الحطّاب

م. محمد ماهر مكناس

 " العمل هو الكنز الحقيقي "

كان يا ما كان في قديم الزمان

كان هناك رجل حطاب .. يستيقظ كل يوم مبكراً .. ويذهب إلى الغابة يحتطب حزمة من الحطب .. يحملها على ظهره .. ويذهب بها إلى السوق ليبيعها .. كان الحطّاب يعيش في بيت صغير متواضع قريباً من الغابة .. وكان يعيش وحيداً لا زوجة له ولا ولد .

ومن أين يكون له زوجة وولد ، وعمله لا يدر عليه إلا دريهمات لا تكاد تكفيه وحده .

وفي يوم من الأيام ذهب الخطاب إلى الغابة كعادته كل يوم ، فوجد في الغابة شجرة كبيرة يابسة .. وقف أمامها متفكراً وقال في نفسه : يجب أن أقطع هذه الشجرة الكبيرة .. بل يجب أن أقتلعها من جذورها .. فهي يابسة لا تثمر ولا تورق ولا فائدة منها في الغابة .

وما دامت هذه الشجرة يابسة لا ماء فيها ولا رطوبة .. فهي للحطب مرغوبة .. وبينما هو أمام الشجرة اليابسة .. خطرت له

فكرة .. أن يحفر حول الشجرة حتى يقتلعها من جذورها ، ثم يقطع أغصانها وجذورها ، ثم يستأجر حمالاً مع حماره ويربطها به ويسحبها إلى المدينة يبيعها لأحد النجارين ، كي يصنع منها بعض قطع الأثاث ، وهذا أفضل له وأكثر ربحاً ، وبالفعل أخذ الحطّاب يحفر حول الشجرة ، ويتعمق بالحفر حتى المساء ، ولكن الشجرة كانت قوية فلم تقع ، مضى إلى بيته وهو مرهق متعب واستيقظ في الصباح الباكر ، وذهب إلى الشجرة اليابسة الكبيرة وظل يحاول الحفر حول الشجرة ولكن دون جدوى ، فالجذور قوية جداً وعميقة جداً .. ولكنه أصر على متابعة الطريق الذي بدأه .

 وفي اليوم الثالث خرج إلى عمله مبكراً كعادته ، وأخذ يعمل بجد ونشاط ، وبينما هو يعمل ويحفر ، إذا بالفأس تصطدم بقطعة قوية من الحديد ، أخذ الحطّاب يضرب بشيئ من الحيطة والحذر وإذا به يتحسس وجود الحديد ، وإذا بها قطعة حديد ضخمة ، في وسطها حلقة كبيرة ، أمسك الحطّاب بالحلقة وأخذ يجرها ولكنها كانت ثقيلة ، ربطها بالحبل الذي كان معه وخرج من الحفرة وأخذ يشد الحبل بقوة حتى انزلقت هذه الكتلة من الحديد .. نظر الحطّاب بدهشة عندما وجد تحت كتلة الحديد سلماً يؤدي إلى غرفة مظلمة .. وقف مشدوهاً أمام هذا المنظر وفكر أن ينزل ليستجلي خبر هذه الغرفة ولكنه أوجس خيفة ، فالغرفة

عميقة سحيقة و الظلام فيها دامس مرعب .. وهو لا يدري ما بداخلها .. هل يوجد فيها انس أم جان .. هل يوجد فيها أشباح أم أرواح .. هل يوجد فيا أحياء أم أموات .. لقد كان قلبه يدق بسرعة كبيرة .. وقف لا يدري ما ذا يفعل .. ولكن حب الفضول دفعه للنزول ، فأشعل غصناً يابساً مع بعض أوراق الشجر اليابسة وضعها بدلو الماء الذي يحمله معه كل يوم ونزل إلى السلم يستضئ بهذه الشعلة .. لقد كان هذا السلم يؤدي إلى ممر طويل ثم إلى حجرة كبيرة مليئة بالزخارف والنقوش وفيها العديد من الصناديق المغلقة .. فتح واحداً منها وإذا به ملئ بالمجوهرات المختلفة من الذهب والفضة واللؤلؤ والألماس ، وغير ذلك من الأحجار الكريمة المختلفة التي تأخذ بالألباب .. فتح الصناديق الأخرى ليجد ما هو أبهى وأجمل .. وأراد أن يصرخ ولكن الدهشة عقدت لسانه أراد أن يضحك ولكن الفرحة ألجمت تعابير وجهه عن الإحساس أراد أن يتحرك ويخرج ولكن الخوف شل من قدرته على الحركة .

