من تولى كِبَرْ.. مسلسل عُمَرْ؟!

من تولى كِبَرْ.. مسلسل عُمَرْ؟!

دندنة شامية

المتطاولون على القرآن العظيم، المسيؤون لنبوة النبي عليه الصلاة والسلام، والمؤلهون لآل بيته وذريته، والحاقدون على العرب وعلى المسلمين، يتعثر سعيهم وتسقط غاياتهم. وما عداوتهم لما صدر عن النبوة، ولآل البيت وللصحابة، وللتابعين من بعدهم إلى يومنا هذا، وما تربصهم بأهل الإسلام جميعاً، إلا سعياً مكشوفاً متعثراً، وغاية ضائعة ليسوا بالغيها.

في أيامنا، امتدت أيدي الصفويين المجوس إلى الدراما العربية فأُنتجت مسلسلات تتشفى بالصحابة، قاهري المجوس، ومسقطي عرش كسرى، ومطفئي نار المجوس، كان آخرها مسلسل عمر. وإن من تولى كبر مسلسل عمر ليس المجوس وحدهم، بل الجهة المنتجة المشاركة لهم وكل من نفذ مآربهم.

بلغ من مكر المجوس العبث بسير الخلفاء الراشدين وقيمهم العليا وتطبيقاتهم شرعة الإسلام نصاً وفهماً وما أنجزوه من خير في حياة الأمة والأمم الأخرى. ولكنه عبث مفضوح أحمق، فالحقيقة أثبتها القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وعلومهما، وكل ما تلاه من علم التاريخ ووقائعه. فلا يحتاج معها المسلم وغير المسلم إلى رؤيةٍ شخصيةٍ ذاتيةٍ لكاتبٍ، خاصةٍ بمخيلته، أراد تعميمها. هذا إذا افترضنا براعة الكاتب في “السيناريو والحوار”، وأمانته العلمية .أما البراعة والإبداع البشري فليست الأفضل، وأما الأخرى فخيانته لله ورلسوله ووللخلفاء الراشدين وللمسلمين.

عندما يمهر المنتج عمله بأسماء عدد من العلماء اطلعوا على النص فهذا لا يعطي النص براءة ذمة. وما كتابة أسماء العلماء إلا للتدليس على ما ارتكب في المسلسل من محرمات شرعية في عملية الإخراج.

الضبط اللغوي سرعان ما تفلت ووقعت أخطاء لغوية فاحشة كثيرة لم يسلم في المسلسل منها أحد. (أورد في نهاية البحث بعض الأمثلة عن هذه الأخطاء.)

إلا أن المسألة ليست في تدقيق ما كتب في النص، إنما المسألة فيما لم يكتب من أحداث هامة، وتغييب شخصيات هامة، بينما توسع النص بقصة حبشي و قصة سجاح وأبي جندل وأخوه عبد الله، وغيرهم على حساب هذه الأحداث و الشخصيات! ومن هنا يأتي بحثي هذا.

1- بعض الشخصيات الهامة التي غيبها مسلسل عمر:

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:  كاتب الوحي، وخال المؤمنين، ومؤسس الدولة الأموية، والذي أسلم عام الحديبية وهو في الثامنة عشرة قبل أبويه، وله حضور ناشط في عهد الرسالة وبعدها. بينما ظهر بالمسلسل كل أفراد عائلته بتوسع: أمه هند وأبوه أبو سفيان وأخوه يزيد، ولم يظهر معاوية معهم في أي مشهد مع أنه أفضلهم وأهمهم، ولا حتى في معركة اليرموك التي شارك فيها حيث نرى بالمسلسل كل أفراد أسرته إلا هو! بينما رأينا مشاهد مفتعلة وحوارات لا ندري صحتها بين هند وأبي سفيان ليس لها أي داعٍ. علماً أن معاوية شهد حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا له: “اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به” وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد استكتب معاوية لكتابة الوحي بوحي من الله وعلي في المجلس، وكان قد أوصى أبا بكرٍ وعمر بمعاوية وأمرهما: “أحضروه أمركم وأشهدوه أمركم فإنه قوي أمين“. فأين معاوية في مجلس عمر؟!. لم يذكر المسلسل أن عمر بن الخطاب أوصى فقال: “لا تذكروا معاوية إلا بخير”. ولا أنه ولى معاوية على الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ولا أن معاوية استأذن عمر في غزو الروم في البحر فلم يأذن له خوفاً على المسلمين. ولم يغزهم معاوية إلا في عهد عثمان في معركة قيسارية التي فتح بها قبرص.

