جميلة…
ثلاث دجاجات ومزرعة لا تحتوي إلا على كوخ متعفن هذه حصتك من
الممتلكات .. تركها ضاحكا ساخرا وقاد سيارته الفارهة إلى غير رجعة ... تعلق بها الجار سامح وابنته ياسمين ابنة الثماني سنوات الفاقدة لوالدتها... لم تكن تعلم أنها حامل ... بدأت ولادتها الجديدة للحياة ببيع البيض في القرى المجاورة، وبدأ مشروعها يكبر وحبها لسامح وابنته ياسمين وكذلك لأجنتها الثلاث . وأمام هذا الحب الكبير كان الألم المستمر، الذي سببه زوجها السابق يصغر رويدا رويدا ... بدأت ترمم مزرعتها وكوخها وقلبها المكسور ... وتستقبل نساء يعملن معها في زراعة المزرعة ... بعد شهور من هذه الولادة الجديدة سمعت صوت سيارة تتوقف أمام المزرعة … يا إلهي! إنه كريم، كان منهك القوى ... ثيابه رثة ... ماذا تريد؟ هل أنت حامل؟ لا يهمك ! لماذا عدت؟ تركتك مع ثلاث دجاجات و مزرعة لا تصلح للزراعة و كوخ متعفن ... عدت اليوم مفلسا، وأنت تمتلكين مشاريع لا مشروع واحد على مستوى القرى في هذه المنطقة ... عاد سامح، وأومأ لها هل كل شئ على ما يرام؟ وضع يده على كتفها . نعم لا تخف كل شئ على ما يرام ! كريم: من هذا ؟ لا يهمك! ثم خرج مسرعا ... كان الألم يعتصر قلبها .. لقد مر شريط حياتها المؤلم بذكرياته خلال هذه اللحظات الفارقة.... و بدأت دموعها تنهمل بشدة على وجهها الناعم ... مسح سامح دموعها، وقال بصوت منخفض لا تخافي إنني هنا من أجلك ... أنا وياسمين والنساء من حولك، اللواتي يعملن معك، وكذلك الأجنة الثلاث أصبحن على وشك الولادة .... ليملأن حياتك جمالا وبهاءا... لم أر في حياتي إنسانة قوية و طموحة و صاحبة إرادة مثلك ... صاحت ياسمين ولأول مرة ماما نحن هنا من أجلك، لقد أحضرت لك الورود الجميلة من المزرعة ... بدأت تتألم و تشعر بمخاض الولادة و بدأن النسوة يعملن من حولها كخلية نحل ... عادت من المشفى، ومعها ثلاث قمرات كانت ياسمين قد اختارت لهن ثلاث أسماء، نور وأمل وسما ... سما لأنهن ولدن في يوم ذو سماء صافية وأمل لأنهن يبعثن الأمل على متابعة الحياة رغم صعوبتها .... ونور لأنهن أنرن حياة أمهن؛ وحياة سامح وياسمين وكل النساء اللواتي يعملن في المزرعة ... صار اسم أمهن أشبه بنار على علم في تلك القرية النائية، وكذلك القرى المجاورة ... كانت ياسمين تعتني بهن كأنهن أخواتها تماما، و كان سامح يعاملهن تماما كما يعامل ابنته ياسمين ... لقد ملكت جميلة أمهن قلبه ... و بعد أن استراحت من هموم الحياة، وأحييت قلبها المنكسر جلست على كرسيها الهزاز الذي صنعه سامح من أجلها، وقالت بالحب تحيا الحياة ... و بالنهوض تستمر ...فلا المال يجلب السعادة والفرح ولا يجعلنا نحيا ... لكنه الحب مفتاح السعادة والنهوض، سر الحياة والنجاح ... ثم همست في سرها شكرا لكريم الذي علمني كيف أصبح إمرأة حقيقية وقوية تستطيع التغلب على هذا الألم الذي تركه خلفه ... أمسكت يد سامح و قالت له شكرا لأنك هنا و ضمت بناتها و ياسمين بحب كبير أنتم ظلي و أماني وأمني وأملي. لقد صدقت حلمي، الذي لم يخونني ولم يضحك علي ... كان حلما رائعا ... صعب المنال ... لكنه كان يعلمني كيف أتفوق على الهزيمة و يهمس لي كل يوم سأنجو من كذبة اسمها الحياة ... التي لا نفهمها ولا نصدقها... لكن علينا أن نتعلم كيف ننجو منها بأعجوبة، كأننا لم نكن يوما نحياها بل نعيشها لأنها واقعا مفروضا علينا … إنها جميلة، إمرأة عصية على كل شئ إلا الحلم، ولدت من رحم المعاناة، وصنعت لنفسها حياة بحنكتها و صبرها و أملها، عندما احتالت على الحياة لتنجو من الموت بأعجوبة في مزرعة مهجورة بصحبة ثلاث دجاجات وكوخ متعفن ومزرعة لا تصلح للزراعة وأجنتها الثلاث!
شكرا لله حمدا وامتنانا.
وسوم: العدد 1126