدفاع عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وتثبيت أهلها، ودعم صمودهم في مواجهة مخطط التهويد.

وأذكر أن المؤتمر التأسيسي الذي حضره ممثلون من أربعين دولة عربية وإسلامية، ينتمون لمختلف تيارات الأمة وأعراقها ومذاهبها، وشرفت

بمشاركة شيخنا القرضاوي فيه، أذكر أن المؤتمر اختار لجنة على رأسها

فضيلة الشيخ وبرفقته رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الدكتور سليم الحص،

115

والشيخ فيصل مولوي الأمين العام للجماعة الإسلامية، والمفكر القومي

الدكتور خير الدين حسيب، لمقابلة الرئيس اللبناني السابق العماد إميل لحود، ووضعه في صورة الخطر المحدق بالقدس وقضيتها، واستئذانه في تأسيس مؤسسة دولية في لبنان تحمل عنوان القدس، وتعمل لقضيتها، فرحب الرجل، ووعد بتقديم كل التسهيلات الممكنة لإنجاح مهمة اللجنة.

كذلك التقى الشيخ ومرافقوه برئيس الحكومة اللبنانية آنذاك السيد رفيق الحريري، الذي رحَّب بوجود مركز المؤسسة في بيروت. وأذكر أنه سأل الشيخ القرضاوي مداعبا: عن أي قدس تتحدثون، قدس ما قبل 1967م الموحدة، أم القدس الشرقية التي يطالب بها العرب الآن؟ فأجابه القرضاوي حفظه الله: القدس هي عنوان فلسطين، ورمز قضيتها، وعندما نقول: القدس، فنحن نعني القدس الموحدة، الشرقية والغربية. بل نعني كل فلسطين من النهر إلى البحر.

وقد تبنى المؤتمرون يومذاك فكرة إنشاء (مؤسسة القدس)، وانتخبوا من بين أعضائهم مجلس الأمناء، الذي اختار بدوره هيئة لرئاسته من فضيلة الدكتور القرضاوي رئيسا، ومعه ثلاثة نواب هم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني رحمه الله، وحجة الإسلام السيد علي أكبر محتشمي، المستشار السياسي للرئيس الإيراني، ومعالي الأستاذ ميشيل إده، وزير الداخلية اللبناني الأسبق، والدكتور مسعود الشابي، المفكر التونسي القومي، أمينا للسر، وسماحة الشيخ فيصل مولوي، رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة، رحمه الله.

ومنذ ذلك التاريخ، والشيخ القرضاوي يترأس مجلس أمناء هذه المؤسسة الجامعة لكل أطياف الأمة، بمذاهبها وعقائدها وتياراتها، رافعة شعار: القدس تجمعنا .. نحميها معا، ونستعيدها معا.

*مقال: "الإمام العلامة القرضاوي سلطان العلماء وفقيه الأمة" د. صلاح عبد المقصود، تسعينية القرضاوي 123- 125.

116

*القرضاوي وثورات الربيع العربي من أجل الحُرِّيَّة والكرامة:

كان شيخنا القرضاوي في طليعة المؤيدين للثورة ضد الطغاة والمستبدين، فكان مؤيِّدا للثورة التونسية منذ اندلاعها، عقب إشعال الشاب محمد بوعزيزي النار في نفسه، وعندما تبعه أحد الشباب المصريين محاولا إشعال النار في جسده أمام مجلس الشعب، خرج شيخنا القرضاوي داعيا الشباب إلى الأمل والعمل قائلا لهم: (أيها الشباب، حافظوا على حياتكم، فإن حياتكم نعمة من الله يجب أن تُشكر، ولا تحرقوا أنفسكم، فإن الذي يجب أن يُحرق إنما هم الطغاة الظالمون، فاصبروا وصابروا ورابطوا، فإن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب. ولدينا من وسائل المقاومة للظلم والطغيان ما يغنينا عن قتل أنفسنا، أو إحراق أجسادنا، وفي الحلال أبدا ما يغني عن الحرام).

واستمر شيخنا يحرض الثوار في تونس، ثم مصر، يوما بيوم، وساعة بساعة، يشدُّ من أزرهم، ويحرِّضهم على مواصلة الكفاح، ويبشِّرهم بقرب النصر وزوال الطغيان، ويواجه فتاوى مشايخ السلطة التي كانت تدعو إلى طاعة ولي الأمر (مبارك) وتحريم الخروج عليه، وتصف المتظاهرين بأنهم دعاة فتنة.

وفي الوقت الذي دعا فيه مفتي مصر (آنذاك) علي جمعة، المصريين إلى عدم الخروج يوم جمعة الرحيل، والصلاة في بيوتهم، كان الشيخ القرضاوي يدعو للزحف إلى ميدان التحرير وغيره من الميادين، ويشدِّد على أنه لا عذر لمتخلف!

وبعد نجاح الثورة المصرية ساند القرضاوي الثوار في ليبيا، واليمن، وسوريا، وكان له الإسهام الكبير في تأييد تلك الثورات.

خطيب الثوَّار:

وكان شيخنا القرضاوي أول من خطب الجمعة في أكبر تجمع بشري في تاريخ الإسلام، حيث خطب جمعة النصر في المصريين الذين احتشدوا بميدان التحرير في 18 شباط/فبراير 2011م، واستمع لخطبته بالميدان أكثر من أربعة ملايين من المسلمين والمسيحيين، وتابعه عبر الفضائيات مئات الملايين من المسلمين حول العالم، في حدث لم يسبق له مثيل في التاريخ.

*مقال: "الإمام العلامة القرضاوي سلطان العلماء وفقيه الأمة" د. صلاح عبد المقصود، تسعينية القرضاوي 127- 128.

117

*موقف الشيخ يوسف القرضاوي وعلماء السنة من حزب الله وإيران، والثورة السورية خاصة:

الدوحة- (ا ف ب): هاجم الداعية السني الشيخ يوسف القرضاوي مساء الجمعة بشدة ايران "الشيعية" وزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، ووصفه بـ"نصر الطاغوت" كما وصف حزبه بـ "حزب الشيطان" بسبب تدخلهما عسكريا في سوريا الى جانب الرئيس بشار الاسد، داعيا الشبان المسلمين للتوجه إلى سوريا للقتال إلى جانب مسلحي المعارضة.

وقال الشيخ يوسف القرضاوي في الدوحة في مهرجان تضامني مع الشعب السوري أقامه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه: "إن زعيم حزب الشيطان يأتي ليقاتل أهل السنة (…) هكذا يأتي نصر الطاغوت والظلم ليقتل المسلمين من اهل السنة".

وأضاف أمام بضع مئات من الحاضرين في قاعة رياضية مغطاة "الآن عرفنا ماذا يريد الإيرانيون… يريدون المجازر المستمرة والمدبرة لقتل أهل السنة".

واعترف القرضاوي بأنه كان مخطئا عندما ساند في وقت سابق الشيخ حسن نصر الله، وقال "دافعت عن من يسمى حسن نصرالله وحزبه حزب الطاغوت وحزب الشيطان، ووقفت أمام مشايخ السعودية أدافع عنهم ويبدو أن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني".

ودعا أهل السنة إلى أن يقفوا ضد "هؤلاء"، لكنه استدرك قائلا: "لا نقف ضد كل الشيعة..".

و دعا "كل مسلم مدرب على القتال وقادر عليه" أن يقدم نفسه "لمساعدة الثوار السوريين"، متسائلا "إيران تدفع بالسلاح و بالرجال، فلماذا نقف نحن مكتوفي الأيدي؟".

كما تساءل أيضا: "كيف لـ 100 مليون من الشيعة أن ينتصروا على مليار و700 مليون (مسلم سُنِّي) ؟ لأن المسلمين متخاذلون"، بحسب تعبيره.

و أكد القرضاوي في ختام كلمته أنه متفائل بـ "نصر قريب وأكاد أراه"، مُضيفا: "سنُصلي في المسجد الاموي بعد سُقوط بشار".

و تداول على منصة المهرجان الخطابي - الذي جرى تحت شعار "معكم حتى النصر"- عدد من مشايخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذين قدموا من الكويت والسعودية والسودان والمغرب وسوريا، في حين توحد خطابهم جميعا في مهاجمة ايران وحزب الله الشيعي اللبناني.

وقال أحد الخطباء من العراق، سعيد لافي، ممثل الحراك الشعبي في محافظة الانبار غربي بغداد "إن هذا مخطط تقوده أفعى رقطاء اسمها إيران ينفذه اناس من بني جلدتنا، مضيفا: "ان هذه الثورة السورية لن تنتهي الا بكسر المد الفارسي الصفوي".

ومن ناحيته اعتبر الشيخ شافي العجمي من الكويت أن "حزب الشيطان هو آخر سهم للنظام السوري".

وتحدث خلال المهرجان أيضا الشيخ محمد الصياصنة إمام وخطيب الجامع العمري السابق بدرعا، والذي نبه بالخصوص إلى أن "المد الفارسي والسرطان الفارسي الذي يريد اجتياح العالم العربي".

*صحيفة "القدس العربي" خبر بعنوان: "القرضاوي يُهاجم بشدة إيران وحزب الله ويدعو المسلمين للقتال في سورية" يوم 1/6/2012م، بتصرف.

clip_image002.jpg

القرضاوي شابًّا

119

الفصل الرابع

أسباب وعوامل نجاح شيخنا القرضاوي، وسعة شهرته

في الحقيقة يحِقُّ لكل دارس لسيرة هذا الرجل العظيم "الشيخ القرضاوي" أن يتساءل عن أسباب نجاحه الباهر في الدعوة إلى الله تعالى، وكيف كُتب له طل هذا القبول والانتشار الواسع؟!

ويبدو لي أن ذلك يرجع إلى خمسة عشر سببا، سأذكرها باختصار:

1- شدة إخلاص الشيخ لله تعالى، وصدق إيمانه ويقينه، مع توفيق الله له.

2- دعاء أمه الصالحة له الذي تقدم، وهو: "يا ابني الله يجعل في وجهك جوهرة، وفي فمك سكرة، ويحبب فيك الرب في عرشه ..."، كما أسلفنا.

3- استثماره كل ساعة من حياته، بل كل دقيقة، في العلم والمطالعة والتأليف والكتابة، وعدم إضاعة شيء من وقته وهدره فيما لا فائدة منه، ولا طائل من تحته. وقد علمنا أن الشيخ كان فيه مضرب المثل؛ فقد كان يكتب ويقرأ كل يوم نحو 15 ساعة يوميا، وأنه كان يفعل ذلك حتى في الطائرة، وفي المطارات من أسفاره؟!

4- تشبعه وتضلعه واستحضاره لآيات الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة؛ فكأنه معجون بهما عَجْنًا؟!

5- استعماله واستفادته من وسائل العصر المرئية والمكتوبة والمسموعة.

6- أسلوبه الفصيح والبليغ، ووضوح بيانه، وأسلوبه الخطابي، وحرقته في طرح موضوعاته ولوعته.

7- وضوح هدفه وغايته، وتحدثه بلغة سلسة سهلة عصرية.

8- عدم انشغاله بردود أعدائه وخصومه عليه، بل تجاهلهم والتغافل عنهم.

9- جو الحرية حرية التعبير والتفكير الذي استفاده من دولة قطر.

10- سعة العمر وفسحته وبركته التي منحه الله إياها.

11- تفرغه للعلم تدريسا وتأليفا وإفادة واستفادة، حتى إنه كان يخفق في محاولاته التجارية مرات عدة، كم ذكر هو في مذكراته؟!

وهو يقول: لا أدري السبب في ذلك؟! لكني أنا أدري؛ فالسبب - والله أعلم- أن العلم والعقل والغنى غالبا لا يجتمعان، كما قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى، ولله دره فيما أُثِر عنه من شعر حِكْمِي:

لَو كانَ بِالحِيَلِ الغِنى لَوَجَدتُني             بِنُجومِ أَقطارِ السَماءِ   تَعَلُّقي

لَكِنَّ مَن رُزِقَ الحِجا حُرِمَ الغِنى             ضِدّانِ   مُفتَرِقانِ   أَيَّ تَفَرُّقِ

وَمِنَ الدَليلِ عَلى القَضاءِ وَحُكمِهِ

         بُؤسُ اللَبيبِ وَطيبُ عَيشِ الأَحمَقِ

12- الغيرة من قطر وظهور الشيخ القرضاوي في وسائل إعلامها كثيرا، في تلفزيون قطر، وإذاعتها، وفي برامج عدة، ثم قناة الجزيرة الفضائية التي يتابعها الملايين؛ فقد سمعت منه مرة أن عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات قال له في التسعينات قبل أن يغضبوا عليه ويشيطنوه مع جماعة الإخوان قال له نريد منك حصة في إعلامنا فهل أنت لقطر وحدها، فكان برنامج "المنبر" في قناة أبو ظبي الفضائية يوم السبت والذي استمر زهاء سنة، وكان يبث لساعة أو ساعة ونصف، وقد تابعت كثيرا منه.

ونفس الشيء سمعته منه عن البحرين: أن أمير البحرين السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طلب منه دروسا ومحاضرات في البحرين فأجاب ذلك على ما أظن حينها؟

13- كتابة مذكراته وتوثيقها، وإذاعتها مرات عِدَّة مكتوبة ومرئية.

14- خدمة تلاميذه وأصدقائه ومحبيه ومساعدتهم له في الكتابة عنه وعن فكره وتراثه، والتعريف به؛ "رابطة تلاميذ القرضاوي".

15- كثرة أسفاره ورحلاته وتنقلاته ومناصبه، وهي لا شك تزيد من الخبرات وتوسع ثقافة ومعارف الإنسان.

16- مساعدة حكومة قطر ومساندتها له ماديا ومعنويا، ولا سِيَّما حكامُها، وقد استفادوا هم منه أيضا؛ من شهرة الشيخ ووسطيَّته، وعالميته.

121

الفصل الخامس

أعداء الشيخ القرضاوي مَن هم، وماذا ينقِمُون منه؟

قال تعالى: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد*). البروج 8.

ويقول الشاعر:

إذا رضيت عني كرامُ عشيرتي         فلا زالَ غضبانًا عليَّ   لِئامُها

لقد تتبعت وسمعت بعض من انتقد شيخنا القرضاوي، أوتهجَّم عليه، وشن عليه الحملات الشعواء، من الناس خلال مسيرته الطويلة والحافلة، ولا سيما في العقدين الأخيرين؛ فوجدتهم ثلاث فئات:

1- العلمانيون، وأشباههم من اليساريين والصهاينة، والصليبيين الحاقدين.

2- المتمسلفون: وهم قسمان: أ- "مدعو السلفية" من المداخلة والجاميين وأتباعهم من العوام أتباع كل ناعق.

ب- من المتمسلفين التقليديين السعوديين والألبانيين: من علماء السلاطين والداعين إلى طاعة ولي الأمر.

3- بعض العلماء التقليديين وأتباعهم من أهل السنة.

وإذا كانت سبب عداوة وخصومة الصهاينة والنصارى والعلمانيين لشيخنا وحبيبنا القرضاوي، معروفا ومفهوما، وهو خصومتهم الدينية والعقدية له القديمة والمتأصلة، ورضاهم المستحيل عنا نحن المسلمين المؤكد بقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

أقول: إذا كانت علة خصومة أولئك القوم للقرضاوي مفهومة ومعروفة، فإن عداوة "أبناء دينه وقومه" غير مفهومة، إلا أن تكون لما في النفس من غرض، وما في القلب من مرض؟!

أو أن تكون من باب الحسد الداء الوبيل القديم الذي لا يمكن شفاؤه إلا بالإيمان الصادق والإخلاص، ولله در شاعرنا العربي القديم؛ إذ قال:

كل العداوات قد تُرجى إماتَتُها           إلا عَداوَةَ مَن عاداكَ مِن حَسَدِ

122

وقد قرأت بعض ما كتب خصومه، وسمعتهم؛ فلم أجد فيهم رجلا صالحا، ولا عالما ربانيا، بل وجدتهم غالبا لا يأتون بكلام الشيخ كاملا، بل يبترون منه نصوصا وجملا ينتزعونها من سياقاتها ثم يحكمون على الشيخ من خلالها؟!! أو يأتون بمقاطع من كلام الشيخ ثم يسألون عن شيء آخر لم يقله الشيخ فيحكمون بضلاله وكفره، وأنه من جند إبليس؟!

كما صنع السائل الذي سأل الشيخ صالح الفوزان: فقد أتى بكلام الشيخ الذي يقول فيه: أنا أقدم الحرية على تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم سأل الفوزان قائلا: ما قولكم فيمن يقول: أنا أفضل الحرية على الشريعة، فقال: هو كافر أشد الكفر. *"قناة سلمان الفارسي".

كما سمعت المدعُوَّ عبد الرحمن دمشقية الذي حرَّم الترحُّم على الشيخ القرضاوي! فرأيته يُنكر على شيخنا القرضاوي في مسائل خلافية، أو من حالات الضرورات؛ كفتواه للمسلم المضطر في أوربا لشراء بيت للسكن بقرض ربوي، وكتقديم الحُرية على الشريعة، وكترحُّمه على البابا، وقوله عن النصارى: "إخواننا" مع أن الله تعالى قال: (وإلى مدين أخاهم هودا)، وقال: (وإلى ثمود أخاهم صالحا) ...، وقد بيَّن العلماء والمُفسرون أن المراد بالأخوَّة هنا "الأخوَّة الإنسانية لا الدينية"، وقول سيدنا علي مشهور في هذا المعنى: "الناس إما أخٌ لك في الدِّين، أو أخ لك في الخَلْق".

وقضية الترحُّم على البابا والكُفَّار عامَّة والدعاء لهم - بغير مغفرة الشرك-أحياءً وأمواتا، فهي مسألة خِلافية، قال بجوازها فقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية، ودعوى الإجماع التي نقلها النووي عن القاضي عياض غير صحيحة، وممن قال بالجواز الإمام البيهقي وغيره؛ كما رأيتُ في مقالة مُهمَّة ومُطوَّلة للأستاذ معتز الخطيب على موقع "الجزيرة" بعنوان: "الدعاء لغير المسلم بالرحمة والمغفرة"؛ فليرجع إلى تلك المقالة إخوتي القراء الكرام.

وهب أن الشيخ القرضاوي أخطأ فهل من أخلاق الإسلام ومن سيما السلف الصالح ومنهم أئمة المذاهب الأربعة، والشيخان ابن تيمية وابن القيم - من تدَّعُون الِاقتِداءَ بهما- أقول: هل يجوز للمسلم الصادق - فضلا عن العالم العامل- أن يُشنِّع على العالم إذا أخطأ في مسألة علمية ويُشهِّر به على الملأ

123

وعبر وسائل التواصل والقنوات المختلفة؟! هل من يفعل هذا سُنِّي سَلَفِيّ، أم مُبْتَدِع خَلَفِيّ تَلَفِي؟!

فكل خير في اتباع من سلف             وكل شر في ابتداع من خلف

لقد رأينا من أخلاق السلف عدم الكلام على العلماء، وعد لحومهم مسمومة، وعاقبة الله في منتقصيهم معلومة كما قال ابن عساكر رحمه الله.

ثم أين حسن الظن بالمسلمين عامة والعلماء خاصة؟ وهو المطلوب شرعا، وعكسه مذموم شرعا (إن بعض الظن إثم).

