قراءة في كتاب سوريا من ربيع دمشق إلى الربيع العربي

قراءة في كتاب

سوريا من ربيع دمشق إلى الربيع العربي

محمد هيثم عياش

[email protected]

برلين / ‏18‏/07‏/12 / تعتبر اكثر الكتب التي نزلت الى اسواق الكتب التي تتحدث عن ما يطلق عليه بـ / الربيع العربي / بدءا بتونس ومصر وليبيا واليمن وحاليا سوريا بمثابة روايات حول سير انتفاضة شعوب تلك الدول اضافة الى الاسباب المباشرة التي كانت وراء الانتفاضات التي أدت الى تغييرات سياسية فيها ، فانتهاكات حقوق الانسان والحكم المفرد دون العودة الى آراء الشعوب وفقدان العدالة الاجتماعية والحكم بقساوة وعدم وجود اي رحمة من الاسباب الرئيسية ، فرؤساء تونس وليبيا ومصر واليمن السابقين كانوا يمسكون ادارة الدولة بأيديهم ولا يستمعون الى وساطة زعيم دولة ما بالافراج عن سجين سياسي او اصدار قرار عفو عن سجناء سياسيين على غير غرار تلك الدول التي يتمتع حكامها بالرأفة فالسعودية بادرت بانشاء هيئات تعني بالحوار الوطني لرد اولئك الذين استحوذ العنف على افكارهم الى جادة الصواب من جديد فانتهجت بذلك حوادث جرت بالتاريخ الاسلامي فالخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان اول من اسس هيئة حوار مع فرق الخوارج واستطاع وقف جماحهم بالاقناع المستند الى القرآن الكريم والسنة النبوية وأفل نجم الخوارج في عهده رضي الله عنه  الى ان انتهى امرهم  بشكل كامل كما انتهجت السعودية منهج فتح باب العفو عن كل من يقوم بتسليم نفسه طواعية ويراجع افكاره من جديد . فقد اتبع بعض الامراء من التابعين رحمهم الله  هذا المنهج ، فالحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان شديدا على اهل الفتن ، فتح باب العفو على اولئك الذين خرجوا عليه مع عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث وأرادوا خلع الخليفة عبد الملك بن مروان اذ نادى منادي الحجاج انه من خرج مع قتيبة بن مسلم لقتال الصغد / آسيا الوسطى / فهو آمن ومعفو عنه وكان ممن خرج عامر الشعبي .

والتطرف موجود في كل فكر سياسي وفي كل الاديان السماوية الا ان اسباب التطرف يعود الى المجتمع فهو قادر على التربية والتوجيه السياسي والديني للتحذير من مخاطره وبناء مجتمع يتحلى بالشفافية والتسامح والحوار الجاد . فعامر الشعبي رحمه الله قال انه اذا ما ناقشه صاحب فكر متطرف يعطيه عقله بكامله وذلك لاقناعه بترك الفكر الاعوج الذي يحمله

والحاكم المستبد هو وراء التطرف فالمستبد الذي لا يعير شعور شعبه اي انتباه  متطرف  ونتيجة تطرفه التطرف  الذي يؤدي الى نتائج ليست من صالحه ، مارس رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي سياسة عمياء لم يراعي حرمة حارب الاسلام وحث على انتشار الرذيلة ولم ينتبه الى ارتفاع ظاهرة الفقر في بلاده وتطلعات شعبه الى حياة فاضلة ، ومعمر القذافي زعيم ليبيا اصيب بمرض العظمة الذي انتهى به الامر بانه زعم انه اله الليبيين الاعلى وكذلك سلك حسني مبارك سياسة قمعية . والسبب في تحلي كبرياء الزعماء المذكورين عدم وجود من ينصحهم اضافة الى جهلهم بالسياسة ، وقد وضع السلف من هذه الامة كتبا حول السياسة ، فكتاب ابن تيمية السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية يعتبر من اهم كتب العلوم السياسية التي تعتبر اساس الحكم كما وضع الماوردي كتابه القيم الاحكام السلطانية الذي يعتبر مرجعا للقانون السياسي في اوروبا حتى وقتنا هذا  فالدين النصحية قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولرسوله وللمؤمنين وقديما قال الافوه الاودي :

