رسالة مفتوحة

رسالة مفتوحة

إلى المنشد الكبير أبي راتب

المنشد أبو راتب

نجدت لاطـة

[email protected]

كنت قد أرسلت قبل سنتين رسالة مفتوحة مطولة إلى فقيه العصر الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله ، ونُشرت الرسالة على شكل مقال في مجلة المجتمع الكويتية ، وقد دعوت فيها الشيخ أن يسعى إلى إنشاء مؤسسة خاصة بالسينما الإسلامية بحيث تتكفل بإنتاج الأفلام والمسلسلات الإسلامية ، ويكون للفنانين التائبين دور كبير فيها . وسمعت أن الشيخ القرضاوي قال بأنه سعى لذلك ولكنه فشل بسبب عدم قناعة الإسلاميين وأثرياء المسلمين الملتزمين بأهمية السينما في العمل الإسلامي .

واليوم أرسل رسالة إلى شيخ آخر ولكنه ليس شيخاً فـي الفقه وإنما في الفن ، ومنزلته في الفن كمنزلة الشيخ يوسف القرضاوي في الفقه . وسأتخذ من أسلوب الرسائل المفتوحة كنموذج آخر للمقالات . وأنا أشعر أني سأقضي عمري أكتب الرسائل المفتوحة إلى أولي الأمر في العمل الإسلامي أنبههم إلى الثغرات الغافلين عنها ..

ما أشقى الإسلاميين في هذا العصر .. تجدهم يعطون أهمية بالغة لثغرة ما في العمل الإسلامي ، في حين يغفلون تماماً عن ثغرة أخرى لا تقل أهميتها عن الأولى .. تجدهم يجمعون عشرات الملايين للجهاد القتالي ، في حين يرفضون صرف فلس واحد للجهاد الإعلامي أو للجهاد الفني .. وبعد ذلك يتساءل البعض : لماذا لا ينصر الله الإسلاميين في هذا الزمن .. ؟

أعود إلى أبي راتب .. وبلاش فضايح ..    

أرسل الأستاذ أبو راتب إلي رسالة قبل شهر يشكرني على المقالات التي أضعها في منتداه ، وشكرني أيضاً علـى اللقب ( أبو النشيد الإسلامي ) وسأل الله تعالى أن يعينه على حمل تبعات هذا اللقب ، وذكر أن الظروف والأعمال تشغله عن متابعة المنتدى وحركة النشيد الإسلامي بشكل يرضى عنه .

فأنا منذ مدة أستفقد أبا راتب في حركة النشيد .. فهو ـ وبكل صراحة ـ غائب عنها ، وحجم حضوره في الإنشاد ليس كحجم اسمه . والإنشاد بحاجة كبيرة إليه .. لأن النشيد الإسلامي دخل في السنوات الأخيرة في منعطفات كبيرة جداً ، كان أبو راتب غائباً عنها ، وليس له فيها بصماته المعهودة .

       ولعل أبرز هذه المنعطفات هي :

       ـ استخدام الموسيقى .

       ـ إدخال موضوع الغزل .

       ـ استخدام الفيديو كليب .

وكل واحد من هذه المنعطفات تشكل مرحلة كبيرة من مراحل النشيد الإسلامي ، بل إن كل واحد منها أحدث ضجة كبيرة جعلت سهام النقد والتجريح تطيش وتنغرز في نفوس المنشدين الذين تناولوا هذه المنعطفات .

       ويبقى السؤال : لماذا غاب أبو راتب عن هذه المنعطفات ؟ أليس من حق النشيد عليه أن يوجد بشكل دائم فلا يغيب عنه ؟ أليس النشيد ثغرة مهمة في العمل الإسلامي الحالي ؟

       المعروف عن أبي راتب أنه يعيش في أمريكا منذ سنوات ، وهو من هناك يتابع ـ أي من بعيد ـ حركة الإنشاد ويصدر بين الحين والآخر شريطاً ، وأحياناً يحيي بعض الحفلات والمهرجانات في بعض الولايات الأمريكية ، وأحياناً أقل يحيي بعض المهرجانات في الدول العربية ..