والإمام مالك إمام دار الهجرة اشتهر عنه قوله: "إذا بلغني عن رجل الكفر من تسعة وتسعين وجها، والإيمان من وجه واحد لحملته على الإيمان"!

ثم أين أدب الاختلاف العلمي الذي كان يتحلى به العلماء الربانيون من السلف والخلف الصالحين؟ لماذا لا يأخذ به هؤلاء الإخوة إن كانوا إخوة مؤمنين صادقين، وعلماء على منهج السلف حَقًّا؟

وقد رأيتُ الإمام النووي العلامة التقي الورع يُترجم لبعض علماء الشافعية في "تهذيب الأسماء واللغات" فيذكر إمامته وعلمه وصلاحه وفضله ونُبلَه، ثم يقول: "ومن شذوذاته كذا"، و"مما شذ به كذا"، ولا يسبه ولا يشنع عليه القول، ولا يقول فيه هُجْرًا كما يفعل هؤلاء المُتمِسْلفون، الذين يبرأ منهم السلف والخلف الصالحون، وهم خصومهم يوم القيامة.

وكذلك رأيت مؤرخ الإسلام العظيم الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" إذ يبدأ بترجمة العالم فيضفي عليه أوصاف الإمامة والجلالة والورع والتقوى ...، ثم ينقده بأدب جم وخلق رفيع، إن كان عليه بعض المآخذ والانتقادات العلمية، والأخطاء الاجتهادية، ولا يسب ولا يشتم، ولا يسخر.

ثم أين واجب وأدب النصيحة الذي شرعه لنا الإسلام؟ لماذا يَدَعُونه ويجعلونه وراءهم ظِهْرِيًّا، ويُصِرُّون على التشهير والفضيحة؟!

ثم أين هم من حرمة غيبة المسلم المحرمة، بل العالِم العامٍل المسلم؟! ألم يسمعوا بقوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه*). فكيف إذا كانت غيبة العالم الميت المسلم؟!

124

ثم إن كانوا مُصِرِّين على التهجُّم على الشيخ القرضاوي والسُّخرية منه وتَسَقُّط أخطائه وزلاته؛ فلماذا لا يتكلمون عن أخطاء شيوخهم وطامَّاتهم؛ كناصر الألباني وفتواه بوجوب خروج الفلسطينيين كلهم من فلسطين، ثم مقاومتهم ومجاهدتهم لليهود من خارجها، وقبل ذلك لا يجوز؟؟!! والذهب المُحَلَّق وحُرمته، وبدعية النقاب، ووجوب هدم قبة المسجد النبوي ... إلخ.

ولماذا لا ينكرون على أمرائهم وحكامهم في مصر والسعودية وليبيا والإمارات وغيرها؛ من سجن المؤمنين الصالحين والتنكيل بهم وقمعهم- وهم الداعون إلى الهدى والصلاح والإصلاح سلميا بالحكمة والموعظة الحسنة- بلا تهمة ولا جريرة تذكر، وتركهم مهملين في غياهب السجون مع التعذيب والإهمال الصحي، ولم يرتكبوا من ذنب إلا أن قالوا ربنا الله، وما نريد إلا الإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين باللسان والبيان؟!

لماذا لا ينكرون عليهم جلب -"هيئة الترفيه" في بلاد الحرمين- الفساد والفاسدين من ممثلين وراقصين وراقصات ومغنين ومغنيات وساقطين وساقطات؛ ليعيثوا فسادا في تلك البلاد الطاهرة، وإفساد شبانها وشاباتها، ورجالها ونسائها، ونشر الفسق والعُهر والمجون بينهم؟!

لماذا لا ينكرون عليهم قتل الناس في اليمن، وزعزعة أمنه، واحتجاز حكومته في الرياض، والسكوت على عيث دولة الإمارات فسادا في اليمن، أو التواطؤ معها على ذلك؟!

لماذا وبأي حق تُشيطن دولةُ الحرمين ومن لفَّ لفَّها جماعةً مسلمة -"جماعة الإخوان الوسطية المعتدلة المُسالمة"- يُعَدُّ أتباعها ومؤيدوهم بمئات الملايين، وجعلهم أخطر من الخوارج والشيوعيين والصهاينة والصليبيين والهندوس والرافضة وكل الكفرة والملحدين والمشركين؟! ونتيجة لهذا العمل الشنيع الشيطاني يضيق على أبناء الجماعة الخناق، ويسجنون، ويختطفون، ويقتلون ويعذبون، هم وذووهم، وتصادر أموالهم وأملاكهم وعقاراتهم، وتمنع كتبهم، ويُسامون أنواعَ الذل والهوان؟!

بينما يترك الكفار والفجار والدُّعَّار والشاذُّون من أهل البلاد وخارجها يسرحون ويمرحون، ويحيون بحرية وكرامة، ويُحترمون ويُقَدَّرُون؟!

125

لماذا وبأي حق يُعتقل ويسجن عشرات ومئات الدعاة والعلماء والمصلحين في بلاد الحرمين، من أجل قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باللسان والكتابة والبيان، وبعضهم سجن من سنوات ولسنوات طويلة من أجل تغريدة غرد بها في تويتر، أو فيسبوك.

بأي حق ولماذا يُعتقل الإصلاحيون في الإمارات بالمئات وربما بالآلاف من محامين ودعاة وعلماء دين، وعلماء إدارة، وإسلاميين، منذ نحو عقدين من الزمان، دون تهمة أو محاكمة، أو أدنى معاملة إنسانية؟!

ومن العجيب الغريب أن يقال لمن يسأل المسؤولين الإماراتيين عن هذا الفعل الغريب المُهين الشائن الذي يُندي جبين الإنسانية عارا وخجلا وشنارا، حينما يسالون عن سبب ذلك يقولون: "نحن نسجنهم؛ كيلا يُسجنوا في غوانتنامو بأمريكا"؟!! صدق من قال: عُذر أقبح من ذنب.

أين أنتم أيها "السلفيون" المُحترمون من هذه "الديانة" والبدعة الجديدة التي ابتكرها بعض شياطين العرب والعجم من الصهاينة والصليبيين والعلمانيين والزنادقة "ديانة واتفاق أبراهام"؟!

لم نسمع لكم كلمة واحدة، ولا بيانا واحدا في استنكارها؟! أليست هي من المنكر من القول والزور، ومن عظائم الأمور؟!

لماذا تصمتون صمت القبور عما يقوم به حُكامكم - غير الأجلاء- من التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب الذي اغتصب أرض "إخوانكم" منذ 74 سنة، وما زال يعيث فيها فسادا، ويقتل "أبناء إخوانكم وبناتهم"، ويهدم بيوتهم، ويسجن الآلاف منهم ومنهن، ويحاصر غزَّة أرض العزة؟!

ألستم تدَّعون الإسلام؟ فأين عزة الإسلام وأخوَّة الإسلام ونخوته ونُصرته، وحقوق الأخوة الإسلامية، وأين أخلاق الإسلام؟!

ألستم تدَّعون العروبة؟ فأين نخوة العرب وأنفتهم وحَمِيَّتهم ورجولتهم؟!

أليس لكم في رسول الله أسوة حسنة؟ فأين التأسي والاقتداء بسيدنا رسول الله القائل: "المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يُسْلِمه"، والقائل: "سِباب المؤمن فسوق، وقتاله كُفر"؟!

126

ثم كيف تتحقق الوحدة مع هذه البدعة الشيطانية الكبرى -"شيطنة الإخوان"- التي ابتدعها حكامكم وأيَّدتموهم عليها، أو سكتُّم عنها؟!

ثم لماذا تسكتون - كحُكَّامكم الخانعين- عما يجري لـ "إخوانكم" في سورية من تقتيل لمئات الآلاف، وتنكيل وتدمير وسجن وتهجير الملايين منذ 12 سنة، ولا تنكرون عليهم سكوتهم، وتطالبونهم بالقيام بواجبهم وحل قضيتهم الذي يكمُن في آية واحدة من كتاب الله تعالى، هي قوله عز من قائل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المُقسطين*). الحجرات 9.

ألا يُحرِّك فيكم ذلك الشَّلَّال من الدماء الجارية، وذلك الدمار الكبير، وتلك المأساة الكبرى، ألا تحرك فيكم الرحمة والشفقة والإنسانية؟!

ومثل ذلك يقال عن "إخوانكم" في ليبيا واليمن، والروهينكا، والهند ...

"إخوانكم" في الهند يُعانون الأمَرَّين من عُبَّاد البقر الهندوس! ويستغيثون ويستصرخون ليلَ نهار! ألا يستحقون منكم نُصرة ولو بكلمة في مقالة أو تغريدة، أو خطبة ...، فماذا قدمتم لهم؟!

أين دور رابطتكم المُحَنَّطة "رابطة العالم الإسلامي"، ومنظمتكم البائسة الناعسة التاعسة "منظمة التعاون الإسلامي"؛ أين هي مما يجري في سوريا واليمن وليبيا، وغيرها من بلدان العالم الإسلامي المنكوبة؟!

لقد شيطنتم "جماعة الإخوان المسلمين" الوسطية المعتدلة بمنهجها الناجع الفعَّال"، ولم توجدوا البديل عنها؟!

ومثل ذلك يقال عن اعتراضكم على "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي أنشأه شيخنا القرضاوي، وأوجدتم "مجلس الحكماء" - مجلس الضِّرَار- البائس التاعس الناعس الناكس المشاكس الذي يضم ويُسوي بين المسلمين والنصارى واليهود والهندوس؟؟!! (ما لكم كيف تحكمون*).

127

ثم إن لشيخنا القرضاوي رحم الله روحه ونوَّر ضريحه- خدماته الجُلَّى في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية لنحو ثُلاثة أرباع القرن، في مشارق الأرض ومغاربها، على مدى عمره المبارك الطويل؛ في نشر العلوم الإسلامية، والمحاضرات والتدريس في الجامعات والمعاهد، والمقالات والدروس الإذاعية والتلفزية والشابكية، وفي خدمة الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية ومعاملاتها، وتأليف الكتب الكثيرة التي عالجت موضوعات شتى لمشكلات المسلمين والدعوة الإسلامية والدعاة، ووضعت الحلول الناجعة لكثير من أمراض المسلمين.

هذا سجل القرضاوي وملفه في خدمة الإسلام فماذا فعلتم أنتم أيها المنتقدون له، والمشنعون عليه، والشانون عليه الحملات المسعورة في إعلامكم وبعض كتبكم ودروسكم ومحاضراتكم؟

ماذا فعلتم لخدمة الإسلام ودعوته السمحة أكثر منه، أو مثله على الأقل، لتطلقوا عليه تهمكم الرخيصة، والكلام المُرسَل، وتسلقوه بألسنتكم الحِدَاد، وتنهشوا لحمه وعرضه حيا وميتا؟!

هلا لُذتم بالصمت عن الرجل الذي ما ونى ولا فتر عن خدمة الإسلام حتى آخر حياته وأيامه الحافلة بالتأليف ونشر العلم؟!

أقِلُّوا   عليهم ،   لا أبًا   لِأبيكُمو

       مِنَ اللَّوْمِ، أو سُدُّوا المَكانَ الَّذي سَدُّوا

ماذا أعددتم لأعدائكم الرافضة الصفويين في إيران وهم الآن لهم دولة شوكتها قوية امتلكت أو تكاد تمتلك الأسلحة النووية؛ فما أنتم فاعلون؟!

هم لديهم مشروع متكامل أعدُّوه وهم يعملون به؛ فما مشروعكم؟!

والمشروع لا يحارب إلا بمشروع مثله.

سِباق "الهِجِن"، ومسابقات "شاعر المليون"، وبرامج "إم بي سي"، ورحلات الصيد والقنص بالصقور، و"صناعة نجوم الغناء والتمثيل والمسرح" كل هذه لا تزيل عنكم خطر إيران المتفاقم والداهم!

128

الصراخ والصياح والاستغاثة من خطر إيران والمد الرافضي الشيعي، و"قناة صفا" التي تدعمونها، والكلام الإعلامي؛ هذا كله لا يصنع مشروعا يردع إيران وأذرعها - في المنطقة في لبنان واليمن والعراق وسورية، وغيرها - كل هذا لا يقدم ولا يؤخر، ولن يُجدي في محاربة عدوكم الصفوي المُساوي أو الأخطر من العدو الصهيوني الذي تُطبِّعُون معه، أو تسكتون على حكامكم المُطبِّعين معه، بل المُنبطحين له والمُنسقين معه؟!

وأُحَذِّركم، وأنذِركم، وأبَشِّرُكم بأن المشروع حتى لو أعددتموه مادِّيًّا بالعلوم التجريبية وبناء المدن والتنمية الشاملة والصناعات المدنية والعسكرية؛ كل ذلك لن يجديكم نفعا ما لم تهتموا بشعوبكم وتحكموها بالقسط والعدالة الاجتماعية والسياسية والحرية والكرامة الإنسانية، وتحاربوا الفساد والمحسوبيات والطبقيات، والفروق الطبقية بين المواطن والوافد.

هذا وإن عجبي لا ينتهي من مُعاداتكم الإعلامية لدولة تركية القوية السُّنِّيَّة الكبيرة الناهضة التي يبلغ سكانها أكثر من 80 مليون نسمة، وهي القريبة إلينا دينا وثقافة ومذهبا وحضارة؛ فهل هذه المعاداة لوجه الله، ومن "الوَلَاء والبَرَاء"- أم لوجه الشيطان، وخِدمة مجَّانِيَّة رخيصة لأعداء الإسلام والعُروبة الحَقِّ؟! (ما لكم كيف تحكمون*).

*أما الشيخ القرضاوي عندي - وعند كل عالم ربَّانِيٍّ مُنصف- فقد جاوز القنطرة؛ كيف لا وقد أثنى عليه خيار هذه الأمة من العلماء والمُحدِّثين والفقهاء والدعاة الفضلاء الأتقياء الربانيين: كالعلامة والداعية الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، والعلامة والمفكر الإسلامي المجاهد الشيخ محمد الغزالي السقا، والعلامة المحدث الرباني الشيخ عبد الفتاح أبي غدة، والعلامة الفقيه الكبير الشيخ مصطفى الزرقا...، والعلامة المحدث الشيخ محمد عوَّامة، والقائمة تطول.

*ينظر لأقوال العلماء والمفكرين المسلمين في شيخنا: كتاب "د. يوسف القرضاوي 70 عاما ..."، و"تسعينية القرضاوي".

129

*طلبان ورجاءان مُهمَّان لكل طلبة القرضاوي ومُحبيه:

أود أن أطلب من إخواني تلاميذ شيخنا القرضاوي ومحبيه، ولا سيما مَن بيده القدرة المادِّية والتأثيرية والعلمية، ومنهم بعضُ أسرة الشيخ رحمه الله، وهذا من باب الوفاء للشيخ وبقاء ذكره وسيرته العطرة، والمحافظة على تراثه، وجمهور قرائه الكبير، وهما:

أولهما- تأليف لجنة علمية للرد على خصوم الشيخ وأعدائه الشرسين من علمانيين، وصهاينة ،وصليبيين، ومُدَّعين للسلفية من المغفلين والجاهلين، وبيان صواب الشيخ فيما أصاب فيه وذهب إليه من فتاواه واجتهاداته وآرائه بالحجج والبراهين العلمية، مع الأدب العلمي الذي اتصف به علماؤنا الربانيون الأجلاء سلفا وخلفا.

وما أخطأ فيه الشيخ وشذَّ فيه عن الجمهور، أو خالف فيه الأرجح والأصح، أو أخطأ فيه خطأ بينا - وهو طبعا قليل من كثير طيب- فليُبَيَّن بجرأة وشجاعة، وليُعترَفْ به، وهذا من منهج أهل السنة والجماعة ومنهم شيخنا رحمه الله؛ فهم وهو لم يدَّعوا العِصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلمة إمام دار الهجرة مشهورة في ذلك: "ما منا إلا من رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحبُ هذا القبر" وأشار إلى قبر سيدنا رسول الله.

وقد رأيت في كلمات بعض العلماء والأساتذة من تلاميذ وأقران شيخنا ومحبيه مَن ذكر ذلك؛ كالشيخ عبد الفتاح أبي غدة، ومحمد الغزالي، وغيرهما، في "سبعينية القرضاوي"، وفي "تسعينيته".

*وإليكم مثالين على ذلك:

1- قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله بعدما أثنى على تلميذه القرضاوي وعلى مؤلفاته الكثيرة، ثم بين أنه سبق سبقا بعيدا وعلا شأنه، قال:

(... ولست من متتبعي الهنات، وصيَّادي الأخطاء، فما تخلو سيرة من عثرة، ولا يوجد إنسان واحد تفرَّد بالعصمة، وانقطعت الأعناق دون بلوغ كمالاته، هو محمد بن عبد الله .. صلوات الله عليه). يوسف القرضاوي 70 عاما كلمات في تكريمه ... ص: 34.

130

2- ويقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في الموضوع عينه أيضا، بعدما أثنى على الشيخ القرضاوي خيرا فقال: "عالمنا ومرشدنا العلامة جمال الدين أبو المحاسن، العلامة الجليل والحبر النبيل ..."، قال بعد ذلك: (...؛ فهو

فقيه النفس والبدن، وقد أوسع الكتابة في أغلب شؤون الحياة العملية، وما نَدَّ عن الجادَّة من المسائل المعدودة فيما كتبه مغمورٌ في زاخر حسناته إن شاء الله تعالى، وقديما قال الإمام مالك رضي الله عنه: كل عالم يُؤخذ من قوله ويُترَك إلا صاحِبَ هذا القبر الشريف، يعني الرسولَ الكريمَ صلى الله عليه وسلم). يوسف القرضاوي 70 عاما ... ص: 39- 40.

*أقول بلزوم ذلك وضرورته لهدفين اثنين:

أ- لزيادة الثقة في كتب الشيخ وتراثه الواسع العريض، واستمرار الاستفادة منها، والإقبال عليها برغبة وكثرة.

ب- للقضاء على شغب وتشويش المشاغبين - من الحَقَدَةِ الحَسَدَةِ الفَسَدَةِ- والمشوشين على جمهور الشيخ وعوام المسلمين الذين ليسوا من أهل التخصص؛ كيلا يُصَدُّوا عن تراث الشيخ العظيم الزاخر والغني والخصب، ويَحُولوا بينهم وبين الإفادة منه.

ثانيهما: أطلب من القائمين على طباعة مذكراته "ابن القرية والكتاب" خاصة: أن يُفهرسوه فهرسا عاما للموضوعات والأبواب والفصول، وفهرسا خاصا تفصيليا لما ورد فيه من آيات، وأحاديث، وأشعار، وأعلام، وأماكن، وكتب، ومجلات، ومسائل وفتاوى، ... إلخ، ليستفيد منه العلماءُ والباحثون والمفكرون على نطاق أوسع وأشمل وأسهل، وليقوم الدارسون بعمل دراسات علمية رصينة عنه، وليصلوا إلى جزئياته بسرعة وسهولة؛ كما فعلت "دار المنارة" في جُدَّة من قبل مشكورة مأجورة في الكتاب الرائع الماتع "ذكريات الشيخ علي الطنطاوي" رحمه الله، فأحسنت صُنعا، وأجملت، في طبعتيها الشهيرتين.

