ظل تمدد يوماً ثم توارى....

رفضت لجنة الأصوات بالإذاعة إجازة صوت الفنان أحمد الجابري باعتبار أنه صوت لا يصلح للغناء، قرار اللجنة لم يتوقف عنده الجابري كثيراً، بل كان يحس في أعماق أعماقه أنهم ربما عدلوا عن رأيهم يوماً، فواصل النحت على الصخر دون يأس ، ذات مساء وأثناء مرور مدير عام الإذاعة أعضاء لجنة الأصوات، استمع لصوت الجابري وهو يغني أمامهم للمرة السابعة فخاطب أعضاء اللجنة منبهراً: ما أعذب هذا الصوت، وجد أعضاء اللجنة أنفسهم أمام مدير عام مغرم بصوت الجابري، فتمت إجازة صوته بامتياز.

٭ من عجائب الصدف أن ثلاثة من عمالقة التاريخ ولدوا في سنة واحدة وهي عام 1889م.. أولهم كان عباس محمود العقاد الذي نشأ عصامياً ولم يرتاد جامعة قط، حيث تمكن من صنع مجده الأدبي بنفسه، لدرجة أن أساتذة الجامعات كانوا يزورونه في منزله لحضورمنتدى الأربعاء ليجلسوا بين يديه طلاباً.. وثانيهم طه حسين، هذا العملاق الذي عاش كفيفاً ، كان يرى بنور بصيرته من العلم ما لا يراه المبصرون .. وثالثهم السفاح النازي هتلر، حيث أنه بالرغم من أفعاله الشيطانية المرعبة كاد أن يحكم العالم، لا شك أن عام 1889م شهد ميلاد الكثيرين من البشر ولكنهم ذهبوا دون أن يخلفوا من بعدهم تاريخاً يذكر.. أما هؤلاء الثلاثة فقد عاشوا عمالقة ثم ارتحلوا وهم عمالقة .

٭ قام عدد من طلاب إحدى الجامعات في المملكة العربية السعودية بزيارة أستاذهم السوداني المريض للاطمئنان على صحته ، فوجدوا أمامهم الشاعر الراحل صديق مدثر يستقبلهم على عتبة الباب ، فسألوا عن معلمهم فقال لهم بسخريته المعهودة إنه نسبة لسفر عائلته في إجازة دلف إلى المطبخ قبل لحظات ليعد لنا وجبة الغداء ، ثم نادى الشاعر الكبير على أستاذهم الجامعي ، الذي خرج عليهم من المطبخ ولسانه يلهج بالشكر لأبنائه الطلاب ، وفي الطريق أخذ كل طالب يقول للآخر : ما أعظم تواضع العلماء من السودانيين.

٭ أصدر الحاكم البريطاني لشمال السودان قرارا وجه فيه كل المواطنين أن يعملوا على غرس العشرات من أشجار (النيم) في جميع الشوارع ، وقال إنه علم أن هذه الأشجار لديها قدرة خاصة على إفراز مادة طاردة للبعوض ، وأضاف أن ذلك سيمنحهم الحصانة كاملة من البعوض الناقل للملاريا ،المواطنون في الشمال لم يترددوا في تنفيذ قرار الحاكم العام وقد تلاحظ بعد ذلك أن حمى الملاريا غادرت منازلهم وأخذت طريقها إلى مدن خارج خط الإستواء.

٭ يؤلمني كثيراً أن أرى فناناً تنكرت له الأضواء، يؤلمني أن أراه وقد استولت على وجهه التجاعيد فحولته إلى آهة كبيرة تتصدر الملامح تمر به أفواج الجماهير التي كانت تموت اشتياقاً إلى أغنية يقدمها دون أن تعيره التفاتاً كأنه لم يكن إلا ظلاً تمدد يوماً ثم توارى، ليس هناك ما هو أقسى على جواد طالما اقتنص البطولات أن يتعرض يوماً إلى كسر في الساق فيحكم عليه أن ينام وحيداً في زاوية من اسطبل مهجور.

هدية البستان

صدق أمس شفت الشمس

بضوي فى حفلة عرس

وطبعاً ده أصلو المستحيل

تطلع شمس والدنيا ليل

 

وسوم: العدد 681