الحليب الممزوج بالدم

عمران..... القصة المؤلمة في عصر فقدان الرحمة والإنسانية:

عمران...  رضيع لم يتجاوز عمره الأربعين يوما.

عمران فقد أسرته كلها ببرميل متفجر قادم من السماء. 

في تلك اللحظة أحضروه لنقطة الجراحة ليس لإصابته في جسده، بل لإصابته بفقدان كل شيء 

أمه وأبيه وبيته وحيه ولا مكان يذهبون به بعدما أخرجوه من تحت أنقاض بيته....

تحلقنا حوله جميعا ونحن نستمع الى صرخاته وبكائه والكل لايدري ماذا يفعل لوقف صراخه. 

وضعناه على اسرة الجرحى وجرحه اكبر من كل وطنهم 

تركنا عمران وبكائه وعدنا لنسعف الجرحى وكانوا بالعشرات.

في خضم العمل الإسعافي للجرحى واستقبال المصابين المتوافدين من تحت جدران بيوتهم المدمرة، ولكل قصته المرعبة عن تلك البراميل السوداء مثل سواد قلوب رماتها.... نسينا عمران ونسينا انفسنا ولم يوقظنا إلا صوته من بعيد يملأ القاعات بالبكاء وأخبرتنا الممرضة انه جائع ويحتاج إلى الحليب ... مالعمل؟!...

رباه من أين وكيف نحضرالحليب فيما نحن نتلقى من الجو حمما والأرض تشتعل نيرانا وقادة العالم ينتظرون طائرات البغي والإجرام لتستكمل مهمتها في قتل الابرياء !

بحثنا دون جدوى عن القليل من الحليب لكننا لم نفلح !!!!

جربنا أن نغذيه بالسيروم السكري عله يفيد بهذه الظروف 

لكنه رفضه

وضعنا السيروم برضاعة الحليب الفارغة فلم يرضعها واستمر بالبكاء 

أسقط في أيدينا ... وبين النقاش بأن نفتح له وريدا لتغذيته ريثما نؤمن له حليبا أو أن نركب له أنبوبا أنفيا معديا لتغذيته.

أخبرونا عن أسرة ثانية مصابة حضرت لتوها. ركضنا باتجاههم لإسعافهم ....

الأم فريال فقدت زوجها ورضيعها وابنها وكامل طرفها الايمن 

وخلال وقت قصير إستطعنا إيقاف نزيف طرفها الأيمن المبتور .

وعدنا لطفلنا عمران وبكاؤه يقطع قلوب كل من يسمعه.

خطرت ببال أحد الزملاء فكرة لم تسعفنا الدماء التي غطت اجساد المراجعين من أن نتذكرها 

فريال التي خسرت كل شيء مازالت قادرة على ان تقدم شيئا لهذا الرضيع 

نعم 

انه حليب ابنها الشهيد المحتقن في صدرها المدمى!!! 

وبلا تفكير دخلت الممرضات الى قاعة الاستشفاء المغلقة وقاموا بمسح الدماء عن صدرها الطاهر ووضعوا عمران بجنبها ... ياللفرحة

فما هي إلا لحظات حتى خبا صوته وهو يلتقم حليب الأم فريال، حينها ساد السكون كل أرجاء المستشفى.

لم نعد نسمع صوت البراميل ولا هدير الطائرات. لم نعد نسمع صرخات الأمهات والجرحى والمصابين.... لقد أنقذنا روحا من الموت جوعا، إنها فرحة حقيقية.

    الحليب الطاهر الذي اسكت الطفل اليتيم اقوى من كل قادة العالم وملوكه المجتمعين.

ليلتها أخبرتنا الممرضات أن الأم التي ما أفاقت من غيبوبتها ضمت الطفل بكلتا ذراعيها وسكنت الآمها بمجرد أن وضعوه على صدرها.

ذلك الحليب الذي خرج من بين تلك الجروح والدماء والركام انقذ عمران في حين فشل العالم بأسره من إنقاذه.

الآن أقف أمام عمران وقد ارتوى بذلك الحليب وأغمض عينه لينام ... أسالكم وأستحلفكم بكل ما هو مقدس في معتقداتكم 

لماذا يحصل هذا !!!؟ 

مالذي فعله عمران وفريال 

هل سرقوا من نفطكم 

هل نافسوكم على ثرواتكم 

لا تنقذوا الغوطة 

بل أنقذوا حضارتكم  وإنسانيتكم .

وسوم: العدد 763