قراءة في كتاب المانيا ودورها بالمساعدة بإبادة الأرمن

قراءة في كتاب

المانيا ودورها بالمساعدة بإبادة الأرمن

محمد هيثم عياش

[email protected]

ناقش الاوروبيون خلال الفترة ما بين 10 و 24 نيسان /ابريل مسألة قضية / إبادة الارمن / . ففي ليلة 24 نيسان /ابريل من عام 1915 وبالتحديد أثناء خضم الحرب العالمية الاولى ، وكما تقول وثائق الارمن ، هاجم جنود الدولة العثمانية الارمن واصطهدوهم  لإخماد ثورتهم ضد الدولة العلية العثمانية مستغلين بذلك إنشغال الدولة  العثمانية بالحرب العالمية وبالتالي بتحريض من القيصرية الروسية . وتقول وثائق الارمن ان ما يربو عن مليون ونصف مليون ارمني قتلوا وهجروا من بلادهم  ، بينما تنفي تركيا هذا العدد وتؤكد المبالغة فيه وتصر على ان العدد الكبير من الارمن ماتوا جراء الفقر والجوع والامراض الذي انتشر ببلادهم .

وبالرغم من إعلان الحكومة التركية مواساتها للارمن عما وقع زمن الحرب العالمية الاولى ، الا أن الارمن قاموا خلال يومي الخميس والجمعة من 23 و 24 نيسان /ابريل بحملة دعائية تطالب البرلمان الالماني والحكومة التركية الاعتراف بحقائق وثائق الارمن وتحث البرلمان الالماني على وصف ما وقع بـ / إبادة الشعب الارمني / . فالحكومة الالمانية ترفض الاعتراف بـ / الإبادة / وتصر على تبديل هذه الصيغة  بصيغة / عدم الاهتمام / الى أن جاء الرئيس الالماني  يوئاخيم جاوك ، وأيد الارمن بصورة غير مباشرة بكلمة ألقاها بكاتدرائية العاصمة برلين مساء الخميس من 23 نيسان /ابريل . هذا التأكيد الغير رسمي كان وراء استياء الحكومة التركية التي أعلنت بأن الاتراك لن يغفروا لما قاله القسيس السابق جاوك المعروف بجهله عن الاسلام ومعاداته للحكومة التركية . وبالرغم من ان أعضاء البرلمان الالماني لم يجزموا بالرغم من مطالبة حزبي الخضر والتحالف اليساري الحكومة الالمانية ووصف صفة إبادة تركيا للشعب الارمني الا ان هذه القضية لم تنتهي بعد  لن الحكومة الالمانية لا تريد إثارة تركيا وجرح مشاعرها وبالتالي من اجل إتمام المصالحة بين تركيا وارمينيا التي وقفت الحكومة الالمانية وراءها ، فقد أكد جميع من ألقوا كلمات بالبرلمان من المعارضة والائتلاف الحكومي بأن ما جرى يجب تناسيه من اجل المصالحة .

ولا تعتبر دولة الخلافة الاسلامية العثمانية الوحيدة التي أساء اليها مؤرخو التاريخ فهي الى جانب دولة الخلافة الاسلامية الاموية تعرضت من قبل  مؤرخين الى إساءة سمعتها . فالدولة الاموية كانت محل افتراءات الشيعة والشعوبية فهي كانت دولة خلافة  اسلامية عربية قحة فتحت البلاد وأوصلت رسالة الاسلام الى بقاع العالم القديم بينما كانت الدولة العباسية تحت تأثير الشيعة  ، بينما صنَّف القوميون العرب الدولة العثمانية بدولة احتلال فهم يصفونها بكتبهم بالامبراطورية  ويقولون عن بلاد الشام والعراق والحجاز ونجد وغيرها بانها كانت تحت الاحتلال العثماني علما ان العثمانيين اصبحوا خلفاء عندما قام آخر خلفاء بني العباس  المتوكل على الله / محمد بن يعقوب – المستمسك بالله / في مصر بتسليم الخلافة رسميا الى السلطان العثماني سليم الاول عندما هزم المماليك بالقرب من القاهرة عام 918 هجرية الذي وافق عام  1517  للميلاد .