وإن كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد وضع أسس دولة الإسلام فإنه لم يُقِمْ هذه الدولة من بعده إلا معاوية رضي الله عنه. فلماذا هذا التغييب المتعمد لشخصية إسلامية عظيمة كان لها دور وأي دور في عهد الرسالة وما بعده؟!

وإن كان المسلسل قد حاول أن يظهر أن لا عداوة بين أبي بكر وعمر من جهة وبين علي من جهة أخرى كما يفتري أعداء الإسلام عليهم، فأين التوضيح الأهم وهو أن لا عداوة بين علي ومعاوية؟! إذ أن الفتنة التي يثيرها الصفويون المجوس وافتراءهم على بني أمية عامة هي الأخطر في عصرنا، وذلك عندما يذبحون أهل السنة، خاصة في العراق سوريا، ويحرضون على ذلك ويسمونهم أحفاد بني أمية “النواصب”! لماذا لم يظهر المسلسل علي ومعاوية في مشهد معاً متحابين في الله ومتآخيين في مجلس عمر كسائر الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً؟! فإن تنازعا في وقت لاحق، فإن أحدهما لم ينكر فضل الآخر، وظل لا يذكر إلا بخير.

أما أبو هريرة فلم طوال المسلسل ثم يأتي بآخره (في الحلقة 29) بمظهر بشع ومشهد مسيء له، ومحل لزجر عمر! ومعروفٌ كره الصفويين لأبي هريرة.

هل عرف المشاهد أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج حفصة بنت عمر؟! لم يذكر المسلسل ذلك، ولا القصة كلها عندما مات زوج حفصة عنها، وأراد عمر تزويجها لأبي بكر فرفض لأنه يعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يتزوجها.

حروب عمر وشخصيات غائبة:

توسع المسلسل في سرد أحداث حروب الردة وهي في عهد أبي بكر، على حساب تسليط الضوء على معارك عمر  نفسه (القادسية واليرموك). وقد أظهر وكأن العرب كلهم ارتدوا! وأسهب في سرد قصة مسيلمة الكذاب وسجاح، وطليحة بن خويلد وزوجته، على حساب أبطال المسلمين وشخصيات كان لها قصص مع عمر بن الخطاب.

فبطل القادسية أبو محجن الثقفي لم يذكر أبداً مع أن قصته معروفة عندما حبسه سعد لشربه الخمر، فأطلقته زوجته مع فرس سعد شريطة أن يقاتل ويعود إلى الحبس، فقاتل وكان كل من يراه يتعجب من قتاله. وكذلك لم نرَ في المسلسل عمرو بن معد يكرب الزيدي إطلاقاً مع أنه لم يتخلف عن معركة مع المسلمين قط. شهد الردة في عهد أبي بكر، وشهد الجسر، واليرموك، والقادسية، وفتح نهاوند، في عهد عمر. وفي القادسية سأل سعد بن أبي وقاص المدد من عمر، فأرسل له عمرو بن معه يكرب وطليحة بن خويلد وكتب له “إني أمددتك بألفي رجل”. وكان له فيها شأن عظيم، وبأسٌ وقوة، حرض المسلمين على القتال وحمل على رستم قائد الفرس في نفر من المسلمين فقتلوه وافتخر بأنه قاتله، فأنشد: والقادسيةُ حين زاحمَ رستمٌ.. كنَّا الحماةَ بهنَّ كالأشطانِ. بينما لا نرى كل ذلك في المسلسل، بل ظهر رستم في آخر المعركة مختبئاً خلف الستائر، ولم نره كيف قُتل ولا أن عمرو هو من قتله! لم يذكر المسلسل كذلك قول عمر بن الخطاب: “الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروا”، ولا فتح نهاوند الذي عندما استعصى على المسلمين أرسل عمر إلى النعمان بن مقرن قائد الجيش أن استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو وشاورهما في الحرب. فقال له: ما عندك يا عمرو؟ قال: أروني كبشَ القوم فأعتنقه حتى يموت أو أموت. فقاتلَ عمرو أشد القتال حتى كثُرت عليهِ جراحه واستشهد، وفتحَ الله نهاوند.

