اتجاهات الدرس الأسلوبي في مجلة فصول 1980-2005

رامي علي أبو عايشة

اتجاهات الدرس الأسلوبي

في مجلة فصول 1980-2005

رامي علي أبو عايشة

 داخل حدود التنوع في اتجاهات التنظير الأسلوبي تمدّنا الأسلوبية بمساندات لغوية شتى تسهم في معالجات نصية ذات مقومات فنية ورؤى إبداعية تربط نظم العلاقات الصوتية والدلالية والتركيبية والمعجمية معاً سعياً للوصول إلى تقييم أدق للنص الأدبي في ضوء التركيبات اللغوية المتوافرة .

 وجهدت مجلة فصول في ربط قواعد التنظير الأسلوبي بما يدلّ عليها من نتاجنا الإبداعي العربي، وذلك عبر مسيرة زمنية حافلة بالقوة حيناً والضعف حيناً أقل، لذا كان لا بد من دراسة وصفية تحليلية تقف على حصيلةِ المجلة من الدراسات الأسلوبية عبر تدرّج نموها الزمني؛ أي منذ بداية ولادتها حتى آخر سنوات انحسار الدرس الأسلوبي فيها، وذلك لتوجه الاهتمام النقدي نحو نظريات نقدية جديدة ظهرت في الأعداد الأخيرة للمجلة .

 عاشت الأسلوبية في مجلة فصول قرابة الستين مبحثاً ظهر أولها أول عشر سنوات من انطلاقة المجلة؛ أي في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، فقد خُصِّص العدد الأول من المجلد الخامس عام 1984 لذلك تحت عنوان (الأسلوبية)، فضلاً عن الأبحاث الأسلوبية المنوعة التي لا يكاد يخلو مجلد منها، فلقِيَ النقد الأسلوبي ازدهاره فيها على يد نقاد عرب عدّوا رواد النقد الأسلوبي تنظيراً وتطبيقاً، وقد منحتهم المجلة عرض بضاعتهم بحريّة وترك تقدير قيمتها للقارئ الناقد الذي لمس دور المجلة في السعي نحو تثبيت دعائم الأسلوبية في نصوصنا الإبداعية العربية، والتعرف على أبرز السمات والمظاهر الأسلوبية فيها، والتي تجلّت في مناهج تحليلية ظاهرة ركّز عليها الباحثون في المجلة .

 حاولت الدراسة رصد آثار التطور والتنوع في الكتابات النقدية في علم الأسلوب في المجلة موازاة بمثيلاتها في الكتب النقدية الأسلوبية خارج حدود المجلة، إضافة إلى المستوى الأسلوبي الذي انطلق منه الباحثون في الدرس الإسلوبي مقارنة بالمستوى الأسلوبي في بحوثهم الأُخر في غير هذه المجلة، وتطلب هذا عقد موازنة إظهاراً لمكانةِ الدرس الأسلوبي مقارنة بالدراسات النقدية الأخير بصورة عامة .

 وعليه فإن منهج الدراسة وصفيٌ تحليلي، يعنى بعقد موازنات بين البحوث الأسلوبية، ويهتم بالجانب التاريخي، لا سيما تمركز البحوث الأسلوبية في مرحلة زمنية محددة من عمر المجلة، فضلاً عن إحصاء النصوص وتحليلها التي جرى الدرس الأسلوبي فيها من حيث القِدَم والحداثة .

 تحتوي الدراسة على تمهيد مسهب وثلاثة فصول، وقد تُنوول في التمهيد فكرتان رئيستان هما (الأسلوبيةُ في النقدِ العربي الحديث) في محاولة للإشارة إلى توسع انتشار الأسلوبية في النقد العربي الحديث، وذلك ضمن حركات أربع هي (حركة التأليف، حركة الترجمة، حركة الدوريات، حركة الرسائل الجامعية)، ثم مُهّد للدراسة ثانياً بحديثٍ في طبيعة النظريات النقدية في مجلة فصول مقارنة بالمنهج الأسلوبي فيها، إضافة إلى موازنة الجانب النقدي الحداثي بالجانب التراثي القديم .

 رصد المبحثُ الأول من الفصلِ الأول الإشكالات التي حامت حول تعريف الأسلوب لغة واصطلاحاً، كما نبّه إلى العشوائية الظاهرة في تأويل مقولة بوفون "الأسلوب هو الرجل" .

 وجاء المبحث الثاني بعنوان (الاتجاهات الأسلوبية في مجلة فصول) ليكشف عن خمسة اتجاهات أسلوبية ظاهرة في المجلة، وهي الاتجاه الأسلوبي الإحصائي بفرعيه العددي والمداري، والاتجاه الأسلوبي البنيوي، ثم اللساني والبلاغي والتضافري .

 عبّرت هذه الاتجاهات عن واقعنا الحضاري والنقدي، وتمثّل ذلك في انفتاحات غير متوقعة للعمل الإبداعي لا سيما العربي، وهي انفتاحات انعكست على الموسيقى والصورة والبناء والنحو والظواهر التي يمكن استلهامها في شعر الشعراء، وغير ذلك كثير .