فقد لاحظت أن طبعة "مذكرات القرضاوي" الأولى ليس فيها حتى فهرس عادي لموضوعاته؟! والطبعة الثانية فُهرِس منها جُزآها الأوَّلان فحسب؟!

131

الباب الخامس

القرضاوي شاعِرًا

*الشعر عنده: ولندع شيخنا القرضاوي نفسه يتكلم عن الشعرعنده، فيقول:

"لقد بيّنت موقفي من الشعر في قصيدتي بعنوان: "أنا والشعر"، وهي

قصيدة بائية من بحر الطويل، وفيها قلت:

أُريد له هجرًا ، فيغلبني حُبّي       وأنوي ، ولكن لا يطاوعني قلبي

وكيف أطيق الصبر عنه، وإنما        أرى الشعر للوجدان كالماء للعشب؟

فكم شدَّ من عزم، وبصَّر من عَمَى      وأيقظ من نوم، وذلَّل من صعب!

وفي هذه القصيدة أوضحتُ مواقف الشعراء وأصنافهم واتجاهاتهم، وفي

نهايتها قلت:

وَقَفْتكَ يا شعري على الحقِّ وحده

      فإن لم أنل إلَّاه، قلتُ لهم: حَسْبي

وإن قال غرٌّ: ثروتي، قلت: دعوتي

      وإن قال لي: حزبي، أقول له: ربي

فعش كوكبًا يا شعر يهدي إلى العُلا 

     وينقض رجمًا للشياطين كالشهب

وكم تمر عليَّ فترات أنسى فيها الشعر، حين أغرق في بحار العلم والفكر،

وأنسى بحور الشعر، وتأتي عليَّ أحيان تستيقظ فيها القريحة، ويتدفق فيها

الشعر، وأكثر ما يكون ذلك أيام المحن والمعتقلات.

*وشعره قسمان: قصائد، وأناشيد إسلامية.

الفصل الأول

قصائده المشهورة؛ نماذج منها

أولا- القصائد: ومن القصائد المشهورة له:

1- قصيدته "لَكَ يا إمَامِي":

وهي التي يمدح فيها شيخه الإمام الرباني الشهيد الشيخ حسن بن أحمد البنا

ت 1949م رحمه الله، والتي افتتح بها ديوانه الثاني "المسلمون قادمون

وأهداها إليه، وهي قوله:

لكَ   يا إِمامِي يا أعزَّ معلــــمِ!

       يا حاملَ المصباحِ في الزمنِ العَمِي!

يـــا مرشدَ الدنيا   لنَهجِ محمـدِ       يا نفحةً   من   جيلِ   دارِ الأرقــمِ

أُهدِيـكَ نفسي في قصائدَ صُغتُها       تَهدي وتَرجُم؛ فهيَ أختُ الأنْجُمِ!

حَسَبوك مِتَّ وأنتَ حيٌّ خــالد       ما ماتَ   غيرُ المستبدِّ   المُجـــرِمِ

حسبوكَ غِبتَ وأنتَ فينـا شاهد        نَجلُو - بنهجِكَ- كلَّ دربٍ   مُعتِـمِ

شيَّدتَ للإسلامِ صَرحًـا لم تكُنْ       لَبِناتُه ،   غيرَ الشبابِ   المُسلـــمِ

و كتبتَ - للدنيـا- وثيقةَ صحوةٍ      و أبَيْتَ   إلا   أن تُوقِّعَ   بالــــدمِ

نمْ في جوارِ زعيمِكَ الهادي فَمَا       شَيَّدتَ   - يا "بَنَّاءُ"-   لمْ   يتهـــدَّمِ

سيظلُّ حبُّكَ في القلوبِ مُسطَّرًا      وَسَناكَ في الألبابِ واسمُكَ في الفَمِ

133

2- قصيدة و"ملحمة الابتلاء، الملحمة النونية" الشهيرة:

والتي نظمها في السجن الحربي الرهيب بمصر سنة 1955م واصفا سجنه وتعذيبه الذي تشيب منه الوِلْدان- مع إخوانه- والممتد 20 شهرا.

إنها الملحمة النونية البديعة لشيخنا العلامة الشيخ د. يوسف القرضاوي التي يصف فيها سجنه ومحنته الرهيبين- مع إخوانه- في سجن مصر الحربي وصفا مُرعِبًا مقززا تشيب لهوله الولدان - وهي التي حفظها بعض السجناء، ومنهم الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله- وذلك أيام حكم المقبور "القبيح العبد الخاسر؛ جمال عبد الناصر" لا رحمه الله، وأقول: "لا رحمه الله" اقتداء بذلك العالم المصري الرباني الذي قال عنه: "لو كان مسلما لترحَّمنا عليه"؛ فهو سبب ويلاتنا ونكباتنا الأول، وبه اقتدى ويقتدي فراعنة العرب النافقين والحاليين، وهي نونية مكسورة تبلغ 314 بيتا، من بحر الكامل، ومنها:

ثار القريض   بخاطري   فدَعُونِي       أفضي لكُم بِفَجائعي و شُجُونِي

فالشعر دمعي حين يعصرني الأسى     والشعر عُودي يوم عزف لحوني

كم قال صحبي أين غُرُّ قصائدٍ؟         تشجي القلوب بلحنها المحزونِ

و تُخلّد   الذكرى الأليمة   للورى         تُتلى   على الأجيال بعد قرون

ما حيلتي والشعر فيض خواطرٍ       ما دمت   أبغيه ، و لا يبغيني؟

و اليوم عاودني الملاك   فهزني         طربا   إلى الإنشاد   و التلحين

********

ألهمتها عصماءَ   تنبع من دمي         و يمدها   قلبي ، و ماء عيوني

نُونيةٌ   و النُّون   تحلو   في فمي         أبدًا فكِدتُ يُقال لي: ذو النونِ!

134

صورتُ فيها ما استطعتُ بريشتي         و تركتُ - للأيام -   ما   يُعييني

ما همت   فيها بالخيال   فإنَّ لي        بغرائب الأحداث ، ما   يُغنيني

أحداث عهد عصابة حكموا بَني         مصرٍ ،   بلا خلقٍ و لا قانون

أنست مظالمهم مظالم من خلوا         حتى   ترحمنا   على   نيرون

حسبوا الزمان أصمّ أعمى عنهمُ           قد   نوّموه   بخطبةٍ   و طنين!

و يراعة التاريخ تسخرُ منهمو           و تقوم   بالتسجيل ، و التدوين

و كفى   بربك   للخليقة مُحصِيًا           في لوحه ، و كتابه   المكنون

يا سائلي عن قصتي اسمع إنها         قصص من الأهوال ذات شجون

أمسك   بقلبك   أن يطيرَ مُفزَّعا         و تولّ   عن دنياك حتى حين

فالهول عاتٍ ، و الحقائق   مرةٌ         تسمو على التصوير و التبيين

والخطب ليس بخطب مصر وحدها       بل خطب هذا المشرق المسكين

   ********

في   ليلة   ليلاءَ ؛ من   نوفمبرٍ           فُزِّعتُ من نومي لصوت رَنينِ

فإذا   كلاب الصيد   تهجم بغتةً          و تحوطني عن شمألٍ و يمين

فتخطفوني من ذويَّ ، و أقبلوا           فرحا   بصيدٍ - للطغاة - سمين

وعزلت عن بصر الحياة وسمعها           وقُذفت في قفص العذاب الهون

في ساحة (الحربي) حسبك باسمه           مِن باعثٍ للرعب قد طرحوني

135

ما كدت أدخل بابه حتى رأت           عيناي   ما لم تحتسبه ظنوني

في كل   شبر   للعذاب   مناظرٌ           يندى لها - والله - كل جبين

فترى العساكر و الكلاب معدة           للنهش ، طوع القائد المفتون

هذي   تعضُّ   بنابها ، و زميلها           يعدو عليك   بسوطه المسنون

و مضت   عليَّ   دقائق و كأنها         مما   لقيت   بهن   بضعُ سنين

يا ليت شعري ما دهانِ؟ وما جرى؟       لا زلت حيًّا أم لقيت مَنوني؟

عَجَبًا أسجنٌ ذاك أم هو غابةٌ؟!           برزت كواسرُها جياع بطون؟

أأرى بناء أم أرى شِقَّي رَحًى           جبَّارةٍ   - للمؤمنين -   طحُونِ؟

واهًا   أفي حلم   أنا   أم   يقظةً           أم   تلك   دارُ خيالةٍ و فتون ؟

لا لا أشك   هي الحقيقة   حية           أأشك في ذاتي وعين يقيني ؟

هذي مقدمة الكتاب فكيف ما       تحوي الفصول السود من مضمون؟

هذا هو (الحربي) معقل ثورة         تدعو   إلى التحرير   و التكوين

فيه   زبانية     أعدوا   للأذى         و تخصصوا   في   فنه   الملعون

متبلدون   ،   عقولهم     بأكفهم         و أكفهم   - للشر -   ذات   حنين

لا فرق بينهمو و بين سياطهم        كل أداة ،   في   يدي   مأفون

يتلقفون   - القادمين -     كأنهم         عثروا على كنزٍ - لديكَ-   ثمينِ

بالرجل بالكرباج باليد بالعصا         و بكل أسلوبٍ   خسيسٍ ،   دونِ

136

لا يَقْدِرون   مُفكرا ،   و لوَ انَّهُ         في عقل سقراط ، و أفلاطون!

لا يعبؤون   بصالحٍ ، و لو انه         في زُهد عيسى ، أو تُقَى هارون

لا يرحمون الشيخ وهو محطمٌ         والظهر منه - تراه- كالعرجون

لا يشفقون على المريض وطالما           زادوا   أذاه ؛ بقسوةٍ   و جنون

كم عالمٍ   ذي هيبة   و عمامةٍ           وطئوا عمامته ؛   بكل مجون

لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها           لكنها   هانت ،   هوان   الدين!

و كبيرِ   قومٍ     زينته     لحيةٌ           أغرتهمو   بالسبِّ ، و التلعين

قالوا   له: انتفها - بكل وقاحةٍ           لم   يعبؤوا     بسنينه     الستين

فإذا   تقاعس أو أبى   يا ويله!           مما   يلاقي   من أذىً و فتون

أترى   أولئك   ينتمون   لآدمٍ           أم هم   ملاعينٌ   بنو ملعون ؟!

تالله   أين   الآدمية     منهمو؟!           مِن مثل محمودٍ و من ياسين

من جودة أو من دياب ومصطفى         و حمادةٍ ، و عطية ،   و أمين

لا تحسبوهم مسلمين مِنِ اسمهم         لا دينَ فيهم غيرُ سبّ   الدين!

لا دين يردعُ لا ضميرَ محاسبٌ         لا خوف شعبٍ، لا حمى قانون

من   ظنَّ   قانونا   هناك   فإنما         قانوننا   هو   حمزة   البسيوني

جلاد ثورتهم ، و سوط عذابهم         سموه - زورا - قائدا   لسجون

وجهٌ   عَبُوسٌ   قمطرير   حاقدُ         مستكبرُ القسمات ،   و العِرنِينِ

137

في خده   شجٌّ   تَرى   من خلفه          نفسًا   معقدةً ، و قلبَ   لَعين

متعطشٍ   للسوءِ   في الدم   والغٍ           في الشرّ منقوعٍ   به معجونِ

   ********

هذا   هو الحربي   معقل   ثورة           تدعو إلى التطوير و التحسين

هو صورة صغرى استعيرت من لظى     في ضيقها ، وعذابِها الملعونِ

هو مصنع للهول كم أهدى لنا           صُوَرًا   تُذكِّرنا     بيوم الدين

هو فتنة   في الدين   لولا نفحةٌ           من فيض إيمانٍ ،   وبرد يقين

                 قل للعواذل إن رميتم مصرنا           بتخلف   التصنيع ، و التعدين

مصر الحديثة قد علت و تقدمت           في صنعة التعذيب و التقرين

و تَفنَّنَتْ - كي لا يملَّ مُعذَّبٌ           في العرض والإخراج والتلوين

أرأيتَ   بالإنسان يُنفخ   بطنه           حتى يُرى في هيئة البالون ؟!

أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه           بالطوق ، حتى ينتهي لجنون ؟

أسمعت بالإنسان   يُشعل جسمُه          نارًا و قد صبغوه   بالفزلين؟!

أسمعت ما يلقى البريء ويصطلي         حتى يقول: أنا المُسِيءُ خذوني

أسمعت بالآهات تخترق الدجى         رباه !   عدلَكَ .. إنهم   قتلوني

إن كنت لم تسمع فسل عمّا جرى         مثلي ، ولا يُنبيك   مثلُ سَجين

و اسأل ثرى الحربي أو جدرانه         كم   مِن كسير فيه أو مطعونِ

138

وسل السياط السودَ كم شربت دما         حتى غدت   حُمرًا   بلا تلوينِ!

أعرفتَ ما قاسيتُ في زنزانة          كانت هي القبر الذي يؤويني؟ !

لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى        روضٌ، وتلك جحيمُ أهل الدِّين!

هي في الشتاء و برده "ثلاجةٌ"         هي في هجير الصيف مثلُ أتون

نُلقى   ثمانيةً   بها   أو سبعةً           متداخلين ؛   كعُلْبةِ "السردين"

هي منتدانا و هي غرفةُ نومنا          وهي"البوفيه" وحجرة "الصالون"

هي مسجد   لصلاتنا و دعائنا          هي   ساحةٌ   لِلِّعْبِ و التمرين

وهي "الكنيف" وللضرورة حكمها        ما الذنبُ إلا ذنبُ من سجنوني

الأرض كلُّ الأرض عندي: أرضها      أما   السماءُ   فسقفها   يعلوني

هي كل ما لي في الحياة فلم يعد          في الكون ما أرجوه أو يرجوني

فيها انقطَعْتُ عن الوجود فلم أعد          أعنيه في شيء ،   و لا يعنيني

********

قل   للذي   جعل   الكنانة   كلها         سجنا وبات الشعب شر سجين

يا أيها   المغرور   في   سلطانه       أمن النضار خلقت أم من طين؟

يا من   أسأت لكل من قد أحسنوا       لك دائنين   فكنت   شر مدين

يا   ذئب   غدرٍ   نصبوه   راعيا         و الذئب   لم يك ساعة بأمين

يا من زرعت الشر لن تجني سوى       شرٍ و حقدٍ في الصدور دفين

سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت       دول أولات عساكر و حصون

139

ستهب   عاصفةٌ     تدك     بناءه       دكا و ركن الظلم غير ركين

ماذا كسبت و قد بذلت من القوى         و المال بالآلاف و المليون ؟

أرهقت   أعصاب البلاد   و مالها         ورجالها في الهدم لا التكوين

و أدرت   معركة   تأجج   نارها       مع غير (جون بولٍ) ولا كوهين

هل   عدت   إلا بالهزيمة   مرّةً         و ربحت غير خسارة المغبون؟

و حفرت في كل القلوب مغاورا         تهوي بها   سُفلًا إلى سجّين

و بنيت   من أشلائنا   و عظامنا         جسرا   به   نرقى     لعليين

وصنعت باليد نعش عهدك طائعا         و دققت   إسفينا   إلى   إسفين

و ظننت دعوتنا   تموت بضربةٍ         خابت ظنونك فهي شرُّ ظنون

بليت سياطك و العزائم لم تزل         منّا ، كحدّ الصارم   المسنون

إنا   لعمري   إن صمتنا   برهةً         فالنار في البركان ذات كُمون

********

تا لله  ما الطغيان يهزم   دعوةً           يوما و في التاريخ   برّ ُ يميني

ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي         بالسوط ضع عنقي على السكّين

لن تستطيع حصار فكري ساعةً           أو نزع إيماني ، و نور يقيني

فالنور في قلبي و قلبي في يديْ         ربّي، و ربّي ناصري و معيني

سأعيش معتصما   بحبل عقيدتي           و أموت مبتسما ؛ ليحيا ديني

140

يا رب   خلصنا من ابنَيْ سالم           ومن ابن عبد الناصر المفتون!

يا رب خلص مصرَ مِن أعدائها           و أعِنْ على طاغوتها الملعون

يا رب إن السيل قد بلغ الزبى          والأمر في كاف لديكَ و نون

باسم الفِراخ الزغب هيض جناحُهُمْ         فقدوا الأبَ الحاني بغير منون

بدُموع أمٍّ ؛ رَوَّعُوها   في ابنها           و بكل دمع   في العيون سخين

بدعاء   شيخ ؛   شَرَّدُوا   أبناءَهُ           ما بين مُعتقلٍ ، و بَيْنِ سَجِينِ

بِسُهاد زوج غاب عنها زوجها         فَدَعَتْ لِفَرْطِ جَوًى و فرطِ حَنِينِ

ربَّاهُ   رُدَّ عَلَيَّ   مُؤنِسَ وَحْشَتِي         و أغثْ - بعودته - جِيَاعَ بَنِينِي

********

يا مَنْ أجبتَ دُعاءَ نُوحٍ "فانتَصِرْ"          و حملتَهُ   في فُلْكِكَ المَشْحُونِ

يا من أحالَ النارَ حَولَ خَليلِه           رَوْحًا و ريحانًا بقولِكَ (كُونِي)

يا من أمرتَ الحُوتَ يلفِظُ يُونُسًا           و سَتَرْتَهُ   بِشُجيرة   اليَقطينِ

يا ربِّ ! إنَّا   مِثلُه   في كُرْبَةٍ           فارْحَمْ عِبَادًا كُلُّهُمْ "ذُو النُّونِ"

********

141

3- أرجوزة "الأصوليون"

يقول القرضاوي رحمه الله عنها: ومن أهم ما أنشأت من الشعر في هذه المرحلة: أرجوزة (الأصوليون)، وهي قصيدة من بحر(الرجز) المعروف بسهولته واستجابته لكل الأغراض، ومن أجل ذلك كان هو معتمد الناظمين في العلوم المختلفة: في النحو، والصرف، والحديث، والفقه، والأصول، والتوحيد، والمنطق، وغيرها.

وقد كنا نحفظ ألفية ابن مالك في النحو والصرف، وألفية العراقي والسيوطي في الحديث، ومراقي السعود في الأصول، والجوهرة في التوحيد، والسلم في المنطق ... إلخ. وأعرف أن إخواننا من علماء موريتانيا يحفظون ألوف الأبيات في العلوم الشرعية والعربية.

المهم أني أنشأت هذه الأرجوزة عن "الأصوليين" على لسان أهل الاستخبارات وأمثالهم ومن يناصرهم من العِلمانيين؛ ولذا اعتمدت فيها أسلوب السخرية، كما اعتمدت السلاسة والسهولة في التعبير والتصوير؛ ولذا راجت هذه الأرجوزة بين الشباب في البلدان العربية كافة، وحفظها الألوف المؤلفة، وبعضهم أدخل فيها، وأضاف إليها من عنده!

