نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد

للدكتور عبد الرحمن الباشا

د. خليل أبو ذياب

هذا الكتاب إحدى الثمرات الفكرية الرائدة التي تفتقت عنها عبقرية الأستاذ الكبير الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا - رحمه الله رحمة واسعة - مجسدة لجهوده الخيرة في مضمار الدراسات الإسلامية والأدبية، وقد جاء هذا الكتاب محاولة جادة لتقرير ماهية الأدب الإسلامي وتحديد خصائصه وتوصيف مظاهره الإبداعية والفكرية، وقد وقع الكتاب في زهاء خمسين ومائتي صفحة تناول فيها طائفة من القضايا والموضوعات التي دأب الباحثون والمنظرون للأدب الإسلامي على مناقشتها وبحثها في دراساتهم.

وكانت القضية الأولى العتيدة "موقف الإسلام من الأدب عامة والشعر خاصة" أولى قضاياه وفصوله، مستعرضاً فيها أغلب الإشارات والنقول الدينية التي ارتبطت بها تأييداً ومدحاً أو رفضاً وقدحاً، منتهياً إلى "أن الإسلام لا يحارب الشعر لذاته وإنما يحارب الفاسد من مناهج الشعراء.. ذلك لأن الشعر باب من أبواب الكلام وضرب من ضروبه، فصالحه كصالح غيره من الكلام، وفاسده كفاسده وهو مرفوض. وما يقال عن الشعر يقال عن فنون الأدب الأخرى كالخطابة والقصة والأقصوصة وغيرها".

وفي القسم الثاني درس أهم المذاهب الأدبية الغربية وهي "الكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية والطبيعية والفنية (الفن للفن) والرمزية والوجودية "حريصاً على تسجيل موقف الإسلام منها، وقد عني بتحليل تلك المذاهب ورصد أبعادها الفكرية والفنية والدوافع التي كانت وراءها، وهو معني بعمق بعرض تلك المذاهب على المنهج الإسلامي؛ ليحدد مدى مشروعيتها ومصداقيتها.. ولتطبق عليها مقاييس الأدب الإسلامي المحددة وما يدعو إليه من التزام فني وخلقي، حتى إذا فرغ منها مقرراً فسادها ومصادمتها للمنهج الإسلامي عمد إلى توصيف المذهب المناسب الذي ينبغي أن يلتزم، ما دامت تلك المذاهب غير صالحة، مؤكداً حاجتنا إلى مذهب أدبي خاص متميز يفي بحاجاتنا الإبداعية والفكرية على السواء، وذلك هو المذهب الإسلامي في الأدب، أو "الأدب الإسلامي" القادر على التعبير عن قضايا الأمة الإسلامية وآلامها وهمومها وطموحاتها.

ويستعرض الباحث طائفة من العلماء والباحثين الذين دعوا إلى هذا المذهب من أمثال أبي الحسن الندوي، وسيد قطب، ومحمد قطب، وعماد الدين خليل وغيرهم حتى تجاوزت جامعة الإمام هذه الطموحات والطروحات عندما أدخلته في مناهجها تحت "منهج الأدب الإسلامي"، وما أفرز من بحوث الماجستير والدكتوراه.

ثم قدم الباحث تعريفاً للأدب الإسلامي، محدداً معالمه الأساسية تحديداً لا يكاد يخرج عن تعريفاته العديدة عند الدارسين وهو "التعبير الفني الهادف عن واقع الحياة والكون والإنسان على وجدان الأديب تعبيراً ينبع عن التصور الإسلامي للخالق عز وجل ومخلوقاته".

كما نراه يفرد قسماً من كتابه لتحليل ظاهرة التصور الإسلامي وأبعاده الفكرية للخالق سبحانه وللكون والإنسان، ليعرضها على إبداعات الأدباء لتحديد ما هو إسلامي منها وما هو غير إسلامي، من خلال الشواهد الكثيرة التي سردها.. وهو مرة أخرى يحاول أن ينبه على تجاوزات الآداب الغربية القديمة والحديثة في تلك القضايا والجوانب.

كما أفرد قسماً من كتابه لدراسة الخصائص العامة للأدب الإسلامي في إطار الموازنة من جديد بينه وبين الآداب الأخرى، وجاءت أبرز تلك الخصائص متمثلة في "الفائية الهادفة" و"الالتزام" و"الأصالة" و"التكامل" و"الاستقلالية" و"الفاعلية المؤثرة"، ونراه يولي بعض تلك الخصائص طرفاً من عنايته ليعالجها بصفة خاصة كقضية "الالتزام"، خصوصاً أن هذه القضية ارتبطت بمذهبين اجتماعيين كبيرين هما الماركسية الشيوعية والوجودية مركزاً على موقف الإسلام والأدب الإسلامي من قضية الالتزام مؤكداً أن الأدب الإسلامي مارس الالتزام منذ نشأته الأولى في ظل الدعوة الإسلامية من خلال ممارسات الشعراء الإبداعية.

وتثير قضية الالتزام إشكالية التوافق أو الاشتراك فيها بين الأدب الإسلامي والآداب الشيوعية والوجودية تدفع الباحث لتحديد الفروق الجوهرية للالتزام بين الأدب الإسلامي وذينك الأدبين، ومنها "الفرق بين الإلزام والالتزام" و"مصدر السلطة الإلزامية أو الالتزامية" و"الفكر الذي يقوم عليه ذلك الالتزام" و"موقف الأديب من التعبير عن الذات والجماعة"، كما عالج قضية "الحرية" في الأدب ومدى التعبير عنها، كذلك عالج بعض القضايا الدينية الاعتقادية في ضوء المنهج الإسلامي للأدب، ومنها قضية "القضاء والقدر" و"الشر والرذيلة" و"العلاقة بين الجنسين".

ونراه يفرد فصلاً لدراسة القصة وحاجة الأدب الإسلامي إليها للتعبير عن قضاياه الفكرية والاجتماعية خاصة أن إرهاصات هذا الفن شاعت في نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف في محاولة لمواكبة الأدب الإسلامي للتطور الذي أصاب الأدب العالمي، وقد حرص على تحديد أهداف القصة الإسلامية؛ وللغاية ذاتها أفرد قسماً آخر للمسرحية كنوع أدبي متميز في هذا العصر في محاولة لتوظيفها لحمل المفاهيم الإسلامية محاولاً تحديد الفروق بينها وبين المسرحية الغربية مبرزاً عناصرها الإسلامية التي يجب توافرها فيها خاتماً كتابه بنموذج / خلاصة موجزة لمسرحية إسلامية تدور حول قصة يوسف عليه السلام دون أن يشفعها بدراسة تحليلية تكشف عن أبعادها الفنية ومظاهرها الإبداعية وغاياتها الفكرية.