السينما والثورة في مصر

بدر محمد بدر

[email protected]

كيف ساهمت السينما المصرية طوال الثلاثين عاما الأخيرة بشكل إيجابي، في التمهيد لثورة 25 يناير2011، هذا ما يناقشه الباحث والناقد السينمائي وليد رشاد في كتابه الجديد "السينما والثورة"، الذي صدر ضمن سلسلة "آفاق السينما"، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة.

ويستعرض المؤلف، عبر فصول الكتاب الأربعة، أكثر من ثلاثين فيلما منذ بداية الثمانينيات وحتى قيام الثورة (2011)، تناولت بشكل أو بآخر جوانب سياسية أو اجتماعية تدعو إلى التمرد على الواقع، ومدى مشاركتها في تهيئة الرأي العام للثورة.

السينما والسياسة

وفي المقدمة يرى السيناريست والناقد د. وليد سيف أن السينما المصرية انشغلت إلى حد ما بالمشهد السياسي، بصرف النظر عن الرؤية، أو جدية الطرح، أو حتى دوافع الاستغلال، فكثيرا ما تكون السياسة أحد المشهيات الجاذبة للجمهور في السينما.

وقد تصل الجدية في التناول إلى أدنى مستوياتها، كما في أفلام المقاولات، أو يغلب عليها الترميز أو التلميح، مثل "عودة الإبن الضال" ليوسف شاهين، أو أرقى مستويات الواقعية، كما في العديد من أفلام عاطف الطيب وداوود عبد السيد.

ويتناول المؤلف عددا من أفلام الثمانينيات منها: "كتيبة الإعدام" للمخرج عاطف الطيب، وهو عمل فني متكامل مفعم بالشحن المعنوي الوطني، والحث على الإيجابية، وعدم التردد في تصحيح أخطاء الماضي.

وفيلم آخر بعنوان: "الصعاليك" للمخرج داوود عبد السيد يدور حول الطبقة الجديدة لرجال الأعمال، التي تحالفت مع السلطة لامتصاص ونهب مقدرات الوطن، وكيف أن غالبية هؤلاء بدأوا مشوارهم بالسرقة والتهريب، ثم ينتهي الفيلم بالقتل كحل لزواج المال بالسلطة!.

ومن أفلام التسعينيات يختار المؤلف: "ضد الحكومة" للمخرج عاطف الطيب، الذي دعا فيه إلى محاسبة الفاسدين من أجل مستقبل أفضل للوطن، حيث تنبأت أحداث الفيلم بأن الشعب سوف ينتصر على الفساد ويسترد حقوقه.

 

المصير

أما فيلم "المصير" للمخرج يوسف شاهين، فقد استعرض جانبا من السيرة الذاتية للفيلسوف المسلم ابن رشد، ليخرج في النهاية بجملة يلخص فيها ما يريد وهي: "الأفكار لها أجنحة، ولا يمكن لأحد أن يحبسها أو يمنع وصولها للناس، وعندما يحاول أحد فعل ذلك فسوف تنتهي الأمور إلى ثورة لا يمكن تلافيها".

ويؤكد المؤلف أن العشرية الأولى من القرن الحالي شهدت أكبر عدد من الأفلام التي ساهمت في تجهيز وتعبئة الرأي العام للثورة، وهي كانت أكثر جرأة وواقعية، سواء في النقد السياسي أو الاجتماعي أو الديني، منها فيلم "بحب السيما" الذي شهد معارك ضارية مع الكنيسة المصرية، لأنه هاجم التشدد الديني المسيحي، وأنتجه وأخرجه القبطي أسامة فوزي.

ومنها أيضا فيلم: "عايز حقي" للمخرج أحمد جلال الذي ناقش قضية بيع أصول ممتلكات الدولة، أي "الخصخصة"، وحق الشعب في ثروات الوطن، وكذلك فيلم "الديكتاتور" للمخرج إيهاب لمعي الذي يحاكم فيه الرئيس وابنه، بعد أن أطاح بالنظام في بلدهم "ممبوزيا" انقلاب أو ثورة.

كما قام فيلم "عسل أسود" للمخرج خالد مرعي بتشريح المجتمع المصري، الذي أصبح فيه المواطن البسيط بلا حقوق، ويتعرض للإهانة كل يوم، دون أن يثور لينتزع حقه.

ويشير المؤلف إلى أن النظام السياسي في عهد "المخلوع" حسني مبارك سمح للمعارضين من حين لآخر بنقده وكشف حقائق فساده، بغرض ترك متنفس للشعب بدلا من الكبت، وهو ما ساعد على ظهور أفلام مهمة تحمل في طياتها نقدا لاذعا، وتحريضا قويا للمتلقي على التحرك وفعل شيء.

وقد أثرت هذه الأفلام في الملايين من أبناء شعب مصر والشعوب العربية أيضا، ليتحرك الشارع ويصنع هذا "الربيع العربي".