الأدب الإسلامي بين الشكل والمضمون

عرض: د. حسين علي محمد

تأليف: د. سعد أبو الرضا

في 249 صفحة من القطع دون المتوسط أصدر الدكتور سعد أبو الرضا أستاذ النقد والبلاغة كتابه "الأدب الإسلامي بين الشكل والمضمون: ملامح إسلامية في الشعر والقصة والمسرحية".

ويضم الكتاب عدة موضوعات تنضوي تحت العنوان، بدأها بتعريفات مختلفة للشكل والمضمون مبيناً أن ما يُراد بالشكل هو الصياغة والألفاظ، وكل ما يتعلّق بالوسائل التعبيرية التي تبرز وتشكل العمل الأدبي، بينما المقصود بالمضمون: الأفكار والمعاني والقضايا التي يحملها العمل الأدبي أو يوحي بها.

ويرى المؤلف أن الأشكال في الأجناس الأدبية قد يصيبها بعض التحور والاختلاف خلال رحلتها في الزمان والمكان فيقول:

"الأجناس الأدبية اليوم برغم ما تتضمنه من جوانب قد تبدو ثابتة، كالاهتمام بالقضايا الإنسانية في كل عصر، لكن تشكيل هذا الاهتمام وإبراز هذه القضايا يختلف من عصر إلى آخر، فتشكيل القصيدة اليوم غير ما كان عليه في العصر الجاهلي، برغم أن شكل اليوم قد يمتد فيه على نحو ما شكل من أشكال الأدب القديم، لكن ملامح الاختلاف والتباين جلية ظاهرة، بما يكشف عن مواقف إنسان اليوم وتحولاته ومستجداته وشخصيته" (ص59).

وفي مجال "الشعر" قدم المؤلف ثلاث دراسات عن: الشعر الإسلامي والمتغيرات، ومستويات الاقتراض في الشعر المعاصر (وهو بحث جديد ذو رؤية بكر، يحتاج إلى نقاش خاص)، والشكل في الشعر الإسلامي: قراءة في بعض قصائد العدد التاسع عشر من (مجلة الأدب الإسلامي) الخاص بالشعر.

ويرى في المقالة الأولى – بحق - أن "مجيء الإسلام بقيمه ومبادئه وحرصه على الوضوح والانتشار وهداية الناس قد أسهم في تغيير مستوى الخطاب الشعري من حيث الإبلاغ، والاعتماد على خصوصية القيم الفنية، وتهذيب العبارات، وصقل الألفاظ وبعدها عن الخشونة، فازدادت القصيدة وضوحاً وجلاء" (ص61).

ويفسر - بناء على ذلك- مقولة الأصمعي في شعر حسان ابن ثابت - رضي الله عنه- وأثر الإسلام فيه، وأنه كان فحلاً من فحول الشعر في الجاهلية، فلما جاء الإسلام لان شعره "يمكن أن يفهم اللين هنا بمعنى الرقة واليسر والسهولة، لا بمعنى الضعف، لأن قصائد حسان ابن ثابت - رضي الله عنه- قد أدت ما نيط بها من مهام ومسؤوليات، وأحدثت أثرها المرجو في الدفاع عن الدعوة والداعية" (ص61، 62).

وقد لاحظ المؤلف في دراسته لبعض قصائد العدد التاسع عشر من مجلة "الأدب الإسلامي" الخاص بالشعر أن شعراء الإسلام متأثرون "بأسلوب القرآن الكريم والتناص معه" (ص145).

وفي مجال "القصة والرواية" يقدم الدكتور سعد أبو الرضا عدداً من الدراسات منها "القصة القصيرة بين الترشيد الإسلامي والتوجيه الواقعي الغربي" ص169-174، ويقدم نص قصتين قصيرتين، هما "الزيارة" لسمير أحمد الشريف و"الفرار" لفهد المصبح مع دراسة نقدية لهما وضّحت من خلال النص الأول ملامح التصور الإسلامي، ومن خلال النص الثاني ملامح التوجه الواقعي الغربي.

كما قدم دراسة نصية في رواية "دفء الليالي الشاتية" للدكتور عبد الله بن صالح العريني، رأى فيها أنه يمكن أن تسهم هذه الرواية "في الكشف عن جانب من التحول الفني والفكري في الرواية المعاصرة، ذلك أن دعوى الواقعية عند كل روادها وعلى رأسهم بلزاك وإميل زولا وجورج لوكاش، حتى الوجوديون بريادة سارتر، يقدمون الشخصية الروائية غارقة في واقعها بانحرافه وفساده بغية التنفير من هذا الواقع، وللإرهاص بالتغيير المرجو كما يزعمون، وعلى إثرهم وجدنا كثيراً من كتاب الرواية في أدبنا العربي الحديث يتفننون في رسم صور الفساد، خاصة فيما يتعلق بالجنس، ومدى سيطرته على مصائر الشخصيات وتحولاتها، لدرجة تثير التقزز في كثير من الأحيان، وتجعل المرء يخشى على أبنائه وبناته إن هم قرؤوا هذه الروايات، لما يُمكن أن تستثيره من خيالات، كما تتهدد مثل هذه الصور حياة المجتمعات بالضياع والانحلال، إن لم يكن لها عاصم من دينها وقيمها" (193).

وينهي المؤلف كتابه بدراسة بعنوان "من مقومات المسرحية الإسلامية" (ص ص212-227).

يلي ذلك فهرساً الأعلام والموضوعات.

وهذا الكتاب من الكتب الجادة التي تثري مكتبة الأدب الإسلامي، ففضلاً عن التنظير -وفي الكتاب عدد من التنظيرات الجديدة في النقد الإسلامي- فقد تناول المؤلف تطبيقياً بعض النماذج الإبداعية المعاصرة في الشعر والقصة القصيرة والرواية، مما يكشف للقارئ بعض الجوانب الإبداعية عند المبدعين الإسلاميين التي تكاد تكون مجهولة، رغم جودتها، ولا تلقى في الساحة الأدبية من النقد والمتابعة ما هي به جديرة.