2- أهم الأحداث في سيرة عمر التي غيبها المسلسل:

لم يذكر المسلسل حديث النبي عليه الصلاة والسلام “ما سلك عمر فجاً الا سلك الشيطان فجاً غير فجه“!

وكذلك لم يأتِ على ذكر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، عن أبي هريرة قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا” قال أبو هريرة فبكى عمر بن الخطاب ثم قال “أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار!”

تأييد القرآن الكريم لعمر:

زوَّر المسلسل سيرة عمر بن الخطاب عندما أخفى أهم ما يميز عمر ويجعل له هذه المكانة عند المسلمين وهو تأييد القرآن الكريم له في عدة مواضع، يقال إنها على الأكثر إثنا عشر موضعاً وعلى الأقل ثلاثة منها مؤكدة، لم يذكر المسلسل أياً منها على الإطلاق! أذكر منها:

1.    أسرى بدر، رأى أبو بكر أن يعيشوا ويعلموا المسلمين الكتابة، ورأى عمر أن يُقتلوا، فأخذ عليه الصلاة والسلام برأي أبي بكر. في اليوم التالي وجدهما عمر يبكيان، والسبب عتاب الله لنبيه: “ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض” (الأنفال 67) مؤيداً رأي عمر.

2.    حجة الوداع، قال عمر للنبي عليه الصلاة والسلام: أفلا نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت الآية: “واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى” (البقرة 125)

3.    قول عمر للنبي عليه الصلاة والسلام: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر. أفلا تأمر نساءك بالحجاب؟ فنزلت آية الحجاب لكل المسلمات ”  ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما” (الأحزاب 59)

4.    عتابه لأمهات المؤمنين ومنهن ابنته حفصة عند مطالبتهن بالنفقة، فنزلت الآية بكلام عمر بالحرف: “عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن” (التحريم 5)

5.    عندما نزلت سورة الواقعة “والسابقون السابقون أولئك المقربون، ثلة من الأولين وقليلٌ من الآخرين” بكى عمر فقال النبي ما يبكيك؟ فقال عمر: وقليلٌ من الآخرين! (يعني نحن أبناء هذا العصر)، فنزلت آيات أصحاب اليمين “ثلة من الأولين وثلة من الأخرين”.

6.    استاء عمر من دخول الأولاد والخدم بأوقات غير مناسبة عليه فقال: وددت أن الله عز وجل نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن. ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد آيات الاستئذان قد نزلت فسجد شكراً لله “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (النور 58)

عمر ومقاصد القرآن:

كان من عبقرية عمر استنباط الأحكام من القرآن الكريم بما يرضي الله عز وجل وينفع الناس:

1.    عندما قرأ: “يا داوود إنا جعلناك خليفة بالأرض فاحكم بين الناس بالحق” فكر كيف يفعل ذلك والمسلمون يكثرون؟ فأمر بإنشاء سجلات للمواليد ليصرف لكل منهم ما يستحقه. وأمر بإنشاء سجلات للجنود والجيش (المعارك التي شاركوا فيها وصفاتهم…الخ).