 وقف واجماً ساعة من الزمن حتى بدأت تنحل عقد الخوف والدهشة والهلع ، وأخذ يفكر كيف ينقل هذه الثروة العظيمة وكيف يستفيد منها ، فكر أن يحملها بنفسه على دفعات وينقلها إلى داره مرة بعد مرة ، ولكنه آثر الراحة على الكد والتعب بعد أن أصبح يملك ثروة طائلة تكفيه آلاف السنين ، لماذا يحمل إذن .. ولماذا يتعب إذن وهو الآن يملك ثروة تفوق ثروة الملوك والأمراء .. أخذ يتخيل نفسه آمراً ناهياً في ثياب فاخرة في مجلس فاره .. في بيت واسع مريح .. في فرش ورياش .. و أخذ يتمثل نفسه سيداً يأمر فيطاع .. حوله الخدم والحشم .. ينتظرون منه إشارة واحدة ليهرع كلٌ منهم إلى تلبية إشارته ..

أغرق الحطّاب بالخيال والتصورات حتى حزم أمره أن يحضر عدداً من الحمالين يحملون له كنزه .. ويوصلوه إلى بيته ويدفع لهم مقابل ذلك دريهمات قليلة من الذهب أو الفضة من الكنز الذي حصل عليه .

أعاد التراب فوق الحفرة وذهب مسرعاً إلى القرية المجاورة ، ليحضر عدداً من الحمالين .. قسم الكنز على صناديق صغيرة أخضرها معه من المدينة وحمل كل رجل صندوقاً منها ولما فرغ من تحميل جميع الصناديق ، وأبقى معه صندوقاً صغيراً يحتوي على أغلى وأنفس المجوهرات التي وجدها .. أمر الحمالين أن يصطفوا صفاً واحداً وساروا أمامه الواحد تلو الآخر ومشى وراءهم بشئ من التكبر والغرور والغبطة تغمره والفرحة تسيطر عليه والبشر يبدو على محياه .. وأخذ يفكر ماذا سيصنع في هذه الأموال الطائلة التي هبطت عليه من حيث لا يدري ، سيشتري قصراً جميلاً واسعاً يفرشه بأرقى المفروشات ، سيتزوج من امرأة ذات حسب وجمال ، فالأموال الطائلة التي يملكها الآن تخوله أن يتقدم لأي امرأة مهما علا حسبها وحسن جمالها ، ثم

سيخلِّف أولاداً كثيرين يملؤون عليه الدنيا بسعتها .. ولكن الكنز أكبر من هذه الأمور بكثير فماذا يفعل ببقية هذه الأموال ، إذاً سيفتح المتاجر الكبيرة ويضع فيها بعض الغلمان من أقاربه يبيعون ويشترون ويتاجرون مقابل مرتب شهري بسيط ، وهو بدوره يجمع الأموال من هنا وهناك .. وظل الحمال يفكر ويسرح في خياله حتى أخذته موجة من الخدر الشديد تبعها إحساس بالنوم والنعاس فجلس على صخرة في الطريق ونام ، ولكنه هب مذعوراً عندما تذكر الثروة والتي يحملها الحمالون ثم نظر حوله فلم يجد أحداً منهم .. لقد تفرق الحمالون في الغابة الكثيفة عندما شعروا أن صاحب الثروة ركن إلى النوم وعند منعطف الطريق أخذ الحطّاب يركض في كل اتجاه عله يعثر على أثر للحمالين أو أثر للثروة الضائعة أخذ يصيح بأعلى صوته ولكن ما من مجيب في هذه الغابة سوى الذئاب والكلاب المنتشرة هنا وهناك .. صاح بأعلى صوته .. أين أنتم أيها الحمالون الحقيرون .. أين أنتم يالصوص يا سارقين ، فلم يجبه أحد في هذه الغابة الخالية إلا صدى صوته يجيبه من بعيد .

عاد الحطّاب إلى الحجرة المظلمة وقد حمل معه صندوقه الذي أبقاه معه ونزل السلم ودخل الحجرة ، وأخذ يفتش في أركانها ، فما رأى إلا بعض القطع الذهبية والفضية والأحجار الكريمة المتناثرة هنا وهناك جمعها بكل دقة وحذر ووضعها في دلو الماء وحملها مع الصندوق المتبقي إلى داره .

باع الحطّاب البقية الباقية من الكنز بشيء من الحذر واشترى بها متجراً صغيراً في أحد الأحياء الراقية في المدينة .. وأخذ يعمل بجد وهمة ونشاط .. وبكل أمانة وإخلاص .. ولم تمضي سنوات قليلة على عمله في التجارة حتى أخذ يكبر ويتوسع وأخذ اسمه ينتشر بين الناس .. واستطاع بعمله وجهده ونشاطه أن يصبح خلال فترة قياسية من أكبر تجار المدينة بفضل الجد والعمل المتواصل والصدق والأمانة والإخلاص .. واستطاع الحطّاب الطيب بعد ذلك أن يحقق أحلامه السابقة ، فاشترى بيتاً وتزوج امرأة طيبة ، أنجبت له الأولاد الذين ملأوا عليه حياته بشراً وسعادةً وهناءً ..

وسوم: العدد 801