الدراما التليفزيونية في قفص الاتهام

الدراما التليفزيونية في قفص الاتهام!

في البحث عن قيمة الحرية... كشرط إبداعي

د. حمزة رستناوي*

[email protected]

ما ينقص الحوار / السجال الصراعي الدائر عموما حول الدراما التليفزيونية و عرض مسلسلات تتعرّض لقضايا إشكالية مثل مسلسل "ما ملكت إيمانكم" للمخرج السوري نجدت أنزور حاليا وغيرها , هو التأكيد على قيمة الحرية باعتبارها شرطا ً للحياة , و باعثا ً لأي تنمية بشرية مُستدامة.

فالسجال حول الدراما التليفزيونية يجب أن لا يطعن في مشروعية المسلسل التلفيزيوني و حقه في الوجود , و يجب ألا يكفر أو يخون القائمين عليه, و يجب ألا يحرّض أو يدعو لمقاطعته و ووقف بثه أو توزيعه , و الخطاب الذي يدعو لذلك هو خطاب إكراه يريد أن يلزم الناس بما لا يلزمهم بداهة و برهانا , يصادر قيمة الحرية كشرط إنساني , و يصادر حرية الآخرين " المشاهدين" و ينصّب من نفسه وكيلا للقيم أو الدين و مستوليا مهيمنا عليه دون وجه حق.

فلأي كان الحق أن يعبّر عن وجهة نظره سلبا أو إيجابا حول العمل"حرية الرأي و التعبير" و لكن من دون الاعتراض على مشروعية وجود العمل بحد ذاته.

و هذا الأمر ينعكس سلبا باتجاهات متعددة:

 أولاً: الحد من إمكانية تشكل رأي عام متوازن حول الموضوع

 ثانيا ً: ترسيخ ثقافة المنع و الرقابة و الوصاية كمبدأ عام و ناظم.

ثالثا ً : حرمان الدراما التليفزيونية من مواكبة نقدية تساهم في تطويرها و اغناء تجربتها.

رابعا ً: التهاون و التساهل في هذا الأمر من قبل السياسيين و المثقفين و الفاعلين الاجتماعيين , أمام هجمات المحرضين على المنع وقمع الدراما , سيؤدي لتسطح و انخفاض السوية الفنية للأعمال الدرامية المُقدّمة , و استقالتها عن دورها النقدي الهام و ما ينفع الناس و يحفّزهم على الاستبصار بمشاكلهم .

*

ما نجني ثماره حاليا هو تصاعد هيمنة الرقابة الخارجية الرسمية و المجتمعية ,

 و الرقابة الذاتية المسبقة على الدراما التليفزيونية و كأمثلة فقط .

" لقد توقفت قناة mbcعن عرض مسلسل " الطريق إلى كابل" الذي كتبه الأردني جمال أبو حمدان وأخرجه محمد عزيزية بعد تعرضها لتهديدات إرهابية منذ سنوات - قامت الفضائية السورية بإيقاف بث بعض اللوحات من مسلسل بقعة ضوء بعد هجمة احتجاج من أوساط متدينة بشأنها- وقف بث مسلسل "السيِّد المسيح" للمخرج الإيراني نادر طالب زاده في رمضان الحالي الذي تعرضه محطّتا الـ"NBN" و"المنار" عقب اعتراضات من الكنيسة المارونية و تدخل شخصيات سياسية لبنانية.- إجازة نص السيناريو من قبل هيئة شرعية كما في مسلسل "القعقاع بن عمرو التميمي" للمخرج المثنى صبح حيث أشرفت لجنه شرعيه على المسلسل تتكون من 6 أشخاص منهم الشيخ القرضاوي والشيخ سلمان العودة..الخ

*

و كأمثلة على ذهنية التحريم و الاعتراض على مشرعيه وجود أعمال درامية , و ليس الاختلاف حولها سأثبت مثالين راهنين :

المثال الأول: لمحمد سعيد رمضان البوطي/ عن كلنا شركاء

 الدكتور البوطي يحذر من مغبة بث مسلسل “وما ملكت أيمانكم

 حيث ورد في بيان منسوب له:

 "أما سورية فقد تبرأت إلى الله منه ومن الاعتراف به، ومن بثه .. وأما الإخوة القائمون على المحطات الفضائية التي تبث في محيطنا الإسلامي، فإن سبيل صرف هذه المصيبة المرعبة عنا، أو إنزالها بلاءً ماحقاً علينا، رهن بموقفهم من هذا المسلسل الإجرامي المهلك.