2.    وعندما قرأ “وزنوا بالقسطاس المستقيم” أنشأ سجلات لصادرات الدولة ووارداتها، فهو أول من أنشأ موازنة للدولة.

3.    ومن قوله تعالى “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” اخترع فكرة الوقف كي يسهل على الناس أن تنفق مما تحب. فكان مثلاً أن يوقف المرء أرضه، أي محصوله لمدة عامين مع احتفاظه بملكية الأرض. وبهذا يكون قد أنشأ وزارة للأوقاف مما يزيد من موارد الدولة.

4.    واستنبط من قوله عز وجل: “وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”، سبل محاربة الفساد، فأنشأ هيئة لرقابة الكسب غير المشروع وعين عليها محمد بن مسلمة، مهمته مراقبة العاملين في الدولة.  وأنشأ كذلك صندوق الشكاوى في الحج.

5.    ومن قوله تعالى “فلا تذروها كالمعلقة” أصدر أمراً بمنع أي رجل من الغياب عن زوجته أكثر من أربعة أشهر في حروب الجهاد في سبيل الله. تم ذكر قرار عمر هذا في المسلسل بناء على شعرٍ سمعه من امرأة تشكو شوقها لزوجها، وليس بناء على الآية الكريمة.

وقد نجد أن المسلسل قد ذكر إنشاء عمر لسجلات الجنود والمواليد ولكن دون الإشارة لعلاقة القرآن الكريم بقراراته هذه، فلماذا أراد المسلسل إبعاد عمر رضي الله عنه عن القرآن الكريم هكذا؟!

 حوار أُحُد:

كان من أعظم الحوارات في التاريخ الإسلامي وشارك فيه عمر، فكيف يغفله المسلسل كاملاً؟! يأتي الحوار بعد أن هُزم المسلمون في معركة أحد وصعدوا الجبل ليحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشرف  أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه. قال : أفي القوم ابن أبي قُحافةَ؟ فقال: لا تجيبوه. قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتِلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبتَ يا عدوَّ الله ، أبْقَى الله لك ما يُحزنك. قال أبو سفيان  أُعْلُ هُبَل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه!  قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجَلُّ. قال أبو سفيان: لنا العُزَّى، ولا عُزّى لكم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه! قالوا: ما نقول؟ قال : قولوا: الله مولانا ولا مولَى لكم! قال أبو سفيان : يوم بيومِ بدر، والحربُ سِجال، وتجدون مُثْلة لم آمُرْ بها ولم تَسُؤْني. فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار .

 فتح القدس:

جاء مشهد فتح القدس في المسلسل مقسوماً في حلقتين، اختصر في الأولى بخمس دقائق في آخر الحلقة، ونحوها في بداية التي تليها، بينما كان يجب أن تخصص لفتح القدس حلقة كاملة لعظم هذا الحدث وأهميته وقوة أحداثه. غيب المسلسل أحداثاً هامة في فتح القدس، الذي يعتبر من أهم إنجازات عمر:

 حجب الكاتب حضور عمر لبيت المقدس وحيداً هو وغلامه على بعير كانا يتناوبان عليه طوال الرحلة من المدينة المنورة إلى بيت المقدس، ولم يذكر دخوله القدس والفتى على البعير فقد كان دوره في الركوب، وأن عمر لم يرض أن يركب نزولاً عند رغبة الغلام كي يرى الناس عمر راكباً. ولا أن بطريارك القدس كان وافق على الصلح شريطة مجيء أمير المؤمنين عمر وألا يدخل القدس أحد قبله، لأنه مذكور في كتابهم فيرى عمر ويتأكد أنه هو وعلامته عدد الرقع في ثوبه.

