الحملة الأميركية

بدر محمد بدر

[email protected]

العنوان: الحملة الأميركية

المؤلف: روبرت كابلان

المترجم: محمد الخولي

الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة

عدد الصفحات: 396

الطبعة: الأولى 2014

يكشف هذا الكتاب جانبا من الدور الذي لعبه "المستعربون" الأوروبيون والأميركان في المنطقة العربية، منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن، في خدمة المشروع الغربي الاستعماري والثقافي والفكري، وعلى رأسه تثبيت أركان الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

والمؤلف هو كاتب وباحث أميركي، ينشر مقالاته ودراساته في كبريات الصحف الأميركية، ومنها "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، ومجلة "فورن أفيرز"، وقد اجتهد في جمع مادة الكتاب من خلال "معلومات" وتحليلات كثيرة عبر المقابلات الشخصية، مع عدد كبير من الدبلوماسيين وغيرهم، الذين عاشوا في المنطقة العربية، إضافة إلى الاستعانة بالأرشيف الشفهي في مركز التاريخ الدبلوماسي بالخارجية الأميركية.

و"المستعربون" هم سياسيون ودبلوماسيون وأكاديميون ومغامرون ومبشرون وتجار، قدموا إلى بلاد العرب، وعاشوا فيها وتأثروا بها وأثروا فيها، وعملوا بدرجة ما في خدمة المشروع الغربي، ولايزال بعضهم كذلك حتى الآن، سواء بصورة رسمية أو طوعية أو مصلحية.

الحلم

والكتاب ينقسم إلى بابين، الأول تحت عنوان: "الحلم"، ويضم أربعة فصول، وفي المقدمة يشير المؤلف بوضوح إلى أنه "إذا كان المستعربون البريطانيون والفرنسيون استعماريون، صدروا عن خلفية من الإمبريالية، فإن المستعربين الأميركيين كانوا أصلاً من طائفة "المبشرين"، أي أن "التبشير" هو الذي حدد هوية مستعربي الأميركان، في حين أن "الاستعمار" هو الذي حدد هوية نظرائهم البريطانيين والفرنسيين.

وعلى الرغم من نجاح المبشرين الأميركيين في الشرق الأقصى (الهند والصين وبورما وسيام..) في كسب أعداد كبيرة من السكان لصالح المسيحية البروتستانتية، فإنهم في الشرق الأوسط باءوا بالفشل الذريع والكامل، ذلك أن خصوصية الإسلام سرعان ما اضطرتهم إلى التخلي عن أي أمل في تحويل هؤلاء القوم (المسلمون) إلى ديانة المسيح، ونجحوا فقط في لبنان في أن يكونوا مبشرين عن طريق التعليم الغربي.

ويقول المؤلف إن استحالة تحويل المسلمين أو يهود الشرق عن ديانتهم، أجبر المبشرين على القبول بحقيقة أن أصحاب هاتين الديانتين مختلفون تمامًا، وأنهم يشكلون جزءًا من الوسط المشرقي الفريد، وبقيت فقط جهودهم في مجال الإغاثة وتقديم المعونات تقربا إلى السكان، لكن المبشرين الأميركيين كانوا بحاجة إلى وجود "أثر دائم" لأعمالهم، أكثر من مجرد تقديم مساعدات البر والإحسان.

واكتشفوا أن "التعليم الغربي" هو أكثر الأسلحة مضاءً وفعالية، وبحلول عام 1860م كان هؤلاء المبشرين يعملون على تشغيل 33 مدرسة في بلاد الشام وحدها، وأدركوا أنهم بحاجة إلى كلية "غير مذهبية"، تفتح أبوابها لجميع الأجناس والأديان، ومن ثم ينجم عنها أثر دينامي بالنسبة لتوجيه الثقافة والحضارة في بلاد الشام، وهذا ما لم يفعله البريطانيون والفرنسيون.

القومية العربية

وفي نهاية عام 1866م تم افتتاح "الكلية السورية البروتستانتية" في بيروت، حيث عملت على "نشر مناخ من التفكير الحر والحوار المفتوح، كان مهادًا ولدت في رحمه القومية العربية، وأتاح للقومية العربية أن تتطور، وبوسعك أن تقول إن القومية العربية نشأت في أحضان هذه الكلية"، وبعد الحرب العالمية الأولى غيرت الكلية اسمها إلى "الجامعة الأميركية" في بيروت.

على أن وجود الأميركيين في تركيا وغربي إيران كان أوسع نطاقًا، فالمهمة بدأت عام 1830م، وحتى عام 1900م كانت هناك 149 محطة للتبشير، ويدير المبشرون 9 مستشفيات، ويعلمون في 542 مدرسة، تقدم تعليمًا علمانيًّا لما يقرب من 17 ألف طالب من الأتراك والإيرانيين وغيرهم، وزاد هذا العدد إلى 25 ألفًا قبيل الحرب العالمية الأولى.

وفي مصر، في تلك الفترة، تولى المبشرون تعليم 14 ألف تلميذ في مائتي مدرسة، وفي الخليج قام المبشرون بتأسيس خمس مستشفيات، عالجت نحو 237 ألف مواطن في السنة.

ويتحدث المؤلف أيضا عن صنف آخر من "المستعربين"، الذين عاشوا في المنطقة وتقربوا من حكامها، حتى صاروا هم من يوجه أو يقرر أو ينفذ المطلوب، ومن أبرزهم: "توماس لورانس" في منطقة الشام، الذي كان من مؤيدي المشروع الصهيوني في فلسطين، وعلى الرغم من ذلك كان الذراع الأيمن للأمير فيصل ابن شريف مكة.

