المقاصد الجزئية

وصفي عاشور أبو زيد

ضوابطها. حجيتها. وظائفها. أثرها في الاستدلال الفقهي

(رسالة دكتوراه)

وصفي عاشور أبو زيد

الطبعة الأولى. 1436هـ/2015م

دار المقاصد للطبعة والنشر والتوزيع بالقاهرة

مقـدمة

الحمد لله رب العالمين، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، "الَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". الأعراف: 157. وبعد،،

فلا يخفى على الدارسين والمشتغلين بالدراسات الشرعية ما تمتعت به الشريعة الإسلامية من عواملَ ومقوماتٍ جعلت فيها من المرونة والسَّعة ما تنهض به لاستيعاب التطورات والمستجدات، وما يُمكِّنها من الصلاحية لكل مكان وزمان وجيل وحال، وما يمنحها خَصِيصة الخلود والشمول على مر العصور.

ولعل من أبرز ما جعل شريعتنا الغراء بهذه الطبيعة احتواءَ أحكامها على معانٍ وأوصاف معقولة، ونوطَ تشريعاتها بمقاصدَ وعللٍ يمكن تعديتُها إلى غيرها من الأحكام والمستجدات بما يضمن دخولَ كلِّ جديد تحت مظلتها، وبسطَ سلطانها على مجالات الحياة بتطورها وتجددها.

ومن المشاهد في واقعنا البحثي ـ منذ ثلاثة عقود على الأقل ـ وجودُ صحوة في دراسات المقاصد توازي الصحوةَ الإسلامية أو تقاربُها؛ حيث أضحى للمقاصد مناهجُ دراسيةٌ، ورسائلُ علميةٌ أكاديمية، ودراساتٌ وأبحاث، وندْواتٌ ومؤتمرات([1])، وأصبح للمقاصد أعلامٌ ومتخصصون كما لكلِّ فنٍّ وعلم، وهذا تطور طبيعي لعل من أسبابه ما نحياه من نهضة علمية وتطور على الأنحاء جميعًا.

وإن الصحوة الإسلامية الصاعدة الهادرة في العالم العربي والإسلامي، والشباب الواعد المتوقد فكرًا وتحمسًا وهمة، والتغيرات الهائلة التي تَحدُث في عالمنا العربي والإسلامي لهي في حاجة ماسة إلى تفعيل الفكر المقاصدي في هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة.

ذلك؛ أن الفكر المقاصدي ـ تفعيلا وتنزيلا ـ كان دائما يُستلهم في فترات النهوض، ويُستدعى في أزمنة التجديد والمقاومة والبناء، ويُعتمد في أوقات الحفاظ على الهوية ورد الشبهات، وما أحوج أمتنا لهذا كله في هذا الزمان.

والحق أن الحادثات والمستجدات تحتاج إلى إعمال لآليات الاجتهاد المستقرة عندنا، التي أرسى دعائمها وشيَّد عمارتها مَنْ هيأهم الله تعالى لهذه المهمة، كما تحتاج إلى توسيع لهذه الأوعية لتكون الشريعة أكثر قدرة ـ بفعل المجتهدين فيها ـ على الاستيعاب والاحتضان، فمن مقاصد وضع الشريعة دخولُ المستجدات تحت مظلتها، وهذا ما يُمْكِنُ أن تساهم فيه المقاصدُ الجزئية بشكل أو بآخر.

أسباب اختيار الموضوع:

من هنا أردت محاولة المساهمة في ذلك بما يمكن أن يكون له آثاره وأبعاده وانعكاساته على الاجتهاد الشرعي المعاصر، فكان موضوع هذه الدراسة بعنوان: "المقاصد الجزئية: ضوابطها. حجيتها. وظائفها. أثرها في الاستدلال الفقهي"، وقد دفعني لاختياره عدد من الأسباب، منها:

أولاً: محاولة المشاركة في بيان عوامل الصلاحية الحضارية للشريعة الإسلامية، وخلودها، وشمولها، على مر العصور، وقدرتها على الاستيعاب والتجديد والتطوير.

ثانيًا: لم أجد ـ فيما أعلم ـ مَنْ تناول المقاصد الجزئية من الناحية الأصولية والنظرية، في حين توجد دراسات تبين المقاصد الخاصة في كثير من أبواب الفقه الإسلامي ابتداء من العلامة ابن عاشور حتى الآن، وكذلك توجد دراسات تتناول المقاصد الأصلية والتبعية للأبواب كلها أو لبعض الأبواب، كما توجد دراسات لبيان المقاصد الجزئية في بعض الأبواب، وهذا من الناحية الفرعية الجزئية التطبيقية فقط([2]) بعيدًا عن الناحية الأصولية والتنظيرية المشفوعة بتطبيقات تبرهن على صحتها وأصالتها، اللهم إلا تعريفها فقط.