ولم يذكر المسلسل كذلك أن المسلمين الذين كانوا يحاصرون بيت المقدس لما رأوا عمر، كبَّروا وهللوا، ولا أن الجبل الذي كبَّر عنده عمر بن الخطاب سمي “جبل المكبر”. ولا أنه دخلها ممزق الأسمال عليه ملابس متواضعة بل أظهره بملابس جديدة، ولا أنه مر بمخاضة من طين ولا أن الغلام حاول مرة أخرى أن يجعل عمر يركب كيلا تتبلل ثيابه بالطين، فأبى عمر، وحمل نعليه وأخذ بزمام البعير والغلام عليه، وخاض بالطين.

ولا أن الناس نظرت متعجبة لهذا المظهر، ولا أن أبا عبيدة رأى ذلك، فاستعجل وقال: “يا أمير المؤمنين، قد صنعتَ اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض، فهل لك أن….”، فضربه عمر في صدره مؤنباً وقال: “أما لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! لقد كنا قوماً أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، وكنا ضعافاً، فقوانا الله.” و “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”. لم يأتِ المسلسل على ذكر عبارة عمر بن الخطاب العظيمة هذه، وهي من أعظم ما قال إن لم تكن الأعظم على الإطلاق. ولم نرَ أبا عبيدة في مشهد فتح القدس أبداً مع أنَّه قائد جيوش المسلمين وكان له هذا الحوار مع عمر!

وأيضاً لم يذكر المسلسل أن  البطريارك لما رأى هذا المنظر هاله وأرعبه، وعظم شأن الإسلام في نظره، وقال لقومه: “إن أحداً في الدنيا لا يستطيع الوقوف في وجه هؤلاء القوم، فسلموا لهم تنجوا”. ثم كُتبَت العهدة العمرية بينهم. وأعطاهم عمر رضي الله عنه الأمان في القدس، وأمن عبادتهم وكنائسهم ومقدساتهم بأنها لا تُهدم ولا تُمس.  ولكان أفضل وأعدل لو أن المسلسل نوه ولو على لسان أحد سكان القدس عند فتحها إلى أن القدس ما عرفت فاتحاً أرحم لها في التاريخ من عمر والمسلمين. فقد كان كل فاتح من قبل يغزو القدس، يهدمها كاملة ويقتل أهلها.

نرى في المسلسل أن البطريارك طلب من عمر أن يصلي في كنيسة القيامة وأن عمر أبى كيلا يأخذها المسلمون فيما بعد، ولكنه لم يذكر أنه خرج منها ورمى بحجر، وصلى عند مرمى الحجر، فأقيم في ذلك المكان المسجد العمري! يدخل عمر المسجد الأقصى المبارك في المسلسل ويبدأ بتنظيفه ويقلده المسلمون، ولكن المسلسل يظهر أن عمرو بن العاص هو الذي أذن فيه الأذان الأول، بينما الحقيقة أن بلال بن رباح هو أول من رفع الأذان في الأقصى وقد كان امتنع عن الأذان منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام! بل إننا لا نرى بلال بن رباح في مشهد فتح القدس أبداً! ولم نرَ في المسلسل أن عمر أخذ عباءته وافترشها للصلاة وتركها هناك، ولا أنه أمر ببناء المسجد الأقصى، فبني من خشب يتسع لثلاثة آلاف مصلٍ.

3- من أخطاء المسلسل:

العلماء المدققون دققوا النص قبل إخراجه، وأية مكيدةٍ وقعوا فيها!

§         في مشهد إسلام عمر، لم يأتِ المسلسل بأن أخته فاطمة طلبت منه أن يغتسل قبل أن يمسك صحيفة القرآن ويقرأها! وذلك في الحلقة الثامنة. وكان المشهد غير مؤثر.

§         أساء المسلسل للخليفة عمر رضي الله عنه، فأظهره وهو يحدق بالنساء طوال حديثه معهن، و كذلك مصافحة امرأة له (في الحلقة 29)! كيف وقد عُرف بشدة غيرته على نساء المسلمين وحرماتهنَّ!