إنني أناشدهم الخوف من مقت الله، والرحمة بإخوان هم عباد الله، أن لا يتورطوا في بث شيء من هذا المسلسل." انتهى الاقتباس

التعليق:

- السيد البوطي يقدّم نفسه كمتحدّث رسمي باسم سورية

- المسلسل"ما ملكت إيمانكم " هو جريمة مهلكة.

- المسلسل يستوجب الغضب و البلاء و اللعنة الإلهية علينا , و إيقاف بثه سيجنبنا هذا البلاء الماحق.

- الدعوة لوقف بث هذا المسلسل و للتأكيد يستخدم تعبير:"بث شيء من هذا المسلسل".

* و مما يسجّل كنقطة ايجابية للفضائية السورية و future استمرارهما في بث مسلسل "ما ملكت إيمانكم " في بث هذا المسلسل وسط اعتراضات و اتهامات متنامية.

 المثال الثاني: لنضال نعيسة

أوقفوا عرض مسلسل القعقاع بن عمرو التميمي/ عن الحوار المتمدن

حيث ورد في مقالته:

"إن مسلسل القعقاع بن عمرو التميمي، وغيره من المسلسلات البدوية و الفنتازيات التاريخية التي تسرد قصص وسيرة حياة السفاحين والزناة البدو الكبار وتجمل القتلة، تعتبر هدية من السماء لكل الإرهابيين التواقين لتبرير أفعالهم الشنيعة باسم الله، وما هي إلا تعبير عن ثقافة مشوهة، وعقول مأزومة ونفوس مريضة تنمي الإرهاب وتجمله وتساعد على ولادة ملايين النسخ من القعقاع والقتلة الكبار، وما أسامة ابن لادن وغيره من رموز القتل والإرهاب، إلا نتيجة حتمية ومنطقية لهذه الثقافة"

و ينهي المقال:

أوقفوا عرض مسلسل القعقاع في هذا الشهر "الفضيل"، رأفة بأطفالنا وعقولهم، وتجنيبهم رؤية القتل والدماء، وحاسبوا كل من يقف وراء إنتاج هذه الأعمال ويشارك فيها، ويدعم تنمية وازدهار نزعات التطرف والموت والإرهاب، أو على الأقل أن يثبت في بدايته بأنه مسلسل رعب وقتل وسفك دماء وإرهاب وفيه مناظر مروعة، لذا ينصح بعدم مشاهدته لليافعة والصغار، وهذا أضعف الإيمان.، يا أولي الألباب." انتهى الاقتباس

التعليق:

- اعتراض على مشروعية اختيار شخصية تاريخية- معروفة على نطاق واسع - كموضوع لمسلسل تلفيزيوني.

- محاكمة – مشفوعة بأحكام قيمة منحازة - بالطريق الراجع للتاريخ الإسلامي:

 "سفاحين- زناة – بدو- إرهابيين –ثقافة مشوهة –نفوس مريضة".

- و لو فرضنا جدلا أننا أم شخصيات عنيفة ارتكبت تجاوزات من وجهة نظر أخلاقية, فهذا لا يطعن في مشروعية صلاحيتها كمادة سيناريو لدراما تلفيزيونيه , و مشروعية صلاحها هي مشروعية كونها شخصيات وجُدت حقيقة على مسرح التاريخ و الحياة, شخصيات من لحم و دم مركّبة بل هي تصلح أكثر من غيرها للحبكة الدرامية, و قياسا على ذلك لا تصلح شخصيات نابليون و صدام حسين و هولاكو و هتلر كمادة لعمل درامي من وجهة نظر الكاتب ؟!

- الدعوة لوقف بث المسلسل, و محاسبة " كل من يقف وراء إنتاج هذه الأعمال ويشارك فيها" فهل المحاسبة بتغريمهم ماديا أو محاكمتهم أو توبيخهم أو منعهم عن التمثيل ؟!

- المطالبة بتنبيه المشاهدين إلى أن المسلسل يحتوي على مشاهد عنيفة- و أنه خاص بالبالغين - كشارة في بداية بثه , هو ما أوافق الكاتب نضال نعيسة فيه و هو أحد حقوق المشاهد.

 و للمفارقة فقد هُوجِمَ مسلسل "القعقاع بن عمرو التميمي" من قبل إسلاميين و أصوليين , من جهة أنه يجسد شخصية الصحابي أبو بكر الصديق "كصورة جسد و صوت من دون إظهار الوجه" و وصفوا القائمين عليه بالمروق و الكفر؟!!.

               

* شاعر وكاتب سوري