 وقد قدّمت لنا المجلة كوكبةً من الباحثين العرب المميزين الذين أسهموا ببحوثهم الأسلوبية في المجلة قصداً إلى محاولةِ رصد موضوعي لفاعلية هذه البحوث وضوحاً واستقصاء وجدة، وهم (شكري محمد عياد، صلاح فضل، محمد عبد المطلب، سعد مصلوح، محمد الهادي الطرابلسي)، كما كشفت الدراسة توافقاً بين الكتابة في المجلة والتأليف المنهجي عند بعض الباحثين، والتي ينفع معها استنتاج أحكام نقدية للتوصل إلى الوضع العام للنظرية الأسلوبية على الأقل في الفترة الزمنية التي تدرسها الرسالة (1980–2005) وظهرت بعض الفروقات المنهجية التي تستدعي من الباحث النظر والتأمل فيها .

 يضم الفصل الثاني ثلاثة مباحث في قواعد التطبيق الأسلوبي أولاها (الأسلوبية التطبيقية في نصوص كاملة أو مجزأة)، وهو مبحث يفرّق بين التطبيق النصي الكامل أو المجزّأ من حيث الدلالات الأسلوبية لكل منهما، ويأتي المبحث الثاني في (أدبيات غموض النص النقدي) ليقف على إشكاليات الكتابة النقدية في مجلة فصول من حيث اللغة العلميّة الجافة، والرسومات الشكلية المعقدة، وخلص إلى أن هذه العبارات والجداول تستفرغ جهد القارئ في البحث دون أن يجد لها معنى، إذ تطغى على طبيعة النص النقدي حتى يتحول إلى كتلةٍ من الغموض الجاف يغيب أمامها المحك الذي ينبغي أن نختبرَ عليه (الفاعلية) العظمى للمنهج المتخذ .

 أما المبحث الثالث فهو عن (الاستطراد في النص النقدي)، إذ تعده الدراسة مثلبة ظاهرة في كثير من النصوص التطبيقية في مجلة فصول، وهو أمر يدعو إلى أن النظر في أسلوب الكاتب يلازم - بقدر كبير - قدرته على التحليل سواء من حيث اللغة أو من حيث تنظيم الأفكار، وقد ظهر نوعان من الاستطراد أولاهما استطراد جيد، وثانيهما استطراد رديء وكلاهما يعدان إشكالية في آلية الكتابة النقدية بالمنهج العلمي المتبع .

 ويقف الفصل الثالث على لغة التحليل النقدي من حيث (أدبية اللغة النقدية) وقد اتخذ المبحثُ الناقدَ سعد مصلوح أنموذجاً تظهر في لغته إشارات أدبية صريحة ومضمرة تفيد من القرآن الكريم والشعر العربي والأقوال التي جرت مجرى المثل .

 ويزداد أمر تطور الدرس الأسلوبي وضوحاً بالوقوف على (طول الجمل النقدية) وخصائصها الأسلوبية، وأثرها على الناقد والقارئ معاً، وهذا هو المبحث الثاني والأخير في الدراسة .

 لم يرد الباحث أن يدل على هذا البحث بجهد بذله أو وقت أنفقه من لدن أن كان فكرة إلى أن صار بحثاً متكاملاً، فقد عانى كثيراً في الحصول على مادة البحث المتفرقة والمتناثرة في أعداد مختلفة، بل إن الحصول على أعداد المجلة كاملة كان أمراً عسراً غابت من أعدادها عن حوزة بعض جامعاتنا مما فرض على الباحث محاولة البحث الدؤوب عنها، فضلاً عن أن أكثر الدراسات الأسلوبية لا تنبئ عنها عناوينها الأمر الذي تطلب قراءة أعداد المجلة كاملة لاتخاذ القرار بكونها أسلوبية، وقد قدّر للباحث أن وجد بعض البحوث منشورة في كتب أصحابها الخارجية فكان ذلك حلاً لبعض المشكلات المعترضة .

 قُدّمت هذه الدراسة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الأدب والنقد، وقد بقيت مشروعاً قائماً للبحث في الجامعة الهاشمية في الأردن حتى خطّ الباحثُ آخر سطورها أواخر عام 2008 كما أتيح لها أن تجدَ مساحة أوسع من النور حينما طرح مشرف الرسالة الأستاذ الدكتور مصطفى عليان – يكلؤه الله بعين عنايته- فكرة ضم الرسالة بين دفتي كتاب ليفيد منه أكبر شريحة من القراء، فوقع الاختيار على دار ابن الجوزي لتكون الجهة الناشرة للكتاب فصدر عام 2010 بدعم مشكور من وزارة الثقافة الأردنية .

 وقد ساعد التقديم الذي كتبه أستاذ النقد الأدبي مصطفى عليان على تهيئة القارئ لتمثل أهم علائق الأسلوبية بغيرها من الفروع، فكان حديثه عن علاقة الأسلوبية بالنقد الأدبي، وعلاقتها بالبلاغة العربية، ثم علاقتها باللسانيات بمثابة درس نقدي، ومهاد تنظيري أولي ومباشر يضع القارئ على أعتاب الدراسة .

 وإنه مما يؤسف له أن دراسة المجلات المتخصصة وقضاياها النقدية غابت عنه أقلام الباحثين، غير أن هذا الميدان ما يزال ثرياً لمزيد من الموضوعات النقدية التي لم تُطرق بعد، وإذا كان من جديد قدّمته هذه الدراسة فإنها تطمح إلى قراءة منهج لغوي في مجلة فصول وغيرها من الدوريات النقدية، وحسبها أنها حاولت استيعاب الدرس الأسلوبي داخل المجلة وخارجها على أساس من التشاكل والتآلف والتضاد والتخالف .