القطار الذي قد يصل
في قلب ارض منسية , تمتد بلدة صغيرة , ملتفة حول محطة قطا عظيمة مشيدة من الحجارة و صمت عتيق . منذ أجيال و الناس في البلدة ينتظرون القطار . لا احد رآه , و لا احد سمع هديره , و مع ذلك , لم يفقدوا الأيمان بأنه سيأتي ذات صباح , أو ربما ذات مساء , ليأخذهم الى حيث الحياة كما يجب أن تكون , لا كما أجبروا على عيشها .كل شيء في البلدة يدور حول هذه الفكرة :
ألحلاق يسأل زبائنه متى تظنون انَ القطار سيصل ؟
المدرسون يعلمون الاطفال كيف يحزمون حقائبهم استعدادا للرحيل .
و الشيوخ يتحدثون عنه كما يتحدث المتدينون عن يوم الخلاص .
و في كل فجر يعلو صوت العم احمد , مدير المحطة , عبر مكبر الصوت المهتريء :
" السادة المسافرين .. القطار القادم الى بلدتنا سيصل في اي لحظة , الرجاء الوقوف خلف الخط الأصفر "
فيبتسم الناس , و يقفون للحظات , ثم يعودون الى حياتهم مثلما ييئس المرء من أمنية لم تتحقق لها .
لكن ذات يوم جاء شاب غريب الى البلدة , كان اسمه رشيد , بعينين مليئتين بالشك و خطى لا تعرف الرهبة , سأل رجلاَ مسناَ عند المحطة :
- " منذ متى تنتظرون القطار ؟"
أجابه العجوز , و هوينظر نحو الأفق :
- منذ ولادة الصمت , و منذ ان وعدونا أن ننقل .
قال رشيد بحدة :
- " و هل جاء ؟"
اجابه العجوز بأبتسامة راضية :
- " ليس بعد , لكنه سيأتي . الأمر مسألة وقت ."
لكن الوقت في البلدة لم يكن يقاس بالساعات , بل بالأمل .
لم يكن رشيد مؤمنا بالموضوع , راح ينبش في السجلات القديمة , يتقضى الأحاديث النفسية , يحلل الخرائط و الاصوات و الأوهام . فلم يجد أثرا لحركة القطار . فصرخ في الساحة الرئيسية :
-" ايها الناس ! انتم لا تنتظرون قطارا , بل تهربون من مواجهة وجودكم هنا , بلا جهة , بلا نهاية , بلا بداية . القطار لن يجيء . لكن لم يرد عليه احد. لم يكن في أعينهم غضب , بل شفقة .
في اليوم التالي , وجد نفسه وحيدا في المحطة . لا مارة , لا الاطفال . فحمل حقيبته و مشى . سار على القضبان الصامتة , قضبان لا تفضي الى شيء سوى البعيد . السماء فوقه كانت بلا لون , و الريح لا تحمل سوى صدى قديم . لكن ظل يسير . و في ليلة لا قمر فيها , بينما هو في منتصف صحراء الزمن , سمع شيئا .
صفارة بعيدة و ضعيفة , غائمة كالحلم , لكنها كانت هناك .
توقف . هل هذا هو القطار ؟! أم انَ قلبه بعد طول انكار , بدأ يشتاق للأيمان بشيء . بأي شيء ؟ لم يعرف , لكنه ابتسم , و واصل السير نحو الصوت .
وسوم: العدد 1128