*"الأصوليون": (أرجوزة على لسان العلمانيين، وأجهزة الاستخبارات):

أبلغ رجال الأمن حتى يزحفوا           فها هـنــا   جماعة   تطرّفوا

من الأصولييــن   أعداء الوطن           أخطر من جميع عباد  الوثن

قـــــد نأمن الهندوس و اليهودا           و قـــــــد   نُقيم معهم   العهودا

إلا أولاء ؛   فأذاهـــــم   يُحْذرُ           فهم علينا   من يهودَ أخطـــرُ

عرفتهــــم ؛ باللحن و السمات             و مجمــل الأعمال و الصفات

142

إذا ما دعا الداعي إلى الصلاة             هبّوا لهــــا   في خفة القطاة

حتى صلاة الفجر في المساجد             و الناس بين راقـــد و راكــد

غايتهـــــم بها   رئاءُ النـــاس               فمن يطيق ذا السلوك القاسي؟

أعفـَوْا   لحاهم   زعموها سُنَّةْ              يُدنيهـــم - اتباعُها -   للجنـــة

و منهم الحليق   كي لا يعرفا             للأمن فهو خصمهم مهما صفا

لكنهم مهما اختـَفـَوْا و ضللوا               عليهمو   ألف دليـــل   يُوصل

كم رغـّبوا في نهجه و رهَّـبوا             تعصبًا ، و بئس ما  تعصبوا

إذا دُعوا   لحفل لهوٍ راقص               أبَوْا - بلا ذوق - إباء ناكص

فما لهم   في الفن من خـَلاق               إذ حُرموا   الحلوَ من المذاق

والرقص عندهم حرامٌ منكرُ             كذا   قضى الجمودُ و التحجرُ

وحرَّموا ما ساد عـُرْفَ الناس             من عهد   شيخنا   أبي   نواس

و أنكروا     فوائــــد   البنوك             كأننـا   في الزمن   المملوكي!

ناسين   ما   حتمــــه   التـَغـَيُّر             و الـديــن - مثل غيره- يُطوَّر

و خالفوا   مفتينـــا الطنطاوي             مجدد الزمـــان   في الفتاوي

الشرع   في يده   كالعجينـــة             لا كالألى   عقولهم   سجينـــة

143

لم يلتفت للشكل   بل للجوهر             و لم يضيق مثل شيخ الأزهر

و ما علينا   من مخالفيـــــــه               وقوفنا   - بجنبه -   يكفيـــــــه

و كلما رد عليـــــــــه   العلما               زادوه شهرة   كنجـم السينما

فهو بنا   شيخ شيوخ العصر               من مثله   من نجبـاء مصر

و شدَّدوا   على ذوي المزاج ِ               و رفقة الأنس ،   بليلٍ   داج

و قاوموا   نفوذ أهل الكـَيـْفِ               فحق   أن يُؤدَّبوا ،   بالسيف

حتى الدخان عندهم   ممنوعُ               فمـــا   لهم   - بطيبٍ - ولوعُ

همُّهم   الدعوة ،   و الدراسة               دوما ، و مزج الدين بالسياسة

يؤذنون   في أماكن   العملْ               من غير خوفٍ أو حياءٍ أو خجلْ

و الناس فيهم تاركو الصلاةِ               فكيف يُؤذوْنَ مدى الأوقات؟!

بيوتهم     تحفل     بالدلائـــل               على انتمائهم ، بدون حائـــل

ستجد السواك ، و المصاحفا               و الكتب فيها ؛ تالدًا و طارفا

و كم   لديهـــم  كتب   مُضلة             و الاعتراف     سيد الأدلــــــة

أشد   في الفتك   من البارود             رسائل البنـَّاء   و المودودي؟!

و كتب   القطبين ؛   كالظلال             و القرضاوي - بعد- و الغزالي

144

و مثلها :   رسائل ابن   بـــاز             و علماء الشام ،   و الحجـــاز

و ربما     وجدت     للترابــي             وهو كـبيــر زمرة الإرهاب؟!

و قد ترى من كتب الغنُّوشي             و تلك   كالهرويين والحشيش؟!

نساؤهم   يُزهيـــن   بالحجاب           والبعض يُصررنَ على النقاب!

أشكالهن     تُرعب   الصغارا           و تقلق   الـيهــــود   و النصارى

فكيف   يخفون   على المباحث           و كل شيءٍ     ظاهر   للباحــث

تاريخهـــم   أسود   كالقطران           حسبهم   الجهـــاد   في الأفغان

كم قاتلوا السوفييت في الجبال           ليظهروا   في مظهر   الأبطال!

و قبلهم   إخوانُ سوء   جاهدوا           فوق فلسطينَ و فيها استشهدوا

و هـيــأوا     الشباب   للقتـــال           و حفـَّظـُوهم   سورة الأنـفـــال

و شاركوا   بالدم   في القـنـاةِ           تغطـيــة - منهم -   لفصل آتِ

فكل فعـــــــل   منهمو مردودُ           مهما يكــنْ   ظاهره   المحمودُ

و اليــوم للبوسنة   قد تحمسوا           كأنهم   - للمسلميـــن -   حرسُ

و ذاك - والله - هو الجنــــــونُ           و للجنون   - عندهم -   فنـــونُ

و ذاك شأنهـــــم على الإطلاق          إن شِيـــــكَ مسلمٌ بواق الواق

145

فهم   مع الجهـــــاد في كشمير         و في الفليبينَ ،   بلا   نكيـــر

أما   فلسطين   فهم   رجالـهــا           و إن تنادى - بالسلام - آلـُهــا

قد أيدوا الفتيـــــة   من حماس           دون مبـــــالاة ، ولا احتراس

و أحرجوا الوفود في المفاوضة           و وقفوا   في جهة المعارضة

و اتهمــــــــوا   مسيرة   السلام           بأنـــها ليست سوى استسلام!

و أعلنـــــوا   الجهاد   و الكفاحا           و ما اقتنوا غير الحصى سلاحا

و سحروا   - بالكلــــم - الشبابا           يُخيِّلونـها   - لهم -     حرابــا

و خدَّروهم     بصلاح   الديـن           و أنهم   - غدًا -   إلى حطيــن

و هيجوهم   بالفتاوى الصاعقة           بطرد إسرائيل   تلك   السارقة

كأنهم   إذا   سفيننا   اضطرب             أرشد من جميع حكام العرب

فتش تراهم   خلف كل حادثة             تحدث في الأرض وكل كارثة

و كـــــل ما يقلق أهل الغرب             فهم   وراءه ،   بغير رَيْـب

و إن يكن في جزر الهاوائــي             أو خللا   في مركب الفضـــاء

و الله   لـــــولا  خشية   العُذّال             لقلتُ   هـــم   محركو الزلزال

في كـــل معهدٍ ، و كل جامعة             أسماؤهـم هي النجومُ اللامعة

146

يكتسحون     يومَ   الانتخـاب             أصوات الِاتحـاد ،     للطلاب

قد أثَّروا في الشيب و الشباب             و فتنـــوا   الشيوخ ، كالطلاب

يسعون للحكــــم ، و للكرسيِّ             و ذاك   شأن الأحمق   الغـبـيِّ

فنحن أهل الحكــم و الصدارة           و مـن سـوانا   مـا لــه جـدارة

لا تحلموا أن تظفروا بالسلطة ْ         و أذنوا إن شئتمو في "مَلـْطة"

تداوُلُ   السلطة     جـِدُّ   وَهــمِ           فلا   تكونوا     بُلَداءَ   الفَهْــــمِ

الحكـــــم   لا يخرج   من أيدينا         لو كان لابن العاص أو لمينــا

فوفروا   جهودكــــم   يا سادة!         فقد   خلقنـــا   - نحن - للقيادةْ!

من سار في مركبنـــا مطعومُ           و من   جفانــا   فهو المحروم

أيستوي مَن حزبــــه السلطانُ           و من رفيقـــه   هو السجـَّانُ

تصوروا       منطــق   هؤلاء           يدعــون     للعودة     للوراء!

يدعون   للسنة ،   و الكـتـابِ           و تلك   دعوى ثلة   الإرهــابِ

فهم   خصوم قادة   التنويــــر           وحَرَسُ الدين   من التطويـــر

أبَعْدَ أن سرنا إلى أرض القـمـــرْ           ندعو إلى عهد عليٍّ و عمــرْ

كيف   يقيمُ   عصرُنـا   الحدودا           و يَجْلدُ السكـِّير و العـربـيــدا؟!

147

و يقطع الأيدي من اللصوص           إذن هلكنـــــا نحن بالخصوص

إذا منعنا   الخمر   و الملاهـي             فكيف نغــري   سائحا   بالله؟!

وما مصير اللاهيات في الهرم           هل يرتجين العون من أهل الكرم

و ما   مآل   أسرة   القانــون            هل   يبعثونهم   إلى السجــون

و للفنون - عندنـــــا - أسواقُ             فهل مصيرهـــا هو الإغلاقُ؟!

قد عارضوا الدستور جهرا علنا           إذ نادَوْا : القرآن   دستور   لنا

و دَعَوُا   المرأةَ   للحجـــــاب             فما ترون يا أولي الألـبـاب!

وأين يذهب "الميني" و"الميكرو"         إن صح ما قالوا و عم السترُ

أولئكم   هم   الأصوليونــــــا             قد خرَّبوا الدنيا و شانوا الدينا

فاستنفِروا لحربهم   كل القُوى           فما لهم   غير الفناء   من دوا!

فكل يوم   يكسبون أرضــــا             تمتد طولا - بيننا- و عرضـا

حتى غـَزَوْا ساحة أهل الفنِّ             و أفسدوا المخرج ، و المُغنـِّي

ومن غريب ما نرى ونسمعُ             توبة أهل الفن ، هذا المفجعُ

ممثلاتٌ   ترتدي   الحجابـــــا             أليس ذاك   العجبَ   العجابــا؟

و راقصاتٌ   يعتزلن   الرقصَا             كأن هذا الرقص   كان نقصا!

148

من ذا يعيب الهز للبطـــون               و ذاك   من روائع الفنـــــون

أليس   من ميراثنا الثقافــــي               رياضة الخصور و الأردافِ

فيـــا مثقفون أسرعوا الخطا               فدولــة الفن دنت أن تسقطا

ماذا وراء   ذلـك   التحجبِ                 إلا تـــآمر أثيـــم   أجنبـــي؟!

يدعو نجوم الفــن أن يتوبوا               كأنما   كانت   لهــــم   ذنوبُ!

أليس يــدري هؤلاء السادةْ                أنَّ الفـنــون   ذروة العبادةْ؟!

ما الفن إلا صلوات الروح               دعك من المتون و الشروح

أنظر لما نراه في المصايفِ               من احتشام زائدٍ بل زائــــفِ

الغِيدُ   بالخمار و الجلبـــــاب               و كم نزلن البحـــر بالحجاب

يا حسرتا على زمان انقضى               يبدو به الشاطئ لحما أبيضا!

هذا هو الدين لدى الأصولي               مَنْ يجْفه يُحرَمْ مِن الوصول

ما الدين بالصوم ولا الصلاة               الديــن خذ   في خفة و هاتِ

الديـــن أن تبدُوْ ظريفا مرنا               و إن عبدت عنزة أو وثنـــــا

الديـــــن ما يراه حاكم البلدْ               و قولـُـه المفتـَى به و المعتمدْ

دع عنـــك ما يقوله الشيوخ                 فما لهـــــم في علمهم رسوخ

149

فطهِّر القلب   مـــن   التعصب             وإنْ جحدت بالكتاب والنبــي!

الصحفيون   هم   الثقـــــــاتُ             و ثلة الحكم   هـــــــم   الأثباتُ

الحق ما رأوا وإنْ لم يَحْقـُق             والصدق ما قالوا وإنْ لم يصدق

أعذب   مطرب   هو الحمـار             و شر مزعج   هـــو الهزار!

وأشجع الشجعان ذاك الأرنبُ             والليث رمز الجبن لا تعجبوا!

دنيــــــا النفاق   تقلب الحقائقا             و تظهر العلقم   حلوا   رائـقا

و احذر من التمييز والتصنيف             ما بين داعي الرفق والعنيف

فكل هؤلاء   فـي الهوى   سوا           من لم يمارس عنفه فقد نوى

لكن أهل الاعتدال علينا أخطر             لأنهم   على الطريـق   أصبر

هم   يربحون   جولة فجولــة             و بعد ذاك   يبلعون   الدولــة

*******

فاعجب لقوم طاردوا الأصولي           و كرموا   المنافق   الوصولي

فقل   على  داركم   العـفـــاءُ             إن لم تدارك أرضَهــا السماءُ

*******

150

4- قصيدة "أصولي أصولي":

وهي قصيدة جادَّة أنشأها الشيخ القرضاوي بعد أرجوزته الشهيرة الساخرة "الأصوليون" وهي تتحدث عن الأصولية بلسان الأصوليين، بعنوان: "أصولي ّ أصوليّ"، ومطلعها:

أُصُولِيٌّ             أصُولِيّ                       أجَلْ ،   أنا   لا وُصُولِيُّ

أصوليٌّ ،   فلي   أصلي                      و لي     نسبي     الحنيفيّ

و أصل أصوليَ     القرآ                      نُ   ،   دُستُورِي   الإلهِيُّ

و سنة   أحمد    المختا                        رِ لي زاد ،   و لــي رِيُّ

و قانُونيَ     شرعُ   اللـ                        ـه ،   لا الشرع   الفرنسيُّ

فما   يقضيه     مَقضيّ                         و ما     ينفيه       مَنفِيُّ

***********

ولائــــــي   كـلـه   للـــــــ                        ـه ، لمْ يشـركْ بــه شيُّ

أعـادي   من يعــاديــــــه                       ومـنْ يـرضــــاه مَرضيُّ

سبيلــــي الرشدُ   أسـلكه                        و لـيس سـبـيـلــــيَ   الغيًّ

و منهــاجــــي   ســماويٌّ                         و نهـج ســواي أرضـــيُّ

**********

أصــولـيّ ...   أصــولـيّ                        فـدعـنـــي   يـا وُصــوليُّ!

أصــوليّ   عـميـق   الجذ                      رِ ، لا كسـوايَ   سـطحيُّ

151

هوايَ   و عِشقــيَ الإسلا                       مُ ، لا لـبـنـــى   و لا ميُّ

و أهلي   أمــــــــة الإسلا                      مِ ، لا قـيـسٌ ، و لا طـــيُّ


أئنُّ لهـــــم   إذا مرضوا                       و أحيــــا إن هـمو حيّـوا

و أشدو إن همو فـرحوا                      و أبـلغ   إن هـمـــو عـيّوا

و ينزف منّيَ الـدمُ حيــ                        ــن يُجـرح   ثـَــمَّ بُوسنِيُّ

وأصرخ: آهِ ، حيـن يُشا                     كُ جــامــــيٌّ   و كــــرديُّ

و يغـلي مرجلي إن  مُــ                       ـسَّ   حولَ القدس   قدسيُّ

أليسوا إخوتي في اللــــــ                        ـــه بل هم جسـدي الحيُّ

                                 ************
أصـــوليٌّ   .. أصــــوليُّ                       برغـمـك   يــــا ضـلاليُّ

أنا   بالـلــــــــه منصورٌ                       أنـا   باللــــــــــه   مكـفيُّ

و لا أطمع   في دنيــــا                        أنـا   بالخـلـْــــــد   معـنيُّ

و لا أخشى سوى ربــي                        وهـل يخشى الفــدائــيُّ؟!

أنا لـلــــــــــه لا لـلغــر                       بِ أو للـشرق مسْـبـــيُّ

أنا لـلخـيـــــــر لا للشــ                         ــر و الـشيطــان جـنديُّ

أنا لـلـنـــاس كل النــــا                         س لا كـسـواي عــرقـيُّ

152

و كل الأرض   أوطانـــي                   شـــمــالٌ ،   أو جـنوبــيُّ

و كل   الناس       إخوانـِــ                     ـيَ شـــرقــــيٌّ و غربـــــيُّ

سأدعوهم   لديـــن   اللــــــ                      ـــه ذا نهـجي الحـضاري

أقودهمــــو   بخيط   الـحــ                     ــب  إن الحـب ســحــريُّ

و ليس العنف من نهجي                       بـل   الـنهـــــجُ   الحِـواريُّ

                                ************

أصــولـيّ ...   أصــولـيّ                      فـأقـصــر   يــا   فـضـوليُّ!

إلى الـتوحـيــد   أدعو لا                      لـمــا   يـدعـو   الـخــرافيُّ

و ألـزم هَـدْيَ   أحـمدنـــا                      و إن   جــافــــاهُ   بـــدعـيُّ

و أرعـى أمــرَ ربـي إنّ                      مَــن   يــرعـــاهُ   مَـرعـيُّ

و أعــلي رايـــة الإســلا                     مِ   مهـمــا   قيل: رُجْعِـيُّ

ولا يـثـنـي عـناني عنـــ                       ــه ســـــفَّـــــاح   تـتـاريُّ

لسانُ نظـامــه الـكـربـــا                       جُ و التعـــذيــبُ و الــكيُّ

و لا قـلـم خَـؤُون الـفـكـ                       ــر بــالـدولار مـشـــريُّ

يســــاريٌّ   إذا شـــــاؤوا                       و إن   شـــــاؤوا يـمينـــيُّ

و لا وغـدٌ عـمـيــلٌ رَبـُّـ                       ــهُ   الـمـعـبـــودُ كُـرسِــيُّ

153

يـحـركــــــــــه   يـهــوديٌّ                     و يــأمـــــره   صـلـيـــبـيُّ

وفــرعـون الإمـام لـــــه                      و هــــامـــان   الـحــواريُّ

و مـفـتـيــــــــه   مسيلـمـة                    و خــازنـــــــه   حـــراميُّ

                              ************

أصـولــيٌّ ...   أصـولــيُّ                      بعـيـــــن اللـــه   مـرعـيُّ

تـفـوقـــت   عـلى الأقــرا                      نِ حـتى قــيـــــل: جِـنِّـيُّ

و كـم   لـي أخـوة نـبغوا                      فـضـــائــــي   ،  و ذَرِّيُّ

أعـانـتـني   صـلاةُ الفجــ                      ــرِ   حـيـنَ   يـنـامُ   سـوقيُّ

و ذِكــْرُ الـلـه في الأسحا                     ر   إذ مــولاي  مـنـسِـــيُّ

و ورْدِي مـن كتاب اللـــ                     ــهِ   لـي   مَــدَدٌ سَــمَــاوِيُّ

و أعطانِــيَ حُـبُّ الــلـــــ                     ــهِ   مـا   لـم يُعـط َ إنـسيُّ

و مـا الإسـلامُ إلا الـنــو                      رُ إلا قــلــبُــــك   الــحــيُّ

هــو الأخـلاقُ و الأعـمـا                      لُ ، لا الشكـلُ و لا الـزيُّ

هـو الـتوحيــد و الإخــلا                     صُ فافـهــم   يـا ســرابيُّ!

                               ************

154

*5- قصيدة "سَرَابُ السَّلَامِ أوْ سَلَامُ السَّرَابِ"

عَــــلَى العَـيْـنَــيْـنِ و الــرَّأْسِ               سَــلَامُ الحِـبْرِ و الـطِّــرْسِ!

سَــــلَا مُ الضَّجَّــةِ الكُبْــــرى              كَـــأنَّ القَــوْمَ فِي عُـــرْسِ!

