مدارسنا بلا ضفاف

كتب .. كتب .. كتب :

عشرون

رامز باجلان :

حسين سرمك حسن

عندما سُئل أحد رؤساء وزارات اليابان عن السبب الرئيسي الذي جعل اليابان تنهض بهذه الطريقة الأسطورية من تحت رماد خراب الحروب الخانق لترتقي إلى ذرى التطوّر المُذهل على كافة الصعد ، قال :

(لقد أعطينا المعلّم سلطة القاضي ومرتب الوزير وهيبة الضابط) .

ومن المؤكّد أن السرّ الأكبر في انحطاط المجتمع العراقي على كافة الصعد أيضاً ، هو سلب المعلم كل شروط هيبته وسلطته واستقلاله المادي ، والإطاحة بهيبة العلم بالإستخفاف بالشروط العلمية وسهولة تزوير الشهادات والتخرّج والحصول على الأطروحات وغيرها .

كان المعلمون العراقيون – سابقاً - قادرين على تخريج طلائع هائلة من العلماء والأطباء والمهندسين والمفكرين وغيرهم من طلبة انحدروا من عائلات ريفية معظم أولياء أمورها لا يقرأون ولا يكتبون . أمّا اليوم فالعجز والخراب في الحقل التعليمي الذي يزوّد المجتمع بكل قادته مستقبلاً هو السائد ويدعو للتشاؤم .

لهذه القضية الكبرى والخطيرة يتصدّى الأستاذ المربّي "رامز باجلان" في كتابه الصادر عن دار تموز للطباعة والنشر وعنوانه "مدارسنا بلا ضفاف" (147 صفحة) .

يقدّم باجلان لقرّائه خبرة ثلاثين عاماً في حقل التربية والتعليم بأسلوب تشوبه السخرية المريرة السوداء التي ينضح بها قلمه منذ صفحة الإهداء :

(إلى كل المتلذّذين في استغراقتهم العنكبوتية لأن يستيقظوا من رقدتهم الكهفية

إلى كل الذين ينظرون إلى المعلم نظرة الدون والخفض وهم يتحدثون من بطونهم وما أوتوا من العلم شروى نقير )

وفي المقدّمة يشير الكاتب بحق إلى أن المصدر الوحيد لكل منجزات الثورة العلمية الساحقة التي يشهدها العالم المتطوّر في عصرنا الراهن ، هي المدارس ، وليس غير المدارس من مصدر ، من الروضة والابتدائية إلى أعلى الكليات والمعاهد وتلك لأن المدرسة رافد طبيعي للتطور العلمي (ص 9) .

(والتطور الهائل أساسه المدارس بما فيها من مناهج بكل مراحلها وأنواعها واشكالها المتعددة ، فإذا كان الأمر كذلك ، فلابد أن نهتم بالمدارس اهتماما يليق بها لنقتلع جادين كل الجد جذور التخلف ونلعن العرقية والطائفية)

ويختم المؤلف مقدمته بالدعوة للإهتمام بالعامل الأكبر في هذا التطور والنهوض وهو :

(الكادر التربوي ، ذلك الرجل الذي نلقي على كاهله أكثرية المسؤولية العلمية والأخلاقية في العلمية التربوية ، ونجعل منه الحجر الأساس في هذه العملية ، وأن نجعل لهذا الكادر التربوي منزلة ومكانة اجتماعية وعلمية واقتصادية تليق بما يقوم به من عمل جبّار والذي يُعد من أخطر الأعمال في المجتمع وفي العالم بأسره) (ص 10) .

ثم يبدأ المؤلف المربّي بتناول موضوعات كتابه وفق المؤسسات التعليمية بدءاً من رياض الأطفال (أبنيتها ومناهجها وهيئات تعليمها ، اختيار مديرة الروضة وواجباتها ، دور المعلمة ومراقبة الروضة) ، والمدارس الإبتدائية (أبنيتها ومناهجها ، مهام المعلم الإبتدائي ، المنهج ، مهام المدير) ، والمدارس المتوسطة والإعدادية (نوعية البناء والمدرسون وترفيع المدرس .. وغيرها ) ، والإعداديات المهنية الصناعية والزراعية . ثم موضوعات متفرّقة لكن حساسة مثل اللغة العربية واسئلة امتحاناتها ، دروس الإنشاء والرسم ، الكلّيات والقبول فيها وتخرّج الكوادر التربوية منها .. نظام الجامعة في العراق وغيرها الكثير الكثير من المعضلات المزمنة التي دوّخت الناس والطلبة في مجتمعنا على حدّ سواء .

وأعتقد أن من المميزات الكبرى لموضوعات المؤلف في كتابه هذا ، والتي أرى أن على مسؤولي شؤون التربية والتعليم في بلادنا الإطلاع عليها وقراءتها بدقة والعمل على استثمارها واللقاء بالمؤلف ومناقشتها معه إذا كان مسؤولو العملية التربوية لديهم وقت لتطوير العملية التربوية ، هي المقترحات التي طرحها المؤلف لتطوير أغلب جوانب العملية التربوية والتعليمية ومؤسساتها ، وهي مقترحات كفيلة بالقضاء على الكثير من السبيات المزمنة وحل الإشكاليات المتطاولة والمضنية في مسيرة التعليم والنهوض بها . وميزة هذه المقترحات المضافة هي أنها بسيطة وعمليّة ولا يتطلب تنفيذها الكثير من اللف النظري وتشكيل اللجان التي ستحتاج لجانا ولجانا ولجان ..

وإنني أدعو وزارة التربية إلى طرح ما جاء في هذا الكتاب من أفكار ونقد ومقترحات مهمة للنقاش بين أفراد الأسرة التعليمية وعقد الندوات حوله ، فهو عصارة تجربة لا تعوّض .

والأستاذ رامز باجلان خريج قسم اللغة العربية من جامعة بغداد عام 1963 ، صدر له كتابان :

من البعيد والقريب (مجموعة قصص) – دار تموز – دمشق – 2012 .

على نار هادئة – دار تموز – دمشق – 2013 .

تحية للمربّي رامز باجلان .