§         نرى عمر بن الخطاب في الحلقة السابعة عشرة وقد شاب وهرم وبدأ يحمل عكازا يتوكأ عليه في مشيه وهو ما بلغ الخمسين بعد!

§         ظهور علي رضي الله عنه بمظهر الصور التي يرسمها الصفويون المجوس له تماماً. أما شخصيته في المسلسل فثقيلة الظل، سمجة، كأن لا عمل له. وقد ركزت الكاميرا مرة على عينيه فظهرتا ملء الشاشة وكأننا في مسابقة للجمال!

§         وكذلك ظهر عثمان بن عفان رضي الله عنه، ليس لديه أي عمل، وكأنه “كومبارس”، ولم يعرف المشاهد عنه شيئاً، ولا حتى المعلومات الهامة كتجهيزه جيش العسرة ومصاهرته النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.

§         الممثل الذي لعب دور حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لم يكن مناسباً لهذا الدور، فبدا شخصية هزيلة من همل الناس. فرق كبير بينه وبين عبد الله غيث الذي لعب دور حمزة في فيلم الرسالة. أما مشهد إسلام حمزة فهو لا يقارن مع ذات المشهد من فلم الرسالة عندما صفع حمزة “عبد الله غيث” أبا جهل وقام له “ردها علي إن استطعت!”

§         أظهر المسلسل أبا سفيان وكأنه أسلم من أجل التجارة والمصلحة فقط، فهو تاجر لا يهمه إلا تجارته وهو يريد أن يكون مع الفريق الرابح! و في الحلقة 18، يحرض أبو سفيان علياً على أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين عند توليه الخلافة، فيرد عليه علي: “والله إن فيك جاهلية!” فما صحة هذا التحريض من أبي سفيان وهذا الرد من علي؟!

§         الممثلة المصرية التي لعبت دور عاتكة زوجة عمر لا تحسن العربية وخاصة لفظ حرف القاف، وتطغى لهجتها المحلية على نطقها.

§         تطاول المسلسل على نساء النبي عندما أظهر خيال وجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بما يظهر ملامح وجهها.

§         أخرج العمل شوارب الرجال بلا استثناء، تطول حتى تتصل من أطرافها بلحاهم، حتى إن “أبا هريرة” يطول شاربه فيغطي شفته السفلى! شأنهم في ذلك شأن شوارب ولحى الصفويين المجوس. عجباً! هل وصل إلينا الحديث الصحيح “حفوا الشوارب وأطلقوا اللحى”، ولم يصل للصحابة رضوان الله عليهم حتى ظهروا جميعاً بهذا المنظر المنكر؟!

§         سماع الموسيقى أثناء أداء المسلمين العمرة والطواف حول الكعبة! وذلك في الحلقة الخامسة عشرة.

§         الشخصيات غير المتمكنة من الأداء (ذات الحنك المرخي)، حتى أن خالد بن الوليد في رسائله يؤدي وكأنه تلميذ في مدرسة! وذلك في الحلقة الواحدة والعشرين.

§         ثم من قال إن خالد بن الوليد كان يحلق شعره كاملاً؟!

§         إن فكرة “تتر” شارة المسلسل مأخوذة من شارة المسلسل الأمريكي

">Games of thrones“. فهلا من ابتكار بدلاً من التقليد؟!

§         يكاد يخلو المسلسل من المشاهد الإبداعية في الإخراج، اللهم إلا مشاهد القتال وخاصة المتعلقة بخالد بن الوليد ومشهد قتل زيد بن الخطاب وغيره. ويخلو المسلسل تماماً من أي مشهد مؤثر.