عَـــلَامَ؟ و لا عَـرُوسَ هُـنَــا              و لم نَشْهَدْ سِــوَى البُـــؤْسِ

و لم نَسْمَعْ زَغَارِيـْــدَ السّْـــ               ـسُـرُورِ و فَــرْحَةَ الأُ نْـسِ

سِـــوَى صَرَخَاتِ كُلِّ الشَّــعْــ               ـــبِ مِــنْ رَفَـحٍ   لِـنَا بُلْــسِ 

و أنَّــاتِ   ثَـكَـــالَى الـظُّـــــــلْـ                ــمِ  مِـن أمٍّ   و مِـن عِــرْسِ

و زَمْجَـــرَةِ احْـتِـجَاجِ الشُّــمّْـ               ـمِ أسْـرَى السِّجْنِ والحَبْسِ

                               **********

و قـالُــوا : صَـفْــقَــةٌ لِلسِّلْـــ               ـم  نطـرحهـا ، بــلا بَخْــسِ

مُقــــايَضَةٌ عَجِـــبتُ لَـهَــــــا                بســوق الغَبـْنِ   و المَكْـــسِ

سَــــلَامٌ   يُشْـتَــرَى   بِـــالأرْ               ضِ ، لا بِالــسِّنْتِ والبِنْـسِ

يَـبـيــعُ الأرضَ غـــاصِـبُــها               لِأهْــل الأرْضِ ، مِن تَعْــسِ

و لا حَـــقَّ   لَــــهُ   فِي الأر               ض مِـن خُمْـسٍ ولا سُـدْ سِ

و يَـقْـبِـــضُ سِلْمَــــهُ ثَـمَـــنًـا               و يَـحْــيَـا ســــالِمَ الــــرَّأسِ

                                 **********

سـَـلامٌ مِـن بَـنِي صُهْـيُـــــوْ              نَ! عَـفْـوًا يا بَـنِي جِـنْـسِي!

أيُـرْجَـى السِّـلْمُ مِن ذِ ئْــــبٍ؟              أيُرْجَى الدَّرُّ   مِـنْ تَـيْـسِ؟

لـِقَــــاءاتٌ عَــــلى دَ خَـــــنٍ              لِشُـرْبِ الشَّايِ   و الببْـسِي!

و أخــــبارٌ   تَـجُـــــوزُ   الأرْ               ضَ بِا لتِّـيْـلِكْـسِ و الفَـكْسِ

فَـــوَفْـــدٌ بَـعْـــدَهُ   وَفْـــــــــدٌ               إلَى مَــدْرِيْــدَ ، أو جِــرْسِي

تَنَـــازَلَ وَفْــــدُ نا و بَـــــــدَا              حَــرِيـرًا   لَـيـِّنَ الــجَـــــسِّ

و وَفْــدُ الخَـصْــمِ كالجُـلْـمُــو               دِ  فِي الشِّــدَّةِ   و الـيُـبْــسِ

حـِـوَارٌ غَــيْـــرُ ذِي جَـــــدْوَى               حِـوَارُ الصُّــمِّ   و الخُرْسِ!

                                 **********

وقـالُـوا: أبْـشـِـرُوا با لسِّـلْــ               ــمِ  يَا عَـرَبَ امرِئِ القَيْسِ!

بَــدَت في الأُفْـقِ طَـلْعَةُ شَــمْــ             ــسِـهِ     صَفْـرَاءَ   كَالوَرْسِ!

تَــــــوَلَّى عَهْــــدُ شـامِـــيـــرٍ             شَـبِـيهِ   الأسْــوَدِ العَـنْـسِيّْ!

وأقْـبَـــلَ بَعْـــــدُ  رَابِــيْـــــــنٌ             أخُــو   عَـنْـتَــرَةَ   الـعَـبْــسِيّْ!

و رابـيـــنٌ   كَــشَــامِـيْـــــــــرٍ              فَمِـنْ نَحْــسٍ ، إلَى نَحْــسِ!

155

فَـــلا أسْــــــوَأُ مِـــــن هـــــذا              سِــوَى هَــذا ،  و بِا لْعَـكْـسِ!

أفَــــــاعٍ   كُــــلُّـــهَــا   سُــــمٌّ              و إنْ نَعِـمَـتْ لَـدَى اللَّـمْسِ!

                               **********

فَـيَـا عَـجَـبًــا! لِـمَـن يَـجْــرِي               وَرَاءَ   سَـرَا بِهِ   الـنَّـفْــسِيّْ

يَظُـــنُّ لَــهُ   بِــــهِ رِيـًّــــــا              و يَـرجِــعُ   فـارِغَ الـكَــأْسِ

يُــفَــرِّطُ   في دَمِ الـشُّــهَـــدَا              ءِ ، يا لَـلْـعَــارِ و الْــبُــؤْسِ!

يَـبـيـعُ الأرضَ و الـتَّــاريــــ               ــخَ بِالأرْخَـصِ مِنْ فَـلْـسِ   

بحـكم   في حمى صُـهْـيُـــــو              نَ ،  يا لَـلـثَّـمَـنِ الـبَـخْـسِ!

فــلا  دَولَـتُـــــهُ  قــــا مَـــــتْ              و لا أ بْـقَى على الـنَّـفْــسِ

وضـــاعَ   جِــهَـادُ أجْــــيَا لٍ               فَـقَــدْ دَفَـنُـوهُ في الـرَّمْسِ

جُهــــودٌ كُــــلُّهَـا ذَهَــبَــــتْ              (كَـأنْ   لَمْ تَغْــنَ بِالأمْــسِ)

فَـمَـــا مَعْــــنَى  فِـلِـسْطـِـــينٍ              بِــلا  أقْـــصَى ولا قُـــدْ سِ؟ 

فِـلـسـطــــيــنٌ بِـــلا  قُــــدْسٍ              كَـجُـثْـمَـــا نٍ   بِـــــلَا  رَأسِ

                                 **********

فَـيـا أرْضَ  النُّـبُـــوَّاتِ اصْـ               ــبِـرِي   لِـلْـكَـيْـدِ و الـدَّ سِّ

و يــا أهْــلَ الجِهَـــادِ امْضُــوا              حِــدَادَ العَـــزْمِ   و البَــأسِ

"حَـمَــاسُ" هِيَ الرَّجَاءُ غَــدًا             أرَاهَـــا   بَـــارِيَ القَـــوْسِ

أعِــــدُّوا الجِـيــــــلَ  لِـلجُـــلَّى                لِيَــومٍ لَـيْـــسَ   بِالْمَـنْـسِيّْ

بِـــهِ يَــنْـــتَــصِرُ الحـــــــــقُّ               على البُهْتــانِ   و الرِّجْــسِ

و تَـنْـطِــقُ بِاسْمِنَا الأحْجَـــا               رُ  دُوْنَ عَـمًى  و لا لُـبْـسِ

يَقِـــينٌ   ما بِـــهِ رَيْـــــــــبٌ              يَكَـادُ   يُحَــسُّ   بِا لـلَّـمْـسِ

وجِـيْـــــلُ النَّصـْــرِ لا يُـبْـــنَى             بِغَـيْــرِ الـــدِّيـنِ   و الـدرْسِ

جِــــهــــادٌ   دُونَ إيـــمــــــانٍ              كَـبُـنْـيَــــانٍ     بِـــــلَا   أُسِّ

هُــوَ الـجِــيْــلُ الَّــذِي يَـعْــرَ               قُ لِــلــزَّرْعِ و لِــلْــغَــرْسِ

يَـعِــيــشُ لِـيُــرضِيَ الـرَّحْمَـ              نَ ، لا لِـلـبَـطْـنِ و الجِـنْـسِ

ويَـلْــزَمُ مَـنْـهَـــجَ الإســـــلا               مِ إذ يُـضْحِي و إذ يُـمْـسِي

و يَـنْـصُــرُهُ بِـبَـــذْ لِ الـــرُّو               حِ  كـا لـخَــزْرَج  و الأوْسِ

يُـفَــكِّـرُ كـ "ابـْــنِ خَــلْــدُونٍ"             و فِي اليَـدِ سَيْفُ "بَـيْبَرْسِ"

يَـرَى   المُـصْـحَـفَ و الـرَّشَّا              شَ  خِـدْنَي دَرْبِــهِ الـقُدْسِيّْ

فَـيُــرْسـِــلُ   نـارَهُ   حُـمَـمًـا              و يَـقـــرَأُ آيَـــةَ الـكُــرْسِي

156

يَـــرُدُّ الــرُّمْـــحَ   بِــا لــرُّمْـحِ              ويَــرْمِي القَـــوْسَ بِـالقَــوْسِ

و يَـدْعُـو الـلَّـهَ في سَـحَـــــرٍ              و فِي صــلَـواتِـهِ الـخَـمْـــسِ

ويَــتْـــلُوْ وِرْدَهُ الـيَـــــوْمِــيّْـ              ـيَ با لجَهْـرِ و بِـا لْهَــمْــسِ

و لا يَـــرْتَــاعُ   مِـــن جِــــنٍّ             و لا يَــوْجَــلُ مِـــنْ إنْــــسِ

يُـريــــدُ شَـــهـادةً تُـــدْ نِيْــــ             ــهِ   مِــن رَبٍّ   و فِــرْدَوسِ

ولا يَـيْـأسُ – إن طـا لَ الــدُّ               جَى- مِـن مَـشْـرِقِ الشَّـمـسِ 

فـلا يَــأ سَ مَـــعَ الـدِّ يْــــنِ               و لا دِ يـنَ   مـع الــيَــأ سِ

                               **********

و مَـن عـــاشَ بِــلَا دِ يْــــنٍ             يَعـِشْ   مُـضْـطَـرِبَ الـنَّفْـسِ

كـلـفْــــظٍ   مـا لَـــهُ مَـعْــنًــى             كَـتِـمْــثَـا لٍ    مِــنَ الـجِـبْـسِ

كَـمَـصْـــــرُوعٍ  لِشَــيْــطـــــانٍ             تَخَّـبَّـطَـــهُ   مِـــنَ الــمَــــسِّ

فـيُـمـسي غــيـرَ مـا يُـضحـي              و يُـصْبِحُ غَـيْـرَ مـا يُـمْـسِي

يَـسِـيــرُ لِغَــيْـرِ مـــا هَـــدَفٍ             عـلى الـرِّجْـــلِ أ و الــــرَّأسِ

و لا تَــــدري   سَـفِـيـنَــتُــــهُ             عـَلَامَ ، و لا مَـتَى تُـرْسِي؟

                                 **********

إذا اعـتَــزَّتْ يَـهُــودُ بِــدِ يْـــ             ـــنِـهَـا   مَعْــلِـيَّــةَ الـجَــرْسِ

و قـالُوا: عِــنـدَ نـا الــتَّـــوْرا            ةُ ذاتُ الـصُّـحُــفِ الـخَـمْـسِ

أوِ اسْـتَـنَـدُوا  إلى الـتِّــلْــمُــو            دِ  في تَــزْكِــيَــةِ الْـجِـنْـــسِ

فَــقُـولُوا : عِـنـدَ نــا الـــقُـرآ           نُ نُــورُ العَـقْــلِ و الـحِـــسِّ

كِــتَـــــابُ اللهِ   مَــحْـــفُـــوظٌ            مِـنَ الـتَّـحْـرِيفِ و الـطَّـمْـسِ

هُـــوَ الـمُـعْـجِـــزَةُ الـكُــبْـــرَى          يَـقِـيْــنًا لَـيـسَ   بِـا لْـحَـدْ سِ

هـــو الإســلامُ مُـــوْ ئِــلُــنَــا             بَـدَا الـبُـرْهَـانُ كـا لـشَّـمْـسِ

وهـا دِ يـنـا   إلى الـوُسْــطـى             بِــلَا شَـطَــطٍ ، و لا  وَكْـــسِ

إلَــيــهِ   نَـنْـتَــمِــي و نَـلُــــو            ذُ ، لا لِـتَـمِـيْــمٍ اوْ قَــيْـــسِ

ونَــحْـــنُ بِــغَــيْـرِهِ عُــــــزْلٌ            بِـلا سَـيـْــفٍ ، و لا تُـــرْسِ

هَـــدَيْـنَــا بـِـاسْـمِـــهِ الـدُّنْـيَــا            و قُـدْ نَــا عـــا لَـمَ الأمْـــسِ

لَــنَا الـرُّوْمانُ قـد خَـضَـعُـوا            و دانَــتْ   دَ وْلَـةُ الــفُـــرْسِ

                               **********

157

الفصل الثاني

نماذج من أناشيده

ثانيا- الأناشيد؛ الأناشيد إسلامية: ومنها مجموعة من الأناشيد الإسلامية الثورية، التي تُحرِّض الشباب على الاستمساك بالعُروة الوثقى، وعلى معاني الإيمان والربانية، وعلى روح القوة والجهاد. وخصوصًا إذا أنشدها الشباب بصورة جماعية، وبألحان مؤثرة قوية.

وأهم هذه الأناشيد: 1- نشيد "مسلمون" الرائع الذي أنشده غير واحد من المنشدين، لكن أعذبهم وأروعهم فيما أعلم ما كان بصوت شيخ المنشدين الإسلاميين السوريين الشيخ أحمد بربور رحمه الله، ومنه:

مُسْلِمُونَ   مسلمون   مسلمونْ         حَيثُ كانَ الحَقُّ والعَدْلُ نَكُونْ

نَرتَضِي المَوتَ ونأبى أن نهون           في سبيل الله ما أحلى المَنُون!

*********

نحن صمّمنا و أقسمنا اليمين           أن نعيش ، أو نموت مسلمين

مستقيمين على الحق   المبين           متحدين     ضَلال   المبطلين


جاهدين أن يسودَ المسلمون

نحن بالإسلام كنا خير معشر           وحكمنا باسمه كسرى وقيصر

وزرعنا العدل في الدنيا فأثمر           ونشرنا في الورى (الله أكبر)

فاسألوا إن كنتم لا تعلمون

سائلوا التاريخ عنا ما وعى                 من حمى حقَّ فقير ضُيِّعا؟

من بنى للعلم صرحا أرفعا؟                 من أقام الدين و الدنيا معا؟

سائلوه، سيجيب: المسلمون

نَحْنُ   بِالإيمانِ   أحيينا القُلوبْ           نحن بالإسلام   حرَّرنا الشُّعوبْ

نحن   بالقرآنِ   قوَّمْنا   العُيُوب           و انطلقنا في الشَّمال و الجَنوب

نَنْشُرُ النُّورَ و نَمْحُو كُلَّ هُونْ

نحن بالأخلاق نورنا الحياة               نحن بالتوحيد أعلينا الجباه

نحن   بالبتار   أدَّبْنا   الطغاة               نحن للحق دُعاةٌ ، و رُعاة

ذلكم تاريخنا يا سائلون

يا أخي في الهند أو في المغربِ             أنا منك، أنت مني، أنت بي


لا تسل عن عنصري عن نسبي             إنه   الإسلام ؛ أمي و أبي


إخوة نحن به مؤتلفون

قُم   نُعِدْ عدلَ الهُداةِ الراشدينْ           قم نَصِلْ   مَجْدَ الأُبَاةِ الفاتحين

شَقِيَ الناسُ   بدنيا   دُونَ دِين           فَلنُعِدْها     رَحمَةً     لِلعالَمِين

لا تَقُلْ كَيفَ ؟ فانَّا مُسلِمُونْ

يا أخا الإسلامِ في كل مكانْ!           قُمْ   نَفُكَّ القيدَ ، قد آنَ الأوانْ

واصْعَدِ الرَّبْوةَ واهتِف بالأذانْ           وارفَعِ المُصحفَ دُستُورَ الزمانْ

و امْلَأِ   الآفاقَ   إنَّا مُسلمون

**********

159

2- نشيد "فتى القرآن":

أنا إن سألت القوم عني من أنا؟           أنا مؤمن سأعيش دوما مؤمنا!

فليعلم   الفُجَّارُ   أني   هاهنا           لن أنحني، لن أنثني ، لن أركنا!

********

إني   رأيتُ   اللهَ   في أكوانِهِ           وسمعتُ صوتَ الحَقِّ في قُرآنِهِ

ولَمَسْتُ حِكْمَتَهُ و فَيضَ حَنَانِه           في سيرةِ المُختار .. في إيمانه

********

أنا مسلم هل تعرفون المسلما؟         أنا نور هذا الكون إن هو أظلما!

أنا في الخليقة رِيُّ مَن يشكو الظما       وإذا دعا الداعي أنا حامي الحمى!

********

أنا مصحف يَمشي، وإسلام يُرى         أنا   نفحة   عُلوية   فوق الثرى

الكون لي و لِخِدْمتي قد سُخِّرا         ولمن أنا؟ أنا للذي خلق الورى

********

أنا من جنود الله   حِزبِ محمد           و بغير هدي   محمد   لا أهتدي

حاشايَ أن أصغى لدعوة مُلحدِ           وأنا فتى القرآن وابن المسجد!!