لا يصلح الناس  فوضى لا سراة لهم ولا سراة اذا ما جهالهم سادوا

ويؤكد خبير الشأن السوري في منتدى الشرق الاوسط كارستن فيلاند الذي درس اللغة العربية  في جامعة دمشق ويقوم بوضع دراسات سياسية عن منطة الشرق الاوسط لبعض معاهد الدراسات السياسية في المانيا ان الوضع في سوريا مختلف تماما عن الوضع في الدول العربية الاخرى التي استطاع شعوبها الاطاحة بأنظمتهم السابقة فالنظام السوري لم يكن في يوم من الايام صادقا مع نفسه ومع شعبه ومع الدول العربية ، فرئيس تلك الدولة الراحل  حافظ اسد انتهج منذ استيلائه على السلطة في سوريا سياسة قمعية فهو وصل الى سدة الحكم بمساعدة جميع الدول الكبرى كان وراء سقوط الجولان بيد الصهاينة قبل وصول اول جندي صهيوني اليها بأكثر من ثمانية واربعين ساعة مارس تصفية خصومه ثما مارس تصفية الاسلاميين ولعل قراره باعدام كل من ينتسب الى جماعة الاخوان المسلمين قرارا لا يبت الى الانسانية والقوانين الدولية بصلة  الا ان حافظ اسد كان صورة طبق الاصل للتاجر الدمشقي فهو شارك في حرب الخليج الثانية التي كانت وراء اخراج الجيش العراقي من الكويت الامر الذي ساهم بتقاربه مع واشنطن  وله اليد الطولى في الحرب الاهلية التي وقعت في لبنان  وحصدت اكثر من 150 الف شخص فقد ساهم بدعم ميلشيات الكتائب والجيش اللبناني المسيحية بقتل اكثر من ثلاثين الف شخص في مخيم تل الزعتر الفلسطيني ثم انقلب عليهم ليؤازر ميلشيات مسيحية تحت قيادة سليمان فرنجية المناوئ للكتائب  واستطاع بسياسته تلك هيمنة السياسة السورية على لبنان .

ويشير فيلاند الى ان سوريا في عهد حافظ اسد كانت بمثابة بيت له نوافذ داكنة لا أحد يعرف الذي يجري فيها بشكل يقيني صودرت الحريات العامة وكمت افواه اشراف القوم ومسحت كرامتهم باحذية نظام اسد واستطاع بيده الحديدية التي حكم بها سوريا زرع الخوف في الشعب السوري الذي اصبح شبيها بالمنافق .

ووصف فيلاند الشعب السوري بالشعب المثقف ويتحلى بالتسامح وكانت الصحافة  قبل سيطرة حزب البعث  تتمتع بالحرية التامة واحترام الساسة لها وكان مؤسس المملكة العربية السعودية المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قد استعان بمثقفي ذلك البلد لبناء الدولة السعودية .

ويعلن فيلاند ان بشار اسد انتهج سياسة غوغائية صبيانية ادت الى عزل سوريا عن العالم وخاصة الدول العربية  فهو فقد ثقة المملكة العربية السعودية به بعد اغتيال رئئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري اذ وعد الدول العربية بالتعاون مع المحكمة الجنائية الخاصة بمقتل الحريري الا انه نكص على عقبيه كما نكص على عقبيه بوعوده الشعب السوري بالاصلاحات والانفتاح فربيع دمشق الذي كان يطالب بالحريات العامة والمجتمع المدني غصت السجون باعضاءه ولم يساهم بشيء من هذه الاصلاحات كما ساهم بفتح ابواب سوريا لايران التي تطمع بتشييع  الشعب السوري المعروف بتدينه وحبه الاسلام والصحابة . أخطأ أسد بتعامله مع انتفاضة الشعوب العربية فبدل ان يبادر الى الاصلاح اكد في حديث لاحدى الصحف الاجنبية بانه على غير عجلة من اي اصلاحات ينتهجها في بلاده ووضع أصابعه في آذانه من نصائح السياسيين في العالم وعلماء دمشق الذين طالبوه بالاعتذار من عائلات الشبان الصغار الذين قتلوا في درعا لم يساهم باعطاء الشعب السوري قسطا من الحرية بل مارس سياسة العنف والتعسف وكم الافواه والاغتصاب واعمال بربرية اخرى .

ويؤكد فيلاند ان الشعب السوري اكثر الشعوب العربية الذين عانى من الاضطهاد وهو بحاجة ماسة الى المساعدات المعنوية لاسقاط نظام بلاده والعيش بكرامة فوق ارضه واعادة سوريا دولة قوية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا .

وما أورده فيلاند في كتابه الذي يصل عدد صفحاته الى حوالي ثلاثمائة صفحة صحيح للغاية الا أنه رأى بأن النظام السوري هو النظام الوحيد الذي يرفض السلام مع الكيان الصهيوني ، والواقع السياسي يؤكد رغبة الغرب ببقاء اسد في حكم سوريا لانه يعتبر  احد حماة الكيان الصهيوني اذ يخشى الغرب من سقوط اسد اذ سيؤدي سقوطه الى فتح الطرق الى الجولان والقنيطرة التي يتباكى عليها النظام السوري بشكل سهل ويسير وهذا ما يؤكده سفير الكيان الصهيوني في المانيا سابقا آفي بريمور اذ يؤكد ان وصول الاسلاميين الى مصر واحتمال استلامهم في سوريا فان الكيان الصهيوني في خطر وعلى الكيان المذكور التعامل مع وقائع تغييرات المنطقة السياسية فبشار اسد مهم للغاية بالنسبة الى الساسة الصهاينة .

ويرى سفير المانيا السابق في تل ابيب رودولف دريسلر الذي يعتبر احد حماة الصهيونية في المانيا بانه اذا ما اراد الغرب مساعدة الشعب السوري ضد نظامه فعليه الاخذ  عهدا من المعارضة السورية  بعدم التحرش بالكيان الصهيوني وتوقيع معاهدة سلام معهم اذ يرى براي وزير الخارجية الامريكي السابق هنري كيسنجر الذي أكد بانه لا حرب بالشرق الاوسط بدون مصر ولا سلام بدون سوريا بانه صائب للغاية فالاسلام بالمنطقة حاليا ضرورة ملحة قبل رحيل اسد.