وأيضًا جاك فيلبي الذي اقترب من آل سعود، حتى أصبح الذراع الأيمن أيضًا للأمير عبد العزيز آل سعود "مؤسس المملكة"، إلى الدرجة التي أعلن فيها إسلامه وقام بأداء العمرة، زيادة في إتقان الدور الذي يقوم به.

وعشية قيام الحرب العالمية الثانية كانت الجالية الأميركية في الشرق الأوسط قد وصلت إلى أوج وجودها، فقد كانت هناك ثلاث مدارس أميركية للبنات في لبنان وحده، إلى جانب الجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة الأميركية في القاهرة.

وبسرعة أصبحت الجامعة الأميركية في القاهرة محور النشاط التبشيري الأميركي في مصر، تمامًا مثل الجامعة الأميركية في سوريا الكبرى، وتماثلت الجامعتان في اجتذاب أبناء المؤسسة الحاكمة، ففي مصر أصبحت الجامعة الأميركية حاضنة الوطنية المصرية، تمامًا كما كانت الجامعة الأميركية في بيروت حاضنة القومية العربية.

أرض الواقع

وتحت عنوان "على أرض الواقع" يتحدث المؤلف في الباب الثاني في سبعة فصول، عن تجارب واقعية لسفراء ودبلوماسيين ورحالة أميركيين عاشوا في منطقة الشرق الأوسط، وكانت لهم رؤيتهم الخاصة، في قضايا المنطقة، وعلى رأسها الموقف من قيام "إسرائيل"، حيث ينقل عن "لوي هندرسون"، وهو واحد من أهم صانعي الدبلوماسية الأميركية في المنطقة العربية، قوله "إن تقسيم فلسطين، وإنشاء دولة يهودية، أمر يعارضه عمليًا كل موظف في السلك الدبلوماسي، أو في وزارة الخارجية، ممن سبق له التعامل مع قضايا الشرق الأدنى، والشرق الأوسط".

ويشير المؤلف إلى أن جميع مستشاري الرئيس الأميركي هاري ترومان (45 – 1953م) لشئون السياسة الخارجية، بمن فيهم كثير ممن كانوا يوصفون بالحكماء، كانوا كلهم ضد الاعتراف بالدولة اليهودية الجديدة، التي كانوا يرونها عقبة فقيرة نفطيا، توضع في مسار العلاقات مع العرب الأغنياء بالنفط، والمتمتعين بموقع إستراتيجي حاكم، في وقت كانت الولايات المتحدة تنطلق فيه إلى غمار صراع على الساحة العالمية مع الاتحاد السوفيتي.

والحقيقة أن ترومان لم يكن يثنيه شيء عن تأييده لإسرائيل، حيث كان يمارس لعبة السياسة الداخلية، ويدغدغ مشاعر يهود أميركا، تطمينا لمخاوفهم ولو على حساب الدبلوماسية المحترفة، كما يقول المستعربون المحنكون الذين عايشوا تلك الفترة.

هنري كيسنجر

وينقل الكتاب عن دبلوماسي أميركي قوله إن "هنري كيسنجر (وزير الخارجية في السبعينيات) كان يعمل من أجل الإسرائيليين، وكان الهدف الحقيقي الذي يقصده كيسنجر هو أن يبعد عن الشرق الأوسط عناصر المستعربين، الذين ليسوا على هوى الإسرائيليين، ولم يكن هنري ممعنا في التستر بالسرية، بل كان صهيونيًا بغير مداراة".

ويؤكد المؤلف أن كيسنجر اتخذ قراره باستئصال شأفة هذه العناصر، من الدبلوماسيين المستعربين (المتعاطفين مع العرب)، مهما قام هذا التعاطف أو التفهم على أسس موضوعية، باعتبار أن هذا الموقف المتعاطف أو المتفهم للموقف العربي، إنما يصب في غير مصلحة إسرائيل، ومشروع الاستيطان الصهيوني في التحليل الأخير!.

ويشير كذلك إلى أن (الرئيس الأميركي) "نيكسون" وكيسنجر كان من رأيهما أن "توصيل الأمور إلى حافة المجابهة في عام 1973م، إنما ينطوي على سلسلة من الفرص، التي تتيح إعادة ترتيب أجزاء اللغز المسمى بالصراع العربي – الإسرائيلي، بما يروق أكثر للولايات المتحدة ويستهويها"، وكما يقول أحد محللي الشرق الأوسط: "كيسنجر كان يكره مجرد فكرة مساعدة الأطراف على الخروج من الورطة"!

أين نحن؟

وفي ختام هذا العرض يمكن القول بأن الغرب، وأميركا على وجه الخصوص، بذل جهدًا كبيرًا- ولايزال- على مدى أكثر من قرنين من الزمان، لإعادة تشكيل وتغيير هوية المنطقة، دينيًّا وثقافيًّا وجغرافيًّا وسياسيًّا وفقا لمصالحه، بكل دأب وإصرار، باعتبارها محورًا شديد الأهمية.

والمطلوب من المفكرين والسياسيين في بلادنا إدراك ذلك، ومحاولة الخروج منه لتحقيق "الاستقلال" الحقيقي، الذي ينبع من ديننا وهويتنا ويصنع مستقبلنا.