أضواء على تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي ( 3 )

أضواء على تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي ( 3 )

بدر محمد بدر

[email protected]

في مقدمة مسرحيته "جميل بثينة" تساءل المؤلف عبد الرحمن البنا: "لماذا نستجدي من الغرب قصصه وحوادثه، فنذكر روميو وجولييت، ونحتفي بغادة الكاميليا، ولا نعود إلى شرقنا، فنقتبس النور من إشراق سمائه، ونعرف الحب من طهارة أبنائه؟!"، ثم يقول "هذا جميل، وهذه بثينة، بطلا قصة حب شغلا عصرهما والأجيال بعدهما.. إنه يستنطق الصخر ويستبكي الحمام، وإنها تستصرخ العدالة وتطوع قلبها على الآلام.."، ثم يعود إلى القيمة الخلقية التي تحملها هذه القصة، وتفرد المجتمع العربي بقيمة الحب العذري، الذي لا يتنافى مع القيم الإسلامية فيقول: "الجو فاتن لا يفتتنان.. والشباب جارف لا ينزلقان.. لأن لهما قلبين ثمنهما العروبة ونشأهما الإسلام..".

ومن الممثلين الذين شاركوا في أداء أول مسرحية يكتبها المؤلف الجديد عبد الرحمن البنا: جورج أبيض وأحمد علام وعباس فارس وحسن البارودي وفتوح نشاطي ومحمود المليجي، ومن العناصر النسائية: عزيزة أمير وفاطمة رشدي، وهي بالطبع أسماء لا تزال لامعة في تاريخ الفن المسرحي والسينمائي المصري.

إذن كانت رؤية عبد الرحمن البنا واضحة منذ البداية في أن التعرض للأعمال الفنية العاطفية ليس حراما أو مرفوضا لذاته، ولكن الأمر يتوقف على المدخل المناسب للموضوع، النقطة الثانية أنه دخل إلى ميدان الاحتراف مباشرة، وقدم أولى مسرحياته إلى المختصين وليس الهواة في هذا المجال، النقطة الثالثة أن العنصر النسائي كان موجودا في أعماله منذ البداية، باعتباره جزءا طبيعيا من المجتمع البشري، وجزءا أصيلا من حركة الحياة لا يجوز تجاهله أو استبعاده، ولكن يعمل وفق ضوابط شرعية وأخلاقية، ومن الطرائف التي رواها عبد الرحمن البنا في إحدى مقالاته أنه وجد حرجا من ثياب الفنانة عزيزة أمير، حيث كانت ترتدي فستانا بكم طويل، لكنه واسع بدرجة تجعل ذراعيها تظهران أثناء الحركة، وحين لفت انتباهها لم تجد حرجا في أن تربط الكم بخيط لتضيقه نزولا على رغبة المؤلف!.

ومن بين الأسباب التي ألهبت حماس البنا للتأليف المسرحي غيرته على دينه، فقد ذكر في أحد مقالاته أنه: "غار جدا حين قرأ في مجلة الصباح الأسبوعية، أن فرقة أوروبية عرضت عملا فنيا على مسرح دار الأوبرا المصرية، تناولت ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بما ينقص من قدره الشريف، فحاول كتابة مسرحية ردا على هذه الفرية، وإمعانا في التحدي أراد لهذه المسرحية، أن تمثل على نفس خشبة هذا المسرح".

تعامل عبد الرحمن البنا مع الفن المسرحي بوصفه وسيلة شديدة الأهمية من وسائل الدعوة إلى الله، والدفاع عن القيم الأساسية للمجتمع العربي والإسلامي، مثلها مثل المسجد والمدرسة والجامعة، فاستعد لإجادته وإتقانه، وسعى في تأسيس "فرقة الإخوان المسلمين المسرحية"، ونجح في ذلك بالفعل في الثلاثينيات، وقامت الفرقة بتمثيل ثماني مسرحيات ألفها البنا منها: مسرحية "أبطال المنصورية" وهي نثرية ركز فيها على حال الفاطميين في المغرب، ومدى قوتهم وتطلعهم إلى دخول مصر، والمنصورية هي إحدى مدن تونس.

ثم مسرحية "المعز لدين الله الفاطمي" وهي تاريخية من فصل واحد، تتحدث عن دخول المعز لدين الله مصر، ثم مسرحية "بنت الإخشيد" التي انتهى من كتابتها في عام 1939 بمناسبة مرور ألف عام هجري على إنشاء القاهرة وبناء الجامع الأزهر، وهي مسرحية نثرية من ثلاثة فصول، وقد ملأها المؤلف بالحديث عن القيم الإسلامية، ودعا إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية، وحذر من استغلال الخلافات المذهبية في إضعاف شوكة الأمة وتفريق كلمتها، والحديث موصول بإذن الله تعالى.