الفنان القامة والرائع عثمان مصطفي

 الفنان القامة والرائع عثمان مصطفي

مبدع من الزمن الجميل

توثيقي للفن السوداني

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

لا شك أن كلمتنا السودانية الغنائية كلمة قوية جداً ومعبرة وواضحة وأستغرب كثيراً عندما يقولون بأن الأغنية السودانية لم تصل إلي العالمية حتي الآن بسبب أن كلماتها غير مفهومة . فأغنياتنا السودانية وكذلك الألحان التي وضعت لها جميلة جداً وفيها كل ما يريد الشخص أن يجده من استماع وتطريب وشجن .

 وهذه أول أغنية :

أغنية الذكريات الجميلة التي كتبها الشاعر الكبير الجيلي محمد صالح وتغني بها الفنان الرائع عثمان مصطفي .

وهنالك قصة حول هذه الأغنية رواها الشاعر الجيلي محمد صالح بنفسه :

كان الشاعر خاطب ملهمة تلك الأغنية لفترة طويلة وسافر لمأمورية عمل وعندما أتي وجد زواج خطيبته وقد أخبره من قابلوه . وقابله الشاعر إسماعيل حسن ليخفف عنه وذكر أنه ذهب للمناسبة ليبارك ولكن كانت دواخله تعاني ما تعاني . وقال له الشاعر إسماعيل حسن أنت اليوم سوف تكتب أجمل قصيدة وفعلاً كتب قصيدة جميلة جداً ولكنها لم تغني وتجد الفرصة في الإنتشار . وبعد فترة قابل تلك الملهمة وسط مجموعة من النساء في الحي وكانت تقول : (تتذكر يا الجيلي في اليوم الفلاني لمن إتدسيت وخلعتني وتتذكر يا الجيلي لمن ...الخ وكانت ذكريات طريفة وجميلة تتذكرها تلك الملهمة فخرجت أغنية الذكريات) .

ويحكي الفنان الجميل / عثمان مصطفى حكاية أغنية ( الله مشتاقين) بعد ان تم اجازة صوتي في الاذاعة السودانية في سنة 1965 طلب منى الملحن والموسيقى (عربي )  الذهاب معه الى منزل الشاعر العملاق / اسماعيل حسن في حي السجانة بالخرطوم وهناك وجدنا الفنان / الكبير ، محمد وردي ( يرحمه الله ) 0000 فعرفني الموسيقار  عربي باسماعيل حسن ووردي بانني فنان صاعد وقد اجازة الاذاعة السودانية صوتي  وطلب عربي من اسماعيل حسن اذا كان لديه قصيدة يهديها لعثمان مصطفى  وهنا التفت الراحل / اسماعيل حسن الى وردي قائلا بلهجته الشايقية :

يا محمد عثمان انت القصيدة بتاعة { والله مشتاقين } كملت لحنها ؟ فاجاب وردي : نعم كملتها فقال له الشاعر الراحل : طيب ماتديها للجنى ده  ولم يتردد وردي فقال : ماعندي مانع  فاخذ وردي العود وغناها امامنا ، فاعجبني اللحن كثير ا ...

بمجرد ماخرجنا انا وعربي من بيت اسماعيل حسن التفت الى قائلا : اسمع يازول الحلفاوي ده ماعندو امان ، امشى بسرعة سجل اللاغنية في الاذاعة وبالفعل بعد ان حفظت قصيدة اسماعيل حسن وتدربت على لحن وردي جيدا توجهت الى الاذاعة التى لم تتوان في اجازة الاغنية كلماتا ولحنا ونم الاتفاق على في اليوم التالي لاجراء البروفات النهائية وتسجيل الاغنية وذهبت مع عربي الى استديوهات الاذاعة وبدأنا في اجراء البروفات ولكن فجأة دخل علينا محمد وردي هائجا وغاضبا فصاح وردي يصوت عال : انت ماصدقت طوالى تجي تسجل ومانكلمنى .. دا كلام دا ....

وبعد ان قام عربي بتهدأة وردي جلس وطلب سماع اللحن ولكن وردي باذنه الموسيقية المرهفة وملكاته العالية في التلحين قام فورا بتبديل اكثر من فقرة وكوبليه وامام دهشت الجميع ، ادخل وردي في فترة وجيزة اصلاحات جوهرية على اللحن / مما جعلته اكثر ابداعا فخرجنا جميعا بعد اجراء التسجيل النهائي مبسوطين

وكان عربي يذكرني دوما بهذه الحادثة الطريفة لوردي في الاذاعة

والتى ساهمت في اخراج { والله مشتاقين } بكل هذه الروعة والجمال   ومنذ ذلك الوقت اصبحت انا ووردي صديقين حميمين ...

أعتقد جازما أن التعاون بين الفنانين الشباب في ذاك الزمان والفنانين الكبار فيه كثير من المحبة والإخاء وكل يسهم في دعم الآخر فنياً  بجانب كثير الورش الفنية التي تناقش العمل قبل تسجيله وتقديمه للمستمع الكريم  ... بلاهي شوف الروح الفنية الجميلة في ما قاله الرائع الفنان عثمان مصطفي (فخرجنا جميعا بعد اجراء التسجيل النهائي مبسوطين) ليت جيل اليوم من الفنانين يستوعب ما حدث ليواصل منظمومة الفن السوداني الجميل في ذاك العصر من أجل الوصول إلى إبداع أجمل بكل هذه الروعة والجمال...

تصور كيف كان حال الفن والفنانين وجمهور الذواقة في ذاك الزمن الجميل من المشاركة والمجاملة وتقديم الوصلات الغنائية وربما الحفلات العامة أو الخاصة أو القومية أو الوطنية بدون أجر مادي ... ليت كل فنانين السودان يتسمون بهذه الروح الجميلة التي تسمو فوق الماديات ... ليت وليت !!!

هذه وقفات نستشف فيها كثير من اللوحات الفنية التي تسمو بالفن الجميل في زمن قله فيه الإبداع والمبدعين ... إلى أن يحين اللقاء مع مبدع وزمن لكم مودتي احبتي ...