ثالثًا: التكدس الذي حصل للدرس المقاصدي في عصرنا أدى به إلى الإغراق في التنظير بما أبعده ـ إلى حد ما ـ عن اشتباكه مع الواقع تطبيقًا وتنزيلاً؛ بحيث أصبحت الفجوة بين التنظير والتفعيل أوسع مما كانت، وهذا ما يدعو إلى محاولة ترشيد الدرس المقاصدي وتفعيله وتشغيله في التنزيل الاجتهادي والعمل الفقهي في واقعنا المعاصر؛ فضلا عن المجالات الأخرى؛ إذ إن إعمال المقاصد يعتبر لب النسق الفكري الإسلامي، وعمدة الاجتهاد التأصيلي والتنزيلي.

رابعًا: محاولة تقوية الصلة بين الأحكام الفقهية المجردة ومقاصدها؛ بحيث يطرح الفقه ممزوجًا بأهدافه وغاياته ومقاصده المتنوعة، ومرتبطًا بقيمه الإيمانية والأخلاقية والسلوكية، وبهذا لا نجعل الأحكام الفقهية مجرد قوانين جامدة وجافة، بل وجبة شاملة للعقل والروح والجسد والوجدان جميعًا، وهو منهج القرآن الكريم في تشريع الأحكام.

الدراسات السابقة:

لم تُدرَس المقاصد الجزئية؛ فضلا عن نظريتها ـ كما سبقت الإشارة ـ بشكل شامل، وبخاصة من الناحية التأصيلية والنظرية، وقد تعرض بحثان لبعض نواحيها، وهما:

الأول: بحث الدكتور عبد الرحمن الكيلاني بعنوان: "أثر المقاصد الجزئية في فهم نصوص السنة النبوية". وهو بحث غير منشور، قدم إلى مؤتمر السنة النبوية الذي عقد في جامعة الزرقاء الأهلية بالأردن عام 2002م، بين فيه أن للمقاصد الجزئية دورًا في فهم نصوص السنة، فمن خلالها يتم تحديد الزمان، وأنواع الأفراد الذين يشملهم الحكم، وغير ذلك من فوائد، وسيأتي الاستشهاد به في أثناء البحث.

الثاني: دراسة الدكتور جاسر عودة بعنوان: "فقه المقاصد إناطة الأحكام بمقاصدها" ـ وهي رسالة ماجستير نشرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي ـ تناولت أجزاء من الناحية الأصولية تعلقت بإثبات دوران الأحكام مع مقاصدها ونوطها بها، وبيان دورها في الترجيح عند تعدد الآراء، ودورها في التوفيق بين النصوص المتعارضة ظاهريًّا مما يؤدي أحيانًا إلى تضييق مساحة النسخ في النصوص الشرعية، وأورد تطبيقاتٍ معاصرةً على فقه الأقليات المسلمة.

صعوبات البحث:

واجهتني في إنجاز هذا البحث عددٌ من الصعوبات لعل أبرزها ندرة الدراسات التي تحدثت عن المقاصد الجزئية، وبخاصة من الناحية الأصولية والنظرية مما تطلب طول تأمل وعمق نظر في الفروع الفقهية، واستلهام ما كُتب في أصول الفقه وبخاصة في القياس، وعلى وجه أخص ما كتب في العلة وشروطها وضوابطها، للإفادة من ذلك والاسترشاد به في الحديث عن المقاصد الجزئية، لا سيما في مسالك الكشف عنها وضوابط اعتبارها؛ باعتبار أن التعليل أبو المقاصد وأساسها ومهادها.

وكذلك قلة الأحكام الفقهية العملية التي يتضح فيها مقصدها، ولا يخفى أن هذا يؤدي إلى معاناة في التأصيل والتأطير لهذا الموضوع، غير أن البحث والتنقيب في نصوص الشرع، وكلام الفقهاء والتأمل في خلافهم يؤدي إلى تكثير هذه النوعية من الأحكام عبر مسالكها المشروعة، وهذا ـ بدوره ـ يكون له انعكاسه الإيجابي على التأصيل والتنزيل والتفعيل.