********

أنا كوكب يهدي القوافل في السُّرى       وأنا الشهاب إذا رأيت المُنكرا

مالي سوى نفسٍ تعز على الشِّرَا        قد بِعتُها لله ، و اللهُ   اشترى

********

160

3- نشيد "أنا المسلم"

       أنا   المسلم     لا   أرجو                 و لا أخشى   سوى ربي

       عزيز النفس ، لا أحني                 لغير الله ؛   من   صلب

       سليم القلب ،   لا   أحمـ                 ـلُ   للناس   سوى   الحب

       غزير الدمع   في المحرا                بِ ليث الغاب في الحرب

       أنا     درعٌ     لأوطاني                 أنا   حامي   حمى الشعب

                                 أنا المسلم .. أنا المسلم

       أنا   المسلم     دستوري                 و منهاجي     كتابُ   الله

       و قائدُ   دربيَ     الهادي                 محمدنا     رسولُ   الله

       و داري   موطن   الإسلا                 مِ   ما   دوَّى   نداءُ الله

       و أهلي     أمَّةُ   الإسلا                 مِ هم حزبي و حزب الله

       و زادي     بعد توحيدي                   - ونعم الزادُ- تقوى الله

                                 أنا المسلم ..   أنا المسلم

       أنا   بالعدل   و الاحسا                   نِ   ، مأمور ،   و أمار

       أنا     نبع     لكل   النا                   سِ ،   بالخيرات   فوار        

       رحيم   القلب ،     لكني                   - على الطاغين - جبار

       أنا     كالماء     رقراق                   أنا   - كالسيف -   بتار

       أنا   نجم ،   أنا   رجم                   أنا   نور ،   أنا   نار

                                 أنا المسلم .. أنا المسلم

       انا   المسلم     قلبي   خا                   فقٌ   دوما   بحب   الله

       و أقوالي ،   و أعمالي                   أعطرها     بذكر   الله

       فباسم   الله       أبدؤها                   و أختمها     بحمد   الله

       و همي   في الحياة   هدا                   يةُ   الدنيا     لدين الله

       فعيشي   إن أعش   لله                   و موتي في سبيل الله

                                 أنا المسلم .. أنا المسلم

161

4- نشيد "العودة":

أنا عائدٌ   أقسمت   أني عائدٌ         والحقّ يشهد لي ونعم الشاهدُ

ومعي القذيفة والكتاب الخالدُ         و يقودني الإيمان ، نعم القائدُ

********

أنا قد مللت الشعر يندب نكبتي           ورفضت أسمع غير شعر الثورةِ

فدعوا النحيب فليس يرجع بلدتي           إلا زئير النار ،   يوم الغارةِ

********

لغة الدِّما لغتي، وليس سوى الدّما         أنا عن فنون القول أغلقت الفما

و تركت   للرشاش    أن يتكلّما         لِيُحيل     أوكارَ العدوّ   جهنما

********

صَنَمُ المخاوف و الهوى حطّمتهُ         و رتيبُ عيشي   عفته و سئمتهُ

والحقد في صدري المغيظ كتمتهُ         حتى يُنفّسَ   عنه   ما   صمّمتهُ

********

162

(يا ثالث الحرمين) يا أرضَ الفدا         آليتُ أجعلُ منك مقبرةَ العِدا

ذقتُ الرّدى إن لم أعُد لكَ سَيّدا         طعمُ الردى دون الحياة مُشرّدا

********

أنا لا أهابُ الموتَ إن هو أقبلا         بل أستحثّ له خُطايَ مُهرْوِلا

فهو السبيلُ لنصر شعبٍ مُبتلى        ووراءهُ الفردوس طابت منزلا

                                   ********

يا إخوتي!   هُبّوا   لِيوم الموعدِ       هذي يدي فضعوا يديكم في يدي

لا تذكروا لي الأمْسَ، نحنُ مع الغدِ       و لنا   صلاحٌ   قدوةٌ ،   فلنقتدِ

********

163

5- نشيد "الله أكبر":

الله أكـبــــر ،     الله أكـبــر             تسبيحة   العابد       المطهـــــر

الله أكـبــــر ،     الله   أكـبــر           أنشودة   الفاتح     المظـفــــــــر

الله أكـبــــر ،     الله أكـبـــر           بها دكـكـنـا   حصــون خـيـبــر


الله   أكـبـــر ،     الله أكـبـــر           بها ورثنـا كـسـرى و قـيـصــر

الله أكـبـــر   ،     الله أكـبــر           وما ســوى اللهِ   فـهــو أصغــر

                         الله أكـبــر .. الله أكـبــر

في مطلع الفجر.. في المساء             في الظهر في العصر في العشاء

نـقــرّب الأرض للـسمـــــاء             مــردديـن     أقـــوى     نــداء

                           اللهُ أكـبـر .. الله أكـبـر

عند التنادي إلى الجـهــــاد             يـوم الـتـلاقـــي   مع الأعـــادي

فوق الروابي و في الوهـــــاد           نزلــــــزل الأرض إذ نـنـــــــادى

                       الله أكـبـر ..   اللهُ أكـبـر

أحــلى نشيـد ، في يوم عيد               الـلـه أكـبـــــر ، الله أكـبـــــر

أول صـوت لـــــدى الوليــد              اللــه أكـبـــــر ، الله أكـبـــــر

بــدء الصــلاة نـور الـوجـود               اللـه أكـبـــــــر ،   الله أكبــــــر

عند الركوع   عند السجــود               اللـه أكـبـــــر ،   الله أكبــــــر
                         الله أكبـر ..   الله أكـبـر

أعلى النموذج

أسفل النموذج

164

مقالات مُهِمَّة عَنِ الشيخ القرضاوي

الحملة على القرَضاوي ومأزِق السَّلفِيَّة

أحمد بن راشد بن سعيّد

الحملة التي شهدتها وسائط سعودية على العلّامة يوسف القرضاوي، ليست جديدة. منذ زمن طويل، وعدد من كتّاب الأعمدة، وبعض "مدوّني" تويتر و"ذبابه" من السعوديين، يشنّون حملة شتائم وكراهية على الشيخ، وجاءت "تغريدة الحج" فقط لتعيد إشعال الحملة التي بدت منسّقة وموجّهة. لم يكن في التغريدة ما يُعاب، وكانت واضحة في عدم تعريضها بموسم الحج الأخير، كما كانت، من حيثُ مضمونها، معلومة من الدين بالضرورة، ولا يختلف عليها المسلمون، وقد أوردتُ في حسابي فيديو يثبت أنها مأخوذة من خطبة للشيخ في تسعينيات القرن الماضي، ولكنّها استُغلّت وحُمّلت ما لا تحتمل؛ لأن المقصود شيطنة الشيخ، وربط ذلك بالخلاف مع قطر، وليس الرغبة في الوصول إلى المعلومة.

وتاريخيا، كان القرضاوي مقرّبا من علماء السعودية، بل كانت علاقته بالعلّامة عبد العزيز باز أكثر من ممتازة، وكان يسمِّيه "العلّامة"، وقد سمح بتوزيع كتابه "الحلال والحرام في الإسلام" داخل المملكة منذ عقود، رغم عدم اتفاقه مع بعض ما جاء فيه، كما كان الشيخ عضوا في المجمع الفقهي الإسلامي بمكة عقودا أخرى، وكانت كتبه تُدرّس في الجامعات السعودية، ومنها كتاب "فقه الزكاة"، وقد نال جائزة الملك فيصل في الدراسات الإسلامية عام 1994، واستقبله ملوك البلاد واحتفوا به عبر السنين، ولكن الموقف السعودي المناوئ لثورات "الربيع العربي" لم يستثن الشيخ بسبب تأييده تلك الثورات.

غير أن المدرسة السلفية التقليدية في البلاد لم تستفد من روّادها، كالشيخ ابن باز في سعة فقهه ورحابة صدره، فانكفأت على نفسها بعد وفاته، وفقدت البريق الذي كان ابن باز يضفيه عليها، واستسلمت للخطابات الرسمية، وصار جلّ تركيزها على إعادة إنتاج تلك الخطابات بنكهة "سلفية". من الطبيعي ألا تكنّ هذه المدرسة الكثير من الودّ للشيخ القرضاوي، وألا ترتاح

165

إليه، لأسباب معقّدة منها أن التفكير السائد لدى المنتمين إلى هذه المدرسة يتسم بالانغلاق والضحالة، إذ نادرا ما يرى إمكان وجود علماء دين حقيقيين أو "ربّانيين" خارج إطارها، ويقصر، في الغالب الأعم، أهل الفقه والعقيدة في رموزها، بل الذين عاشوا وتعلّموا في منطقة نجد تحديداً، وهو تفكير خطير يجمع بين الجهل والعنصرية.

ثمّة أزمة حقيقية تمرّ بها الحركة السلفية السائدة في السعودية. وتجنح الحركة، في عمومها، إلى التشدّد، وهو تشدّد يتراوح من الوسط إلى "اليمين" المتطرف إن صح التعبير، فهي ليست تيارا واحدا. تعتقد هذه الحركة، عموما، أنها الفرقة الناجية، وتستند إلى اسمها لتبرر هذا الاعتقاد، فإذا ذُكر مصطلح "السلفية"، يتبادر إلى الذهن على الفور الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان، وهذا المعنى البرّاق يضفي الشرعية على منهج أتباعه، ويجعل التماهي معه هو الإسلام الصحيح، وعدم الانضواء تحته يعني اتباع سبيل آخر غير سبيل المؤمنين، وهو الأمر الذي يحمل في طياته أفكارا تكفيرية شديدة الخطورة.

في السنوات الأخيرة أصبح الصوت الأعلى لليمين السلفيّ المتطرّف، وتوارت السلفية المعتدلة بسبب القمع، أو الخوف من القمع. يُطلق عادة على اليمين السلفي اسم "الجامية" نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي، الذي تصدّر أتباعه المشهد، وهم شراذم من ملتحين مزيّفين يمتازون بالجعجعة والغباء، ولا يختلفون كثيرا من حيث الأدوار والمآلات عن التيار الموسوم بالليبرالي، إلا في المظهر الخارجي ولغة الخطاب. يعيد هذا التيار "السلفي" إنتاج الدعاية الدينية والسياسية للحاكم واضعا عليها "البهارات" اللازمة من نصوص دينية، ومجترّا، في خلط صادم وغريب، فكر الخوارج والمرجئة في آن، ورابطا كل ذلك بمنهج السلف، لكن لا هُم أخذوا بصدع السلف بالحق في وجوه أئمة الجور (أحمد بن حنبل وابن تيمية مثالا)، ولا أهم أخذوا بشجاعة الخوارج وذكائهم (قطري بن الفجاءة مثالا) .

ينطلق اليمين السلفي، ويمكن أيضا تسميته بـ"التصهين السلفي"، من مركزية "ولي الأمر" في الخطاب الديني، فالدين يدور مع السلطان حيث دار، حتى غدا المصدر الرئيس للتشريع، فإذا رأى السلطان أن جماعة ما إرهابية،

166

فالرأي ما رأى من غير تمحيص ولا مساءلة ولا ورَع، وإذا رأى أن التطبيع مع العدو الصهيوني أمر حكيم، فهو أدرى بالمصلحة، وإذا رأى دعم انقلاب عسكري في بلد آخر، فهو، حتما، أراد بذلك الدفاع عن حياض العقيدة، ونصرة منهج السلف، وردع الروافض والمبتدعة، بينما نلاحظ أن الطرف

الآخر "الليبرالي" ينحاز إلى الانقلاب عينه، ولكن بمفردات مختلفة مثل خطورة "الإسلام السياسي"، و"الإرهاب"، وفي النهاية، لا فرق يُذكر بين الدعايتين. والمتابع مثلا لمواقف التيارين (وكلاهما ينشط في السعودية) من مقاومة حركة "حماس" للاحتلال الصهيوني يلحظ أنها متشابهة، فالتيّار المنتسب إلى الليبرالية يسخر من المقاومة بوصفها عبثيّة، عدميّة، انتحاريّة، أو خاضعة لإملاءات إيرانية، والتيار المنتسب إلى السلفية يسخر منها بوصفها إخوانية خارجة على "وليّ الأمر" (يتظاهرون بأن المقصود بالوليّ هنا محمود عباس وهم يريدون نتنياهو)، ومرتهنة للأجندة الإيرانية. في المحصّلة، الجميع يشيطن المقاومة خدمة للعدو الصهيوني.

في المنهج "السلفي" المهيمن الآن، يبدو المقدّس هو "وليّ الأمر"، وليس النصّ الذي يمكن تطويعه لإضفاء القداسة على اختيارات الولي. أما السلفية الحقيقية، فهي تتعرض الآن للحصار، وتفقد كثيرا من صدقيتها. ولذا، لا بدّ من موقف يتبنّاه علماء ومثقفون سلفيون، يعترضون فيه على اختطاف منهج السلف، ويشنّون حركة تصحيحية يبسطون فيه مواقفهم من المسائل الحرجة والخطيرة، لاسيما ما يتعلق بالعلاقة مع الحاكم، والجماعات الإسلامية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومفهوم الولاء والبراء، وادعاء امتلاك الحقيقة الإسلامية، الأمر الذي يستبطن التكفير والإقصاء. باختصار، السلفية بحاجة إلى "ثورة".

*موقع "عربي 21" 3/9/2018م

167

سؤال وجوابه من "إسلام ويب"

*سؤال وجواب عن الطعن في العلماء عامة، والقرضاوي خاصة:

س- لعلكم سمعتم التحامل الذي شنه زمرة لا فقه لها على العلامة يوسف القرضاوي فهل من كلمة توجهونها لهؤلاء الذين يطعنون في القرضاوي وسيد قطب وغيرهما من رموز الدعوة وبارك الله فيكم وجمعني وإياكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر

ج- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإنه نظراً لكثرة من يتكلمون في أمور الدين وحملة الشريعة عن علم وعن غير علم، وتعدد وسائلهم في ذلك كان لابد من بيان المنهج الحق في هذه الظاهرة الخطرة إحقاقا للحق وإبطالًا للباطل ووجهة نظرنا في التعامل مع هذه الحالة التي فرضت نفسها تتلخص في النقاط التالية:

1- بيـان أن الواجب على كل مسلم أن يحترم أهل العلم والفضل، وأن يعرف لهم قدرهم ومنـزلتهم التي أكرمهم الله بها، وأن يمسك لسانه عن الطعـن فيهم والتشهير بهم، فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة.

2- بيـان أن كل إنسـان يؤخذ من قوله ويـرد إلا المعصـوم صلى الله عليه وسلم، والواجب على من رأى خطأ لعالم أو زلة أن يسعى بالنصيحة والبيان، لا بالتحامل والتشنيع والتشهير، فإن هذا يمنع في حق عامة الناس، ومنعه في حق العلماء من باب أولى، صيانة لهذا المنصب الشريف، ومنعاً لاجتراء العامة على أهله.

3- بيـان أن الاختلاف بين البشر سنة من سنن الله تعالى فيهم، ولم يزل العلماء يختلفون ويتناصحون ويتناظرون ويكتبون في الرد على المخالف مع التزام الأخلاق الحميدة، وصفاء النفوس من الأحقاد والضغائن.

168

4- بيـان أن العلماء والدعاة يخطئ في حقهم فريقان من الناس: فريق يغلو فيهم ويتبعهم في زلاتهم، وينتصر لأقوالهم بغير حق، وفريق يتتبع عثراتهم، ويرميهم بما ليس فيهم، والحق وسط بين الفريقين، والتوفيق من عند الله.

5- بيـان أن العلماء الذين يشتغلون بالفتوى ويتكلمون في مسائل الشريعة ينقسمون إلى قسمين: الأول من عرف بالاستقراء والتتبع كثرة صوابه وقلة أوهامه والتزامه الغالب بما صح من الدليل احتجاجاً واستنباطاً فيكون الأصل في أقواله القبول ولا يرد منها إلا ما بانت مخالفته للدليل. وقسم عرف بالاستقراء والتتبع أنه لا تنطبق عليه هذه المواصفات أو بعضها فيكون الأصل في أقواله أن تعرض على الدليل قبل الأخذ بها، فما وافق الدليل منها أخذ وما خالفه رد عليه بالأسلوب الرصين العلمي الهادي؛ الذي تُراعى فيه آداب البحث والمناظرة، ويُبتعد فيه من التقبيح والتشهير، والله تعالى أعلم.

                              *"إسلام ويب" رقم الفتوى (6506)،

الأحد 22/7/1420هـ- 31/10/1999م.

169

clip_image003.jpg

القرضاوي وأولاد زايد

للأستاذ عصام تليمة

منذ أيام بثت قناة "الجزيرة" الإخبارية فيلما وثائقيا يفضح نية الإمارات متمثلة في أولاد زايد، وبخاصة محمد بن زايد ومن على خطه وتوجهه من إخوانه، بعمل فيلم هوليودي يسيء إلى قطر، وبخاصة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وأنه داعية تحريض.

هذا الكره والبغض من أولاد زايد ينطلق من قلوب مملوءة بالحقد على كل رمز إسلامي لا ينضوي تحت عباءتهم، ولا يخضع لسلطتهم، ومنذ أحداث أيلول (سبتمبر) وشر أبناء زايد، وإمارات الشر كما يحلو للبعض إطلاق الإسم عليها، وحربهم على القرضاوي لا تنقطع، لم يتركوا فرصة لإيذائه وتشويهه خليجيا وعربيا وعالميا إلا واستغلوها، رغم أن الإمارات ظلت لفترة طويلة قبل هذا العداء، تتواصل مع القرضاوي، وتفخر به كشخصية علمية وسطية.

فقد نشرت مجلات الإمارات الدينية مقالات للقرضاوي، بدءا من مجلة (منار الإسلام)، والتي كانت تضع مقالاته، وحواراته موضع الصدارة فيها، وكذلك المجلات التي ليست ذات توجه ديني، مثل: "زهرة الخليج"، حتى كتبت سناء البيسي مقالا تمتدح فيه فكره وعلمه، وكان هناك مقال ثابت له في المجلة، كانت الصحفية القائمة على المقال، تتصل كل أسبوع وتلح في طلب المقال، وهو غالبا مقال كنت أقوم أثناء عملي في مكتب الشيخ، بانتزاعه من

أحد كتبه.

وعندما أرادت الإمارات أن تقدم نشاطا إعلاميا يجذب الجمهور العربي المسلم عبر قناتها: أبو ظبي الفضائية، بحثت عن شخصية شهيرة تقدم

برنامجا دينيا، كانت وقتها قناة "الجزيرة" تقدم برنامج: (الشريعة والحياة)، والذي يطل منه القرضاوي أسبوعيا مساء كل يوم أحد، فأرادت أن تستنسخ برنامجا لديها، فطلبوا من القرضاوي وكان في زيارة لمصرف أبو ظبي الإسلامي، أن يقدم برنامجا في تلفزيون أبو ظبي، واعتذر الشيخ، وألح عليه عبد الله بن زايد وقتها، معبرا عن أن هذه الأمنية هي مطلب من أهل الإمارات، ومع كثرة الإلحاح لم يجد الشيخ بدا من الاستجابة، وكان يحل ضيفا على برنامج أسبوعي مساء كل يوم سبت، يحمل اسم: (المنبر).

وظل القرضاوي لسنوات يذهب بعد خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب إلى أبي ظبي، أو يسافر صباح السبت، ليقدم البرنامج مع مذيع إماراتي، ثم يعود لقطر صباح الأحد ليقدم في المساء الشريعة والحياة على قناة "الجزيرة"، ويقيم في جناح مخصص له من الإمارات، حتى قال كثير من المقربين من القرضاوي: يبدو أن الإمارات تريد أن تجنسه بجنسيتها.
بعد ذلك قامت الإمارات بمنح القرضاوي جائزة (شخصية العام الإسلامية)، بعد أن منحتها للشيخ الشعراوي، والشيخ أبو الحسن الندوي، وقد استضافته في تكريم الشيخين ليلقي بكلمة احتفاء بهما في حفليهما، وقامت بتمويل بعض مشاريع القرضاوي الدعوية والعلمية، ثقة فيه، وفي وسطيته وسماحته.
وعندما فكر القرضاوي في إنشاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عرضه على دولة قطر ليقوم على أرضها، واعتذر وقتها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ثم عرض المشروع على وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، وطلبوا نسخة من المشروع، وقمت بإرساله لوكيل وزارة الخارجية.
وعرض القرضاوي كذلك مشروعا مهما على الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو: مشروع رعاية الموهوبين، وبالفعل وافقت الإمارات على المشروع، وتم تخصيص قطعة أرض يقام عليها برج ليكون وقفية ينفق ريعها على المشروع، وقدم القرضاوي تصورا عن المشروع.

لم يفعل القرضاوي شيئا يعاب عليه، سوى أنه قام بواجب الدعوة إلى الله، لم يتغير منطقه، ولم يتغير منهجه، القرضاوي كما هو، لكن الذي تغير هو ظهور الصهاينة العرب في بلادنا، وسقوط الأقنعة التي كانت ترتديها أنظمة وقيادات، وليس المقصود بالهجوم هنا شخص القرضاوي، بل منهجه وفكره الوسطي.

ذكرت هذه التفاصيل ليعلم القارئ كيف كانت الإمارات تسعى وراء القرضاوي، مؤمنة بمشروعه الفكري الوسطي، فرحة بدعوته لكل محفل على أرضها، من أكبر قياداتها الحاكمة، ومن كل إماراتها، بدءا من أبو ظبي، وانتهاء بسابع إمارة فيها.

ثم جاءت أحداث أيلول (سبتمبر)، وفوجئنا بتوجه غريب للإمارات، ومع القرضاوي تحديدا، فبادرت الإمارات بمنعه من دخول أراضيها دون سابق تنبيه، فقد كان في زيارة لمؤتمر، فوجئ بمنعه، وقد تعجب ضابط المطار، وتوقع أن خطأ ما حدث، ولذا كاد أن يدخله، ثم اتصل بقياداته الأمنية فأكدوا له صحة الأمر.

