المغامرة الغامضة

الشيخ حميدو خان

هذه الرواية سيرة ذاتية للمؤلف تترجم شخصيته، وتصور صراعاً اتقد في ذاته بين إيمان بسيط ساذج متأصل في وجدانه عبر نشأته في بيئة مؤمنة ملتزمة، وبين حضارة لا تمت للسماء بصلة عايشها المؤلف في المجتمع الغربي الذي انتقل إليه لمتابعة دراساته في جامعاته. وقد ارتقى بتجربته ليصور المعاناة التي يواجهها كل شاب مسلم يتجابه في ذاته إيمان ساذج نشأ عليه، وواقع غربي قادته الظروف ليعايش تقاليده!

مسرح هذه المغامرة (الرواية) في بلاد (الديالوبين) الإفريقية، حيث تقطن قبيلة مسلمة ملتزمة دينها، وتحرص على تعليم أبنائها الصغار في المدرسة القرآنية، تحت إشراف معلم شديد لا يتسامح مع الأطفال، وبطلها أحد هؤلاء "ساميا ديالو" الذي أعجب المعلم بذكائه وحفظه. وتدور الأيام فيدخل سامبا المدرسة الأجنبية لدراسة العلوم المدنية التي تؤمن له مستقبلاً على حساب دينه وإيمانه، حسب ما يعتقد الذين كانوا خائفين على إيمان أبنائهم في مدرسة البيض المستعمرين الذين يملكون أسرار القوة، فغامر الأفارقة في إدخال أبنائهم إليها للتعرف على هذا السر الذي جعل البيض يستعمرونهم، وخلال وجود (سامبا ديالو) فيها بدأت المواجهة في خاطره بين تعاليم الإسلام، وبين الغرب المنفتح الذي لا يقف عند حدود في التشكيك بكل شيء، وقد كان متمكناً من مبادئه التي نشأ عليها، مقتنعاً بها، لذلك نراه يناقش والده بأمور دينية وفلسفية، من دون أن ينال ذلك من معتقداته، وكلما ازدادت معلوماته كثرت تساؤلاته عن الحياة وعن الصلاة! إلا أنه سرعان ما يعود إلى قناعاته وجذوره!

إلا أن الصراع الحقيقي بين ما يختزنه وما يؤمن به من أفكار دينية إسلامية، وبين ما يتعلمه من نظرة الفلاسفة إلى الكون والوجود، بدأ بعد وصوله إلى باريس للدراسة في قسم الفلسفة! وفي تلك المرحلة يتعرف بفتاة فرنسية هي ابنة كاهن مسيحي، كان يمكن أن يلتقي معها في الحد الأدنى من الإيمان من دون تفصيلات، لكنه اكتشف أنها شيوعية متحمسة، تضحي في سبيل ذلك بالكثير. وعندما حاولت إقناعه بأفكارها صدها قائلاً: أنا لا أقاتل في سبيل الحرية، إنما أقاتل في سبيل الله! وتظل المشكلة قائمة، ويستمر الصراع في ذاته، وهذا ما يزيد من خوفه وقلقه. إنه متيقن من أن الحقيقة هي الله، ولا حقيقة غيرها، وهو واثق من أن كل ما يراه من جمال على الأرض ليس سوى صورة مصغرة للسعادة الحقيقية التي طريقها الله، لكنه أضاع الطريق وراح في ظلمات مخيفة، منادياً معلمه الحكيم ليرشده إلى طريق النور الإلهي!

فيما هو في خضم تمزقه الذاتي وخوفه من الهواجس التي تنتابه، وتكاد تنال من معتقدات كان يظنها راسخة في عقله، تصل أخبار حيرته إلى أبيه الذي يكتب إليه طالباً منه العودة إلى الوطن! وهنا يلازم "سامبا ديالو" الشعور بالخوف من تخلي الله عنه، إذ لم يبق يشعر به في كل كيانه، كما كان في الماضي؛ لكن والده يرد عليه! "إن الله لا يخذل أحداً، وإنما العبد هو الذي يخاف، فيظن أن له حقوقاً على الله، فمن لا يعرف طريق بيت الله فلن يعرف الله".

ويعود سامبا ديالو إلى الجذور، ويحاول بشتى الطرق أن يعود إلى اقتناعاته الدينية، لكنه لا يستطيع ذلك! إذ لم يزل الشك قائماً في نفسه نتيجة الصراع الذي دار في ذاته، فيخفق في معاودة التزام الصلاة، وكذلك الإيمان بسائر التعاليم التي نشأ عليها، لأنه ما يزال يبحث عن طريق العودة.

وذات يوم يلتقي "المجنون" صديق معلمه القديم، فيحثه على الصلاة، لكن الحيرة ما زالت تقلق باله، فيتذكر عصا المعلم، ويتذكر من مضى ويتفوه بكلمات لا تليق بجلال الله، فلا يتمالك المجنون نفسه، فينقض عليه بخنجره وهما قريبان من ضريح المعلم، فيستأصل الشكوك من نفسه ويفقده حياته!.