مريما ـ تيجان ديم

آدم بمبا

رواية إفريقية من أدب غرب القارة المسمى (الإيفواري) ؛ وقد ركزت على شعيرة الحج لإثراء جزء مهم في بنائها القصصي ينقل عادات شعوب غرب إفريقيا وتقاليدها ، في مختلف مراحل الحج الاحتفالية , من إعداد ووداع واستقبال ، وتركيز على أبعاد الحج الروحية ووظائفه الاجتماعية والثقافية . تبرز اللمسة الإسلامية أول ما تظهر في البعد الديني الذي أضافه الكاتب على بطلة الرواية ، مكللاً بذلك بُعدها الاجتماعي .

(هي بنت ملك قبلي وزوجة تاجر ميسور الحال وحماة حكم المحافظة) ، تتحرك الرغبة في نفسها ونفس زوجها ويتحمسان لأداء الفريضة ، حين يزورهما عالم القرية الفقير الزاهد . ويركز الكاتب على شخصية هذا الشيخ العالم ليبرز من خلالها النقاء وإخلاص العمل لله في شعيرة الحج . ويسترسل في وصف الاستعدادت واختلاف الناس في ذلك .

كان كل زاد العالم إبريق وضوء ومسبحة ، فيما كان بعض الحجاج يحملون أحمالاً ثقيلة ! وتبرز الرواية بعض العادات والتقاليد في وداع الحاج وطلب السماح من أهل البلدة ، وتوافد المودعين ، وبروز الروح الجماعية . ويحس القارئ بالنكهة الإفريقية في تصرفات المسلمين ، التي كان سببها ضعف وسائل الاتصال مع الحجيج ، وانتشار الشائعات حول أخبارهم ؛ إذ يذهب ذووهم إلى العرافين لمعرفة أحوالهم ! ويجد الكهان سوقاً رائجة في هذا الموسم ، مع أنهم لا يفيدون بشيء سوى كلام حمال أوجه !

ثم تصور يوم مجيء الحجاج وتوافد الناس لاستقبالهم ، ومشاعر الذين ينتظرون أقرباءهم المفقودين . وبلمسة فنية يضفي الكاتب على مثل هذه الموقف صوراً مأساوية مفعمة بالحنان ولوعة وفراق الأحبة ؛ ولا يفوته أن ينقل بعداً مميزاً للحج في تكوين الوعي الأممي الموحد ، وتقوية وشائج الأخوة بين مسلمي الشرق والغرب ؛ فبعد وصول الحجاج ينتقلون إلى المسجد الجامع حيث ينتظرهم العلماء ، ويقوم أمير الحج بوصف الرحلة المباركة ، ونقل تحيات المسلمين . ويظهر مدى ارتباط الناس بالديار المقدسة من خلال أسئلتهم الصادقة المعبرة الطريفة ، من مثل كيف حال سيدنا (النبي) وأصحابه ؟! وكيف أحوال أهل المدينة ، وأحوال حمائم أمنا فاطمة الزهراء ؟!! واعتزاز الناس بالهدايا التي يحملها لهم الحجيج مما يختص بتلك الديار ، بل يصل الأمر إلى الاحتفاء بالساعات ، ولو كانت مصنوعة في ألمانيا ! فحب مكة يصرف المحب عن البحث عن أصل الشيء الآتي من مكة !

ويبرز الكاتب مظهراً من مظاهر التطهير في الحج ، والانسلاخ من الماضي في تغيير الأسماء القبلية إلى أسماء إسلامية ، كما فعل بطل القصة حين تسمى بعمر ، ولعل المجاورة وحمل لقب (جار الله) أعلى مظاهر الانسلاخ من الماضي ، فيعزم الحاج على ألا يعود إلى الحيز المكاني الذي أتى منه . وتنتهي الأحداث بوصول بطلة الرواية الحاجة مريما وزوجها الحاج بالي (عمر) واستقبال العلماء والزعماء لهما في القرية ، وإخبارهما الجموع التي شعرت بالغبطة والحزن أن الشيخ الزاهد قد عزم على البقاء في المدينة ، لأن الله الذي خلق له فما سيتولى إطعامه .

وصفت هذه الرواية ـ بصدق وعفوية ـ المشاعر المكتنزة في قلوب المسلمين للديار المقدسة ، مع أن تجربة الكتاب الأفارقة مع الحج تجربة غير مباشرة ، إذ كتبوا رواياتهم من دون أن يزوروا الأراضي المقدسة ، وإنما استلهموا رؤاها من خلال احتفاليات الحج المختلفة ، ومن خلال أقاصيص إخوانهم الحجاج .

(مجلة الحج والعمرة ـ السعودية ـ العدد 12 ـ صفر /1424هـ ـ الحج في روايات إفريقيا الغربية ـ بقلم آدم بمبا ، ناقد من ساحل العاج) .

وأبرزت شخصية الحاج بشكل إيجابي بالمهابة والاحترام ؛ وفعلت مثلها رواية (الساحل جفاف دموي).