إكليل الغار

الجمهور الأردني .. وعذاب العرض الممل 

د. كمال يونس

[email protected]

نشرت جريدة الدستور الأردنية يوم 27 / 11 / 2007 ، ضمن متابعتها لمهرجان المسرح الأردني في دورته الرابعة عشر بعمان ،  مقالا بعنوان جمهور إكليل الغار يستحق أوسكار الصبر لتحمله العرض ، أعادنا العرض المصري إكليل الغار الذي أعده ومثله وأخرجه شادي سرور و تأليف أسامة نور الدين للمسرح الكلاسيكي أيام يوسف وهبي و زكى طليمات وبدايات المسرح في مصر ، وقد أدى طول مدة العرض ساعتان وربع  الساعة إلى خروج عدد كبير من الجمهور بمجرد أن أتيحت لهم الفرصة التي أرادها المخرج ( استراحة مابين الشوطين ) ، فكان ذلك بمثابة طوق النجاة لمن أصابهم الملل والسأم وبخاصة العائلات التي حضرت ربما طمعا في مشاهدة نجوم من مصر ، لكن ذلك لم يمنع غيرهم من متابعة العرض ، الذي تدور أحداثه المتخيلة في مدينة أونو الخيالية ، حيث الصراع على الحكم وإكليل الغار، بين الكاهن من جهة  والطامعين في إكليل الغار.(...) كل ذلك يتم في المعبد ، وفى ظل طقوس كهنوتية تذكرنا بمسرحية الملك لير مع الفارق في كل شئ ، وظهر في أداء الممثلين الشكل التليفزيوني ،الذي يذكرنا بالمسلسلات التاريخية و الرمضانية من حيث المبالغة والانفعال المصطنع ، واستعطاف الجمهور للتصفيق أحيانا ، كذلك لا حظنا وقوع بعض الممثلين في أخطاء نحوية ، والخلط بين اللغة العربية الفصحى والعامية المصرية ، فتاهت الكلمات ، كان أداء الفنان خليل مرسى  مقنعا في الجزء الثاني ، وفاترا في الجزء الأول منه ( قبل الاستراحة ، حيث سرّع الممثلون في أدائهم ، ربما بعدما شعروا أن الجمهور أصابه الملل في الجزء الأول ، ولهذا كان الجزء الأخير أقوى وأهم ، وظهرت الفكرة المتمثلة بطغيان الحاكم الجديد ، والذي يبطش بأخيه وكل من حوله ، وهو الذي  طالما كان يدافع عن الفقراء والبسطاء ، وكان أجمل ما في المسرحية الحوار بين الحاكم والسكير محمد جمعة ، ولعل المؤلف والمخرج أرادا إدانة المرأة (الأم ) في نهاية العرض ، حيث انتهت الأحداث بتنصيب الأم باندا حاكمة للمدينة ضاربة عرض الحائط  قتل أبنائها ، وخسة الكاهن هارمن الذي كان يسعى للنيل من جسدها ، ملقيا وراء ظهره بحكمته وأقواله عن النجوم خلف ظهره .