       ولكن كيف سيفيد المنشد الكبير النشيد إذا كان يسكن في زاوية معزولة من الكرة الأرضية ؟ وهل التكنولوجيا الحديثة ستحل المشكلة ؟ لن تحلها على الإطلاق ، بل إن المنشد سامي يوسف شعر بأن وجوده في بريطانيا لن يساعده على أن يجد له مكاناً في النشيد الإسلامي ، مع أن بريطانيا قريبة نوعاً ما من الدول العربية ، لذا وجدنا سامي يوسف يتردد كثيراً على الدول العربية ، وبالفعل استطاع أن يثبت لنفسه حضوراً قوياً ورائعاً يغبطه عليه كثير من المنشدين .

       وأشبّه وجود أبي راتب في أمريكا مثل وجود فارس كبير في مؤخرة الجيش أو في زاوية منعزلة تماماً عن المعركة .. إذاً ما فائدة فروسيته ؟ أليس هو وأي جندي عادي سواء ؟

       والمتابع للنشيد يحسّ تماماً بغياب أبي راتب عن حركة الإنشاد ، فمثلاً لم يقدم شيئاً قي أناشيد الفيديو كليب ، وكما يعلم القارئ أن ظاهرة أناشيد الفيديو كليب كانت قد أحدثت ضجة كبيرة وخصوصاً بعض أناشيد الفيديو كليب التي انتُقدت من قبل الجمهور كأنشودتي ( الأمنيات لموسى مصطفى ) و ( محمد عليه الصلاة والسلام لأحمد الهاجري ) .

       فلو كان أبو راتب حاضراً بين هؤلاء المنشدين ، أو لو أصدر عدداً من أناشيد الفيديو الكليب كنموذج للفيديو كليب الإسلامي لكان أدعى لأن تخف هذه الانتقادات . لأن الجمهور يثق بالمنشد الذي له تاريخ طويل في الإنشاد فيرتاح من النواحية الشرعية والفنية لكل جديد يقدمه هذا المنشد .. أما حين يكون المنشد من المنشدين الشباب فالجمهور ينظر بحذر وتشكك لكل جديد يقدمه هؤلاء المنشدون الشباب ، وخصوصاً حين يتعلق هذا الجديد بالنواحي الشرعية كما حدث لمشهد الشاب الذي فتح صدره في أنشودة ( الأمنيات ) وكما حدث في أنشودة أحمد الهاجري الذي استخدم امرأة منمّصة الحاجبين ، فقد كاد الجمهور أن يخرج المنشدَين من الملة .

       فوجود كبار المنشدين القدامى ( كأبي راتب مثلاً ) يخفف هـذه الاحتجاجات ، بالإضافة إلى أن تناولهم لأي أسلوب جديد سيكون ضمن الأطر الشرعية وضمن النواحية الفنية العالية المستوى . لأني ـ وبكل صراحة ـ أنا لا أضمن أن نترك مستقبل النشيد بأيدي المنشدين الشباب ، لأن مزالق ومغريات النشيد كثيرة ، ولأن صرعات الفنون نراها تأخذ بألباب بعض المنشدين أحياناً .. فمن يكبح جماح هؤلاء المنشدين الشباب ؟ وهل ثقافة المنشدين الشباب ـ الشرعية والفنية ـ تؤهلهم للسير بالنشيد الإسلامي في كل الاتجاهات دون رقيب شرعي وفني ؟

       وهناك أمر مهم أيضاً وهو أننا سنشهد ـ خلال سنة أو سنتين إن شاء الله ـ ولادة قنوات فضائية إسلامية جديدة ، وسيكون من ضمنها قناة خاصة بالفنون الإسلامية ، وسيأخذ النشيد حيّزاً كبيراً منها .. بل لا أريد أن أذهب بعيداً .. نحن الآن نشهد ولادة مؤسسات فنية كثيرة تختص بكل ما هو إسلامي .. كإنتاج الفيديو كليب وأفلام الكرتون والبرامج الفنية والثقافية والترفيهية المختلفة .. فوجود أبي راتب وغيره من المنشدين الكبار سيكون له أهمية كبرى في إنجاح هذه القنوات والمؤسسات .

       وأنا في رسالتي المفتوحة هنا أناشد ليس فقط أبا راتب وإنما كل المنشدين الرواد أيضاً كأبي الجود وأبي مازن ومحمد أمين الترمذي ، وأناشد ـ أيضاً ـ المنشد العملاق أبا دجانة أن يخرج من عزلته وإنعزاله وأن يكون له دور في هذه التحولات في النشيد الإسلامي . لأن النشيد أمانة في أعناقهم .. وقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يؤتى الإسلام من قبل أحدنا .

       أسأل الله تعالى لهم ولنا الهداية ..