"الطريق" مجلة الفكر النقدي العصري

"الطريق" مجلة الفكر النقدي العصري

شاكر فريد حسن

[email protected]

بعد توقف دام ثماني اعوام ، عادت مجلة "الطريق" اللبنانية العريقة الى الصدور في الصيف الماضي ، ومؤخراً صدر عدد جديد محملاً بموضوعات ومداخلات فكرية ونظرية وثقافية باقلام من شتى الاوطان العربية.

ومجلة "الطريق" الفكرية السياسية تعتبر من ابرز واهم المجلات الفكرية العربية ، اسسها في اربعينيات القرن العشرين المنصرم ، المناضل والمهندس المعماري اللبناني انطون ثابت ، بدعم من الحزب الشيوعي اللبناني ، وتناوب على تحريرها لفيف من المفكرين والمثقفين التقدميين والنهضويين بدءاً برئيف خوري وجورج حنا مروراً بحسين مروة ورضوان الشهال ومهدي عامل وكريم مروة وانتهاءً بمحمد دكروب ، الذي يرأس تحريرها مجدداً والمبادر الى اعادة اصدارها، بعد ان تخلى الحزب الشيوعي اللبناني عن تمويلها ودعمها .

و"الطريق" ذات العراقة والاصالة ، حملت رسالة النهضة والوحدة العربية ومشعل الكفاح والنضال التحرري والتقدم الاجتماعي ، ولعبت دوراً متميزاً ، كمنبر ديمقراطي طليعي في المجتمع العربي، في انتاج المعرفة والتنوير وتعميمهما وانهاض العقل والوعي وتفاعل الحضارات والثقافات العربية الوطنية والتقدمية ونشر المعرفة العقلانية الاقتحامية وتعميق الثقافة الماركسية والانسانية ومساندة الحركة اليسارية العربية والوقوف مع الشعوب العربية في تضالاتها ، وكذلك التعريف بالانتاج الحي من تراثنا العربي والاسلامي عدا عن ترسيخ مبدأ النقد والنقد الذاتي لكل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية العربية.

في افتتاحية العدد الاول ، التي انشأتها هيئة تحريرها ، جاء ان "الطريق" تصدر لتساهم من الجانب الثقافي في الدفاع عن قضية العدالة والحرية بالتعاون مع طائفة خيرة من الادباء والعلماء في الشرق لتحاول القاء الضوء على ما يكتنف الاحداث من غموض وتساهم في سن الطرق الذي ينبغي للشعوب العربية ان تسلكها في سيرها الصاعد نحو الامان والرخاء ونحو الحرية والاستقلال ونحو الثقافة والنور.

وفي الحقيقة ان الطابع الادبي والثقافي والسياسي طغى على الاعداد الاولى من "الطريق" لكن مع تطور الرؤى ونمو التعددية السياسية والفكرية في لبنان والعالم العربي فتحت المجلة ابوابها ونوافذها امام الابحاث الفكرية العميقة والدراسات النظرية والتاريخية، التي تتناول واقع حركة التحرر الوطني العربية واوضاع الجماهير الشعبية الكادحة ومشكلاتها ومعاركها الوطنية والطبقية من اجل انعتاقها وتحقيق طموحاتها وامانيها.

وقد خصصت "الطريق" محاور مختلفة عن ادب المقاومة الفلسطينية والشعر العربي الحديث والسينما العربية البديلة والرواية العربية وحركة الواقع الاجتماعي والتراث الاسلامي في رؤية علمية ومنظور جديد، ومناقشات في المسألة القومية والماركسية واليسار العربي وقضايا المستقبل وسواها.

كما ظهرت على صفحات "الطريق" اهم الاعمال الفكرية والابداعات الثقافية والانسانية لابرز الاعلام العرب وخيرة الباحثين والمثقفين والمفكرين والمبدعين في الوطن العربي .

ولا شك ان "الطريق" استطاعت عبر سنوات مسيرتها الغنية من بلورة نهج ديمقراطي منفتح يعتمد على الرؤية الجدلية للواقع الاجتماعية بكل ابعاده الفكرية والاجتماعية والثقافية والروحية ، وشكلت نموذجاً متفرداً للفكر النهضوي والوطني الديمقراطي الذي يكرس المزاوجة بين التيارات الفكرية والسياسية العربية المختلفة واستنهاض المناهج الفكرية البديلة ، ومنبراً مفتوحاً على مصراعيه للحوار والسجال المعرفي الفكري والتوجهات الفكرية التحررية المستنيرة وللقضايا والمسائل المعقدة والشائكة التي تواجه شعوبنا العربية في مسيرتها النضالية والتحررية في سبيل التغيير والاصلاح والحرية والديمقراطية والعدالة.

يبقى القول ان "الطريق" هي رائدة المجلات الفكرية التقدمية في لبنان والعالم العربي ، وطابعها هو طابع نقدي سياسي معرفي ونظري وثقافي ، وهي تحمل فكراً عصرياً راهناً يقبل بمختلف الاراء والمواقف والطروحات الفكرية المختلفة ما عدا المواقف الرجعية والسلفية ، وعودتها الى الصدور الفصلي سيغني مسيرة ثقافتنا العربية التقدمية الانسانية ، ويسهم في صياغة وبلورة المشروع النهضوي الجديد.