ناشد سمير الباشا : تجّار الفحم

كتب .. كتب .. كتب :

تسع وخمسون

د. حسين سرمك حسن

عن دار تموز للطباعة والنشر بدمشق صدرت مجموعة قصصية بعنوان "تجّار الفحم – مئة قصّة وقصّة" للقاص ناشد سمير الباشا .

ضمّت المجموعة مئة نص قصصي قصير وقصير جدا منها : قوات الاحتلال ، الجُبن ، الإرهابي ، قطرة دماء ، الأشرار ، مداهمة ، المتعاونون ، الجبان ، المقاوم ، العراق ، الخدعة ، المُهان ، بغداد ، السجين ، فرّق تسد ، أمريكا ، الجريمة ، القنّاص .. وغيرها .

المحور المركزي للمجموعة هو الموقف المشرّف والعظيم للقاص وهو يصوّر ملحمة مقاومة شعبه لاحتلال الغزاة الأمريكان والبريطانيين الخنازير الكلاب لوطنه العراق ، والتجسيد السردي لوقائع البطولة والصمود ، وكشف الروح الوحشية الكلبية للمحتلين في تدمير شعبه وتحطيم واقعه وإلغاء مستقبله . افتتح القاص مجموعته – وبذكاء – بمقولة للرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق يقول فيها :

"الذي يتعاون مع أميركا ، يكون في نهاية المطاف مثل تجّار الفحم ، مسود الوجه واليدين"

وقد قدّم للمجموعة القاص الكبير "فرج ياسين" حيث قال :

(في كتاب "تجار الفحم" يتموضع المتلقي في صلب مسؤولية قرائية تجبره على تتبع البناء الخيطي الذي يجعل من القصص جميعا منتظمة عبر وحدة الموضوع ، الذي يؤكد على مفردات الإحتلال والفداء والمواطنة والنزاهة والخيانة وغيرها ، مما يدخل في صلب المعترك الواقعي ويكتسب قيمة تأريخية مستمدة من حرارة الموقف الاعتباري لقاص يحسن التقاط الحالة الواقعية اليومية مفترضا أن قوة حضور الحادثة ورمزيتها يصب في أنماط من التوظيف الخيالي يتراوح بين السرد العجائبي والسرد الغرائبي) (ص 6)

أما من الناحية الفنية للمجموعة فقد قال فرج ياسين :

(إن اللغة تتميّز بخلوها من الاستطالات الوصفية والانحرافات الزخرفية ، وتتميز بتعدد أساليب السرد ، ويغدو بالإمكان تلمّس أنماط التقانات المؤسسة لجماليات النصوص مثل : الخبرية والتناص والمفارقة والسخرية وغيرها ) (ص 7) .

وفي تقييم مشرّف للمجموعة يختم فرج تقديمه بالقول :

"كتاب (تجّار الفحم) يرشّح نفسه إلى حضور مهم في المشهد الثقافي العراقي ، ليس لهذه الحقبة حسب ، بل لمستقبل بلا حدود " (ص 7) .

وقد وصف القاص "ناشد الباشا" في حديث للجزيرة نت دوافعه لكتابة هذه القصص بالقول :

 "اخترت أن أكون مقاوما بالكلمة ، طالما أنني لم أقاوم المحتلين بالسلاح ، وهذه مسؤولية الكاتب في بلد يقع تحت الاحتلال" .

وهو موقف وطني غيور يصدر من كاتب قصصي في زمنِ عارٍ أغبر ، كانت فيه الأعمال السردية المقاومة قليلة جدا بالقياس إلى حجم الفاجعة العراقية ، زمن صمت فيه اتحاد الأدباء في الوطن المحتل عن إدانة الإحتلال ومواجهته حتى يومنا هذا ، في موقف مخزي هو الوحيد بين شعوب الكرة الأرضية ، في الوقت الذي تتوقع فيه الناس أن يكون المثقفون واتحاداتهم هم أول المقاومين بالكلمة .

وقد قال الناقد د. فائز طه عمر عن هذه المجموعة :

(يبدو أن القاصّ الباشا كان يزاوج في إبداء المواقف , فيقول أكثر من فكرة في آن واحد , محاولا إدانة مرحلة الاحتلال في إيجادها مناخا ملائما للفساد وسيادة الجهل الذي تبرقع بالشهادة العلميّة التي لم تعدّ دليل علم , منذ زمن , ممّا عرضه من خلال شخصيّة أخرى في القصّة نفسها [= قصّة أستاذ جامعي ، ص 128] , هي شخصيّة الأستاذ الجامعي صاحب اللقب العلمي الرفيع الذي غدا غير ذي معنى و لا مضمون , فهذا الأستاذ الذي صوّره القاص الباشا بصورة ساخرة تُظهر تشبّثه بلقب أو بقشرة سرعان ما تتهاوى أمام أيّ سؤال مهما كان سهلا , فـهــذا الأستاذ الذي كان ( يعـوج حـلقه قائلا : أنا فُـل بـروفسـور . . ) لم يقو على الإجابة عن سؤال ظلّ تلاميذه يوجّهونه إليه , طوال عام دراسي , عبّروا به عن رغبتهم في إظهار الشبه بين الاحتلال الذي شهده العراقيّون عام 2003م  والاحتلالات السابقة , وتبيان مخاطره وعواقبه , فبدا هذا الأستاذ فارغا إلا من تبجّح زائف) .

كما قال أيضاً في مقالته "قراءة أولى في مجموعة (تجّار الفحم ) للقاص ناشد سمير الباشا" :

(ولم تفُت القاص الباشا أن يطرح أمام القارئ نماذج من أبطال هذا الزمان الذين ارتموا تحت حذاء المحتل سيّدهم الذي لولاه ما كان لهم قيمة ولا وجود في عراقنا الطاهر فهم الذين دنّسوا أرضه , ممّا أفصح عنه ذلك العبد الذليل الذي حصد منافع ورتبا ومناصب والذي أعلن لرئيس حمايته الذي لم يصدّق ما تعامل به جندي المارينز مع سيّده الذي صرّح له بأغرب ما رآه بقوله : ( هب أنه صفعني , أو ركلني , أو سبّني , فلا خيار لي إلا أن أتقبّل منه ذلك , فمن لنا غيرُهم ؟), ممّا صوّرته قصّتُه القصيرة الحواريّة ( المملوك ص 44 ), وقد اعتمد القاص السرد الأوليّ  القصير ليُهيّئ لحوار متبادل بين هذا الزعيم ( المملوك) , ورئيس حمايته , على نحو قلّب به الأفكار وصرّفها لتقترب من ذهن المُتلقّي مباشرة لا لبس فيها , مُحققة هدفها الذي كان إدانة سلوك دهاقنة الاحتلال وأزلامه والتبرّؤ منه , بل تبرّؤ العراقيين كلّهم منه) .

والكاتب المجاهد "ناشد سمير طه الباشا" من مواليد عام 1965 ، حاصل على شهادة الماجستير في الأدب الحديث ، وله العديد من المؤلفات منها :

العنوان في الشعر الحديث – 2001

من سيقرؤكِ أيتها القصة ؟ - مجموعة قصصية – 2007

ضحك الأقدار – قصص – 2010

خيوط الهوا – مسرحية – بالإشتراك مع الشاعر أحمد الشادي – 2010

لعبة الصورة والمرآة – رسالة ماجستير عن مدني صالح في مقاماته - 2011

تحية للكاتب المجاهد "ناشد سمير طه الباشا" ..