ونشرت جريدة العرب اليوم الأردنية  بتاريخ 27/11/2007  مقالا  لشيرين القطاونة بعنوان إكليل الغار تناصف بين المسرح والدراما المشهد التلفزيوني جعل زمن المسرحية ثقيلا،ونصه كالتالي: عرضت مسرحية ''إكليل الغار'' والتي قدمها البيت الفني في مسرح الطليعة المصري وهي من تأليف أسامة نور الدين وإعداد وإخراج شادي سرور, وتناول مسألة مفهوم (القطيع) في الحياة الإنسانية, والذي تنتجه بنية العلاقات الاجتماعية الاستبدادية, بحيث تشكل أغلبية المجتمع (الصامتة) مجاميع مهمشة لا رأي لها, بفعل القمع الذي تتعرض له من السلطتين السياسية والدينية, وتحسب له هذه المجاميع ألف حساب, في حال حاولت طرح رأيها في معيشها ومعاشها, لذلك تلوذ بالصمت والسكينة, على أن تقع تحت وطأة ثقل هاتين السلطتين العاتيتين. وتتحدث حكاية المسرحية السطحية, عن مدينة تدعى (أونو) في مكان وزمان غير محددين, يهيمن على حياتها القهر والبطش والعسف في أبنائها من قبل السلطة الدينية ويمثلها الكاهن الأكبر (هارمن) في معبد هذه المدينة وحكامها المتعاقبين, بحيث لا يصل الحاكم إلى منصبه, إلا بعد مسابقات ومبارزات دموية, تسفك فيها الدماء, ولا يستطيع أن يعلن الكاهن الأكبر عن فوز الحاكم الجديد إلا بعد أن يقوم الأخير بأكل لسان الحاكم السابق, وقتل كل من كان لهم نية في الوصول إلى الحكم؟!, بحسب حكاية هذه المسرحية ، وعلى الرغم من أحداث النص الصادمة التي تحدث نوعا من الحالات النفسية السلبية لدى المتلقي, وجماليات السينوغرافيا من ديكور ونحت لمحمد سعد, وتصميم الأزياء لفايزة نوار, والإضاءة لعمرو سامي, وحسن التأليف الموسيقي د. طارق مهران, وتصميم التعبير الحركي, إلا أن مساراتها الكثيرة, وعدد الممثلين الكبير نسبة إلى مساحة المسرح, وطبيعة المقترحات الإخراجية التي ملأت المكان المسرحي بالمفردات الديكورية الكبيرة, وعدم اختزال الأحداث, أساسا, وتنفيذ المشاهد بأسلوب المشهد التلفزيوني جعل زمن المسرحية الذي جاء في ساعتين وربع الساعة, ثقيلا طويلا على المتلقي.

ولا يختلف الرأي المنشور في جريدة الدستور وجريدة العرب اليوم الأردنية عن مقالي النقدي إكليل الغار تراجيديا قاتمة على مسرح الطليعة بتاريخ 1/ 5 / 2007 ،حيث ورد في مقالي ما نصه : العرض ذو  قالب ضبابي عبثي دموي مدته 140 دقيقة؟!!، مقتبس من التراجيديات العالمية ، حيث بدا وكأنه فيلم هندي، ومن كل تراجيديا مشهد ، هاملت وعطيل ومكبث واليكترا ، في صياغة خالية من التماس والهم الإنساني، والبعد الدرامي المؤثر، مع قصاقيص لعبارات فخمة رنانة ( وعلى كل لون يا تراجيديا ) ،وضاعت كلمة العرض ، وانحصر في صراع دموي  محموم  ، وتنازلات وتضحيات واهية من أجل الفوز بالحكم أو إكليل الغار،( 000)ومسرحية إكليل الغار تظهر بجلاء تأثر الكاتب الشديد بالمسرح الكلاسيكي العالمي (شكسبير والدراما اليونانية القد يمة والملاحم والأساطير) فبدا العرض كأنه مجتزأ منها جميعا ، ( 000)  وفى وسط زخم الأحداث تكتنف الرؤية الضبابية ويضيع الهدف،كان لزاما أن تختصر  60 دقيقة  من مدة العرض ، خاصة في تكرار الحوار الخاص بطريقة تولى الحكم ، ومشاعر سويدة بالأسى تجاه حبيبها مرة في داره ، ومرة في بيتها بالمقابر ، والفلاش باك لمشهد مقتل سيجور عقب مقتله مباشرة ، وحذف شخصية الأخ فلم تكن بالمؤثرة في الأحداث ، والمط  في مشهد مقتل الحاكم ،وافتتاحية العرض الطويلة جدا ،ومشهد مقتل الخصوم، لذا كان يجب استشارة دراماتورج ( مستشار أدبي  وفني متخصص)  حتى يتلافى العرض تلك العيوب. 

