من أنت يا رجل؟

حدّثني اللواء الركن خطّاب، فقال:

عدت إلى غرفتي، بعد يوم مرهق في دورة الأركان.. خلعت ملابسي، وتمددت على سريري لأستريح أو أنام.. تقلّبت على سريري، وكأنني أتقلب على شوك.. أحسستُ بضيق في صدري، وكأني أسمع هاتفًا يصيح بي:

-       قُم واخرج من غرفتك يا محمود.

هببتُ من سريري، وارتديت ملابسي بسرعة، وأنا أخاطب نفسي:

-       إلى أين أنت خارج في هذا البرد القارس يا محمود..؟

كانت حبّات المطر تتسارع في شدّتها، فما باليتُ بها، وأنا أسير على الرّصيف، بغير هدى، وإذا أنا ألمح شخصينِ شجيّين واقفين تحت المطر، فأسرعت إليهما، وإذا هما رجل وامرأته، سألتهُما:

-       لماذا تقفان هنا تحت المطر..؟ لماذا تحملان هذه المحفظة..؟ من أنتما..؟

ابتسم الرجل، وكان شيخًا جليلًا، وقال:

-       الحمد لله الذي ساقك إلينا أيها الرجل الطيب.

-       هل أنت مصري..؟

-       نعم.. أنا الشيخ حافظ، وهذه زوجتي.. باختصار: كنّا في ذاك الفندق، وسُرقت نقودنا، وطردونا من الفندق.

-       حملتُ المحفظة الكبيرة، وقلت لهما: الحقوني.

دخلت الفندق، وأعدتهما إلى غرفتهما، ودفعت للفندق ما طلب، وقلت له:

-       قدّم لهما ما يطلبان، وهذا عنواني، ووضعت في يد الشيخ بعض المال، وقلت له:

-       عندما تريد السفر، خبّرني، وسوف أمر بكم كل يوم.

بعد أربعة أيام، حملتُهما إلى المطار، والشيخ يرجوني أن أعرّفه باسمي.. بشخصي.. ببلدي، وأنا أقول له:

-       أنا أخوكم في الإسلام.

وألحّت زوجة الشيخ عليَّ أن يعرفا اسمي، حتى يرُدّا إليَّ معروفي، وأنا لا أزيد عن قولي:

-       أنا أخوكم في الإسلام.

***

بعد بضع سنين، سافرت إلى القاهرة، ودخلتُ أحد مساجدها من أجل الصلاة، وإذا شيخ يلقي درسًا على مجموعة من النّاس، وعندما رآني هبَّ واقفًا وصاح وهو يشير إليّ بلهجتهِ المصريّة الجميلة:

-       آ.. هوَّ دَه الرّاجل اللّي حكيتلكم عنّو.

ثمّ انطلق نحوي، ووراءه تلاميذه. وأنا لا أدري ما يجري، فقد نسيت سحنة الشيخ الذي رأيته وزوجته في لندن.

أمسك بي بقوّة وهو يصيح:

-       من أنت أيها الرجل الصالح..؟ من أنتَ أرجوك..؟

وسوم: العدد 797