ريشة البدوان .. ومخيلة الفنان

ريشة البدوان .. ومخيلة الفنان

عبور هادئ على ضفاف لوحة " الآلآم "

سامح عودة/ فلسطين

[email protected]

( 1 )

في الصباحات الهادئة تأسرنا أطياف الالوان المتمردة دون غيرها، لأن النفس وان اعتادت المشي على بساط من ورد تحن الى صعود القمم، وان لم تكن كذلك فلن تكون نفس بشرية متجددة، يليقُ بها الفناء..!! لهذا فالمطلوب التماشي مع متطلبات الحياة وتحدياتها.

الفنان التشكيلي الفلسطيني المغترب  جمال بدوان استطاع وبفضل مثابرته أن يصعد الى سلم العالمية بدخوله موسوعة " غنتس " للأرقام القياسية برسمه  أكبر لوحة في العالم بعنوان " تسامح الاديان"، فهو واحد من بين الفنانين القلائل الذين استطاعوا أن يصلوا الى هذه المترتبة، وأن يتربعَ على عرش " غنتس" ..!!

توالت أعمال البدوان الفنية والتي في مجملها جعلت  الهم الفلسطيني حجر أساس اما بالتصريح أو بالتلميح، لذلك تناقشُ قضايا حياتية تهم المواطن الفلسطيني وقضيته، حمل البدوان في قلبه فلسطين وجعل منها قبلته التي يصلي في محرابها، وحمل في يده ريشة وألوان لونت كل شيء بلونه ..

العلم ..

والمسجد الأقصى

والكنائس ...

والمروج المغتصبة ..

في لوحته الجديدة والتي سماها ..  " الآلآم " وجدتُ نفسي أطوف بحوراً من الدهشة في بحر مائج، الممرات كثيرة وفي كل ممر يلزمك بوصلة ترشدكَ الى المسرب الذي تريد أن تسلكه، لانك ان سلكت في المسرب الخطأ .. ستذهب الى زاوية من الدهشة تمدد..!!

أبرز البدوان مجموعة من الرموز التي صرح بها ، ورموز أخرى  بقيت مخفية لا يفك شيفرتها الا هو، أجزم أن براعته في حياكة ثوب الجمال هي التي دفعت ملاين المعجبين باللوحة لتقديم كلمات الثناء بحقها وبحق الفنان المبدع ذا المخيلة الخصبة، ربما أكثر ما شدني اليها الايحاءات التي صرح بها الفنان – الدموع- التي تشكل عنصراً من العناصر في الصراع مع المحتل، دموع الام والأطفال دموع المقهورين،  وشلال الدم الشهي النازف الذي لم يجف بعد، والعتمة التي ترمز الى القهر .  

واللوحة عبارة عن أربعة نساء يبكينَ بحرقة ويتطلعن الى السماء، على خلفية سوداء وفي وسط الصورة خطوط من الدم، وعلى أطرفيها مجموعة من الاوان المتداخلة . العوالم المذهلة التي ادخلنا فيها الفنان البدوان رغم حالة الالم الظاهرة في الصورة  عوالم فيها من الدهشة الكثير وفيها من الابداع ما هو أكثر، حصر الصوره في مربع محدود المساحة باللون الاسود يعطي الانطباع لدى المتأمل عن حجم الالم الذي أراد ابرازه.

ليس المهم أن تمتلك موهبة فنية أو أدبية المطلوب مع ذلك مخيلة واسعة نقية تدخلك في عالم فسيح من الدهشة بحيث تستطيع تجسيد نمط " مشهداني " يتم اخراجه على هيئة عمل فني، كما أن  الانتماء الى قضية عادلة لا يختلف عليها اثنين، يجعل من انتاجك مادة قابلة أن تنقلك للعالمية، والبدوان وعبر مسيرة فنية تجاوزت الثلاثين عاماً حمل القضية الفلسطينية على راحتيه وجسدها في معظم أعماله الفنية، وأرى أن البدون قد جمع العناصر الثلاثة للإبداع..

الموهبة..

والمخيلة النقية..

والقضية التي يناضل من أجلها.. " القضية الفلسطينية "

وفي لوحته " الآلآم "   أصر البدوان على أن ينسج من خيوط العتمه أطيافاً عابره من البهجة رغم الظلام، فطار عصفوراً مغرداً يلحن أغنية الصبح التي تهواها النفس، وكأنه أراد أن يقول أن خيوط الشمس الدافئة تولد من رحم العتمة ..!!، وأن " الآلآم " مهما طالت فإنها حتماً ستزول بالإرادة والتصميم لذلك وضع الوان خفيفة من الازرق والأخضر وكأنه يقول أن الحياة ستولد من جديد وأن الغد قادم فيه للعشب مكان وللبحر مكان وهما ثنائية الحياة الماء، والعشب .

معظم لوحات البدوان الفنية والتي كان لي شرف مشاهدتها عبر الاثير – الا لوحة تسامح الاديان -  تحمل ُ بين طياتها رحلة الفلسطيني الثابت بأرضه، رحلة العاشق الولهان لهذا الوطن والذي اعتاد أن يحمل اغنيته الحزينة معه أينما حل، ويبقى على أمل العودة الى موطنه الام كطير حالم يطوف المحيطات بجناحيه العرضين ويعود الى عشه الذي نشأ فيه.

هذه بعض من الايحاءات التي يمكن للمتأمل أن يلمسها من خلال لوحة الفنان بدوان  " الآلآم "، وهي رسالة  تعبر عن وجع الشعب الفلسطيني وتألمه باختياره  الرمز للأم والفتاه باعتبارهما الاكثر تألماً.

ان السيرة الفنية الحافلة بالعطاءات والإبداعات الفنية للفنان البدوان تؤكد أن الفن والادب وكافة الابداعات الاخرى يجب أن تسخر لخدمة قضية عادلة  كالقضية الفلسطينية، لقد تعلمنا في ادبيات الثورة أن الثورة " بندقية ثائر وقلم كاتب  وريشة فنان، ومسير الفنان التشكيلي جمال بدوان ورفاقه الفنان انما يسيرون بخطىً واثقة على درب التحرير الذي ناضلنا من أجله.