 4- بعض الأخطاء اللغوية وغيرها حسب الحلقات:

كان واضحاً أن أصوات بعض الممثلين ليست لهم، وأن منها ما تم تسجيله في استديو ثم إضافته للمشهد. وإن أبرز خطأ هنا عندما يكون المشهد خارجياً بينما صوت الممثل تم تسجيله داخلياً ، فيأتي، مثلاً، صوت عمر في المشاهد الخارجية مكتوماً منخفضاً.

ومن أخطاء النطق ترقيق معظم الشخصيات لحرف الراء في مواضع الترقيق والتفخيم على السواء، وخاصة شخصية “أبي بكر”.

في الحلقة الأولى: يبدأ المسلسل بمشهد الحج، ومعظم الحجيج من العجائز! كان من الواضح أن صلعة عمر مصطنعة، وأنه شاب يمثل دور شيخ مسن، وذلك لأن المكياج اقتصر على وجهه فأظهره هرماً، دون جلد جسمه الذي بدا عليه الشباب. يقول النصراني من بني غسان: “أن تحسدُنا”، بدلاً من “أن تحسدَنا”.  كان واضحاً أن صوت الطفل علي ليس له.

في الحلقة الثانية: دار حديث سخيف وسمج لشبان قريش! فإن كانوا مشركين هذا لا يعني أنهم سخفاء أو أغبياء، خاصة أن جميعهم قد أسلم لاحقاً.

في الحلقة الثالثة: يقول زيد بن الخطاب “أُغبط” بضم الهمزة بدلاً من “أَغبط” بفتحها. ويقول عمر ” العِداوة” بكسر العين، بدلاً من “العَداوة” بفتحها.

في الحلقة الرابعة: يقول أبو حذيفة “يا أهلاً وسهلاً.. يا مرحباً” هل هذه لغة عهد الرسالة؟! أبو لهب يقول “عرِفته” بدلاً من “عرَفته” بفتح الراء. نرى عبد الله بن سهيل يخاطب أباه وقد أدار له ظهره، وهذا ليس من احترام الأب في شيء! ومشهد آخر من حوار سخيف لأبناء قريش الشبان.

في الحلقة السابعة: يقول زيد بن الخطاب “إني أَعيذك يا عمر” بفتح الهمزة، بدلاً من “أُعيذك” بضمها. يقول عمر “ويلَك” بفتح اللام، بدلاً من “ويلُك” بضمها، فهي في محل رفع لأنها مبتدأ. ويقول أبو جهل “بَيْعاً” بفتح الباء وتسكين الياء، بدلاً من “بِيَعاً” بكسر الباء وفتح الياء، وهي دور العبادة. ويقول عتبة “أن يقتلُه” بضم اللام، بدلاً من “أن يقتُلَه” بفتح اللام.

في الحلقة الثامنة: وردت العبارة التالية على لسان أحد الشخصيات: “كأنك تسأل عن قريشٍ ومحمدٌ وأصحابه” بدلاً من “محمدٍ”.

في الحلقة العاشرة: يقول أبو بكر “إنك مؤِّيد يا عمر” بدلاً من “مؤَّيد” بفتح الهمزة، فهو اسم مفعول وليس اسم فاعل! وتقول هند مودعة أبيها “صحبتك السلامة يا شيبةُ بن ربيعة” بدلاً من “شيبةَ” فالمنادى منصوب. ويقول عتبة “أكفَّاء كرام” بتشديد الفاء، وهي جميع كفيف أي أعمى، بدلاً من “أكفاء كرام” دون تشديد، وهي جمع كفء.

في الحلقة الثانية عشرة: جاء في حوار فداء سهيل بن عمرو مع ابنه أبي جندل عبارة “انحازوا إلى محمداً” بدلاً من “محمدٍ”. وأيضاً “لم يعد سيدُه” بضم الدال، بدلاً من “سيدَه” بفتحها. وجاء على لسان الممثل الذي يلعب دور صفوان بن أمية ذي اللغة الضعيفة : “فُراق” بدلاً من “فِراق”، وخَوْر بدلاً من خَوَر، “شِسع” نعله بدلاً من “شَسع”.

