شوكولا.. لؤلوة فنية سورية

شوكولا.. لؤلوة فنية سورية

د. كمال يونس

[email protected]

ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي  في دورته 19 بالقاهرة، استحوذ عرض المسرح القومي السوري شوكولا اهتمام الجمهور والنقاد وشهد كثافة من الحضور الجماهيري ، امتلأت بها مقاعد مسرح السلام بالقاهرة ، والعرض تأليف وإخراج رغدا شعراني ، وقام بالإعداد الدراماتورج موسى أسود ،  وهو يحكى عن ستة من الشباب يحتفلون برأس السنة يجمعهم العمل في الفن ، يروى كل منهم منفردا ما كابده ويتألم منه في لحظة مكاشفة فردية وثنائية وجماعية ، لتكشف هموم هؤلاء الشباب في الحياة على مستويات متعددة، منهم من عاقر الأحزان إثر موت زوجته المحبوبة ، ومنهم من لجأ للإدمان والشذوذ ، ومنهم من يعانى الإحباط الشخصي ، وتنتهي المسرحية على صوت المخرجة شاكرة إياهم على حسن أدائهم ، إذ أنها كانت بروفة لعمل فني يجمعهم.

ولقد حفل العرض بعدة مظاهر فنية لها أبعادها ومدلولاتها الدرامية ، ومنها الاحتفاء بالكلمة على عكس ما تتسم به العروض التجريبية من  الإطاحة بالكلمة ، والاستعاضة  عنها بالرقص التعبيري مبرزة لغة الجسد ، ولكن هذا العرض ثريا في حواراته سواء على مستوى المنولوجات ( الحديث الذاتي الفردي ) ، أو الديالوجات ( الحوار الثنائي ) ، أو الجماعي الذي يدور بين ممثلي العرض ، حوار مركز استمد قيمته وروعته من تعبيره عن أدق الأحاسيس والمشاعر الكامنة في النفس ، كاشفة وموضحة لمعالم كل شخصية ، رابطة بينها ككل يجمعه هم المعاناة وإن تنوعت أشكاله في لحظة صدق نادرة الالتقاط.

الحرفية الواضحة في استخدام الإضاءة بدقة وحساسية وفهم واع للألوان ، وتنوع حجم الظلال ،خاصة في المنولوجات الفردية فالظل الكبير على يسار مقدمة المسرح ، والظل الصغير على يمينه ، في تباين يعكس معاناة وحجم معاناة الشخصية التي قد يستهين بها البعض ، وقد يتفاعل معها ويضخمها الآخر ، مع استخدام للظل المتساوي في الحوارات الثنائية التي توضح وتكشف معاناة الشخصيتين المتحاورتين ، مع تنوع الإضاءة شدة وخفوتا وألوانا ، مواكبة ودالة على حالات البهجة والحب والألم والأسى والحنين والضياع.

 كشف العرض عن تطور واضح في استخدام السينما ، وكاميرا الفيديو وعرضها على شاشة تمثل خلفية العرض المسرحي ، ما بين مشاعر اللحظة المباشرة والتوقف عند أهم انفعالات الشخصية ، وأيضا ذلك الحوار مع المادة المسجلة من ذكريات،  بل وتفاعل مابين الصورة والأداء المباشر للشخصية على المسرح في دقة وتزامن مبهر ، وبهذا استخدم الفيديو ليس للإبهار بل لضرورة درامية من نسيج العمل لفضح وكشف مكنون النفس وانفعالاتها الشخصية مع الذكريات بعيدا عن السرد الممل ، وقد اتضح سر الشاشة في خلفية المسرح كونها مرآة عاكسة للمشاعر والأحاسيس.

الموسيقى المصاحبة للعرض تم اختيارها بعناية ، عربية وغربية ، وكذلك الرقصات من الرقص الرومانسي (الحالم ) الغربي إلى الدبكة الصاخبة حسب الأحداث وفى سياقها الدرامي .

وحدات الديكور التقليدية غير موجودة في العرض مما أفسح خشبة المسرح، وجعلها ملعبا كبيرا أفسح المجال لفكرة العرض الأساسية أن تبرز من خلال الصدق والحرفية في تصوير الزمان والمكان والحدث ، مع إبراز الطاقات الفنية من أداء تمثيلي متقن لمجموعة ممثلي العرض المتمكنين من أدواتهم الفنية مروان أبو شاهين ، جابر جوخدار ، علاء الزعبى ، وليد عبود ، شادي مقرش ، كامل نجمة ، وفى اللقطات السينمائية ريم على ، ريم خطاب  ، وقد  تحقق لكل منهم إيقاعه الخاص به كممثل على حدة ،ومع باقي ممثلي العرض ككل ، مما يوضح نجاح مخرجة العرض في تحقيق إيقاع عام للعرض إذ أحكمت التحكم في جميع عناصر عرضها ، محدثة توافقا متفردا بين الأداء التمثيلي ، واستخدام الفيديو ، مع الموسيقى والإضاءة ، والمؤثرات السمعية والبصرية ، والفكرية بحسن اختيار النص والتعامل معه ، ودقة توظيف طاقات ممثلي العرض والمشاركين فيه.

ويلزم التنويه أن استخدام تقنية السينما والمسرح والمزج بينهما،  قام بها من قبل المخرج الكبير جلال الشرقاوى في مسرحية انقلاب بطولة نيللى وإيمان البحر درويش ، والأستاذ المخرج أحمد عبد الحليم في مسرحية جواز على ورقة طلاق ، وأيضا المخرج والممثل خالد الصاوى في عرضه اللعب في الدماغ.