منهج البحث:

تطلبت هذه الدراسة أن تعتمد أكثر من منهج في البحث؛ فقد اعتمدت المنهج الاستقرائي في النظر إلى الفروع الفقهية لبناء التأصيل عليه بناء صحيحًا، وكذلك المنهج الاستنباطي، وهو الغالب على هذه الدراسة، كما اعتمدت المنهج التحليلي الذي حاولت ـ من خلاله ـ تحليل أقوال الأصوليين والفقهاء، وكذلك نصوص القرآن الكريم، ونصوص السنة الصحيحة، ثم المنهج التكميلي الذي استفاد من آراء الأصوليين القدماء والمعاصرين وبنى عليها.

وحينما وضعت خطة البحث في بدايته لم تكن كما انتهى إليه البحث الآن؛ فقد بدلت وغيرت الفصول والمباحث، وحلَّ بعضها مكان بعض، وهذا أمر معهود في مجال الدرس العلمي؛ أملاً في الوصول إلى أفضل ما يمكن في نظر الباحث، ولله وحده الكمال والعصمة.

وقد أفدت من جهود أصوليينا ـ رضي الله عنهم، وجزاهم خيرًا ـ كما أفدت من إضافات الدارسين المعاصرين، وبخاصة في مجال المقاصد، ولم يمنعني إجلالي لهم وإعجابي بهم أن يكون لي رأي أو تعقيب أو توضيح في فكرة من الأفكار أو مسألة من المسائل؛ فكما خالفوا هم مَن سبقهم، فلا عجب أن يخالفهم من يأتي بعدهم، مع الاعتراف لهم بالسبق والفضل والعلم والمكانة.

وترجمت للأعلام الواردة في الرسالة، مستثنيًا أئمة المذاهب وأعيانها مع الأحياء من المعاصرين، وترجمت لأغلب المتوفَّيْنَ من المعاصرين، رحمهم الله جميعًا.

كما عَزَوْتُ الآياتِ القرآنيةَ، وخرجت الأحاديثَ النبوية والآثار؛ فما ورد من الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم ذكرت كتابه وبابه، وما ورد في سواهما ذكرت تخريجه، وبينت الحكم عليه من مدونات التخريج والحكم على الحديث.

وأعددت فهارس تفصيلية للدراسة: آياتٍ قرآنية، وأحاديثَ نبوية، ومصادرَ ومراجع، وفهرسًا تفصيليًّا بالموضوعات.

مصادر الموضوع:

أما مصادر هذه الدراسة فقد كانت كثيرة ومتنوعة شملت مصادر قديمة وحديثة ومعاصرة، حتى الأبحاث المحكمة المنشورة في المجلات، وأعمال الندوات والمؤتمرات ـ من الشرق والغرب ـ حاولت الإفادة منها والاعتماد عليها، ولا يخفى أنه لا غنى لدراسة في المقاصد عن الرجوع إلى الجهود المعاصرة، وعطاءات الدارسين والباحثين المعاصرين.

وكان لكتب أصول الفقه وقواعده وكتب المقاصد ـ قديمًا وحديثًا ـ النصيبُ الأكبر من مراجع البحث، كما كان أكثر الأسماء ورودًا واستشهادًا بأقوالهم في البحث على الإطلاق بالترتيب: الإمام محمد الطاهر بن عاشور، والإمام الشاطبي، والإمام ابن القيم، وشيخنا الدكتور أحمد الريسوني، وشيخنا الدكتور يوسف القرضاوي([3])؛ إقرارًا لما يقولون، أو تفصيلاً فيه، أو تعقيبًا عليه، أو مخالفة له، مع بيان وجه ذلك كله في مجموع البحث.

خطة البحث:

اقتضت طبيعة هذا الموضوع أن يكون في مقدمة، وستة فصول وملحق وخاتمة، فأما المقدمة فقد احتوت على الحديث عن: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ودراسات السابقين فيه، وصعوباته، ومنهجه، ومصادره، وخطته.

وأما الفصل الأول فقد جاء بعنوان: ماهية المقاصد الجزئية وطبيعتها، احتوى على مبحثين: الأول: تعريف المقاصد الجزئية والتعريف المختار وشرحه، والألفاظ ذات الصلة، مثل: المصلحة والحكمة والعلة، وجاء في عدد من المطالب والفروع، والمبحث الثاني عن طبيعة المقاصد الجزئية، وجاء في ستة مطالب: المطلب الأول: مقصد الحكم الجزئي بين الانفراد والتعدد، والمطلب الثاني: مقصد الحكم الجزئي بين العاليَّة والكلية والخاصيَّة والجزئية، والمطلب الثالث: المقصد الجزئي بين القطعية والظنية، والمطلب الرابع: المقصد الجزئي بين الأصلية والتبعية، والمطلب الخامس: طبيعة العلاقة بين مقصد الحكم وعلته. والمطلب السادس: تنبيه مهم:

وأما الفصل الثاني فكان عنوانه: التأصيل الشرعي للعمل بالمقاصد الجزئية، وكان في أربعة مباحث: المبحث الأول: التقصيد الجزئي في القرآن الكريم، والمبحث الثاني: التقصيد الجزئي في السنة النبوية، والمبحث الثالث: التقصيد الجزئي عند الصحابة، والمبحث الرابع: وجوب العمل بالمقاصد الجزئية وليس مجرد المشروعية.