ولم تتوقف الإمارات منذ ذلك اليوم، من تسليط كتابها وإعلامييها من التطاول على الشيخ، وتناوله بالإفك والافتراء، مما جعله يرفع دعوى قضائية، وحكمت المحكمة له بتسعة ملايين ريال غرامة على الصحيفة والصحفي المتطاول.
ثم بدأت الإمارات في الكيد بالسوء للقرضاوي، في كل مشروع علمي أو دعوي أسسه القرضاوي، فبعد أن أسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبعد أن رأوا مواقف الاتحاد من ثورات الربيع العربي، فقاموا بتأسيس مجلس حكماء المسلمين، واستقطبوا بعض أعضاء الاتحاد العالمي للكيان الجديد، ولم نر لهذا الكيان حتى الآن موقفا مع الشعوب المظلومة، أو ضد الحقوق المهضومة، أو المظالم التي تملأ عالمنا العربي والإسلامي، والتي تقف وراء معظمها الإمارات، وبخاصة محمد بن زايد.
لم يفعل القرضاوي شيئا يعاب عليه، سوى أنه قام بواجب الدعوة إلى الله، لم يتغير منطقه، ولم يتغير منهجه، القرضاوي كما هو، لكن الذي تغير هو ظهور الصهاينة العرب في بلادنا، وسقوط الأقنعة التي كانت ترتديها أنظمة وقيادات، وليس المقصود بالهجوم هنا شخص القرضاوي، بل منهجه وفكره الوسطي، ولذا وقف بن زايد يدعم الصوفية الخرافية، ويحارب بكل ما أوتي خبث ومكر كل داعية أو عالم أو دولة تقف مع الشعوب المسلمة ومظالمها.
ولو صحت تهمة التحريض هنا فهي تنطبق تماما على ابن زايد وإخوانه من شركاء المكر، بل يتعدى التحريض إلى التنفيذ، وكلما رأينا مصيبة في الأمة الإسلامية، إلا وجدناه ضاربا فيها بسهم في ظهر الأمة، وما وجدنا معركة بين الشعوب والحكام الظلمة، أو أعداء الأمة، إلا وجدناه في الطرف المعادي للأمة، وكل يوم تتكشف مؤامرة من مؤامراته، وحقد من أحقاده التي لا ينتهي، ينفق المال للإفساد، (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) التوبة: 36.

172

clip_image004.jpg

لماذا استماتوا في شيطنة القرضاوي؟تاريخ النشر: خميس, 09/29/2022 - لللللللل18لماذا استماتوا في شيطنة القرضاوي؟

للأستاذة سمية الغنوشي

نبغ القرضاوي بين أقرانه الأزاهرة منذ بواكير طفولته، وتميز بقوة الحافظة واتقاد الذهن والقدرة على الاستيعاب وسلاسة التعبير. جمع بين مختلف حقول المعرفة الإسلامية ببراعة وعمق منقطعي النظير، فكان فقيها مع الفقهاء، ومتكلما مع المتكلمين، وفيلسوفا مع الفلاسفة، ولغويا مع اللغويين، وشاعرا مع الشعراء، ومفكرا مع المفكرين. هو موسوعي قلّ نظيره في هذا العصر، يذكرك بعمالقة الإسلام الموسوعيين، كالغزالي وابن تيمية وابن رشد.

هو سليل المدرسة الإصلاحية التي زرع بذورها الشيخ جمال الدين الأفغاني أواسط القرن التاسع عشر، ومن بعده تلميذه الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا، مدرسة تتسم بالجمع بين التجذر في التقاليد العُلمائية الإسلامية والاطلاع على معارف العصر والسعي للتفاعل مع قضاياه وأسئلته الكبرى. القرضاوي ابن وفيٌّ لهذه المدرسة وإضافة كبرى في خطها التجديدي والإصلاحي.

أحيا ميراث العقلانية الاسلامية بمختلف تعبيراتها ومواردها في مدارس التفسير والأصول والفلسفة والفقه. لم يكن فقيها منزويا في محرابه، غارقا في بطون المتون وحواشيها، كان عالما عاملا جمع بين الفكر والعمل، وبين البراعة الفقهية والتبصر بقضايا عصره ومتطلبات زمانه. وبقي وفيا لنموذج العالم المستقل المؤتمن على حمل أمانة الإسلام والذود عن مصالح أمته، رغم ما لحقه من أذى، سجنا وتهجيرا وتشويها.

173

اختط لنفسه منهجا ثابتا في النظر والسلوك، أسماه الوسطية، أي شق طريق وسط بين التشدد في قراءة النصوص والتسيب المنفلت من ضوابط الشرع وثوابته المحكمة، منهج يؤثر التيسير على التشديد والتبشير على التنفير، ويأبى مع ذلك الوقوف في المنطقة الرمادية حين يقتضي الأمر الحسم والوضوح.

لذا لقي القرضاوي عنتاً شديدا ورفضا حادا من خطين متقابلين..

الأول، خط التشدد الديني التقليدي بالغ التزمّت في مسائل الدين، بالغ التساهل في مسائل السياسة والحكم. دافع القرضاوي عن الحاكم الوكيل المفوض عن الأمة بالشورى وسلطان القانون، فيما انبرى مشايخ السلفية الرسميون ينافحون عن مبدأ الطاعة المطلقة لولي الأمر ويسفّهون من يقيّد أيدي الحكام.

لذا حركت بعض ممالك النفط جهازها الديني الرسمي لمهاجمة القرضاوي والتعريض به على منابر المساجد والتشهير به في وسائل الإعلام. ومضت أبعد من ذلك، فاصطنعت جماعات دينية متشددة عنيفة مكلفة بمواجهة مدرسة القرضاوي الإصلاحية المستنيرة، ومنها المداخلة ومشتقاتهم، الذين انبروا يكفرون القرضاوي ويستحلون دماء دعاة الحرية في أكثر من موقع من العالم العربي.

التقت على القرضاوي ومدرسته قوى التشدد والتحلل، فكان هدفا لمتعصبي العلمانية على الجهة المقابلة، ممن لا يرون للإسلام موقعا في الحياة الخاصة أوالعامة. كفّر هؤلاء القرضاوي على طريقتهم، فوصموه بالتطرف والإرهاب.

أسس القرضاوي لقيمة الحرية باعتبارها مقصدا من مقاصد الإسلام، لا مجرد حاجة تحسينية فرعية. تسري في كتاباته وفتاواه وخطبه روح تحررية لا تخطئها عين، لا ينفك يردد بأن الحرية قيمة سامية لا غنى للمرء ولا للأسرة ولا للمجتمع ولا للأمة عنها.

أصّل للديمقراطية داخل الإسلام وفق آلياتها المعروفة في تقييد الحاكم بسلطان الدستور والقانون، والتداول السلمي على السلطة وتعددية الأحزاب والمنظمات، واستقلالية القضاء والإعلام والصحافة، عبر تقريبها من معاني الشورى العامة والمُلزمة.

تبنّى مفهوم المواطنة الجامعة وحقوق الأقليات الدينية في مجتمع مسلم حر ومفتوح وتعددي، فكان حقا عالما مجددا في السياسة الشرعية.

ولمزجه بين العلم والعمل، أنشأ مؤسسات ومشاريع رائدة، منها "الاتحاد العالمي للمسلمين" الذي جمع آلاف العلماء والمفكرين من مختلف أصقاع العالم الإسلامي، ناهيك عن "المجلس الأوروبي للإفتاء" الذي يقدم الاجتهادات الفقهية للقضايا المستحدثة للأقليات الإسلامية في أوروبا.

في عمله الموسوعي "الجهاد في الإسلام" أعاد القرضاوي مفهوم الجهاد إلى معانيه الشرعية، متصديا لجماعات العنف والإرهاب التي اختطفت مفهوم الجهاد وحولته إلى قتل وعنف دموي. اعتصم بالخط الإصلاحي السلمي ورفض موجات التشدد ببصيرة الفقيه ومسؤولية العالم.

دافع عن المرأة المسلمة ومشاركتها في الحياة العامة، وحقها في تولي المواقع العليا في الدولة، بجرأة مبهرة وسط محيط ديني واجتماعي محافظ لا يستسيغ هذه المفاهيم والمقولات.

ناصر ثورات الربيع العربي وناهض الحكم الدكتاتوري فكرا وعملا، فأجج عليه العداوات وحملات الشيطنة المُموَّلة من معسكر الاستبداد العربي.

وظلت فلسطين والقدس في صدارة اهتمامه، فبات هدفا لأنصار الاحتلال و"لوبيات" إسرائيل حول العالم.

"بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ".. تحضرنا مقولة الإمام أحمد بن حنبل، ونحن نشهد لوعة ملايين المسلمين على فقدان القرضاوي. لقد هزمهم العلامة حَيًّا وميتا: هزمهم حيّا بفقهه المستنير وأفكاره التجديدية التي سرت في شرايين الجسد الإسلامي، رغم الحصار الخانق المضروب عليها، وهزمهم ميتا بما خلَّفه من ميراث عظيم سيظل نبراسا يضيء درب الأمة ويصوّب مسيرة أجيالها المتعاقبة.

                         *موقع الشيخ يوسف القرضاوي الرسمي،

                         عن موقع "عربي 21" في 28/9/2022م

175

الإمام القرضاوي زوجا

عائشة لمفنن[1]

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إن الحديث عن الشيخ القرضاوي لا تسعه الكلمات، ولا توفي حقه التعبيرات، إذ يصعب أن أتحدث عن شيخ إمام: اجتمعت فيه الإمامة العلمية، والأخلاق العالية، بالإضافة إلى جهوده الدعوية، لكن أحسب أن للشيخ طلبة وتلاميذ وعلماء سيتحدثون عن الحياة العلمية والدعوية للشيخ، لذلك سأكتفي بالحديث في جانب خاص من حياة الإمام الشيخ القرضاوي، لكن المتحدثة هذه المرة زوجه التي تعرف خصوصياته وهمومه.

1- بداية اللقاء:

يتساءل كثيرون عن كيفية لقائي بالشيخ القرضاوي، وقد سمعت في ذلك غرائب وعجائب، لذلك أود أن أوضح هذه المسألة التي كثر فيها القيل والقال.

تبدأ قصتي مع يوسف القرضاوي بتاريخ 20/04/2012م يوم تلقيت مكالمة هاتفية من إحدى الصديقات، تخبرني فيها أن الشيخ القرضاوي بحاجة إلى زوجة، تكمل معه مشوار حياته، لأن وضعه الصحي والاجتماعي، وكذا ظروف تنقلاته وأسفاره، تستوجب وجود زوجة ترافقه وترعاه وتعتني به.

وهنا سأتوقف قليلا لأقول كيف تمّ هذا الزواج، وكيف تم هذا التدبير الإلهي، فقد قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:40].

نعم؛ لما أراد الله لهذا الزواج أن يكون فإنه سبحانه يسر له الأسباب، وسخر له العباد، فأنا لم أزر دولة قطر قبل زواجي بالشيخ القرضاوي، وكذلك يوسف لم يكن حينها في زيارة للمغرب، ولم يسبق أن التقيته قط، وإنما كنت أعرفه من خلال كتبه وبرامجه الدينية، التي كانت تذاع على القنوات التلفزيونية، شأني شأن كل مسلم، يستمد توجيهه الديني من علماء الأمة، المعروفين بوسطيتهم ورسوخهم العلمي.

لكن حكمة الله اقتضت أن يكون أحد موظفي مكتب الشيخ القرضاوي دكتورًا باحثا مغربيا، على علاقة بناس يعرفونني حق المعرفة، وبما أن الشيخ طلب منه وقتها أن يجد زوجة مناسبة، وكان هذا الأخ حريصا أن ينتقي له زوجةً تليق بالشيخ، حبّا له، وخوفًا عليه، فإنه استعان بأحد أصدقائه الذين لهم علاقة مباشرة بزوج صديقتي التي بلغتني بالأمر، كما أشرت إلى ذلك في الأول، فما كان مني إلا أن قلت لها وقتها: هذا شيخ الأمة، وأفضاله علينا كثيرة، والله لو كان يجوز شرعا، أن أقوم على خدمته ما بقي من عمره من غير زواج لما ترددت، لأن من حقه علينا أن نسهر على راحته، كما سهر على الأمة بعلمه، وبما قدم من تضحيات في سبيل الإسلام والدعوة، وبذل من عمره في سجون الطغاة.

ولكن بما أن الأمر متعلق بالزواج كان يجب أن أستخير الله تعالى، هل ينفع أن أكون له زوجة صالحة؟ واستخرت الله لمدة خمسة عشر يوما، وكان الموضوع لا يزيد في قلبي إلا اطمئنانا، فاستتب الأمر في قلبي، خصوصا بعدما تيسر كل شيء سواء بالنسبة للرؤية الشرعية، أو عقد العقد، فكان التيسير الإلهي رفيق هذا الزواج وحليفه منذ البدء، وكما علمنا الله سبحانه، أن كل شيء في هذه الحياة يسير بتدبير وتقدير إلهي.

فهذه هي قصة لقائي بالشيخ وزواجي به، وما كان يتصور أحد أن يتم هذا الجمع بين رجل في المشرق وامرأة في المغرب، لولا قدرة الله عز وجل وحكمته سبحانه تعالى، الذي سخر عباده ليقربوا البعيدين، ويسهموا في هذا الزواج المبارك.

2- القرضاوي الزوج:

بعد أن أسهبت قليلا في بيان حكاية لقائي بالشيخ، وهي كلها حكاية لما قبل الزواج، أنتقل الآن إلى الحديث عنه زوجًا، ولا أبالغ إن قلت إنه مؤسسة تربوية متحركة، يمكن أن تتعلم منه دون أن يتكلم بسلوكه؛ لأنه يجيد فن التعامل مع الآخر، حكيم الرأي، راجح العقل، رقيق المشاعر، مهذب الأخلاق، عفيف اللسان، لا تسمع منه الألفاظ الشائنة، وهو حبيب في أوقات الرومانسية، أب في لحظات الحنان، صديق في أوقات الشكوى، يتقن بث مشاعر الأمان لدى زوجته، لأنه يستشعر ربانية العلاقة بينه وبينها في قوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء:21]، وقوله سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:21] وقوله عز وجل: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة:187] بما تحمله كلمة لباس من معاني الدفء والستر والزينة.

وككل البيوت الزوجية التي لا تخلو من حالات التباين في المواقف، والاختلاف في وجهات النظر بين الزوج وزوجته، كان بيتنا كذلك؛ لأنها سنة الحياة، إلا أنني كنت أجد زوجي قادرا على التحكم بانفعالاته، فكان يستطيع كظم غيظه والتماس الأعذار، والصبر على الأخطاء، فإذا كان مني الخطأ: تجده متسامحا عطوفا، لينا هينا، فقط بكلمات اعتذار مني، كما أنه

يملك شجاعة الاعتذار، إذا وجد نفسه على خطأ، برغم ما له من علم وفضل، ومنزلة بين الناس.                     177

فهذه هي شهادتي في الشيخ القرضاوي الزوج والحبيب والإنسان، ليس بالمتعجرف في بيته، ولا المتعالي على أهله، بل كان رحيما حبيبا، ونرى فيه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء: "استوصوا بالنساء خيرا"، و"رفقا بالقوارير".

هذا في الجانب الإنساني، وهناك جوانب أخرى أحب الإشارة إليها، باعتبار أن الشيخ يوسف القرضاوي هو عالم وزوج، ولا تنفصل همومه العلمية والدعوية عن حياته الأسرية، إذ أجده في بعض الأحيان حزينا مهموما إذا حصل أمر جلل للأمة، فيتأثر ويحزن، فالشيخ حين يخطب على المنابر، ويندد على الشاشات، ويشجب على القنوات المآسي التي تحصل للأمة، فإنه يتأثر قبل ذلك في نفسه، ويستصحب معه هذا الحزن إلى بيته، فالدعوة عنده ليست شأنا خارجيا، وإنما هي مسألة حياتية قبل كل شيء، لا تنفصل فيها الحياة الخاصة عن العامة.

كما أود التنويه بمسألة، وهي الحرص الكبير والإصرار الدائم لدى الشيخ على العمل والكدّ وبذل الجهد كيفما كانت ظروفه الصحية، إذ إنه يشتغل بقوة شاب ثلاثيني، ويحرص على الذهاب للمكتب يوميا حيث يقرأ ويؤلف، لا يعرف شيئا اسمه العطلة، ولا يتغيب عن الذهاب إلا إذا انعدمت الاستطاعة، وكم من مرة كان في أشد حالات المرض، وأصر على الذهاب إلى المكتب ليكمل قراءاته وأبحاثه وكتاباته، رغم نهي الطبيب عن الحركة وبذل المجهود، إلا أنه كان يأبى، ويجاهد نفسه في مرضه على الذهاب للمكتب، فروحُ الشباب متقدة دومًا، ومن يرى جهده يظن أنه رجل في الثلاثينيات أو الأربعينيات وليس في التسعينيات، وهذا من بركة الله على هذا الشيخ الإمام.

وقبل أن أختم لا بد أن أشير إلى فضل امرأة سبقتني، وإن لم يتيسر لي لقاؤها رحمها الله، وكان لها كبير الفضل في أن يتفرغ الشيخ للعلم والتأليف والدعوة، وهي الزوجة الأولى أم محمد رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه إذ كانت نِعم الزوج، بحِرصها أن ينعم الشيخ بالجو العائلي الذي يسمح له بالإبداع والعطاء، وبتفرغها للأسرة وتربية الأولاد، الذين كانوا لي نعم الأهل، بتعاملهم الراقي الذي حظيت به منهم وأخلاقهم العالية، التي تكشف عن تربية والدتهم لهم جعل الله ذلك في ميزان حسناتها وسببا في دخولها جنة الفردوس الأعلى.

*تسعينية القرضاوي ص: 1887- 1890.

178

الباب السابع: من المراثي في الشيخ القرضاوي رحمه الله

قصيدة في رثاء الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى

عبدالعزيز بن صالح الخليفي

يا نِيلُ فَرْعُكَ أَحْيَا الأرضَ مُنْسِكبا         و أَنْبَتَ النَّيّرينِ ؛   الفِقْهَ و الأَدَبَا

إنّ الغُصَونَ التي في الأَيْك وارفة           مثلُ العمائم   أَلقتْ خَلْفَها العَذَبا

يَسْقى نميرًا أَديمَ الأرضِ ما نضَبَتْ         برَيِّق الماء ، يجلو خَدَّها   التَّرِبا

أَبَا الفضائلِ   قد أَبْليتَ في دَأَبٍ         مُسْتَوفِزًا - لعلوِّ الدين -   مُنْتِدِبا

تلك الرِّيادةُ في الجُلّى ، أقرّ بها         ذوو المَكَارمِ ، دَيْنًا في العُلَا وَجَبا

يا رُبَّ دَاجِيةٍ   أَبْصَرتَ   غَيْهَبها         ما ارْتَدّ طَرْفُكَ، حتى رُعْتَها شُهُبَا أَتَيْتَ في زَمنٍ مَاجَ الضَّلالُ به         فكنتَ نِدًّا ، تَرُدّ الباطلَ الصَّخِبا

عبَّأتَ من حُجَجِ الإسلامِ سَابِحَةً         من الجِيادِ   تُديرُ السُّمرَ و القُضُبا

فدوّخت   مَنْطَقًا ما زالَ   مُسْتَتِرًا       خَلْفَ الحَدَاثة يَطْوي الزَّيْغَ والكَذِبَا

دَسائسٌ تحتَ جُنْح اللّيلِ ، دَبَّرها         مُسَتعمرٌ ، وشِعارُ القَوم وَا حَرَبَا!