وفى حوار أجريته مع الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا بتاريخ 5 / 9 / 2007 بعد  إعلان نتائج مهرجان القومي الثاني للمسرح المصري والذي حصدت فيه مسرحية إكليل الغار بعض الجوائز دون وجه حق من وجهة نظر نقاد كثيرين آثروا الصمت بغية السلامة ، أو يأسهم من تغيير الأوضاع ، كان  رده على سؤال:

ـ هل تستحق مسرحية إكليل الغار جائزة أفضل عرض مسرحي ؟ ، بقوله : الذي أنقذ هذه المسرحية من السقوط ، هو عنصر التمثيل ، وعنصر الإخراج ، الذي نجح في تقديم صورة مسرحية مقبولة ، ولكن النص ، فيه مشاكل كثيرة جدا ، وهو من نصوص المسابقات ، أي النصوص الفائزة في المسابقات ، ,أنا أشك كثيرا في جودة تلك النصوص ، ومدي قدرة أصحابها علي أن يقدموا نصوصا جيدة ، هو خليط غير متجانس من مجموعة نصوص أخري لكتاب أجانب ، حتى الأسماء التي استعان بها أسماء أجنبية ، وطبيعة الصراع ، أقرب إلي صراع الدراما الإغريقية ، وكذلك البناء ، هناك تهافت في بناء الشخصية المسرحية ، برغم أن النص من النصوص الكلاسيكية - من ناحية البناء ،بناء تقليدي - يتطلب من الكاتب قدرا من الوعي بطبيعة بناء الشخصية المسرحية دراميا ، وبطريقة معالجة الموضوع كذلك ، كل هذه الأشياء غابت عن ذلك النص ، ولذلك اندهش لحصوله علي جائزة مناصفة مع نص آخر ، وهو (ولد وبنت وحاجات ) ، لأنه هو الآخر نص من تلك النصوص التي تحاول أن تخدعك بأن ثمة موضوع يُطرح ، وبأن ثمة شخصيات تراها ، لكنك بعد قليل من التأمل تتعرف علي تلك الخدعة ، وتنصرف عن العرض ، نصوص مازالت - من الوجهة الفنية - مجرد مشروعات للكتابة ، أي أنها ليست نصوصا مكتملة ، من الناحية الفنية ، حصولها علي جوائز ، هو نوع من التكريس للانحياز للنص المتهافت ، والضعيف ،لكي يكون نموذجا فريدا ووحيدا أمام المخرجين الذين لا يقرأ ون ، وأمام جهات الإنتاج ، التي تسير وراء الجاهز .                             

وعن رأيه في تشكيل لجان التحكيم سألته ـ في برنامج بإذاعة صوت العرب أعرضت عن التنبؤ بالعروض الفائزة نظرا لعدم ثقتك في قرارات لجان التحكيم والتي وصفتها بالمجاملة فإلى أدى مدى تحققت وجهة نظرك خاصة بعد إعلان النتائج ؟ ، فكان رده :