وأما الفصل الثالث فتحدث عن: نطاق المقاصد الجزئية، وجاء في ثلاثة مباحث أيضًا، المبحث الأول: أقوال الأصوليين في تقصيد الأحكام الجزئية جملة وتفصيلاً، والمبحث الثاني: التقصيد الجزئي في العبادات جملة وتفصيلاً، والمبحث الثالث: التقصيد الجزئي في غير العبادات جملة وتفصيلاً كذلك.

وأما الفصل الرابع فجاء بعنوان: مسالك الكشف عن المقاصد الجزئية، وكان في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المقصد الجزئي: خطورة إثباته وصعوبة تحديده. والمبحث الثاني: الجهود السابقة في طرق الكشف، ونصيب طرق الكشف عن المقاصد الجزئية فيها. المبحث الثالث: طرق الكشف عن المقصد الجزئي، المبحث الرابع: مقارنة بين مسالك الكشف عن العلة والمقصد الجزئي. وكل مبحث احتوى على عدد من المطالب والفروع.

وأما الفصل الخامس فكان بعنوان: ضوابط اعتبار المقاصد الجزئية ومدى حجيتها، وجاء في مبحثين: المبحث الأول: ضوابط اعتبار المقاصد الجزئية، والمبحث الثاني: مدى حجية المقاصد الجزئية، وكل من المبحثين تحته مطالب.

وأما الفصل السادس فجاء تحت عنوان: وظائف المقاصد الجزئية، وكان في مبحثين: المبحث الأول: الوظائف العامة للمقاصد الجزئية، والمبحث الثاني: الوظائف الخاصة للمقاصد الجزئية.

وأما الملحق فقد احتوى على أمثلة تطبيقية مستقلة تؤكد أهمية المقاصد الجزئية مع أحكامها؛ وتبرز وظائفها؛ استدلالا وضبطًا وتوجيهًا وترجيحًا وغير ذلك، ورغم أنني حاولت إغناء الرسالة بالتطبيقات، فقد استحسنتُ أن أفرد ملحقًا تطبيقيًّا مستقلاًّ، وتوزعت هذه الأمثلةَ أبوابُ الفقه الإسلامي الخمسة: عبادات، معاملات، أحوال شخصية، حدود وعقوبات، سياسة شرعية.

ثم كانت الخاتمة التي تضمنت أهم النتائج، وأبرز التوصيات.

وأخيرًا فهارس الدراسة.

وبهذا تكون فصول الدراسة انقسمت قسميْن كبيرَيْن رئيسَيْن: الأول: يضم فصولاً تعتمد على الرصد والوصف والتحليل، وهي: الماهية، والطبيعة، والنطاق، والثاني: يشمل فصولاً تعتمد على الاستنباط والتقعيد والتنظير، وهي: التأصيل الشرعي، ومسالك الكشف، وضوابط الاعتبار ومدى الحجية، ووظائف المقاصد الجزئية.

وقيامًا بواجب الوفاء والامتنان أشكر لأستاذي الدكتور أحمد يوسف سليمان، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذي أشرف على هذا البحث خمس سنوات، كما كان مشرفي في "الماجستير"، فكان نعم المعلم والوالد والمربي، ولأستاذي الدكتور محمد قاسم المنسي، أستاذ الشريعة الإسلامية المساعد بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذي تسلم الإشراف على هذا البحث بعد سفر د. أحمد يوسف، فكان عميق النظرات والملاحظات والمنهجية، وكان لهما ـ معًا ـ فضلٌ يُذكر فيشكر، فجزاهما الله خيرًا، وشكر لهما.

وللأستاذ الدكتور إبراهيم محمد عبد الرحيم، والأستاذ الدكتور محمد كمال الدين إمام، اللذين ناقشا هذا البحث؛ وأفاداه بملاحظات وتوجيهات مهمة، كان لها أثر طيب على البحث وصاحبه.