في الحلقة الرابعة عشرة: يقول علي “ومن جاء قريشٍ” بدلاً من “قريشاً”. ويقول أيضاً “السيوف بالقُرْب” بتسكين الراء، بدلاً من “بالقُرَب” بفتحها، وهي  أغماد السيوف.

في الحلقة السابعة عشرة: يقول خالد بن الوليد “أبي المغيرة” بدلاً من “أبي الوليد”. ويقول بلال “رأيتكَ أحقُّ” بضم القاف، بدلاً من “رأيتك أحقَّ” بفتحها. في الأذان لا نسمع إدغاماً في “أشهد أن محمداً رسول الله” بين التنوين في “محمداً” وبين حرف الراء في “رسول”.

في الحلقة الثامنة عشرة: يقول علي لأبي بكر: “أبسط يدك أبايعُك” بضم العين، بدلاً من “أبسط يدك أبايعْك” بتسكينها فهي مجزومة لأنها جواب الطلب. كما وردت عبارة “ارتد العرب” وكأن كلهم ارتدوا، والحقيقة أن بعضهم ارتد فقط.

في الحلقة التاسعة عشرة: تخطئ صاحبة سجاح عدة أخطاء لغوية منها قولها “تسجُع” بضم الجيم بدلاً من “تسجَع”.

في الحلقة العشرين: أين مقولة زيد بن الخطاب: “والله لا أتفوه بكلمة إلا أن ينصرنا الله أو أهلك” قبل أن يستشهد في معركة اليمامة مع المرتدين؟ وأين مقولة أبي حذيفة “يا أهل القرآن، زينوا القرآن بأعمالكم” في المعركة نفسها قبل استشهاده؟! وأين مقوله مولاه سالم “بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلِي” وحمله الراية بيمناه ثم بيسراه بعد أن قطعت يمناه، ثم استشهادة بجوار صاحبه أبي حذيفة؟!

في الحلقة الواحدة والعشرين: جاء على لسان أحد الشخصيات اسم الصحابي “عمرو بن معد يكرب” فقال “كرب” بدلاً من “يكرب”! وفي معركة اليرموك يصيح أبو عبيدة بالآية الكريمة: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ولكنه يخطئ بها فيقول “انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”!

في الحلقة الرابعة والعشرين: كان من الواضح أن أصوات الأطفال في الحلقة ليست لهم بل هي أصوات نساء، وهذا خطأ فادح عندما لا يتحدث الطفل بلسانه وصوته هو. ليس هناك دليلٌ أن المرأة التي قال فيها عمر : “أصابت امرأة وأخطأ عمر” هي الشفاء بنت عبد الله المحتسبة بالسوق.

في الحلقة الثامنة والعشرين: يقول الرسول من القادسية لعمر “هزم الله المشركين”، بدلاً من أن يقول “هزم الله الفرس المجوس”، فالفرس لم يكونوا مؤمنين بالله أصلاً حتى يشركوا به، بل مجوساً يعبدون النار. فلماذا هذا التحرج من ذكر اسم الفرس المجوس؟!

كان مشهد إلباس ملابس كسرى لسراقة هزلياً سخيفاً وبدا فيها سراقة كأنه “كراكوز”! مع أن سراقة من فرسان قريش. وكان الأحرى أن يكون المشهد جاداً  وذا هيبة فهذه نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق.

في الحلقة الثلاثين: تقول إحدى الشخصيات “سلَّم جيشُه” بدلاً من “سلَّم جيشَه”. ويقول القبطي الذي ضربه ابن عمرو “سبق فرسي” بدلاً من “سبقت فرسي”.

وهذا بعضٌ من كثير..

وهكذا فقد أدى “مسلسل عمر” دوره وهو يحاول جاهداً ليس مسخ شخصية الفاروق عمر فحسب، بل في محاولة مسخ مرحلة الخلافة الراشدة كلها.