ثم التفتَّ   إلى الأَذْنَابِ تقنِصُهم         إذا ضَرَبْتَ   فأَتْبِعْ رأسَها   الذَّنَبا

يَا لَلْيراعِ ! الذي   يُمْنَاك   تسْنُدُه         مُسَدَّدًا - في قضايا الفِكرِ- مُلْتَهبا

أَوْقَفتَهُ   حارسًا يَحْمي حقيقَتنا       أَغْنَى عن الجيش، فاسْتَغَنَتْ عن الرُّقَبَا

لولاكَ يا قلمَ الكتابِ ما ظَهرتْ         للعِلْمِ دَوْلتُهُ ، تَحْكي - لنا - العَجَبا

أَلْفَيتُ فيها حِياضَ العلم مُتْرَعةً           وكان حَوْضُك يَسْقي المُدْنَ والجَدَبا

ومَن رأى العِلمَ ألفاهُ على حِلَقٍ           والناس حَوْلَكَ ، تَثْنِي عندكَ الرُّكَبا

لَمَّا لَحَوْكَ على التِّيسيرِ، قُلتَ لهم:         إن الشَّريعةَ تَنْفِي الإِصْرَ والوَصَبَا

أَفْنَيتَ عُمْرًا على الفتوى وما بَرِحت      فَتْواكَ   تَخْتَرقُ   التّلفَازَ و الحُجُبَا

و كان عِلمُكَ مَشْهودًا على ملأٍ           في الجامعات زُلَالًا صُغْتَهُ نُخَبَا

ولم تَزلْ تَعْتَلي أَعْوادَ مِنبرِها           مساجدَ الله ، تُلْقِي فوقَها الخُطَبَا

و يا رَعَى الله قَوْلًا كُنتَ تَنْثُرُه         على الأنام ، بليغًا يَفْضُلُ الذَّهَبَا

وفي دروسِكَ حينَ الأُمْسِياتِ يَدٌ           تُوَضّئُ الروحَ كَيْ تُهْدِي لها الغَلَبا

أمَّا ذَخَائرُ عِلمٍ كنت تَرْصُدُها           ففي سُطورٍ تَزِينُ الرَّقَّ والكُتبَا

جمعتُ منها ، ولم أَظْفَرْ بسائرها           وما حَوَاها فَتًى، حتَّى وإنْ دَأَبَا

فإن مَضَى الكاتبُ البَّاني قَواعدَها           فما بَنَى يَصْحَبُ الأَعْوَامَ والحِقَبَا

ما عند رَبِّكَ من بِرٍّ سَعَيْتَ لهُ         إلاّ سَتَلْقَاه   أَجْرًا   يَمْلأُ   الهِضَبَا

تِلْكَ المَنَاقِبُ سِفْرٌ أنتَ صُورتُهُ         لكلِّ جِيلٍ هَوِيْ في العلمِ أَنْ يَثِبَا

يا رُبَّ مَيْتٍ طَوَى عُمْرًا فأَسْعَدَهُ         و أنتَ   للأمّةِ   المبذولُ   مُحْتَسِبَا

وقد رَحَلْتَ ، فللإسلامِ ما اخْتَلَجَتْ          مَنيَّةٌ ، كلُّ ذي دينٍ لها   انْتَحَبَا

فامنحْ إلهي فقيدَ الدين ما وَهَبَتْ           رُحْمَاكَ أَجْرًا، وزِدْهُ الفَضْلَ والرُّتَبَا

180

الشيخ يوسف القرضاوي فارس ترجل

محمد براح أبو الإقبال

أنت الذي   يُبْكى عليه   طويلا           و نقيم   حولك   مأتما وعويلا

أنت الذي بالفقد   تحدث   ثلمة           لا تقبل   الترميم ، و التعديلا!

خبر انتقالك   للسماء   يهزني           ليكون يوما   معتما ، و ثقيلا

الفارس النحرير نعرف   دربه           فقه العلوم ، و أيقن   التنزيلا

و العلم بين يديه   يغزر ينعه           و وعى المسائل، طوَّع التأويلا

ما روَّضته سياطهم وسجونهم           و عن الهدى لا يعرف التبديلا

واسأل عن القدس الأسيرِ عن الربى         ستراه - وسْط العاديات- دليلا

في شرحه العشرين أصلا خلته           من منهج الإخوان كان سليلا

الفهم " يصنع أمة   بجذورها"           والجهل يبقي ما نُشيد هزيلا

لم تستطع طرق الغواية جذبه         بل عاش في وسط الزحام أصيلا

وإذا المنابر ما اشتكت من لحنهم           هز المنابر ؛ رهبة و صليلا

خدم القران   فشع منه ضياؤه             فاسمع   إليه   مرتلا   ترتيلا!

فإذا غزير الدمع   ينبع شاهقا             و إذا بروح   تعشق   التبتيلا

والدمع منه على الهموم سجية           قد عاش   للفقرا   أبًا و خليلا

و الشاعر النحرير   هزَّ بحرفه           طغيانَهم ؛   فغدا العزيزُ ذليلا

و المِصقعُ الذوَّاق   جل أناقة             فأراه   - بين الفاتنين - جميلا

و أراه - حين تهب ريح تشدد             وسط الظلام على الدجى - قنديلا

ونظارة في الوجه تشرق هيبة               و أراه - بين الأتقياء - جليلا

"والله ما الدعوات تهزم بالأذى"           أبدا ، و شدوك كم أراح عليلا

"ثار القريض بخاطري"لرحيله             حتى   بدا - كل الرثاء - قليلا

وتد من الأوتاد   شد   حبالنا             كم كان يصنع بالسماحة جيلا

ما غير الشيبُ الكثيف شبابه             فالعلم   صار   برأسه   إكليلا

لبس العمامة فاستحق بهاءها             وهي استحقت من فمي التقبيلا

قد عاش قرنا لا يلين وينحني               حاز الإمامة ،   يسبق التبجيلا

مذ جاء للدنيا   أبان بحرفه               ألا يُهادن   خائنا ،   و عميلا

لم يخش - جربناه- لومة لائم               حتى و لو أضحى بذاك قتيلا

يدعو إلى التغيير يشعل ثورة               و يريدنا - عند النزال - فتيلا

"ضع في يدي القيد ألهب أضلعي"         لا لست أرضى للطريق بديلا

إسلامنا   وسِعَ   الحياةَ   بِعدله             ليكون في كل الشؤون   كفيلا

يا وارثا - لرسوله -   بإمامة             اليوم   نكتب   بالدموع   رحيلا

واليوم نطوي للمفاخر صفحة             لمن انتقى درب الشموخ سبيلا

182

في رثاء فقيد الأمة الشيخ القرضاوي

الشاعر الأديب الأستاذ باب بن أحمد الموريتاني

في رثاء فقيد الأمة سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي المتوفى يوم الاثنين 26/ 9/ 2022م رحمات ربي ورضوانه على روحه الطاهرة

واحَسْرَتَا   لِسفينةٍ ؛   أشْطانُهَا             غرِقَتْ و وَدَّعَ   أهلَهَا رُبَّانُهَا

ضاعت خرائطها تكسَّر لوحُها              ‏و عليه كان مُدوَّنا عنوانها

لا نوحَ   يدعو بالنجاة   لأمة               ‏يطغى على أرجائها طوفانها

ما كان أحوجها ليبقى يوسف             ‏يعلو بها الجودي حيث أمانها

فلأمة الإسلام   يوسف مرجع             ‏لا يهتدي - إلا إليه - بنانُها

حبر ، و بحر ترجمان كتابها             ‏و خزينة - لتراثها - ديوانها

نعمانها في الفقه مالك أحمد             ‏و الشافعيُّ ؛   أئمةٌ   أركانها

قاموسُ منطقها المُحيطُ لمجدها           ‏ وكتابُها، والعينُ وهو لِسانُها

و إذا أتوا بخطيبيهم سحبانها           ‏و إذا   أتوا بحكيمهم   لقمانها

المنفق المعطاء ساعة عسرها           فكأنه   - بسخائه -   عُثمانُها

وإذا أحاطَ بها العدوُّ مُحاصِرًا       فالشيخُ يُوسُفُ في الوغى سلمانُها

183

وإذا تكون الحرب حرب بلاغة         فلَيُوسُفٌ   - بِجدارة -   حسانُها

من حُجَّةُ الإسلام قل لي غيره؟         ‏مَن شيخه من غيره برهانها؟

علماؤها إن لم يكن سلطانَهم         في عصره قل لي فمن سلطانها؟

فالشيخ   يوسف   أمة وسطية           ما حاد عن سنن الهدى ميزانها

و خلافة     نبوية     منشودة         و حضارة     ذهبية     أزمانها

يا أمةً   مفجوعة   برحيله !           مغمورةً - بدموعها - أحزانها

لا تقلقي   أبدًا   لغيبة فارس           فبكل قرن   للوغى   فرسانها

فالأمة المعطاء ليس يضيرها           من أمة   مهما يكن   عدوانُها

فالوارفات الظل   يبقى   ظلها           و ثمارها   تزهو بها أغصانها

مهما تكاثفت المصائب حولها           تبقى ، و يبقى مشعلا إيمانها

ما استمسكت بالعروة الوثقى التي       تبقى ، و سر بقائها   قرآنها

و عزاؤنا ؛ أن   النبي   وفاتَه        ما كان يُمكن في الورى نسيانها

صلى عليه وسلم المولى وفي         هذا   لكم ، و لأمتي   سلوانها

184

المراجع

*أولا- الكتب:

1- ابن القرية والكتاب: ملامح سيرة ومسيرة. د. يوسف القرضاوي، ط2، النادي الشبابي، دار الشروق - القاهرة، 1427هـ - 2006م.

2- الإسلام بين العلماء والحكام. للشيخ عبد العزيز البدري ت 1968م، ط المكتبة العلمية - المدينة المنورة، د. ت.

3- الأعلام. للأستاذ خير الدين الزركلي ت 1396هـ، ط15، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.

4- تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك. للإمام أبي بكر جلال الدين السيوطي ت 911هـ، تح هشام بن محمد حيجَر الحسني، ط 1، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء - المغرب، 1431هـ - 2010م.

5- تصريف الأسماء والأفعال. د. فخر الدين قباوة، ط2، جامعة حلب - كلية الآداب، 1401هـ - 1981م.

6- التطبيق الصرفي. د. عبده الراجحي، ط؟ دار النهضة العربية - بيروت، 1435هـ - 2014م.

7- تهذيب سير أعلام النبلاء للذهبي. لأحمد فايز الحمصي، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1412هـ - 1992م.

8- جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجريين. للأستاذ أسامة السيد محمود الأزهري، ط 1؟ مكتبة الإسكندرية - مصر، 1440هـ - 2019م.

9- رجال من التاريخ. للشيخ علي الطنطاوي ت 1999م، ط1، دار البشير للثقافة - مصر، دار المنارة - جدة، 1418هـ - 1998م.

10- عجائب الآثار في التراجم والأخبار. للشيخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي ت 1241هـ، تح د. عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ط1؟ مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة، 1997م.

11- العلامة يوسف القرضاوي: ريادة علمية وفكرية، وعطاء دعوي وإصلاحي؛ تسعينية القرضاوي. لمجموعة كبيرة من المفكرين، والعلماء، والباحثين، والإعلاميين، من محبي الشيخ وتلاميذه وأصدقائه وعارفي فضله، صدرت سنة 2016م بمناسبة بلوغ الشيخ التسعين من عمره، من إعداد: أ. وليد أبو النجا، د. عبد السلام بسيوني، د. فتحي أبو الورد.

12- علماء ومفكرون عرفتهم. للأستاذ محمد المجذوب ت 1999م، ط4، دار الشواف - القاهرة، 1992م.

13- في وداع الأعلام. د. يوسف القرضاوي، ط1؟ الدار الشامية - تركيا، 1437هـ - 2016م.

14- قصيدة "الطلاسم؛ اللاأدريَّة". للشاعر إيليا أبي ماضي ت 1957م.

15- المصباح المنير. لأحمد بن محمد الفيومي، ط1؟ دار الحديث - القاهرة، 1429هـ - 2008م.

16- معجم متن اللغة. للشيخ أحمد رضا العاملي ت 1953م، ط1، دار مكتبة الحياة - بيروت، 1378هـ - 1958م.

17- المعجم المختص. للعلامة الشيخ محمد مرتضى الزبيدي ت 1205هـ، تح نظام محمد يعقوبي، محمد بن ناصر العجمي، ط1، دار البشائر الإسلامية - بيروت، 1427هـ - 2006م.

18- المعجم الوسيط. لنخبة علماء ولغويين مصريين، ط2، مجمع اللغة العربية القاهرة، 1392هـ - 1972م.

19- المسلمون قادمون. ديوان شعر للشيخ د. يوسف القرضاوي، ط2، النادي الشبابي، دار الوفاء، المنصورة - مصر، 1414هـ - 1994م.

20- موسوعة التاريخ الإسلامي، تاريخ مصر المعاصر، ثورة 23 يوليو، حوليات عصر جمال عبد الناصر: عصر المظالم والهزائم. د. أحمد شلبي، ط4، مكتبة النهضة المصرية - القاهرة، 1989م.

21- نفحات ولفحات. ديوان شعر للشيخ د. يوسف القرضاوي، ط1، النادي الشبابي، دار التوزيع والنشر الإسلامية - القاهرة، 1422هـ - 2001م.

186

22- الموسوعة القرآنية الميسرة مع التفسير الوجيز لشيخنا د. وهبة الزحيلي، لفئة مؤلفين، ط10، دار الفكر- دمشق، 1432هـ - 2011م.

23- يوسف القرضاوي: فقيه الدعاة وداعية الفقهاء. للشيخ عصام تليمة، سلسلة "علماء ومفكرون: لمحات من حياتهم، وتعريف بمؤلفاتهم" (15)، ط1، دار القلم - دمشق، 1422هـ - 2001م.

24- يوسف القرضاوي: كلمات في تكريمه وبحوث في فكره وفقهه. للأستاذ عبد العظيم الديب، بمناسبة بلوغه السبعين، الدوحة - المؤلف، "شباب، النادي الشبابي"، مطابع الدوحة الحديثة المحدودة، 2003م.

25- معلوماتي الشخصية.   *ثانيا- مواقع الشابكة:

1- موقع "الأخبار" الموريتاني، قصيدة "في رثاء فقيد الأمة الشيخ القرضاوي" للشاعر الموريتاني الأستاذ باب بن أحمد.

2- موقع "إسلام أونلاين" على الشابكة.

3- موقع "إسلام ويب" سؤال وجواب وهو فتوى عن الطعن في رموز الدعوة من العلماء عامة والقرضاوي وسيد قطب خاصة، وهي برقم (6506) الأحد 22/7/1420هـ - 31/10/1999م.

4- صحيفة "البعث الإسلامي" الهندية على الشابكة مقالة للأستاذ محمد ممتاز الدين القادري بعنوان: "شعر الدكتور يوسف القرضاوي: نبذة من دراساته الفنية" (الحلقة الأولى)، نشرت بتاريخ 12/9/2022م.

5- "الجزيرة نت". نعي الشيخ القرضاوي وتشييعه ودفنه، ومقالة: "الدعاء لغير المسلم بالرحمة والمغفرة" أ. معتز الخطيب 21/4/2021م.

6- موقع "الديوان" ديوان الإمام الشافعي، قصيدة: "فإذا سمعت بأن مجدودا حوى ..."، على الشابكة.

7- موقع "ديوان" للشعر والشعراء "قصيدة الطلاسم" لإيليا أبي ماضي.

8- "رابطة تلاميذ القرضاوي" 26/9/2022م، قصيدة "الشيخ يوسف القرضاوي فارس ترَجَّل" للشاعر محمد براح أبو الإقبال.

9- موقع "رابطة العلماء السوريين" الإجازة العلمية للشيخ القرضاوي" أجازه بها المحدث العلامة الشيخ محمد عوامة، نشرت في 25/6/1434هـ.

10- صحيفة "الراية" القطرية الجمعة 30/9/2022م، قصيدة رثاء الشيخ د. يوسف القرضاوي للشاعر عبد العزيز بن صالح الخليفي.

11- موقع "رصد": "شيخ الأزهر والقرضاوي صمت بعد وفاته، وعلاقة ودية قديمة". نشر الثلاثاء 27/9/2022م.

12- موقع "صدى إيتاي - فيس بوك": نشيد "الله أكبر الله أكبر" للشيخ القرضاوي.

13- موقع "عالم الأدب" في رثاء الشيخ القرضاوي للشاعر أنس الدغيم.

14- "القرضاوي وأولاد زايد" مقالة للشيخ عصام تليمة في موقع: "عربي 21"، نشر في 5/8/2021م.

15- موقع "العربي الجديد". =   =       =         =     =.

16- صحيفة "القدس العربي" خبر بعنوان: "القرضاوي يهاجم بشدة إيران وحزب الله، ويدعو المسلمين للقتال في سورية" نشر يوم 1/6/2012م.

17- موقع "كتب ومؤلفات الشيخ العلامة يوسف القرضاوي" الشابكة.

18- موقع "كلمات رائعات - فيس بوك"، نشيد "أنا المسلم " للقرضاوي.

19- "المكتبة الشاملة الحديثة" على الشابكة، كتاب: "المعجم الجامع في تراجم المعاصرين"، لمجموعة مؤلفين، بواسطة العضو السعيدي؛ وهي ترجمة مطولة وموسعة للشيخ د. يوسف القرضاوي.

20- موقع "منتدى الثورة السورية"، قصيدة "أصولي" للقرضاوي.

21- "الموسوعة الشاملة" على موقع الوراق كتاب: "ثمرات الأوراق" لابن حجة الحموي. 22- الموقع الرسمي للشيخ د. يوسف القرضاوي.

23- موقع "وقرآن الفجر- فيس بوك" نشيد "فتى القرآن؛ أنا إن سألت القوم عني من أنا" للقرضاوي. 24- موقع "ويكي واند" قرية "صفط تراب".

25- قرية "القرضا" موسوعة "ويكيبيديا الحرة للمعلومات".

188

قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

في ذِمّةِ اللهِ هذا الواقفُ الجبَلُ

               العالِمُ   الفَذُّ ، و العلّامةُ الرَّجُلُ

شيخُ المواقف ما لانَتْ عريكتُهُ

           في الحقِّ أو ردَّه عن رأيه وَجَلُ

ستٌّ و تسعونَ و الهِمّاتُ عاليةٌ

               كأنّها - في سماءِ الأمّةِ - الشُّعَلُ

إنْ كان وافاكَ مِن بعدِ المدى أجلٌ

             فمَا   لذِكرِكَ   - فيما بَينَنا - أجَلُ

*موقع "عالم الأدب" 26/9/2022م.         للشاعر: أنس الدغيم

 

[1]- زوجة سماحة الشيخ القرضاوي.

وسوم: العدد 1006