لا أثق في قرارات لجنة التحكيم لأسباب ، لا تتعلق بنزاهتها ، أو عدم نزاهتها ، بل تتعلق بطريقة تشكيلها ، اللجنة تم تشكليها من عشرة أعضاء ، لا اعرف لماذا ، في حين أنه ينبغي أن يكون العدد فرديا وليس زوجيا ، بالإضافة إلي أن كثرة عدد أعضائها يتيح الفرصة أمام الاختلاف ، والاختلاف دائما فيه فائدة للجهة التي يكون أعضاء اللجان علي وفاق ومصلحة معها ، رئيس البيت الفني للمسرح يحضر الجلسة الختامية ، لعمل هذه اللجنة ، في حين أنه لا ينبغي أن يحضر ،بوصفه صاحب مصلحة ، معظم أعضاء اللجنة من المتعاملين مع البيت الفني للمسرح ، أما مخرجين ، أو كتابا ، أو  ممثلين ، قليل هم الأعضاء الذين يخرجون عن هذا الوصف  وأعني بهم النقاد ،مجرد عضوين أو ثلاثة لا تأثير لهم وسط عشرة أعضاء ، كل هذه الملاحظات - التي تبدو شكلية - هي التي جعلتني ، وتجعلني ، غير مطمئن لعمل هذه اللجنة ، ولذلك فان التكهن بالنتائج ، لا يكون تكهنا واقعيا ، في ظل ذلك التحفظ ،ولذلك تلاحظ أن أكثر من 75 % من الجوائز ذهبت إلي عروض البيت الفني ، والباقي ذهب إلي الهواة ، برغم أن المهرجان - كما ذكرت لك - هو مهرجان الشباب ، وبدونهم ، ما كان له أن يُقام ، تلك هي المفارقة ، أن تستخدمهم لتحصل أنت علي الجوائز ، تلك هي الكارثة ، والسؤال هو لماذا ؟؟ وعليك أن تضع بنفسك الإجابة ، فهي إجابة سهلة جدا جدا !!    .

وكذلك أتفق رأى الناقد عبد الغنى داود في الحوار بتاريخ 25 / 7 / 2007على نفس الرؤية النقدية للعرض في رده على سؤالي ::ـ ما  تقييمك للمهرجان القومي الثاني للمسرح المصري من منطلق متابعتك للعروض والنتائج ؟ ، فكان رده : الإيجابية التي تجلت في بروز فكرة إقامة مهرجان قومي للمسرح ، ولكن السلبيات تتجسد في طبيعة الكيان البيروقراطي الذي يدير ويهيمن على مقدرات الحركة المسرحية في مصر ، فهناك انقسام بين لجان صياغة لائحة المهرجان ، وبين لجان المشاهدة التي تختار العروض المشاركة في فعاليات المهرجان أو على هامشه، وبين لجان التحكيم التي قد تكون متنافرة أو متسقة ، إذ أن معيار اختيارها إنما هو حسب الأمزجة والأهواء الشخصية ، والضغوط من أعلى والمحسوبيات.

وأجاب على سؤالي : وهل حققت الجوائز الهدف من المهرجان نحو الاتجاه للارتقاء  بفن المسرح ؟ بقوله : أنا أرى أن عرض إكليل الغار على سبيل المثال لمؤلفه أسامة نور الدين الذي لم أتشرف بمعرفته من قبل إنما هو نوع من التمرين على الكتابة المسرحية ، وهو في جوهره تشكيلة من مسرحيات غربية مختلفة مثل كاليجولا  لألبير كامى ،والتراث المسرحي الإغريقي ، والشكسبيريات ، وهو نص لا يحمل خطابا واضحا بل يحمل في طيا ته استعراض  لقدرات كاتبه على الصياغة المسرحية ، بما لا يمس الواقع المصري أو العالمي ، ولا يتناول قضية ملحة على الساحة المصرية أو العالمية ، بل ناقش قضايا بيزنطية جوفاء ، مليئة بالعنف والقتل والانتحار والذبح وكأننا في موكب الذبائح.

 ومع اتفاق الرؤية النقدية يبقى سؤال ما هي معايير منح الجوائز؟ ، بل ما هي معايير وضوابط تشكيل لجان التحكيم التي اقتصر تكوينها على أفراد بعينهم أصبحوا مثار سخط لدى المهتمين بالمسرح خاصة ؟ وبعيدا عن الاتهامات لمصلحة من ؟!!!! ، حقا تستطيع أن تخدع بعض الناس لكل الوقت ، ولكن لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت ، ولذا أرى أنه يجب على من رشح تلك المسرحية لتمثيل المسرح المصري قد أخطأ في حق الفن المسرحي وعليه الاعتذار على الأقل للجمهور الأردني .