*                *      *

وإنني لا أدعي ـ فيما كتبت ـ استيفاءه من جميع جوانبه بحيث لا يندُّ عنه شيء، فالكمال لله وحده، ولكن حسبي أنني اجتهدت بما أحسستُ معه بالعجز عن مزيد طلب، وبخاصة في رؤيته وجوانبه ومنهجيته، ثم بإعادة النظر فيه مرات عديدة، فإن وُفقت فذلك فضل الله ومحض عونه، وإن كانت الأخرى فأرجو ألا أُحْرَمَ ثوابَ الأجرِ الواحد.

ولا أملك إلا أن أختم دراستي ـ معتذرًا عما وقع من تقصير في هذا البحث ـ بآخر ما ذكره ابن خلدون في مقدمته (3/ 1213. طبعة علي عبد الواحد وافي)؛ حيث قال ـ وما أروع قوله! ـ: "وقد استوفينا من مسائله ـ يعني طبيعة العمران وما يعرض فيه ـ ما حسبناه كفاية، ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا، فليس على مستنبط الفن إحصاءُ مسائله، وإنما عليه تعيينُ موضع العلم وتنويعُ فصوله وما يُتكلم فيه، والمتأخرون يُلحقون المسائل من بعده شيئًا فشيئًا إلى أن يكمل، والله يعلم وأنتم لا تعلمون". ا.هـ..

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

الفقير إلى عفو الله

وصفي عاشور أبو زيد

الكويت في 26 شوال 1432هـ

الموافق 24 سبتمبر (أيلول) 2011م.

               

([1]) من ذلك: ندوة "مقاصد الشريعة وعلاقتها بالعلوم الشرعية" والتي عقدت في جامعة القاضي عياض – مدينة بني ملاّل – المغرب في الفترة الواقعة 19-23/2/2001م، والملتقى الوطني الأول في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة في الجزائر حول مقاصد الشريعة الإسلامية ودورها في تنوير العقل المسلم لمواجهة التحديات المعاصرة، محرم 1426هـ/ مارس 2005م، والندوة العالمية في الجامعة الإسلامية بماليزيا بعنوان: مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة رجب 1427هـ/ أغسطس 2006م، الندوة العالمية حول "فقه الأقليات في ضوء مقاصد الشريعة  تميز واندماج" التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر والحضارة الإسلامية وقسم الفقه وأصول الفقه بالجامعة الإسلامية العالمية في كوالالمبور بماليزيا في الفترة من 21ـ23/11/1430هـ الموافق 9-11/11/2009م، وآخرها المؤتمر العام الثاني والعشرون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر بعنوان: مقاصد الشريعة الإسلامية وقضايا العصر 1431هـ / 2010م.

([2]) من ذلك: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام. د. راوية أحمد عبد الكريم الظهار. جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسيرة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة. الطبعة الأولى. 1426هـ/2005م، ومقاصد الشريعة الإسلامية في الشهادات. بركات أحمد بني ملحم. دار النفائس. عمان. الطبعة الأولى. 2005م، والمقاصد الشرعية فى الفقه الاسلامي: دراسة مقارنة مع القانون الوضعى فى باب النكاح. عبد العظيم محمد الأجطل. أطروحة (دكتوراه). جامعة القاهرة. كلية دارالعلوم. 2006م، ومقاصد الشريعة في زكاة المعادن وتطبيقاتها في العصر الحاضر. زاهار الدين محمد سعيد. أطروحة (ماجستير). جامعة القاهرة. كلية دارالعلوم. 2007م، وأثر المقاصد الفرعية في الجرائم والعقوبات في الشريعة الإسلامية. محمود محمد الدهشان. رسالة ماجستير بكلية دار العلوم. جامعة القاهرة. 2008م، ومقاصد العقوبات بين الشريعة والقانون : دراسة مقارنة. أحمد إبراهيم يحيى يابس . أطروحة (دكتوراه) - جامعة القاهرة - كلية دار العلوم. 2010م، ومقاصد الشريعة المتعلقة بالمال. لشيخنا الدكتور يوسف القرضاوي. دار الشروق. القاهرة. الطبعة الأولى. 2010م، وغيرها.

([3]) ورد ذكر محمد الطاهر بن عاشور 74 مرة، والشاطبي 73 مرة، ، وابن القيم 28 مرة، ود. الريسوني 27 مرة، ود. القرضاوي 15 مرة، وذلك في متن البحث فقط دون حواشيه، وقد كان أكثرهم ورودًا ابن عاشور؛ لحديثه عن المقاصد الخاصة وإبداعه فيها، وهي المرتبة التي تلي المقاصد الجزئية مباشرة؛ موضوع حديثنا، إضافة لتطبيقاته الغنية والمعبرة.