العجوز والبحر

أرنست هيمنجواي

يرتكز بناء هذه الرواية ونسيجها على حدث واحد غير معقد، في حياة صياد أسماك عجوز من "كوبا" يدعى "سانتياجو". وتدور الرواية حول ذلك العجوز، بالإضافة إلى الصبي "مانولين" المعجب به. وقد رسم الكاتب هاتين الشخصيتين بعمق، وملخصها: أن سانتياجو لم يظفر بأية سمكة خلال أربعة وثمانين يوماً وقد راوده الأمل في ذلك اليوم، فراح يضرب بمجدافيه في الماء بنشاط، خارجاً بمركبه من ميناء (هافانا) موغلاً في البحر، عازماً على الاصطياد في مكان بعيد لم يصل إليه الصيادون، لعله يحظى بسمكة كبيرة تكسبه المال الوفير، وتعيد إليه كبرياءه بصفته رجلاً، بعد أن ساءت سمعته بين الصيادين!

علقت بخطافه سمكة كبيرة من نوع (المرلين) التي بدأت تسحب مركبه ولم تصعد إلى سطح الماء، فاستطاع معرفة نوعها من حركة المركب السريعة! وبعد يومين قفزت السمكة إلى سطح الماء محاولة التخلص من الخطاف، وفي اليوم الثالث أدركها التعب فبدأت في إدارة المركب بحركة دائرية، وتمكن سانتياجو من جذبها إلى أن أصبحت قريبة جداً من مركبه، وحين أصبحت بمحاذاته طعنها برمحه فقتلها! ولما كانت أطول من المركب لم يكن له بد من ربطها إلى الحافة العليا من جانب المركب، تمهيداً لرحلة العودة.

وفي الطريق خرجت عليه جماعات القرش، واستطاعت، على الرغم من جهوده، تمزيق لحم السمكة، وحين وصل إلى الشاطئ لم يكن قد بقي منها سوى هيكلها العظمي، فخلع الصاري من مكانه، وطوى شراعه وحمله على كتفه، ومضى إلى كوخه، وهو يتمايل ويترنح، وهناك تمدد فوق فراشه لينام!

وصفت هذه الرواية بأنها تعبر عن مبدأ أخلاقي أو ديني، وعدها بعضهم صورة عن العلاقة المنشودة بين جيل الشيوخ المجرب، وجيل الشباب المتحمس. (مجلة المجتمع العدد 1385 – د. حمدي شعيب)، ومن خلال منظور فكري إسلامي منهجي شامل، نجدها تجيب عن إشكالات خطيرة على المستوى الفردي والجماعي، خاصة الجانب الحركي الإسلامي، وذلك حول قضية الصراع من أجل الثمرة! فالصياد العجوز بعد إخفاقه بدأ بقراءة الواقع قراءة صادقة، ثم حدد الهدف، وهو القيام بمحاولة غير تقليدية بعد أن عرف إمكاناته الذاتية ثم تلا ذلك مرحلة الصراع للحصول على الثمرة، وتعد هذه المرحلة هي المحور الأكبر في الرواية، ثم مرحلة الحصول على الثمرة، إلا أنها نشوة لم تدم طويلاً بسبب التحديات، فالكثيرون يجيدون فن تناول الثمرة والقليل هو الذي يجيد المحافظة عليها، وأما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة الصراع لحماية الثمرة، وقد أبدع الكاتب في تصويرها، وهي المحك الذي يظهر عمق التربية التي نشأ عليها المنتصرون.

في هذه الرواية كثير من المواقف التربوية للفرد والجماعة، وهي تطرح تساؤلات كثيرة: أهمها كيف يمكن الحفاظ على الثمرة بعد البذل والتضحيات؟ وهل هذا البذل كاف، أو لا بد من الإعداد الصحيح، وحساب الظروف المحيطة مع الاعتقاد أن وجود الثبات أمر ضروري وركن أساسي في حركة العاملين على الطريق. وهي أخيراً توضح أن الإحباط ليس من شيم الرجال المؤمنين.