لا يعرف الوطن إلا من بعد عنه

رؤية فنية

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

ما هو الوطن ؟ ؟ هل هو المكان الذي تربينا فيه ؟؟ أم هو المكان الذي ولدنا فيه ؟؟ أم المكان الذي نعشقه بدون أن نراه ؟؟ هل الوطن هو الأرض ؟؟ أم الناس ؟؟ أم مزيج من هذا وذاك ؟؟ سؤال يدور في خاطري كثيرا وانا ابعد عن مسقط راسي السودان ومربى طفولتي وشبابي …

وفي نفس الوقت أعشق وطن الغربة  عشقا لا مثيل له … اخاف عليها كما أخاف على نفسي … وأدافع عنها بحياتي لو احتاجت لذلك … فهي في النهاية وطني الذي أعيش فيه …

وأنا الآن أستعيد ذكريات حلوة كثيرة … أعتبرها زادي لمقاومة شعور الغربة القاتل الذي يتسلل محاولا القضاء علي …

بلا شك بأن وسائل الاتصال الحديثة ومنها ( الأنترنت) أصبحت  وطن كل المهاجرين والمغتربين … النافذة التي يطلون منها على الوطن البعيد … والواحة الجميلة التي يجلسون فيها ليتواصلوا مع احبتهم وأخوتهم … قد يظن البعض اني ابالغ ولكن … أسال أي مغترب سوف يقول لك نفس كلامي …  لن تشعر بالشيء حتى تفقده ...... لا يشعر بنعمة الصحة إلا من يمرض… ولا يشعر بنعمة النوم إلا من أصابه أرق .. ولا يشعر بقيمة الوطن إلا من بعد عنه …

الحنين إلى الوطن … شعور يعرفه كل من تغرب عن وطنه … هو شعور قاتل يتسلل إلى قلبك ليحرمك من طعم الاستمتاع بكل ما حولك … فلحظتها كل ما تفكر به هو العودة إلى الوطن … في تلك اللحظة لا شيء يعادل وجودك مع أهلك و أحبابك و أصدقائك … الكثير لا يستطيع أن يفهم هذا الشعور … الكثير لا يستطيعون مجرد تخيله … فالكل يريد الهرب من الوطن الذي يقاسي الكثير من أبنائه داخله لتحصيل لقمة العيش …

الكثيرين لا يعرفون أن المغترب يمشي في شوارع الغربة وهو عقله في بلده ، وقلبه مع اهله و باله عند أحبته الذين يقبعون خلف بحار و محيطات بعيدا عنه … خصوصا إذا كان مغترب في بلد غربي …

الكثير من أمور حياتنا اليومية التي كنا لا نعيرها اهتماما … تصبح حلما بعيد المنال … فالشخص لا يعرف قيمة الشيء إلا عندما يفقده …

كم أشتاق لسماع الآذان ينبعث من مآذن  وطني  في كل صلاة … طقوس صباح يوم الجمعة الشهيرة من الاستيقاظ المبكر … و الفطور مع العائلة … والذهاب لصلاة الجمعة …. اجتماعك مع أصدقائك في المساء و الذهاب إلى أي مكان لتقضيه الوقت … أن تمشي في شارع حارتك تسلم على الناس من حولك لأنك تعرفهم ويعرفونك … الأفراح و المناسبات العائلية … السهرات الصيفية الجميلة … ان لا تحتاج  لمن ينقلك  عندما تغير بيتك ، فكل ما تحتاجه هو أن ترفع سماعة الجوال  فيأتي أصدقائك لمساعدتك … أن تتصل بصديقك لتبث له همك دون أن يكون بينكم اي مصلحة مشتركة … أن تزور والدك و والدتك دائما وليس فقط في الأعياد …  والكثير الكثير ...

كلما أستبد بي الحنين إلى وطني … أتذكر دائما عندما كان المغترب يتوارى عن أنظار مودعيه وهو يكفكف دموعه التي لم تجف الا بجفاف  ...

ولنا في عبق الذكريات الحلوة ومرتع الصبا الجميل صور معلقة على جدار الصمت العنيد ، إنها ذكريات  لا يزال صداها يتردد في مسمعي ....

فهل أنت معي ...