فاجأ العثمانيون الاوروبيين بفتحهم القسطنطينية / استانبول/ عام 827 هجرية الذي وافق عام 1453 ميلادية ، فقد  ظن الاوروبيون ان المسلمين قد أفلت قوتهم جراء الحروب الصليبية واجتياح المغول ، ذلك الجراد المنتشر ، بلاد الشام واوربا وقتلوا الخيفة العباسي المستعصم بالله اضافة الى الصراع على النفوذ بين الامارات الاسلامية وغيرها، الا انه بقتح استانبول وغيرها من بلاد اوروبية ، اصبحت الدولة العثمانية سيدة العالم القديم بلا منازع ومهابة الجانب من الاوربيين وبدأت المؤامرات  ضد تلك الدولة فقامت القيصرية الروسية التي أنشبت حروبا عديدة ضد الدولة العثمانية بتحريض القوميات في البلقان وتحالفوا مع الصفويين في ايران ضد تلك الدولة التي أنهكتها الحروب .

كانت اوروبا تعيش في صراع على النفوذ فدولة هابسبورج التي كانت يُطلق عليه / الدولة الرومانية المقدسة / تعيش في حرب مع روسيا وانجلترا ثم ظهرت الدولة البروسية كقوة رئيسية في اوروبا وتعيش في حروب مع فرنسا وروسيا وغيرها ولا بد من قيام تحالفات عسكرية فتحالفت الدولتان المذكورتان / البروسية وهابسبورح / مع دولة الخلافة العثمانية ، وقام القيصر البروسي فيلهلم الثاني / 1858- 1941 / بزيارة الدولة  العثمانية عدة مرات كان اولها عام 1898 زار من خلالها ايضا دمشق والقدس وغيرها . ولما بدأت الحرب العالمية الاولى عام 1914 دخلت الدولة العثمانية  الحرب الى جانب المانيا والنمسا تلك الحرب التي أسفرت نهايتها عن اضمحلال دولة الخلافة الاسلامية العثمانية الى ان قام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة .

وها هو أمير الشعراء أحمد شوقي يرثي دولة الخلافة الاسلامية العثمانية فيقول :

ضجت عليك مآذن ومنابر ...وبكت عليك ممالك ونواح.
الهند والـهة ومصر حزينة... تبكي عليك بمدمع سحاح.
والشـام تسأل والعراق وفارس ... أمحا من الأرض الخلافة ماح؟
نزعو عن الأعناق خير قلادة ... ونضوا عن الأعطاف خير وشاح.
من قائل للمسلمين مقالة ... لم يوحها غير النصيحة واح.
عهد الخلافة فيه أول ذائد ... عن حوضها بيراعه نضاح.
إني أنا المصباح لست بضائع ... حتى أكون فراشة المصباح

ويرى  الصحافي والمؤرخ الالماني يورجين جوتشليش في كتابه / دور المانيا بمساعدتها ابادة الشعب الارمني /  انه لا أحد يستطيع اتهام  الدولة العثمانية وحدها بارتكاب مجازر ضد الارمن فجميع الدول المتناحرة في عصر الحرب العالمية الاولى ولا سيما المانيا تتحمل مسئولية قتل الارمن اذا ما كانت إدعاءات الارمن صحيحة لانا كانت متحالفة مع الدولة العثمانية عسكريا وسياسيا وخلافهاتها مع روسيا وانجلترا وفرنسا ، ففرنسا وانجلترا كانتا تراقبان الحروب ضد الدولة العثمانية عن كثب لتحقيق مخططهما بالسيطرة على شمال افريقيا وبلاد الشام والعراق وتحريض لندن شريف مكة الحسين بن علي وتشجيعهما  دعاة القومية العربية لتصبح المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية لقمة سائغة لهما ، عدا عن ذلك فلفرنسا وانجلترا كانتا تحاربا المانيا للحيلولة دون ان تصبح الدولة القوية في اوروبا ، كما ان  روسيا التي كانت وراء تحريض الارمن وغيرهم من ارتودوكس اوروبا في اليونان وصربيا ومقدونيا ضد الدولة العثمانية تتحمل مسئولية مأساة الارمن لانها لم تقم بمساعدتهم .

ويطالب جوتشليش بكتابه الذي تصل صفحاته الى حوالي 344 صفحة من منشورات دار نشر / كريست التابعة لحزب التحالف اليساري / أوروبا ووفي مقدمتها الحكومة الالمانية التحري من جديد حول وقائع الحرب العالمية الاولى فالجميع مسئول عن ما وقع في تلك الحرب واسبهابها المعروفة ظاهريا حب النفوذ ولكنها في الواقع حرب دينية قحة بين الكاثوليك والارتودكس وبين الاسلام والمسيحية .